"إجراءات وتعليمات قديمة، عدد قليل من أطباء الأعصاب، وصول المريض متأخرا لإجراء علمية القسطرة، هي فقط جزء من المعطيات التي ذكرت حول الوضع القائم في البلاد بموضوع علاج السكتات الدماغية"، هذا ما ورد خلال جلسة للجنة الصحة في الكنيست التي تناولت الموضوع أخيراً.
فقد كشف تقرير حديث عن معطيات وُصفت بالمقلقة حول التعامل مع مرضى السكتة الدماغية، وعن فجوات صعبة في ما يتعلق بالعلاج المتوفر، ما بين الأطراف والمركز. وهناك نقص في المعطيات المحدّثة أيضاً: في العام 2022 تعرض 16349 شخصاً لسكتات دماغية، ولكن التقديرات تشكّك في تلك الأرقام، بل تشير إلى وجود 2700 حالة أخرى لمصابين ومصابات لم تشملها التقارير. كذلك، ففي مناطق الأطراف لا يحظى المصابون باستجابة سريعة، وهذا نابع من غياب البنى التحتية المطلوبة، إمكانيات متدنية للوصول لعلاجات تقوم بها طواقم مدربة ومختصة، وصعوبات تخص إمكانية وصول المستشفيات في وقت معقول.
وفقاً لتقرير أصدره مراقب الدولة الصيف الماضي، فإنه تم الإبلاغ عن 3000 حالة سكتة دماغية في إسرائيل العام 2020. من المتوقع أن يكون في العام 2030 نحو 100,000 حالة سكتة دماغية سنوياً في إسرائيل، أي أكثر بخمس مرات ونصف المرة من الحالات المبلّغ عنها.
وقت الوصول للمستشفيات في الأطراف أطول قياساً بالمركز
ينوّه التقرير إلى أن السكتات الدماغية تكلف الدولة أثمانا اقتصادية ثقيلة، وبالتالي "يجب العمل بشكل طارئ على رفع مستوى الوعي للسكتات الدماغية، وخاصة بين أبناء الشرائح السكانية التي تقع ضمن دائرة الخطر وفي مناطق الأطراف". ويظهر من التقرير أيضا أن 11.2% فقط من المرضى حصلوا على علاج بمنشط البلازمينوجين الوريدي (TPA) لمنع جلطات الدم، وذلك بنسبة أقل بكثير من المعايير الدولية المعتمدة، ومن معايير حددتها توصيات "الجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية".
تبرز الفجوة بشكل كبير في الأطراف، حيث أن الوقت المتاح لغرض وصول المرضى إلى المستشفيات أطول قياساً بمناطق في مركز البلاد، ومراكز السكتة الدماغية المتطورة المتاحة للسكان في المناطق الطرفية هي مراكز محدودة. وفي حين أن المواطنين في مركز البلاد يتمتعون بإمكانيات وصول عالية أكثر لخدمات الأقسام المخصصة للسكتة الدماغية، ففي الضواحي يضطر الكثير من المرضى إلى تلقي العلاج في الأقسام الداخلية التي لا تلائم مرضى وعلاج السكتة الدماغية، الأمر الذي يزيد من التخوف من الإصابة بحالات تلوث وبالتالي موت ناجم عن المضاعفات.
وفقاً للجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية فإن الهدف الذي حددته منظمة علاج السكتة الدماغية الأوروبية هو علاج 90% من الحالات في أقسام خاصة بالسكتة الدماغية، ولكن في إسرائيل لا تصل النسبة إلا إلى أقل من 50%، وفي الأطراف النسبة حتى أقل من ذلك.
"نخاف من اليوم الذي ستخبرنا المستشفيات فيه بوقف علاج المرضى"
يقول رئيس الجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية، البروفسور رونين لاكر: "إن 15% من المصابين بالسكتة الدماغية هم ممن في وضع يتطلب إجراء عملية قسطرة، وتم داخل 11 قسما للقسطرة في إسرائيل في العام 2022 إجراء 1352 عملية قسطرة دماغية. أما المشكلة فهي أن عملية نقل المرضى بين المستشفيات تجري بصورة سيئة". ويشرح أنه على الرغم من وجود اتصالات جيدة اليوم بين المراكز الطبية، فإنه "يتم إضاعة الكثير من الوقت الثمين، حتى يتم إيجاد مستشفى ملائم ومجهّز لنقل المريض إليه لإجراء العملية، وخلال ذلك يضيع المزيد من الوقت، إلى أن تصل سيارة الإسعاف. قمنا بإجراء استفتاء خلال الأيام الأخيرة بين مديري وحدات السكتة الدماغية في البلاد، ووجدنا أن حل مركز الرد الهاتفي العلاجي الطارئ التابع لوزارة الصحة لا يمكنه أن يساعد بمثل هذه الحالات". ودعا لاكر وزارة الصحة إلى النهوض بخطة عمل لتأهيل أطباء القسطرة. علماً بأنه يتم تأهيل أطباء القسطرة خارج البلاد، وتستمر مدة التأهيل 3 سنوات، والوزارة تقوم بتخصيص مبلغ 200 ألف شيكل لكل طبيب فقط. وهو ما لا يستوفي الحاجات المطلوبة.
بالنسبة لـ 85% من المرضى الذين يصابون بالسكتة الدماغية، كما يقول رئيس الجمعية الإسرائيلية، فإن على وزارة الصحة أن تلغي السياسة المتبعة والتي بحسبها بعد 4.5 ساعات فقط، يتم إيقاف الدعم المخصص للمستشفيات في مقابل منح العلاج بمنشط البلازمينوجين الوريدي لمنع جلطات الدم في المخ. أما قرار تخصيص الدعم للمستشفيات، فقد بدأ العمل بحسبه في بداية سنوات الألفين، ولكن منذ ذلك الوقت طرأت الكثير من التطورات. ويضيف أن نقابات علاج السكتة الدماغية في العالم كله (بينها الأوروبية، الأميركية، الأسترالية وأيضا الإسرائيلية) "تدرك أنه يمكن منح علاج منشط البلازمينوجين الوريدي لمنع جلطات الدم خلال 24 ساعة متواصلة من السكتة، إلا أن الوزارة حتى اليوم لم تغير قرارها السابق. ومن شأن هذا الأمر أن يخلق تشويها غير منطقي. نحن نخاف من أن نصل إلى اليوم الذي ستقول لنا فيه المستشفيات بأن نتوقف عن علاج المرضى، حيث لا تحصل المستشفيات على أموال لمثل هذه العلاجات. وعمليا فإننا نمنح اليوم منشط البلازمينوجين الوريدي لمنع جلطات الدم أكثر من 4.5 ساعات ولكن المستشفيات لا تحصل على مقابل لذلك. وحتى لو أن المريض يخضع للعلاج في قسم العظام وأصيب بسكتة دماغية خلال علاجه، فلا يتم منح المستشفيات أي مبالغ في مقابل ذلك. نحن في مفاوضات منذ مدة زمنية طويلة مع وزارة الصحة إلا أن أمرا لم يتغير حتى الآن"، كما يشدّد.
"نعاني من أكبر ضائقة للقوى البشرية الطبية في أوروبا"
مدير شعبة منع السكتة الدماغية في مستشفى بيلينسون، د. راني برنياع، والذي يشغل أيضاً وظيفة سكرتير الجمعية الإسرائيلية لطب الأعصاب وعضو إدارة الجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية، قال في جلسة لجنة الصحة: "قبل أسبوع كنت في اجتماع بصوفيا في بلغاريا مع أكثر من 500 مختص في مجال السكتة الدماغية. وقد اتضح هناك أن إسرائيل تقع في المكان الأول في أوروبا من ناحية نسبة المرضى الذي يمرون بعمليات قسطرة دماغية سنويا مقارنة بعدد السكان. ولكن المشكلة الأكبر هي أولئك الذين لا يخضعون لعمليات قسطرة دماغية، حيث يتبين أن حوالي 1000 حالة أخرى في إسرائيل يمكن أن تخضع لعملية قسطرة، لكنها تبقى بدون هذا العلاج".
ويربط برنياع بين القدرات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية وما يتم تخصيصه من مال واهتمام لمواجهة مخاطر السكتة الدماغية، فيقول: "المشكلة هي أن الدولة غير قادرة على نقل المرضى من مستشفى إلى آخر، ولكن ليس من المعقول أن دولة تستطيع أن تفجر أجهزة البيجر في لبنان، هي ذاتها تفشل في نقل مسنة تبلغ من العمر 90 عاما مع سكتة دماغية من مستشفى في أسدود إلى مستشفى آخر. يجب إقامة غرفة طوارئ علاجية. بالإضافة إلى ذلك لا يمكن علاج السكتات الدماغية بدون أطباء أعصاب، وفي البلاد يوجد فقط 350 طبيب أعصاب، ثلثهم فوق جيل التقاعد. نحن نعاني من أكبر ضائقة للقوى البشرية الطبية في أوروبا".
الرجال يعانون أكثر من النساء والحالات عند العرب أكثر
وفقاً للمركز الوطني لرقابة الأمراض، فإن العمر المتوسط عند حدوث سكتة دماغية هو 71.9 عام. في حين أن 18% من المرضى هم تحت جيل 60 عاما، وأن 30% منهم هم أبناء جيل 80 وما فوق. أما الأمراض المنتشرة في أوساط الأشخاص الذين مروا بسكتة دماغية حادة فهم مرضى ضغط الدم (56.6%)، مرض الدهون في الدم (43.8%)، مرضى السكري (34.3%) ومرضى القلب (18.7%)، بالإضافة إلى ذلك فإن (25.3%) من بين أبناء جيل 80 وما فوق ممن يعانون من الرجفان الأذيني للقلب قد أصيبوا بسكتة دماغية.
وكان تقرير رسمي قد أشار قبل 4 أعوام إلى أن خُمس حالات السكتة الدماغية تحدث مع الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما، ويعاني الرجال من السكتة الدماغية أكثر من النساء (حوالي 55%)، والحالات عند العرب أكثر مقارنة باليهود. تحدث نحو 19 ألف حالة سكتة دماغية حادة في السنة، والتي تمثل حوالي 50 حالة دماغية يوميا، وفقا للمركز الوطني لبيانات السكتة الدماغية في وزارة الصحة لمكافحة الأمراض للعام 2018 والبيانات المؤقتة للنصف الأول من العام 2019. ويكشف التقرير الصحي أن حوالي خُمس الحالات تحدث مع أولئك الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما، مقارنة بنحو 31% من أولئك الذين بلغوا 80 عاما أو أكثر، وتحدث الحالات عند العرب أكثر مقارنة باليهود داخل إسرائيل.
مدير قسم الإجراءات في وزارة الصحة، د. ياكير كاوفمان، تطرق إلى الحملة الإعلانية الواسعة لتشجيع استدعاء سيارات الإسعاف عند الإصابة بسكتة دماغية، وادعى أن اتباع معايير جودة ومنافسة في تقديم العلاج قد دفع نحو ارتفاع وتحسن مثير لجميع المعايير، حيث أن إسرائيل تحتل مرتبة أفضل من الدول الإسكندنافية وبريطانيا. ووافق كاوفمان مع طلب إقامة طاقم مشترك بين الوزارة والجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية لفحص جميع المراكز واحتياجاتها ومدى التزامها بتحقيق أهدافها. واعترف بأن هناك حاجة لتحسين الأوضاع فيما يخص نقل المرضى بين المستشفيات، حيث تم خلال العام 2023 إجراء 452 عملية نقل بين المستشفيات-50% من بينها خلال 24 ساعة من تقديم الطلب.
اللجنة البرلمانية وجهت مطلباً لوزارة الصحة بتحديث الإجراءات وملاءمتها لما هو متبع حول العالم، وبالإضافة إلى تمرير تقرير للجنة حول عملية توزيع نقل المرضى حسب المستشفيات والمدة الزمنية التي تستغرق وصول المريض لإجراء عملية القسطرة، وأيضا معطيات حول عدد المرضى الذين لم يخضعوا إلى عمليات قسطرة بسبب عدم حضورهم إلى المستشفيات. وطالبت اللجنة وزارة الصحة بالدعوة لتنظيم التنسيق بين الجمعية الإسرائيلية للسكتة الدماغية ومديري وحدات السكتة الدماغية في المستشفيات، من أجل التعاون مع منظمات الإنقاذ في إسرائيل لخلق "آلية قابلة للتطبيق وناجعة لإدارة عملية نقل المرضى أو من يجب أن يخضعوا لعمليات قسطرة بين المستشفيات".
تجدر الإشارة إلى أن ما يشوب جهاز الصحة في إسرائيل من مكامن خلل وقصور وإخفاق كان موجوداً لكنه تفاقم مع اندلاع واستمرار الحرب منذ تشرين الأول 2023. فالحرب كبّدت شتى القطاعات خسائر كبرى. وبموجب الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، بلغت تكاليف الحرب في العام 2024 وحده نحو 100 مليار شيكل، ووصلت إلى 125 مليار شيكل منذ بدء الحرب. وبلغ عجز الميزانية العامة في إسرائيل 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023. وارتفع إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الـ12 المنتهية في أيلول 2024 قبل أن يتراجع في الربع الرابع. هذا بينما قالت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية، إن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل حتى نهاية العام الماضي 2024. ويشمل هذا المبلغ "التكاليف الأمنية المباشرة، والنفقات المدنية الكبيرة، والخسائر في الإيرادات، ولكن ليس كلّ شيء".