المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 288
  • وليد حباس

السفير الإسرائيلي في واشنطن لا يمثل فقط الجسر الذي يربط بين الدولتين، بل يتجاوز دوره ليصبح عنصراً سياسياً واستراتيجياً فاعلاً يعكس المصالح المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ما يجعل هذا المنصب أحد أبرز المراكز الدبلوماسية الإسرائيلية. في يوم 8 تشرين الثاني، وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عزمه تعيين يحيئيل لايتر (Yechiel Leiter)، الذي يعتبر من قيادات الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية وكان سابقاً عضواً في جماعة "كهانا" الإرهابية، سفيراً إسرائيلياً في الولايات المتحدة. هذه المقالة تستعرض البروفايل السياسي للسفير الإسرائيلي الجديد لايتر. 

ماهية السفارة الإسرائيلية في واشنطن وما هي أهميتها؟

تُعدّ السفارة الإسرائيلية في واشنطن أكبر السفارات الإسرائيلية عالمياً، حيث تلعب دوراً رئيساً في تعزيز العلاقات الإسرائيلية- الأميركية منذ تأسيسها عام 1948. تمثل السفارة نقطة الوصل بين إسرائيل والإدارة الأميركية، حيث تشمل مهام السفير الإسرائيلي التنسيق مع البيت الأبيض، وزارة الخارجية، الكونغرس، البنتاغون، والاستخبارات، إضافةً إلى التواصل مع الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ووسائل الإعلام الأميركية. يُعتبر منصب السفير تعييناً استراتيجياً يُعزز من النفوذ الإسرائيلي.

يضم الهيكل الإداري للسفارة عدة أقسام محورية، مثل القسم السياسي لتنسيق الملفات مع الحكومة الأميركية، قسم الكونغرس لمتابعة القضايا التشريعية، قسم الدبلوماسية العامة لتعزيز صورة إسرائيل، والقسم الثقافي والقنصلي لتلبية احتياجات الإسرائيليين في الولايات المتحدة. ومن الأقسام البارزة أيضاً الملحقية العسكرية التي تدير العلاقات الأمنية، وملحقات وزارية متعددة مثل المالية والاقتصاد والداخلية.

تتجاوز السفارة دورها الدبلوماسي التقليدي لتصبح أداة استراتيجية في النفوذ الإسرائيلي. أمنت السفارة حزم دعم عسكرية، أبرزها 38 مليار دولار العام 2016 و225 مليون دولار لنظام القبة الحديدية العام 2014. كما أثرت في قرارات حاسمة، منها نقل السفارة الأميركية إلى القدس في العام 2017، بالتنسيق مع جماعات ضغط كـ "إيباك" لحماية مصالح إسرائيل في مجلس الأمن.

كما دعمت السفارة "اتفاقيات أبراهام" للتطبيع، وعملت مع شخصيات أميركية للترويج للتطبيع العربي. إعلامياً، تُحارب السفارة حركة المقاطعة (BDS) بتشريعات مضادة، حيث أقرت أكثر من 30 ولاية قوانين تُجرّم المقاطعة. اقتصادياً، تعزز التعاون في الأمن السيبراني والتكنولوجيا عبر برامج مشتركة، مثل "MEET"، مما يرسخ إسرائيل كشريك تقني رئيس للولايات المتحدة.

من الإرهاب إلى منصب السفير الإسرائيلي "الأكثر أهمية في العالم"

يعدّ يحيئيل لايتر شخصية بارزة في السياسة الإسرائيلية ضمن تيار اليمين المتطرف، ويمتلك مسيرة مهنية طويلة شملت مناصب حكومية وعلاقات قوية مع مؤسسات الفكر والسياسة الصهيونية المحافظة. وُلد لايتر في الأول من تشرين الأول عام 1959 في ولاية بنسلفانيا الأميركية. ويرى المحللون أن لايتر تأثر بشدة بكتاب مناحم بيغن "التمرد"، وربما كان هذا هو السبب الأساس في هجرته للانضمام إلى إسرائيل كـ "مستوطن جديد". وعليه، هاجر إلى إسرائيل في العام 1978، حيث انخرط في الحياة السياسية والاقتصادية وأصبح من الفاعلين المؤثرين في المشروع الاستيطاني.

من أبرز الملامح السياسية لتوجهات لاتير انخراطه المبكر مع "رابطة الدفاع اليهودية" الإرهابية بقيادة الحاخام مئير كهانا، التي كانت تُعرف بمواقفها المتشددة ورؤيتها الصهيونية المتطرفة، ولاحقاً تم وسمها بالإرهاب وتجريمها من قبل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على حد سواء قبل أن يرفع عنها هذا التصنيف. هذه الخلفية أثرت بوضوح في فكره ومواقفه، إذ انخرط منذ وصوله إلى إسرائيل في المؤسسات التي تدعم توسع المستوطنات وتطويرها. وعاش لايتر فترةً في مستوطنة كريات أربع، معقل التطرف في صفوف تيار الصهيونية الدينية، وشارك هناك في تأسيس "صندوق الخليل" الذي يسهم في تمويل المشاريع التوسعية في المستوطنات.

في العام 1992، عُيّن مستشاراً سياسياً لعضو الكنيست أريئيل شارون وعمل لاحقاً مع بنيامين نتنياهو، حيث تولى منصب رئيس ديوان وزير المالية، الذي كان يشغله نتنياهو في ذلك الوقت، وأسهم في صياغة سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الهيمنة الاقتصادية لإسرائيل على المناطق الفلسطينية. كما شغل مناصب بارزة في وزارة التربية والتعليم حيث دعم إصلاحات شاملة تهدف إلى تكريس الرواية الإسرائيلية في المناهج الدراسية.

لاحقاً، عُيّن لايتر في منصب نائب المدير العام لوزارة التربية والتعليم، وواصل دوره في تعزيز الفكر الاستيطاني عبر المناصب التي شغلها، حيث أصبح لاحقاً رئيساً لسلطة الموانئ الإسرائيلية، مما عزز ارتباطه بالبنية التحتية التي تدعم الأهداف التوسعية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبالإضافة إلى مناصبه الحكومية، أسهم لايتر في نشر أفكار تيار الصهيونية الدينية، حيث شغل مناصب أكاديمية وعلمية، منها زميل باحث في "معهد هرتسل" في القدس. وكتب لايتر مؤلفات تعكس توجهاته الأيديولوجية، أبرزها كتابه "فلسفة جون لوك السياسية والتوراة العبرية" الذي نشر العام 2018، حيث حاول ربط الأفكار السياسية التوراتية بالفكر السياسي الغربي لتعزيز موقفه الصهيوني. ويُذكر أن لايتر قد شغل مناصب مهمة ضمن منظمات داعمة للمستوطنات، مثل عمله في مجلس إدارة "جامعة يهودا والسامرة" في مستوطنة "أريئيل"، ومشاركته في "منتدى كوهيلت" الذي يدعم السياسات الاستيطانية اليمينية.

في الثامن من تشرين الثاني 2024، تم الإعلان عن تعيين لايتر سفيراً لإسرائيل لدى الولايات المتحدة، في خطوة أثارت الجدل نظراً لتوجهاته اليمينية المتطرفة ومواقفه المؤيدة للمشروع الاستيطاني، حيث يُنظر إليه على أنه ممثل للتيار اليميني المتشدد في السياسة الإسرائيلية.

يعيش لايتر اليوم في مستوطنة في الضفة الغربية، ولديه ثمانية أبناء. وخلال الحرب الحالية، قُتل ابنه الرائد موشيه لايتر الذي كان قائد فصيلة في "وحدة شلداغ" الخاصة (الكوماندوز التابع لسلاح الجو)، في معركة في شمال قطاع غزة. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات