المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
لقاء يجمع الرئيس الصيني شي جين بينغ ونتنياهو. (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 64
  • عبد القادر بدوي

تُعَدّ العلاقات الصينية- الإسرائيلية من بين العلاقات الدولية التي شهدت تحوّلات ديناميكية خلال العقود الثلاثة الماضية، متأثرة بالتطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والتنافس بين القوى العظمى. فعلى الرغم من حرص الصين على توطيد علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية مع إسرائيل، فإنها لا تزال تتبنّى نهجاً دبلوماسياً متوازناً، ما بين التمسك بموقفها كـ "صديقة للجميع" وبين التفاعل الحذر مع النزاعات وخاصة الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين.

وتناولت العديد من التقارير الإسرائيلية العلاقات بين الصين وإسرائيل في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والموقف من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقد استعرضنا في مساهمة سابقة هذا الموقف بالشرح والتحليل. بعد تعيين السفير الصيني الجديد، شياو جون تشنغ، في إسرائيل، نشر معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب تقريراً مفصّلاً يتناول فرص تعزيز العلاقات بين بكين وتل أبيب بعنوان: "السفير الصيني الجديد في إسرائيل... فرصة لإعادة العلاقات بين البلدين" أعدّه كل من توفيا جراينغ وأوفير ديان. هذه المساهمة تستعرض أبرز ما تضمنّه التقرير، علماً أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه مصدرها التقرير نفسه ولا تُعبّر عن توجهات المركز أو كاتب هذه المساهمة.

يؤكّد التقرير في البداية أن الصين ما تزال حريصة على الوصول إلى التكنولوجيا والأسواق الإسرائيلية بعد مرور ثلاثة عقود من العلاقات مع إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لا تزال تمتنع عن اتخاذ مواقف حاسمة وتقدّم نفسها على أنها "صديقة للجميع" و "قوة عظمى مسؤولة".

يُشير التقرير إلى أن بكين قامت في 29 تشرين الثاني من العام الماضي (2024) بتعيين شياو جون تشنغ سفيراً جديداً لها في إسرائيل، الأمر الذي يُنظر إليه في إسرائيل على أنه محاولة صينية لإصلاح العلاقات المتوترة مع إسرائيل بعد ردّ الصين "المثير للجدل" من وجهة نظر إسرائيل على الحرب على غزة وهجوم حماس في 7 أكتوبر. إذ يواجه السفير الصيني الجديد تحديا صعبا يتمثّل في استعادة الثقة بين بلده وبين إسرائيل بعد أن أصرّت بكين على الاستمرار في الالتزام المعلن بالحياد والدبلوماسية.

يأتي هذا التعيين بحسب التقرير بعد فترة تخلّلتها أحداث مهمة في عهد السفير المنتهية ولايته تساي رون. حيث كان عليه التعامل مع مواجهتين عسكريتين لإسرائيل مع قطاع غزة (2021، 2023) بالإضافة إلى جائحة كورونا والضغوط المتعلّقة بالتنافس بين القوى العظمى. في ضوء ذلك، أظهر تساي كفاءة كبيرة في المجال الاقتصادي، حيث وصلت في عهد التجارة الثنائية بين الصين وإسرائيل إلى مستوى قياسي بلغ 21 مليار دولار في العام 2022، كما وصلت المركبات الكهربائية الصينية (EVs) إلى الهيمنة في السوق الإسرائيلية (71% من السيارات الكهربائية المباعة في إسرائيل في العام 2024 كانت من العلامات التجارية الصينية)، من ناحية أخرى، ضمن تساي استمرار الرحلات الجوية المباشرة على الطريق الصيني الإسرائيلي ووجود 20,000 عامل صيني في إسرائيل خلال جائحة كورونا، وكذلك بعد هجوم 7 أكتوبر.

إن الإنجازات التي يُشير إليها التقرير للسفير السابق في تثبيت العلاقات الصينية- الإسرائيلية كانت محفوفة بالعديد من المحطات الوعرة، إذ أن تساي، بحسب التقرير، هو أولاً وقبل كل شيء عضو في الحزب الشيوعي الصيني، وحرص بذلك على التمسّك بالموقف الحزبي عندما شقّ طريقه عبر تعقيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد تجلّى ذلك بوضوح في صمته خلال العملية الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة العام 2021، وفي مناشدتين عاديتين للجمهور الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض الرأي الإيجابي للإسرائيليين حول الصين إلى أدنى مستوى له منذ عقد من الزمان حتى قبل اندلاع الحرب خلال فترة ولايته (أفاد 30% من الإسرائيليين أن لديهم وجهة نظر سلبية تجاه بكين، واعتبر أكثر من نصفهم أن الصين "غير صديقة" وحتى "معادية" لإسرائيل). وفي مقال له نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أكّد السفير السابق أن الاعتبارات الاستراتيجية المشتركة بين الصين وإسرائيل، والقائمة على التعاون الاقتصادي والابتكار رغم الاختلافات الثقافية والأيديولوجية يجب أن تبقى هي الأساس لتعزيز العلاقات بينهما. مُشيراً إلى أنه "طالما أن الصين وإسرائيل تعزّزان العلاقات الثنائية من منظور استراتيجي وطويل الأجل، فهناك مستقبل مشرق للعلاقات الصينية الإسرائيلية". إن هذا التوجّه بحسب التقرير كانت تقابله أيضاً توجهات براغماتية داخل الحكومة الإسرائيلية، فقد قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مدار العقد المنصرم ووزير الدفاع يسرائيل كاتس (الذي كان قد شغل في السابق منصب وزير النقل ووزير الخارجية) مشاريع بنية تحتية صينية كبيرة في إسرائيل، حدّ أن البعض قال إنه لولا الحرب الأخيرة لكان نتنياهو قد زار بكين في نهاية تشرين الأول 2023 للترويج لمشاريع كبيرة أخرى.

وعلى الرغم من البراغماتية والنوايا الحسنة، يؤكّد التقرير أن اعتبارات السياسة الواقعية التي تلتزم بها بالصين منذ بداية الحرب في غزة، وبروز الحكومة الصينية كمنتقد صريح لإسرائيل، وكحليف لألد أعدائها (إيران) ساهم في الإضرار بمكانة الصين في الشرق الأوسط، حيث امتنعت حتى الآن عن إدانة هجوم حماس في 7 أكتوبر رغم قيام العديد من الدول بذلك. في المقابل، قامت الصين بإدانة الهجمات الإسرائيلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأرسلت كذلك ممثلاً (في خطوة غير مسبوقة) إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لإضفاء الشرعية على "الإرهاب الفلسطيني" باعتباره "حقاً غير قابل للتصرف، وراسخاً في القانون الدولي"، في الوقت نفسه، لم تصدر الصين إدانات مماثلة عندما هاجمت حماس وحزب الله والحوثيون وإيران إسرائيل، وحافظت على علاقات دافئة مع إيران، الداعم الرئيس لحماس وحزب الله، وواصلت جهود الوساطة بين إيران والسعودية، التي كانت على وشك تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الحرب. علاوةً على ذلك، أضرّت الصين بإسرائيل بشكل استراتيجي من خلال العمل على تطبيع استمرار حكم حماس في قطاع غزة، وتبيّن هذا التوجّه من خلال رعايتها لـ "إعلان بكين" الصادر في تموز 2024، وهي الوثيقة التي لخصت قمة المصالحة بين أربعة عشر فصيلاً فلسطينيا، بما في ذلك حركة حماس.

يؤكّد التقرير أن جهود الوساطة التي تقوم بها الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية، وبين الفصائل الفلسطينية أيضاً، ليست سوى أمثلة على طموح الصين المتزايد للعب دور أكبر في المنطقة، حيث تستخدم نفوذها المتزايد لتقويض العلاقات الأميركية في المنطقة، ولأن إسرائيل حليف قوي للولايات المتحدة، قال محللون صينيون لمعدّي التقرير إن بكين ستواصل "استخدام إسرائيل كعصا لضرب الولايات المتحدة"، حيث استغلت الأسلحة الدعائية الصينية الحرب لإطلاق حملة تضليل ضد الولايات المتحدة والتي اتهمتها بـ "تأجيج النيران".

من ناحية أخرى، يُشير التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن السلوك الصيني يتناقض في كثير من الحالات مع "المصالح القومية لإسرائيل"، فإن الحفاظ على علاقات مستقرّة معها لا يزال في مصلحة إسرائيل، حيث أن الصين هي ثالث أكبر شريك تجاري لها، في المقابل، الصين مستفيدة من هذه العلاقات وتحديداً في مجال الحصول على التقنيات الإسرائيلية المتقدّمة في الوقت الذي تمنعه عنها الدول العربية. بالإضافة لذلك، تُعد السوق الإسرائيلية مكاناً مناسباً للعديد من الشركات الصينية قبيل الدخول إلى الأسواق الأوروبية نظراً للتشابه بينهما.

يؤكّد التقرير أن المهمّة الآن أمام إسرائيل في ظل تعيين سفير جديد يجب أن تنصّب في اتخاذ خطوات لإعادة "بناء الثقة" و"السعي لاستئناف العلاقات التجارية على جميع المستويات وفي أقرب وقت ممكن"، من الناحية المقابلة، يجب أن توضح إسرائيل للصين أن استمرارها في الوقوف ضد إسرائيل على الساحة الدولية، أو تقديم الدعم الدبلوماسي والخطابي لـ "أعدائها"، أو استغلال العلاقات للتنافس مع واشنطن، سيكون من شأنه الإضرار بشكلٍ كبير بإمكانية تعزيز المصالح الاقتصادية والإقليمية المشتركة. على أية حال، يخلص التقرير إلى أن سياسة الصين في الشرق الأوسط، وعلاقاتها مع إسرائيل، ستتشكّل وفقاً للكيفية التي ستنتهي فيها الحرب في المنطقة، كما من المتوقع أن تصعّب ولاية دونالد ترامب الثانية، وكذلك النهج الذي تبنته الولايات المتحدة تجاه إيران، وتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، المهمّة أمام هذه الأخيرة. وإن إسرائيل، بحسب التقرير، يجب أن تُدرك أنه في الوقت الذي تحرز الصين فيه تقدماً كبيراً في التحديث التكنولوجي، فإن وضع إسرائيل العالمي وبيئتها الأمنية، فضلاً عن سمعتها كـ "دولة ناشئة"، يتم تقويضها باستمرار بسبب رحيل بعض الشركات، وهذه البيئة المتقلّبة وغير المستقرّة، يمكن أن تدفع الصين إلى أن تقلّل من حوافزها لإيلاء أهمية لعلاقاتها مع إسرائيل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات