سجّل مستوى رضى الجمهور الإسرائيلي عن أداء حكومته في مجال العلاقات الخارجية في العام الأخير، 2024، انخفاضاً أوصله إلى حدّه الأدنى منذ العام 2013، أي قبل 11 سنة، بواقع (3,84 نقاط) يعكس هبوطاً حاداً جداً مقارنة بالمستوى الأدنى الذي سبقه، في العام 2023 ـ 4,82 نقطة. كما حصل تراجع حاد، أيضاً، في مستوى تقييم الجمهور الإسرائيلي لوضع دولة إسرائيل ومكانتها في العالم، من 5,03 نقطة في أواخر العام قبل الماضي (2023) إلى 4,31 نقطة في أواخر العام الماضي (2024)، وهو المستوى الثاني من حيث تدنّيه خلال العقد الماضي كلّه، إذ اعتبر أكثر من 70 بالمائة من هذا الجمهور أن الوصف الأنسب لوضع دولة إسرائيل الدولي اليوم هو "غير جيد" أو "غير جيد بتاتاً"، بينما تبدي أغلبية من هذا الجمهور (57 بالمائة) قلقاً عميقاً من تحوّل دولة إسرائيل إلى "دولة منبوذة" حيال استمرار الحرب في قطاع غزة وجرّاء السياسات الحكومية الرسمية، وذلك في مقابل 43 بالمائة فقط الذين يُبدون قلقاً ضئيلاً أو لا يشعرون بأي قلق، على الإطلاق.
هذه بعض أبرز النتائج المهمّة التي أظهرها استطلاع "مؤشر السياسة الخارجية" للعام 2024، الذي أجراه معهد "مِتفيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية" ونشر نتائجه مؤخراً. واستطلاع "مؤشر السياسة الخارجية" هذا هو استطلاع سنوي، وهذه هي السنة الثانية عشرة على التوالي التي يجريه فيها معهد "متفيم". وقد أجري استطلاع هذه السنة في الفترة ما بين 22 و25 آب الأخير بإشراف "معهد رافي سميث لاستطلاعات الرأي" وبالتعاون مع "صندوق فريدريش إيبرت" الألماني وشمل عينة تمثيلية من الجمهور الإسرائيلي مكونة من 862 شخصاً من المواطنين البالغين، من اليهود والعرب، نصفهم من النساء والنصف الآخر من الرجال: 716 (83 بالمائة) من اليهود و146 (17 بالمائة) من العرب. وقد شارك في الاستطلاع 107 أشخاص من اليهود المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، شكّلوا 15 بالمائة من مجمل اليهود المشاركين في استطلاع الرأي.
يشار هنا إلى أن موعد إجراء هذا الاستطلاع في سنته الـ 12، في آب الماضي، تزامن مع ذكرى مرور عام، تقريباً، على يوم السابع من تشرين الأول 2023، الذي شهد أوسع وأخطر هجوم تعرضت له إسرائيل في عمق أراضيها، شنّته فصائل المقاومة الفلسطينية على القواعد العسكرية والبلدات في الجنوب الإسرائيلي، أو ما يسمى منه تحديداً "منطقة غلاف غزة"، وما تبعه من حرب إبادة تدميرية غير مسبوقة خاضتها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة واستمرت نحو 15 شهراً متتالية. ولهذا، حاول استطلاع الرأي هذا تقصّي مواقف الجمهور الإسرائيلي في مسائل آنية ملحة في فترة إجرائه، في مقدمتها أهداف الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة واستراتيجية إنهاء هذه الحرب والخروج منها، إلى جانب دراسة آثار الحرب وانعكاساتها على مواقف الإسرائيليين في سلسلة من القضايا الجوهرية المتعلقة بسياسة إسرائيل الخارجية وسياستها الاستراتيجية.
اشتمل الاستطلاع لسنة 2024 على أسئلة حول: الخيار المرغوب فيه لإنهاء الحرب في قطاع غزة؛ العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية (قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وفوز دونالد ترامب)؛ السياسة الإسرائيلية حيال حزب الله في المدى القريب وحيال إيران في المدى البعيد؛ مكانة إسرائيل الدولية في أعقاب الحرب في قطاع غزة وتحولها إلى "دولة منبوذة" عالمياً؛ مستقبل العلاقات الاستراتيجية مع مصر؛ العلاقات بين إسرائيل ومنظمة الأمم المتحدة؛ العقوبات الدولية ضد المستوطنين الذين يمارسون العنف اليومي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ العلاقة بين الصراع مع إيران وفرص التسوية مع الفلسطينيين؛ موقع إسرائيل في الصراع الدولي الحالي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا؛ الأزمة الإنسانية في قطاع غزة ومستقبل العلاقات بين إسرائيل وتركيا.
قطاع غزة ـ من "استبدال سلطة حماس" إلى "احتلال كامل واستيطان"
في السؤال حول الطريقة الأنسب لإنهاء الحرب ضد قطاع غزة، قال 42 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و40 بالمائة من المشاركين اليهود و62 بالمائة من المشاركين العرب) إنهم يفضّلون "استبدال سلطة حماس بسلطة فلسطينية بديلة، بمساعدة إقليمية وبدعم أميركي"، فيما قال 29 بالمائة من مجمل المشاركين (و31 بالمائة من المشاركين اليهود و11 بالمائة من المشاركين العرب) إنهم يؤيدون احتلال إسرائيل قطاع غزة بالكامل ثم الاستيطان اليهودي فيه. وقالت نسبة مماثلة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (29 بالمائة، وكذلك 29 بالمائة من المشاركين اليهود و27 بالمائة من المشاركين العرب) إن الحل الأفضل من وجهة نظرهم هو استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة ومواصلة القتال "بقوة متغيرة، على المدى البعيد" سعياً إلى "قمع أية محاولة من قبل حركة حماس لإعادة تنظيم نفسها واستجماع قواها".
ورداً على سؤال "من كنت تريد أن يحكم قطاع غزة ويدير حياة سكانه خلال السنوات القريبة، ريثما يتم التوصل إلى حل بشأن التسوية النهائية؟"، قال 2 بالمائة فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و 1بالمائة فقط من المشاركين اليهود في الاستطلاع و7 بالمائة من المشاركين العرب) إنهم يريدون "حركة حماس الضعيفة"، بينما قال 38 من مجمل المشاركين و41 بالمائة من المشاركين اليهود و21 بالمائة من المشاركين العرب إنهم يريدون أن تقوم دولة إسرائيل بهذه المهمة، في مقابل 14 بالمائة من مجمل المشاركين و11 من المشاركين اليهود و31 بالمائة من المشاركين العرب قالوا إنهم يختارون السلطة الفلسطينية للاضطلاع بهذه المهمة، بينما اختار 46 من مجمل المشاركين و47 بالمائة من المشاركين اليهود و41 بالمائة من المشاركين العرب "قوة دولية متعددة الجنسيات، تشمل دولاً عربية أيضاً" للقيام بهذه المهمة.
في الرد على سؤال حول "الأهداف الاستراتيجية التي ينبغي على الحكومة العمل والسعي لتحقيقها بشأن القضية الفلسطينية"، قال 31 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و26 بالمائة من المشاركين اليهود و62 بالمائة من المشاركين العرب إن الهدف الاستراتيجي المطلوب هو "اتفاقية تقوم على حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين في إطار اتفاقية تطبيع إقليمية شاملة"؛ وقال 29 بالمائة من مجمل المشاركين و33 بالمائة من المشاركين اليهود و8 بالمائة من المشاركين العرب إن الهدف الاستراتيجي المطلوب السعي من أجل تحقيقه هو "ضم المناطق (المحتلة) وبسط السيادة الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية"؛ وقال 15 بالمائة من مجمل المشاركين و15 بالمائة من المشاركين اليهود و12 بالمائة من المشاركين العرب إنه "ينبغي على إسرائيل الامتناع عن أية خطوات استراتيجية، بل مواصلة الحفاظ على الوضع القائم حالياً"؛ وقال 19 بالمائة من مجمل المشاركين و21 بالمائة من المشاركين اليهود و7 بالمائة من المشاركين العرب إن الهدف الاستراتيجي المطلوب هو "الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، على غرار ما حصل في خطة الانفصال عن قطاع غزة في العام 2005"؛ أما "إقامة دولة واحدة ديمقراطية ومتساوية، بين النهر والبحر"، فكان الخيار الاستراتيجي المفضل لدى 6 بالمائة من مجمل المشاركين و5 بالمائة من المشاركين اليهود و10 بالمائة من المشاركين العرب، فقط.
"صفقة شاملة"... مع السعودية
بيّنت نتائج الاستطلاع أن ثمة أغلبية بين الجمهور الإسرائيلي (55 بالمائة) تدعم التوصل إلى وعقد "صفقة شاملة" مع السعودية، تشمل التطبيع الكامل معها و"إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح لا تكون تحت سيطرة حماس"، إلى جانب "إنشاء حلف دفاعيّ إقليميّ، بقيادة أميركية". ويعارض مثل هذه الصفقة 37 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع، بينما يقول 19 بالمائة منهم أنهم "لم يبلورا رأياً في الموضوع بعد". ويشكل بناء "الحلف الدفاعي" المذكور الاستراتيجية الأفضل، والأكثر مقبولية على الجمهور الإسرائيلي، للتصدي للتهديدات الإيرانية وحليفات طهران. ويؤيد هذا الخيار 46 من الجمهور الإسرائيلي، مقابل 32 بالمائة يؤيدون شن حرب عسكرية مستقلة ضد إيران ووكلائها في المنطقة، بينما يقول 14 بالمائة إنهم يؤيدون الشروع في مفاوضات سياسية ـ دبلوماسية مع إيران لحل النزاع بين الدولتين. ومقابل هؤلاء جميعاً، يقول 8 بالمائة إنهم يؤيدون "خياراً آخر" هو استمرار الوضع القائم، المتمثل في "القتال المحدود" مع إيران ووكلائها.
سُئل المشاركون في الاستطلاع: تقترح دول عديدة في العالم، وكذلك دول في المنطقة، على إسرائيل التوصل إلى "تسوية إقليمية" تقوم على أساس "صفقة شاملة" مع السعودية تشمل، من ضمن ما تشمله، التطبيع الكامل والتام بين إسرائيل والسعودية، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح لا تكون تحت سيطرة حركة حماس وإنشاء حلف دفاعي إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، فهل تؤيد ذلك أم تعارضه؟
على هذا السؤال جاءت إجابات المشاركين في الاستطلاع على النحو التالي: 55 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و52 بالمائة من المشاركين اليهود و70 بالمائة من المشاركين العرب) أيدوا هذه الفكرة، بينما عارضها 45 بالمائة من مجمل المشاركين و48 بالمائة من المشاركين اليهود و30 بالمائة من المشاركين العرب.