يوم الخميس الأخير، السادس عشر من كانون الثاني الجاري، كان الموعد المحدد لالتئام "لجنة تعيين القضاة" الإسرائيلية من أجل انتخاب/ تعيين إسحق عميت، قاضي "المحكمة العليا الإسرائيلية"، رئيساً جديداً لهذه المحكمة، الأمر الذي كان من المفترض أن ينهي أزمة دستورية تتمظهر في شغور منصب الرئيس الثابت لهذه المحكمة وهو ما يعني، كذلك، شغور منصب رئيس الجهاز القضائي الإسرائيلي برمّته، علماً بأن هذا الجهاز يشكّل السلطة الثالثة بين السلطات الدستورية الثلاث في إسرائيل إلى جانب السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان/ الكنيست). لكن، "كان من المفترض" فقط (أن ينهي الأزمة)، لأن مسألة تعيين الرئيس الثابت للمحكمة العليا وللجهاز القضائي (للسلطة القضائية) هي، في الحقيقة، عَرَضُ الأزمة فقط وليست الأزمة بذاتها. فهذه الأخيرة تكمن في إصرار وزير العدل، ياريف ليفين، الذي يشغل منصب رئيس "لجنة تعيين القضاة" أيضاً، بحكم منصبه الوزاري وبمقتضى أحكام القانون الخاص بهذه اللجنة، على المضيّ قُدُماً في مساعيه الرامية إلى "إصلاح" الجهاز القضائي، من خلال إحداث تغييرات جوهرية في بُنيته، منهجيات أدائه وآليات التعيين فيه وكذلك، بالطبع، في العديد من التشريعات القانونية التي تحكم هذه المقوّمات وصولاً، في نهاية المطاف، إلى محاصرة هذا الجهاز، تقليص صلاحياته بصورة حادة ثمّ إخضاعه، بدرجة غير قليلة، لإرادة السياسيين وأحزابهم السياسية، واليمينية منها بشكل خاص.
من بين هذه التغييرات الجوهرية والأساسية التي يسعى ليفين وائتلافه الحكومي الحالي إلى إحداثها، هنالك اثنان يشكلان العرَض الحالي للأزمة الدستورية، هما: الأول ـ الطريقة المُعتمَدة منذ قيام الدولة في انتخاب/ تعيين رئيس المحكمة العليا، وهي "طريقة الأقدمية" التي يتم بموجبها اختيار القاضي الأكثر أقدمية على كرسي القضاء في المحكمة العليا ليكون رئيساً لها. والهدف من هذا التغيير هو منح الحكومة وائتلافها الحكومي قوة التأثير الحاسمة في تعيين رئيس المحكمة العليا، على كل ما يعنيه ذلك من سيطرة سياسية ـ حزبية على هوية رئيس المحكمة العليا وكل ما يستتبعه من إخضاع تام، أو شبه تام، للجهاز القضائي (السلطة القضائية) للسلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (الكنيست)؛ والثاني ـ تركيبة "لجنة تعيين القضاة" المسؤولة عن تعيين جميع القضاة في المحاكم الإسرائيلية بمختلف درجاتها وتخصصاتها، وهي التركيبة التي يحددها القانون الحالي (المادة 4 من "قانون أساس: القضاء") بالتالي: تتألف اللجنة من تسعة أعضاء هم ـ اثنان من وزراء الحكومة، أحدهما وزير العدل الذي يترأس اللجنة أيضاً؛ اثنان من أعضاء الكنيست، على أن يكون أحدهما من كتل/ أحزاب المعارضة؛ اثنان من ممثلي "نقابة المحامين في إسرائيل" وثلاثة من قضاة المحكمة العليا، من بينهم رئيسها. معنى هذا، أن للحكومة وائتلافها البرلماني قوة موازية لقوة قضاة المحكمة العليا في عضوية هذه اللجنة (3 مقابل 3). والتغيير المراد إجراؤه هنا يرمي إلى منح الحكومة وائتلافها الحكومي سيطرة شبه مطلقة على عملية انتخاب القضاة في مختلف المحاكم الإسرائيلية، ولكن في المحكمة العليا بشكل أساس.
وأما الهدف الأبعد والأكبر المراد تحقيقه من هذين التغييرين الجوهريين فهو: تقليص قدرة المحكمة العليا على ممارسة ما يسمى "الرقابة القضائية" على ما تسنّه الحكومة وائتلافها البرلماني من قوانين في الكنيست.
مماطلة وتأجيل مُتعمَّدان منذ عام وثلاثة أشهر!
لا يزال عَرَضُ الأزمة الدستورية، في جانبه المتعلق بالرئيس الثابت للمحكمة العليا، قائماً منذ عام وثلاثة أشهر ـ منذ اعتزال الرئيسة الثابتة الأخيرة لهذه المحكمة، القاضية إستير حيوت، منصبها بخروجها إلى التقاعد في شهر تشرين الأول 2023 وما أعقب ذلك من مماطلة وتأجيل تعمّدهما الوزير ليفين في عقد جلسة للجنة تعيين القضاة لانتخاب إسحق عميت رئيساً ثابتاً جديداً، وفق الطريقة القائمة المتبعة حتى الآن. منذ ذلك الوقت، أشغل "نائب رئيسة المحكمة العليا"، عوزي فوغلمان، منصب "القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا" لمدة سنة كاملة انتهت بخروجه هو الآخر إلى التقاعد في تشرين الأول 2024. ومنذ ذلك الحين، منذ نحو أربعة أشهر حتى الآن، يشغل القاضي إسحق عميت، الأكثر أقدمية بين قضاة هذه المحكمة، منصب "القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا"، إلى حين انتخاب/ تعيين رئيس ثابت جديد لها.
لكن، قبل يوم الخميس المذكور أعلاه بيوم واحد فقط، سارع الوزير ليفين إلى إبلاغ المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه "لا مناص من تأجيل انعقاد لجنة تعيين القضاة" مرة أخرى. وهذه المرة، من أجل إفساح الوقت والمجال لفحص الادعاءات التي تضمنها تحقيق صحافي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأسبوع الماضي بشأن عدم كشف/ إبلاغ الرئيس الموعود للمحكمة العليا، إسحق عميت، عن كونه طرفاً في إجراء قضائي يتعلق بشقة سكنية في مدينة تل أبيب يتقاسم ملكيتها مع شقيق له، ثم عدم اتخاذه المحاذير اللازمة لتجنب حالة تعارض المصالح التي تورط فيها من خلال نظره، قضائياً، في ملفات تخص بلدية تل أبيب في الوقت الذي كان فيه، هو نفسه، طرفاً في إجراء قضائي وجهت إليه البلدية ذاتها في إطاره تهمة "ارتكاب مخالفات في مجال البناء"، في الشقة السكنية المذكورة.
ورغم أن القاضي عميت ادعى، في رده على ما ورد في تحقيق الصحيفة المذكورة، بأنه "لم يكن على علم بذلك الإجراء القضائي، لأنه منح شقيقه، منذ تسع سنوات، تفويضاً قانونياً لمعالجة الأمر بصورة حصرية" ولذلك أيضاً لم يبلغ عن ذلك الإجراء القانوني ولم يعتبر أن فيه تعارض مصالح، مطلقاً، ورغم أن الإجراء القانوني موضع الاتهام قد انتهى تماماً وتم إغلاق الملف بشأنه، إلا أن الوزير ليفين قرر تأجيل انعقاد "لجنة تعيين القضاة" مرة أخرى، مستغلاً بذلك التحقيق الصحافي الذي يبدو من الواضح تماماً أن توقيت نشره الآن لم يكن مصادفة، إطلاقاً.
فحتى بعد إعلان رئيس قسم التحقيقات في الشرطة الإسرائيلية، بوعاز بْلاط، صباح يوم الخميس الأخير، أنه بعد فحص الموضوع من مختلف جوانبه، قرر قسم التحقيقات في الشرطة عدم إجراء تحقيق جنائي مع القاضي عميت حول ما ورد في تحقيق "يديعوت أحرونوت"، لعدم توفر "أي أساس لأية مخالفات جنائية في القضية المعنية"، وحتى بعد إعلان المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ـ ميارا، في أعقاب ذلك، أنه "لا أساس ولا مبرر لمواصلة فحص الادعاءات ضد القاضي عميت"، أصرّ وزير العدل، ليفين، على التوجه إلى المستشارة القانونية لوزارته طالباً منها "استكمال فحص الموضوع العيني" و"تقديم شكوى ضد القاضي عميت" على خلفية ما وصفه ليفين، في رسالته إلى المستشارة القانونية في وزارته، بأنه "سلوك منهجي متكرر من جانب القاضي عميت في مجال تعارض المصالح" وذكر، من ضمن ذلك، "نظر عميت في العديد من الملفات المتعلقة ببنك هبنليئومي وشركة دور ألون، على الرغم من أن شقيقه وصهره يشغلان مناصب رفيعة في هاتين الشركتين". لا بل اختار ليفين تصعيد حدة الخلاف مع القاضي عميت، بل الحرب المبدئية التي يشنها ضده، وذلك بتوجيهه إلى القاضي المذكور اتهاماً مباشراً وصريحاً بالكذب، من خلال "تجنبه التزام الدقة بشأن الحقائق والأحكام القانونية ذات الصلة"، كما أشار في الردّ الرسمي الذي قدمه، يوم الخميس الأخير، إلى المحكمة العليا التي تنظر في التماس "الحركة من أجل جودة الحكم" حول منع وتأجيل انعقاد جلسة "لجنة تعيين القضاة" المخصصة لانتخاب/ تعيين عميت رئيساً ثابتاً جديداً للمحكمة العليا.
وبإجماع قضاتها الثلاثة التي تشكلت منهم الهيئة القضائية التي نظرت في الالتماس المذكور، قررت المحكمة العليا الاستجابة الجزئية لطلب الوزير ليفين وتأجيل موعد التئام "لجنة تعيين القضاة" لانتخاب الرئيس الثابت الجديد للمحكمة إلى يوم 26 كانون الثاني الجاري. ولكن، قبل خلوصهم إلى قرارهم هذا، وجّه القضاة الثلاثة (عوفر غروسكوف، ياعيل فلنر وأليكس شطاين ـ والأخيران يُعتبَران من "القضاة المحافظين" الذين تعمّدت وزيرة العدل السابقة، أييلت شاكيد، تعيينهم في هذه المحكمة) نقداً صريحاً للوزير ليفين وسلوكه مشيرين إلى أنّ "امتناع الوزير عن تعيين رئيس للمحكمة هو استمرار للمس الحاد والخطير بسلطة القانون وسيادته في دولة إسرائيل". ورفضت المحكمة، من جانب آخر، طلب الوزير ليفين "الانتظار إلى حين الحصول على الوثائق الخاصة بفحص الادعاءات ضد القاضي عميت" مؤكدة على أن "الجهة المخوّلة صلاحية النظر في التحفظات على مرشحين لمنصب رئيس المحكمة العليا هي لجنة تعيين القضاة نفسها، وليس أي طرف آخر".
استئناف وتسريع المسعى الائتلافي لإنجاز التعديلات التشريعية
في الشقّ الآخر من عَرَض الأزمة الدستورية الراهنة، والخاص بتركيبة "لجنة تعيين القضاة"، أعلن رئيس "لجنة القانون، الدستور والقضاء" البرلمانية، عضو الكنيست سمحا روتمان، أن مشروع القانون الجديد لتغيير تركيبة هذه اللجنة سيُطرح للمناقشة في اللجنة البرلمانية المذكورة يوم الثلاثاء القريب (غداً) بغية إعداده النهائي للتصويت في المرحلتين الأخيرتين وإقراره، رسمياً، بالقراءتين الثانية والثالثة. ويبدو، في حكم المؤكد تماماً أن الائتلاف الحكومي وأقطابه المتمسكين بعزمهم على إخراج "برنامج الإصلاح القضائي" إلى حيز التنفيذ مهما كان الثمن يستغلون الآن ستار الدخان الكثيف الذي انبعث ولا يزال ينبعث من الأحداث العسكرية والسياسية المتسارعة والمتلاحقة، بالتزامن مع دخول الرئيس الأميركي القديم ـ الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، ليدفعوا بأقصى القوة المتوفرة لديهم نحو إنجاز ما يسعون إليه من "إصلاح" في جهاز القضاء يشكل، في نظر كثيرين من الإسرائيليين، انقلاباً على السلطة وقَلباً في العمق لنظام الحكم في إسرائيل.
ومشروع القانون الجديد الذي يتحدث عنه روتمان ـ من حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة الوزير بتسلئيل سموتريتش وأحد أبرز قادة "برنامج الإصلاح القضائي" في الائتلاف الحكومي الحالي ـ هو المخطط الذي أصبح معروفاً في إسرائيل باسم "مُقترَح ليفين ـ ساعر"، باعتباره نتاج توافق بين وزيريّ العدل، ليفين، والخارجية جدعون ساعر، على تغيير تركيبة "لجنة تعيين القضاة".
وكانت اللجنة البرلمانية التي يترأسها روتمان قد عقدت يوم الأربعاء الماضي جلسة أعلن مسبقاً أنها مخصصة لمناقشة "تعديل قانون تركيبة لجنة تعيين القضاة". لكن فور بدء جلسة اللجنة ومن دون إجراء أي نقاش، وفي ظل مقاطعة أعضاء الكنيست أعضاء اللجنة الجلسة في محاولة منهم لإجهاض المسعى، عرض روتمان للتصويت اقتراحاً لإعادة مشروع القانون الجديد لتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة من الهيئة العامة للكنيست إلى "لجنة الدستور" البرلمانية من أجل إعادة مناقشته وإعادة رفعه إلى الهيئة العامة للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثانية، ولكن بموجب "مقترح ليفين ـ ساعر"، هذه المرة. وقد تمت الموافقة على اقتراح روتمان هذا بإجماع أصوات اللجنة من كتل الائتلاف الحكومي، على أن يتم استئناف البحث في هذا المقترح يوم الثلاثاء القريب (يوم غد). وردّ أعضاء "لجنة الدستور، القانون والقضاء" البرلمانية من كتل المعارضة البرلمانية على سلوك زملائهم في هذه اللجنة بوصفه "سلوكاً مُخادعاً وساقطاً لإعادة قوانين الانقلاب على نظام الحكم، وكأنّ الأمر يجري بالتوافق".
يشار هنا إلى أنّ "لجنة الدستور" البرلمانية كانت قد أقرت، في نهاية آذار 2023، "مشروع قانون تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة" ونقلته إلى الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه بالقراءتين الأخيرتين، الثانية والثالثة. وكان مشروع القانون المذكور قد نصّ على زيادة أعضاء "لجنة تعيين القضاة" من 9 أعضاء حالياً إلى 11 عضواً وبحيث تكون السيطرة المطلقة عليها مضمونة للائتلاف الحكومي، من خلال إجراء التعديلات المطلوبة لذلك في "قانون أساس: القضاء" وفي "قانون المَحاكم". لكنّ الهيئة العامة للكنيست لم تجرِ في حينه تصويتاً على مشروع القانون، كما كان مقرراً، وذلك تنفيذاً لقرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وقف مجمل إجراءات "برنامج الإصلاح" (أو: "برنامج الانقلاب") في أعقاب حملة الاحتجاجات الجماهيرية التي انطلقت وتصاعدت، بشكل خاص، في إثر محاولة نتنياهو الأولى إقالة وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت. أما الآن، وبناء على المقترح الذي توصل إليها وعرضه الوزيران ليفين وساعر بهذا الشأن، مؤخراً، فقد قرر روتمان الدفع نحو إنجاز هذا التعديل التشريعي وفقاً للمقترح المذكور، تماشياً مع رغبة الوزير ليفين وتطلعه إلى إنهاء "هذه المهمة" حتى نهاية شباط المقبل.
ما هو "مقترح ليفين ـ ساعر" وما هي غايته؟
هذا "المقترح" الذي يعرضه صاحباه، الوزيران ليفين وساعر، وكأنه "تسوية" تم التوصل إليها بينهما (علماً بأنهما وزيران في الحكومة ذاتها وفي الائتلاف البرلماني ذاته!)، يأتي ببعض التغييرات الطفيفة جداً، التجميلية يمكن القول، عمّا كان يتضمنه "برنامج الإصلاح القضائي" في صيغته الأصلية بشأن "لجنة تعيين القضاة"، كما طرحها الوزير ليفين والائتلاف الحكومي قبل انطلاق حملة الاحتجاجات الجماهيرية ضده في إسرائيل.
يقضى القانون الحالي بأن تتألف "لجنة تعيين القضاة"، كما ذكرنا أعلاه، من تسعة أعضاء (3 للائتلاف الحكومي ـ وزيران وعضو كنيست؛ 3 للمحكمة العليا، بينهم رئيسها؛ 2 لنقابة المحامين و1 للمعارضة البرلمانية ـ عضو كنيست من إحدى كتل المعارضة). في الصيغة الأصلية لبرنامج "الإصلاح"، كان الحديث يجري عن زيادة عدد أعضاء اللجنة إلى 11 عضواً ـ 3 وزراء، "ممثلا جمهور" يقوم وزير العدل بتعيينهما، 3 رؤساء لجان برلمانية في الكنيست و3 من قضاة المحكمة العليا. أي، أغلبية من 7 أعضاء للائتلاف الحكومي.
أما "تسوية ليفين ـ ساعر" فجاءت وأبقت عدد أعضاء اللجنة عند تسعة، كما هو اليوم، مع تعديل "بسيط" لكن جوهري جداً: وزيران، عضوا كنيست (واحد من الائتلاف والآخر من المعارضة)، ثلاثة قضاة من المحكمة العليا، بينهم رئيسها، واستبدال ممثليّ نقابة المحامين بممثلين اثنين يكونان محاميين من القطاع الخاص، أحدهما يختاره الائتلاف الحكومي والثاني تختاره المعارضة البرلمانية. معنى هذا: أربعة ممثلين لكتل وأحزاب الائتلاف الحكومي، ثلاثة ممثلين للمحكمة العليا وممثلان اثنان لكتل وأحزاب المعارضة. لكن بحساب آخر، نجد أن التركيبة الجديدة لهذه اللجنة تشمل أغلبية ساحقة للسياسيين وللأعضاء الذين يختارهم السياسيون، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مقابل القضاة (6 مقابل 3).
بموجب القانون الحالي، يحتاج تعيين قاضٍ في أيّ من المحاكم الإسرائيلية التي تحت/ دون المحكمة العليا إلى أغلبية عادية، أياً كانت، من مجمل أعضاء اللجنة ـ أي، خمسة من تسعة أعضاء. ستظل هذه الأغلبية العادية هي المطلوبة بموجب "مقترح التسوية" أيضاً، لكن ليست "أية أغلبية"، بل بتعديل جوهري جداً: على هذه الأغلبية "العادية" أن تشمل: عضواً واحداً على الأقل من ممثلي الائتلاف الحكومي، عضواً واحداً على الأقل من المعارضة البرلمانية وواحداً على الأقل من قضاة المحكمة العليا.
أما تعيين قاضٍ في المحكمة العليا، فيحتاج حسب القانون الحالي إلى أغلبية سبعة من أصل تسعة (مجموع أعضاء اللجنة)، ما يعني أنّ كل طرف من ممثلي الائتلاف الحكومي وقضاة المحكمة العليا يمتلك "حق النقض" (الفيتو) المتبادل على تعيين أي قاض للمحكمة العليا، وهو ما شكّل بوابة واسعة حتى الآن لعقد "صفقات" متبادلة بين الطرفين. ولكن، بموجب "مقترح التسوية: ليفين ـ ساعر"، يجري خفض الأغلبية المطلوبة لتعيين قاض في المحكمة العليا من سبعة من تسعة (كما هو الحال حتى الآن) إلى خمسة من أصل التسعة، مجموع أعضاء اللجنة.
في هذه التركيبة، يكفي لممثلي الائتلاف الحكومي الأربعة (الوزيران وعضو الكنيست والمحامي المستقل) أن يُقنعوا عضواً إضافياً واحداً فقط ـ من بين عضو الكنيست والمحامي المستقل اللذين يمثلان المعارضة ـ لكي يضمنوا بذلك أغلبية لهم لتعيين أي شخص يريدونه لمنصب قاضٍ في المحكمة العليا، حتى لو كان عديم الأهلية والكفاءة القانونيتين تماماً، أو لا يتمتع بما يكفي منهما لإشغال كرسي القضاء في الهيئة القضائية الأعلى في إسرائيل.
معنى هذا، أن عملية تعيين القضاة في المحكمة العليا ـ كما في محاكم الدرجات الأدنى منها قاطبة ـ سوف تصبح عملية "تبادلية" في سوق مفتوحة بين أطراف الائتلاف الحكومي من جهة وأطراف المعارضة البرلمانية من جهة أخرى، من دون أدنى اعتبار إلى المؤهلات والكفاءات المهنية، الأمر الذي يفتح الأبواب على مصاريعها أمام ليس "التأثيرات الحزبية ـ السياسية" على الجهاز القضائي وقضاته وأدائهم فحسب، بل أيضاً أمام السيطرة والتحكّم السياسيين ـ الحزبيين في الجهاز عموماً والقضاة أنفسهم!
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, عوزي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو