المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
منزل متضرر على الحدود مع لبنان. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 37
  • هشام نفاع

تبيّن في جلسة لجنة برلمانية خاصة للعمال الأجانب في الكنيست الإسرائيلي، أن قطاع الترميمات في إسرائيل يعاني من شلل تام، وبحثت اللجنة مسألة استقدام عمال من الخارج إلى هذا القطاع. وأقرّت رئاسة اللجنة أن السبب وراء ذلك هو حظر دخول عمال فلسطينيين من المناطق المحتلة منذ بداية الحرب على قطاع غزة يوم 7/10/2023.

وكانت لجنة المديرين العامين للوزارات قد صادقت في شهر تموز 2024 على استقدام 5000 عامل إلى قطاع الترميمات وتشغيلهم من قبل شركات قوى عاملة أجنبية في مجال البناء، وطلبت وزارة البناء والإسكان الحفاظ على حصة مؤلفة من 3000 عامل لاستقدامهم ضمن اتفاقيات ثنائية مع دولهم، في مقابل استقدام 2000 عامل من خلال شركات خاصة لا توجد لدولها أي اتفاقيات ثنائية.

4000 مبنى في الشمال بحاجة إلى الترميم بعد الحرب

وفقاً لممثل "اتحاد مقاولي الترميمات" فإنه "مع وتيرة استقدام العمال الحاليين، لن يكون بالإمكان إنهاء أعمال الترميمات في منطقتي شمال وجنوب البلاد خلال الأعوام الخمسة القادمة. وعمل قبل الحرب في قطاع الترميمات 15 ألف عامل فلسطيني، ومنذ بداية الحرب نحن نستصعب تجنيد العمال. إن 12% من مجمل مقاولي الترميمات قد أغلقوا مصالحهم. تمت المصادقة على 5 آلاف عامل أجنبي وحتى اليوم لم ينضم لهذا القطاع ولو عامل أجنبي واحد". وتابع: "نحن نريد حلولا من أجل العمل والعيش باحترام وكرامة. 50% من مصروفات مقاول الترميمات هي أجور للعمال. فمن سيقوم بترميم البيوت والمدارس والحدائق التي تضررت خلال الحرب؟".

وقالت ممثلة نقابة مقاولي الترميمات في جلسة اللجنة إن وفدا من النقابة توجه إلى سيريلانكا من أجل فحص موضوع العمال الذين سيصلون إلى البلاد للعمل. وتم فحص 1818 عاملا وقد اجتاز 757 من بينهم الاختبارات بنجاح. وكشفت: "قال لي المقاولون إنه في ظل غياب العمال فهم لا يوقعون على عقود عمل. المقاولون يحتاجون إلى آلاف العاملين. بسبب الحرب في الشمال هناك 4000 مبنى بحاجة إلى الترميم. أقمنا غرفة طوارئ بالتعاون مع مكتب رئيس الحكومة لصالح سكان الشمال والجنوب. قمنا بافتتاح خط ساخن لتقديم الاستشارة للمواطنين، ولكن ليس هناك تقريبا مقاولون يمكنهم تحمّل مسؤولية العمل في ظل غياب العمال".

ووفقاً لما نقله مدير مديرية العمال الأجانب في سلطة السكان: "إن عشرات العاملين فقط من سريلانكا قدموا تصاريح خلوّ التسجيل الجنائي والتصاريح الطبية، ومعظم الشركات لم تدفع الرسوم. الشركة التي دفعت الرسوم وأبقت ضمانات ولديها تصريح، يمكنها أن تستقدم العمال". واعترف بأن ما يجري العمل عليه هو قطاع جديد من حيث العمال الأجانب، وهناك صعوبة في استيعابهم.

خسارة يومية قدرها 25 مليون شيكل في قطاع البنى التحتية

على صعيد متّصل، تبيّن خلال جلسة متابعة للجنة البرلمانية الخاصة للعمال الأجانب، أن القرار الحكومي الذي صدر في آذار 2024، والقاضي بتحديد حصة للعمال الأجانب لصالح قطاع البنى التحتية، لم يتم تنفيذه بعد وأن هناك 11 ألف عامل من سريلانكا تقدموا بطلبات للعمل في تطوير البنى التحتية للمواصلات، كجزء من اتفاقية ثنائية بين سريلانكا وإسرائيل. وقامت الحكومة السريلانكية بتصنيف وفرز 11 ألف مرشح من خلال فحوصات للقدرات والمهارات وخبرة العمل، ومن بين هؤلاء، بقي حوالي 2000 عامل ممن استوفوا الشروط.

ووفقاً لممثل اتحاد عمال البناء: الخسارة اليومية لقطاع البنى التحتية تصل إلى 25 مليون شيكل تقريبا لكل يوم لا يتوفر فيه عمال. هذه الأموال تذهب هباءً، يمكن اختصار الإجراءات ونحن مستعدون للقيام بكل شيء لتقصير الجداول الزمنية.

من جهته، نقل ممثل وزارة المواصلات أنه في ما يتعلق بمجموعة العمال غير المهنيين، فمن المحتمل وضع قوائم نهائية بحلول نهاية الشهر حتى يتمكن المقاولون من اختيار العمال وتشغيلهم اعتبارا من بداية شباط الجاري. وفي ما يتعلق بالـ 2200 عامل مهني فإن عملية تصنيفهم وفرزهم تجري من قبل "اتحاد عمال البناء الإسرائيليين"، وتحدّث عن حصول تقدّم في المفاوضات أمام الاتحاد بشأن عروض الأسعار والتعاقد معهم، وبعد إتمام تنفيذ الفحوصات، سيكون بإمكان العمال المهنيين الوصول إلى البلاد​. وكشف عن وجود إجراءات أوّليّة لاستقدام عمال لقطاع البناء التحتية من أذربيجان أيضاً.

أجر العامل الأجنبي غير المهني ثلاثة أضعاف أجر الفلسطيني

أدى الحظر الشامل والعشوائي لدخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة (ناهيك عن قطاع غزة!) إلى أزمة يستحيل إخفاؤها في قطاعات عدة، أولها البناء والترميمات والبنى التحتية. وهنا تضاف المشاكل البيروقراطية المتعلقة بتعريف العمال الأجانب المستقدمين، ما بين مهنيين وغير مهنيين، وهوس السلطات بخصوص شكل التحقق من هوية العمال لمواجهة مكوث ألوف منهم بدون تصاريح وخارج الأنظمة القانونية المعتمدة.

في هذا الإطار، انتقدت اللجنةُ البرلمانية جهاتِ الحكومة ذات الصلة على عدم توقيع الاتفاق مع اتحاد عمال البناء حتى الآن، وبالتالي عدم فحص سبل ومسارات إضافية للتجنيد، الأمر الذي من شأنه تقصير فترة الانتظار لتنفيذ قرار الحكومة بالموضوع. وعبرت ممثلة لشركة تعمل في استقدام عمال أجانب للعمل في قطاع البناء، عن معارضتها للتمييز بين العمال المهنيين وغير المهنيين بالقول: "كيف سينجح ذلك؟ هل سينام موظفان في نفس الشقة مع اختلاف الرواتب وستكون لديهما شارات مهنية مختلفة؟ هل هناك فرق جوهري بين المهني وغير المهني؟ ستستقدمون عمالا مهنيين وسنجدهم يعملون في تنظيف المطاعم. من ناحية الممارسة العملية، لن يكون الجميع مهنيين وسوف نضطر إلى تحمل هذا العبء".

ووفقاً لممثل شركة أخرى فإن "الإجراء غير مُجدٍ وغير منظّم وغير واضح وغير منهجي. لا أفهم ماذا يريدون منا من أجل تطبيق نفس الآلية. نشأ وضع كان من المحتمل أن تأتي فيه قضية العمال الأجانب محل قضية الفلسطينيين. يمكن أن آخذ عاملا فلسطينيا وأنقله بين المواقع والوظائف. أما هنا فإنني أحصل على عامل غير مهني، وأضطر لدفع أجر له يعادل ثلاثة أضعاف أجر الفلسطيني، وذلك في مقابل عمل محدد غير قابل للنقل، وبالتالي يجب أن أهتم بطعامه، ومسكنه، وتأمينه. لقد تم هدر عدة مليارات هنا فقط على مشاريع شركتنا".

رئيس اللجنة توجه إلى وزارة المواصلات بطلب تلقي تقرير عن المناقصات أمام اتحاد المقاولين، وقال: "تتوقع اللجنة من اتحاد المقاولين الذي سينفذ عمليات التصنيف والفرز، أن يقوم بكل العمليات التمهيدية حتى لا ينشأ وضع يتم فيه تنفيذ المراحل التمهيدية قبل توقيع الاتفاق". وطلب من سلطة السكان إنهاء منح التصاريح للشركات حتى تتمكن من استقدام العمال الناقصين للقطاع. كما طلبت اللجنة من سلطة السكان تقريراً حول تغيير تصنيف تشغيل العمال الذين تدعي الشركات بأنهم غير مهنيين ووصلوا للعمل في قطاع البناء، كي يكون بمقدورهم العمل في البنى التحتية للمواصلات تحت تصنيف عمال غير مهنيين​.

مئات العمال يتركون عملهم سنوياً لصالح شركات أجنبية

وفقاً للمعطيات الرسمية، في لجنة العمال الأجانب، هناك 10 شركات بناء صينية وشركة بناء تركية واحدة تعمل في إسرائيل، وهي توظف معاً نحو 11 ألف عامل. وتعبر الجهات الرسمية عن مخاوفها من "خطر الاستيلاء" وتفسّر الأمر بأن "بعض العمال، وخاصة الصينيين، يصبحون مديري عمل ورؤساء مسؤولين ويجلبون عمال المقاولة. ينتهكون قوانين العمل، وتتناقص قدرتنا على فرض الرقابة. المقاولون في أزمة ويضطرون للاستسلام وبيع الأعمال للمديرين. بعد عشرة أعوام، قد يتحول المقاولون في السوق إلى مجرد وسطاء. العامل الأجنبي الذي يصل إلى البلاد لفترة محدودة يستقر فيها، ويوجه ضربة للاقتصاد الإسرائيلي".

وقال ممثل شركة أجنبية تعمل في إسرائيل منذ 30 عاماً وتوظف حوالي ألف شخص إنه "في كل عام يهرب حوالي 200 موظف منا". وردّ رئيس اللجنة: "إذا كان 20% من موظفيكم يتركونكم، فإنه كل 5 أعوام تنشأ شركة جديدة تضم ألف موظف في إسرائيل. عليكم أن تقوموا بفحص الأمور لديكم. لماذا يترككم هذا العدد الكبير من الموظفين؟". وسأل ممثلي الحكومة عن القواعد التي تطبقها الحكومة لفرض الرقابة على هؤلاء الهاربين؛ فـ"هذه عملية سرقة للسوق الإسرائيلية في وضح النهار. يهرب العمال للعمل في شركات يملكها عمال أجانب استقروا في البلاد".

وهنا سارع ممثل اتحاد البناء الإسرائيلي للقول: "إن القطاع في أزمة، فهل حان الوقت الآن لجلب شركات أجنبية؟ هذا ليس الوقت المناسب! هذا من شأنه أن يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمقاولين الإسرائيليين. بدلاً من تعزيزهم نحن نعزز المقاولين الأجانب. لست متأكداً من أن شروط الأجور للعمال الأجانب مماثلة لشروط الأجور للعمال الإسرائيليين. لا يوجد أي إنفاذ لذلك. على أقل تقدير، يجب أن تكون 51% من ملكية الشركات بأيدي شركة إسرائيلية".

عدم ضبط تسجيل العمال الأجانب والقلق الديمغرافي إياه!

ضمن التعقيدات البيروقراطية الإضافية، كما ذُكر، تقرّ الجهات الرسمية وكذلك الجهات المهنية الخاصة بوجود فوضى عارمة في ما يخص التحقق من هوية عشرات الآلاف من الأجانب المقيمين في البلاد. وقالت اللجنة: "إن عدم وجود رقم تعريف موحد للأجانب، وعدم القدرة على استخدام رقم التأشيرة أو جواز السفر، معناه أن الوزارات الحكومية تصدر أرقاماً غير منتظمة​ للتعامل مع المتوجهين إليها".

وجاء في دراسة مقارنة من إعداد مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، بين دول ألمانيا، والنرويج، وأستونيا وفنلندا، أنه في أستونيا وفنلندا يتم منح الأجانب والمواطنين نفس الرقم، مقارنة مع ألمانيا والنرويج، حيث يتم منح الأجانب رقماً مختلفاً عن المواطنين. في ألمانيا، هناك سجل مختلف للأجانب. وفي النرويج، يتم تسجيل الأجانب ضمن سجل مزدوج، بينما في أستونيا توجد قاعدة بيانات مستقلة للأجانب. وهذه الدول لا تكافح ضد استيعاب الأجانب.

وفقا لتقارير، ففي المستشفيات يصبح الأمر إشكالياً على نحو خاص، لأنها تصدر رقماً مميزا للمتعالج لديها، مما يعوق استمرارية تلقي العلاج ومتابعة ظواهر مقلقة مثل العنف الأسري وأخرى. والأطفال ليس لديهم أيضاً رقم تعريف تستطيع الهيئات الحكومية المختلفة، مثل مؤسسة التأمين الوطني أو وزارة الصحة، تحديد هويتهم من خلاله. وكل هيئة تتابع الأطفال بشكل منفصل من دون القدرة على إجراء تقاطع للبيانات أو الحصول على تقرير كامل حول عدد الاطفال وحالتهم. ويجعل هذا الوضع من الصعب التنسيق بين الهيئات والجهات المختلفة، ويتسبب بتسجيلات غير صحيحة، ويثقل كاهل المؤسسات الحكومية بساعات عمل طويلة في رصد الأطفال وأخرى.

ويستدلّ من موقف بعض الجهات أن القلق من عدم ضبط تسجيل العمال الأجانب هو القلق الديمغرافي إياه. مثلا، سلطة السكان والهجرة ترى أن رقم تعريف لن يحل المشكلة، "حيث من الممكن أن يصل شخص غريب مع رقم تعريف جديد. هناك ظاهرة تخص النساء البدويات اللاتي يدّعين أنهن موجودات في إسرائيل منذ أعوام طويلة وليس لديهن أي هوية"، كما تقول ممثلة هذه السلطة. بالمقابل، فإن وزارة العدل ترى أن رقم الهوية الموحد هو أمر صحيح ومناسب. و"نحن لسنا شركاء في القلق من أن طرح رقم تعريف قد يتسبب في وضع جديد"، كما قال ممثلها في الجلسة البرلمانية.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات