المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تقدّم بينيت على نتنياهو: "ظاهرة استطلاعية" أم مؤشر جدّي؟
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 80
  • برهوم جرايسي

تواصل استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي عرض نتائج مرحلية، تشير بشبه اجماع، إلى أن حزبا قد يقيمه رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، سيحتل صدارة نتائج الانتخابات البرلمانية، فيما لو جرت في هذه الأيام، إلا أن نجم اليمين الاستيطاني، بينيت، لم يصدر عنه أي تصريح واضح، أو أنباء تدل على وجهته في تشكيل حزب جديد، أو تحالف قد يبادر له، يكون هو في مقدمته؛ وإن دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على عدم رضا المستطلعين عن الوضع القائم، خاصة في المعارضة الصهيونية، وحتى في الفريق الحاكم، لذا هذا يجعلنا نستنتج بأننا سنكون أمام سيناريو متكرر في كل انتخابات برلمانية إسرائيلية، تحصل فيه قائمة جديدة على قوة زائدة في أولى الاستطلاعات، لكن قد تكون بعيدة عن النتائج الفعلية في يوم الانتخابات. في المقابل، فإن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودعوته لتهجير أهالي قطاع غزة، قد يساهمان في رأب الصدع في حكومة بنيامين نتنياهو.

فقد ظهر نفتالي بينيت على الساحة البرلمانية، لأول مرّة، في انتخابات مطلع العام 2013، على رأس قائمة تضم غالبية أحزاب اليمين الاستيطاني الديني، وكان ركيزته في ذلك الحين حزب المفدال التاريخي، بتسميته الأخيرة: "البيت اليهودي"، لكن هذا الحزب تقريبا اضمحل، ومنذ العام 2013 وحتى انتخابات العام 2021، خاض بينيت الانتخابات بتشكيلات انتخابية متعددة، منها واحدة كانت مغامرة، في أول انتخابات في العام 2019، أبعدته عن التمثيل البرلماني ببضع مئات من الأصوات، لكنه عاد إلى التمثيل البرلماني في الانتخابات التالية، التي جرت بعد 6 أشهر، في العام نفسه.

وفي انتخابات العام 2021، قاد قائمة انتخابية حصلت بداية على 7 مقاعد، وشكل حكومة استبعدت الليكود وبنيامين نتنياهو عن الحكم، وكانت هذه المرّة الأولى في تاريخ السياسة الإسرائيلية، التي يتولى فيها رئيس كتلة صغيرة نسبيا رئاسة الحكومة، وكانت برئاسة تناوبية مع يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، لكن تلك الحكومة ارتكزت لأول مرّة على مشاركة فعلية من قائمة عربية (وليست داعمة من الخارج)، وهي الذراع البرلماني للحركة الإسلامية الجنوبية، بزعامة النائب منصور عباس.

وولدت تلك الحكومة بتخبطات وقلاقل منذ لحظتها الأولى، وانهارت كليا بعد عام بالضبط، بفعل تشققات في كتلة بينيت نفسه، الذي قرر يومها الخروج من السياسة، ولم يخض انتخابات العام 2022.

خلال توليه رئاسة الحكومة، لم ينفك بينيت مع شركائه الأساسيين عن جوهر سياسة اليمين الاستيطاني، بضمن ذلك توسيع الاستيطان وتثبيت بؤر استيطانية؛ وزيادة على ذلك، خلال تلك الولاية القصيرة، تصاعد العدوان على الضفة الغربية المحتلة، بمستوى لم تعرفه منذ الانتفاضة الثانية، وجاءت الحكومة الحالية لتواصل ذلك، قبل شن الحرب على قطاع غزة.

منذ الأيام الأولى للحرب الحالية على قطاع غزة، اصطف بينيت إلى جانب الداعين للضرب بقوة، وكان يشرح الموقف الإسرائيلي في وسائل إعلام عالمية، لكن لاحقا صدرت عنه انتقادات بشأن طول فترة الحرب، وكان يقول إن الضربات كان يجب أن تكون منذ البداية بشكل أشد، لجعل الحرب في فترة زمنية أقصر.

ما يعني أنه حينما يسمع الشخص المستطلع من معاهد الاستطلاعات، عن احتمال دعمه لحزب يقوده نفتالي بينيت، فإنه قطعا لم يكن يسمع عن بديل سياسي في أي اتجاه، لذا فإن إجابة من يؤيدون حاليا قائمة انتخابية كهذه، تعبّر عن عدم الرضا من الوضع القائم في الحلبة البرلمانية، وخاصة أحزاب المعارضة البرلمانية.

وهذا يظهر في نتائج استطلاعات الرأي، خاصة في الاستطلاع الأسبوعي دون انقطاع، في صحيفة "معاريف"، الذي يُظهر أنه حينما يحصل بينيت على ما بين 26 مقعدا إلى 28 مقعدا، نرى دائما أن القسم الأكبر من هذه المقاعد يحصل عليها من أحزاب المعارضة الصهيونية، وأكثر حزب هو "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، الذي يخسر 8 مقاعد، وأيضا حزبا "يوجد مستقبل"، وإسرائيل بيتنا"، وكل حزب منهما يخسر ما بين 5 إلى 6 مقاعد، وحتى الحزب الجديد، المتشكل من حزبي العمل وميرتس، بتسمية "الديمقراطيون"، يخسر تقريبا 3 مقاعد، ويخسر الليكود حوالي 4 مقاعد، والباقي من شركائه الآخرين.

وفي الأسبوع الماضي، ظهر استطلاع متطرف في نتائجه، نشرته القناة 13 التلفزيونية، في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوته لتهجير أهالي قطاع غزة، إذ أظهر الاستطلاع تعزز مجموع مقاعد الفريق الحاكم حاليا إلى 56 مقعدا، إلا أنه يبقى فاقدا للأغلبية؛ لكن التطرف في الاستطلاع ظهر في سيناريو خوض بينيت الانتخابات على رأس قائمة، إذ ظهر بالنتيجة نفسها الواردة في غالب الاستطلاعات، لكن حزب "يوجد مستقبل" ينهار إلى حضيض غير مسبوق منذ ظهوره لأول مرة في العام 2013، بحصوله على 5 مقاعد، مقابل 24 مقعدا اليوم.

والتطرف الآخر في هذا الاستطلاع، كان بتأييد 72% ممن شملهم الاستطلاع لمخطط ترامب، وهذا يعني تأييد 86% من اليهود للمخطط، واللافت أن نسب التأييد الكبيرة نسبيا كانت أيضا من مؤيدي حزب "الديمقراطيون" (تحالف حزبي العمل وميرتس) إذ أعلن نحو 37% تأييدهم للمخطط.

لكن بعد يومين، يوم الجمعة الماضي، صدر استطلاع صحيفة "معاريف" الأسبوعي، فأظهر مشهدا أكثر لجما، إذ تعزز فريق الائتلاف الحاكم، لكن مجموعه بقي عند 53 مقعدا، وفي حالة خوض بينيت وحزبه الافتراضي، يهبط إلى 47 مقعدا، لكن في هذا الاستطلاع بدت نتيجة "يوجد مستقبل" أقل ضررا له من القناة 13، بحصوله على 10 مقاعد، وهي نتيجة تكررت في الأسابيع الأخيرة.

ونشير هنا إلى ما كنا قد أشرنا له في الأسابيع الأخيرة، وهو أن "يوجد مستقبل" هو المتضرر الأول من تحالف العمل وميرتس، إذ أصلا "يوجد مستقبل" كان المستفيد من انهيار هذين الحزبين في السنوات الأخيرة.

وهذا يطرح سؤال مدى المنطقية في النتائج الأخيرة، بمعنى كيف يمكن لمن اختار بداية حزب "الديمقراطيون"، أن يقرر الانتقال لحزب بينيت الافتراضي، وهذا أيضا يسري على قطاع واسع من المستطلعين الذين يخسرهم حزب "يوجد مستقبل".

وهذه اللا منطقية في تنقّل المستطلعين من قائمة لأخرى، رغم التباعد السياسي بينهما، يعزز الاستنتاج بأن ظاهرة قائمة بينيت لن تكون مختلفة عن تجارب سابقة، على مر السنين، بمعنى أن الاستطلاعات تمنح حزبا سياسيا جديدا قوة زائدة، لكن كلما اقتربت الانتخابات وظهر هذا الحزب بوضوح أكبر، فإنه يبدأ بخسارة قوته الاستطلاعية، لتكون نتيجته النهائية أبعد مما ظهر بداية.

وكما ذكر هنا سابقا، فإن هذا المشهد يؤكد على حالة التشتت السياسي لدى الجمهور الإسرائيلي، وهو لا يرى بديلا سياسيا متكاملا لما هو موجود، وما زال التيار اليميني الاستيطاني هو المهيمن على الساحة الإسرائيلية وغالبية أحزابها، بينما الأحزاب الأخرى، التي تدعي البديل، صوتها خافت، ولا يدل على جديتها.

 

هل يعيد ترامب تراص حكومة نتنياهو؟

تضاهي حالة الهرج السياسي التي أعقبت تصريح ترامب، في الحلبة السياسية، هرجا يعقب عادة الفوز بانتخابات برلمانية، بالذات من أحزاب التيار اليميني الاستيطاني الأشد تطرفا، وخاصة من حزبي "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، الذي هو خارج الائتلاف حاليا، و"الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش.

فقد أعلن بن غفير في اليوم التالي لتصريح ترامب، أنه إذا باشرت الحكومة بإجراءات وتحركات لما أسماه بـ "تشجيع المغادرة الطوعية"، فإنه سيعود إلى الائتلاف الحاكم. وكان بن غفير قد طرح على جدول أعمال الكنيست في مطلع الأسبوع الماضي، مشروع قانون يقضي بأن تطرح الحكومة ما أسماها "سلة تشجيع على الهجرة"، تقدم لكل فلسطيني راغب، ميزانية ما، ويكون عليه التوقيع على وثيقة مغادرة بدون عودة حتى عن أبنائه القاصرين، وإذا لاحقا قرر العودة، هو أو ابنه القاصر حينما يكبر، فسيكون عليه إعادة المال مضاعفا، ومع احتساب فوائد بنكية، والتضخم المالي.

واضح أن مشروع القانون هو تصريح سياسي أكثر من أن يكون واقعيا، لأنه علينا أن نربط الدعوة "للهجرة الطوعية" الصادرة عن بن غفير وأيضا سموتريتش، برفضهما طيلة أشهر الحرب، وأيضا خلال وقف إطلاق النار الساري حاليا، لإمداد قطاع غزة بالإغاثة الإنسانية، ويتعاظم الرفض لإدخال مواد لإعادة البناء.

ما يعني أن كلا الاثنين بما يمثلانه من تيار سياسي قائم بقوة كبيرة جدا في حزب الليكود أيضا، يطلبان إبقاء قطاع غزة على حاله، مع التشديد أكثر على منع الإغاثة، وباعتقادهما أن هذا سيضطر أهالي القطاع إلى المغادرة "طوعا".

على أي حال، فإنه حتى الآن لا أحد تعامل مع خروج بن غفير من الحكومة على أنه سيقود إلى حلها نهائيا، ومن الصعب التقدير بموعد عودته إلى الائتلاف الحاكم، أو ما إذا كان سيتم لاحقا.

في المقابل، فقد جدد وزير المالية سموتريتش، الأسبوع الماضي، تهديده بالانسحاب من الحكومة، إذا وافقت على المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، إذ أن المرحلة الأولى تنتهي في مطلع آذار المقبل، ويطالب باستئناف الحرب فور انتهاء المرحلة الأولى، وأيضا هنا ليس واضحا إلى أي مدى هذا التهديد سيتم تطبيقه، خاصة أن سموتريتش يصارع نسبة الحسم، في كافة استطلاعات الرأي العام، إذ أنه في أكثر حالاته يحصل على تمثيل الحد الأدنى 4 مقاعد، لكن في غالب الاستطلاعات فإنه لا يعبر نسبة الحسم.

وخروج سموتريتش من الحكومة سيفقدها الأغلبية الائتلافية، وعمليا سيؤدي إلى حل الكنيست.

وأمام كل هذا، بالإمكان التقدير بأن اليمين الاستيطاني الحاكم لن يغامر في حلّ حكومته، ذات الأغلبية الثابتة، ويتجه إلى انتخابات جديدة من شأنها أن تفقده هذه الأغلبية، وخاصة في ظل إدارة أميركية يظهر رئيسها لا أقل تطرفًا من شركاء الحكومة الإسرائيلية، في كل ما يخص الشأن الفلسطيني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات