المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مستوطن يرعى في جبال الضفة الغربية. (فلاش 90)

يستولي "رعاة" المستوطنين على أكثر من 300 ألف دونم، أي حوالى 10% من مساحة الضفة الغربية، وهي تفوق في مساحتها مجمل ما تم السيطرة عليه من المستوطنات الإسرائيلية كافة منذ العام 1967! منظمة "حراس يهودا والسامرة" تتبنى وحدها حوالى 30 مزرعة ماشية وأبقار وزراعة، والعديد من هذه المستوطنات الرعوية يسيطر عليها ويديرها من 4-8 أفراد فقط. منظمة الاستيطان "أمانا" تؤمن الدعم المعنوي واللوجستي للأنوية الاستيطانية التي "ترعى" في الضفة الغربية. توفر وزارتا الزراعة والمالية توفران التمويل السخي و"الرعاية القانونية". الظاهرة باتت "نموذجية" ومستقطبة، والبعض من هذه المزارع تمت "تسويته" كمستوطنة رسمية بشكل "هادئ" وبعيداً عن الانشغال الدولي بأصوات القصف في قطاع غزة.

هذه المقالة تستعرض التطورات في الاستيطان الرعوي حتى منتصف العام 2024.

1. كيف يختلف الاستيطان الرعوي عن باقي المستوطنات؟

يعتبر الاستيطان الرعوي نموذجا متصاعدا، ومتمايزا عن التوسع الاستيطاني ويمكن مقارنته بباقي المستوطنات على النحو التالي:

من جهة، هناك المستوطنة (بالإنكليزية: settlement؛ لكن إسرائيل تسميها "بلدة/ ييشوف" أو "مدينة") وهي حي سكني يهودي تعترف به دولة إسرائيل رسمياً كجزء من امتدادها السكاني عبر الجغرافيا طالما أنه ليست لها حدود منصوص متفق عليها بعد، في الضفة الغربية، التي تعتبرها إسرائيل أرضاً متنازعاً عليها، هناك حوالى 150 مستوطنة، وحوالى 30 منطقة صناعية ومراكز تسوق، وكلها تتبع إلى مجالس حكم محلية وتمارس حياتها "وفقاً للقانون" الإسرائيلي. ونظرياً، يمكن اعتبار المستوطنات مشروعاً استيطانياً مصمماً من الأعلى، من قبل الدولة ومؤسساتها (top-down project).

2) من جهة ثانية هناك الكرافانات الثابتة (بالإنكليزية: outpost؛ لكن إسرائيل تسميها "بؤر" أو "بلدات شابة" أو "مواقع"). هذه "البؤر" مصنفة في الخطاب العام الإسرائيلي على أنها "غير قانونية" (illegal “outposts”)، على الرغم من أن كل الاستيطان في الضفة الغربية هو غير قانوني حسب القانون الدولي، لأنها مقامة بشكل ارتجالي من الأسفل (bottom-up project)، بهدف تشييد حي سكني استيطاني لكن بدون موافقة سلطات دولة إسرائيل أو الجيش الإسرائيلي الذي يحتل الضفة الغربية (دون أن يعني الأمر أنها قامت على الرغم من الدولة). والسبب يكمن إما لأن المستوطنين يريدون "اختيار" موقع الحي الاستيطاني الجديد بشكل يتعارض مع تصنيفات المتاح/غير المتاح (حالياً) والتي يضعها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وإما لأنها لا ترغب بالامتثال للإجراءات البيروقراطية الإسرائيلية، والاعتبارات السياسية- الدبلوماسية، التي أحياناً تعيق التوسع السريع للاستيطان أو تجعله أبطأ مما يرغب به المستوطنون. في بداية العام 2023، كان هناك حوالى 77 "بؤرة" استيطانية في الضفة الغربية، قامت حكومة نتنياهو- سموتريتش بالمصادقة على تحويل 8 بؤر إلى مستوطنة رسمية، مع البدء بإجراءات لتسوية أوضاع 63 أخرى بهدف تحويلها إلى مستوطنات رسمية خلال فترة الحكومة الحالية (أنظر/ي قائمة "البؤر" التي صرحت الحكومة الإسرائيلية ببدء مشروع تسويتها، في الهامش[i]).

3) من جهة ثالثة، هناك المستوطنات الرعوية (بالإنكليزية: Shepherd farms؛ لكن إسرائيل تسميها "مزارع" أو "مزارع فردية"). والمستوطنة الرعوية تنشأ من خلال سيطرة مزارع فرد، أو "شلة" مستوطنين من شبيبة التلال، أو أسرة نووية (زوج وزوجة وأطفالهما) على جبل أو جبلين أو أكثر في الضفة الغربية لتربية المواشي.[ii] ووفقاً لزئيف حيفر، مدير عام جمعية "أمانا" الاستيطانية، فإن هذا النموذج يمكنه السيطرة على آلاف الدونمات بسرعة مقارنةً بالطرق التقليدية التي تتطلب إجراءات بيروقراطية. ويقوم الاستيطان الرعوي على استراتيجية "وضع اليد" على أراض واسعة، وتحويلها إلى "حيز مستخدم" من قبل اليهود، ومن ثم ربطها بالبنية التحتية الاستيطانية (شوارع، مياه، كهرباء، إنارة، إنترنت) - أما بناء المستوطنات (أحياء سكنية، مدارس، عيادات) فيأتي كتحصيل حاصل. بينما أن المستوطنات (مشروع دولة) والكرافانات الثابتة (مشروع المستوطنين من الأسفل) تهدف إلى بناء أحياء سكنية جديدة، فإن الاستيطان الرعوي يعمل بشكل استراتيجي بعيد المدى من خلال "حسم" حدود الفضاء المتاح للفلسطينيين، ورسم حدوده الضيقة، وفي الوقت نفسه "حسم" ما تبقى من الضفة الغربية كتخوم متاحة لليهود حصراً.

2. ما هي أنواع الاستيطان الرعوي؟

ينطوي الاستيطان الرعوي على ثلاثة نماذج، تتطابق مع بعضها في الغايات (الاستحواذ على مئات الدونمات وبشكل فوري وتخصيصها لليهود) لكنها تتباين عن بعضها في الأسلوب (كيف يتم الاستحواذ)، وهي:

2.1 استيطان رعوي توراتي- عقائدي

وهي مزارع رعوية أقيمت على يد "النواة الصلبة" في تيار الصهيونية الدينية، أو ما يعرف بالتيار الحردلي (للمزيد حول هذه التيار الذي يمثله في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، أنظر الهامش[iii]). أحد أهم النماذج هو المزرعة الرعوية الاستيطانية المسماة "ميجد هآرتس" (تأسست العام 2018).  مؤسس هذه المزرعة هو المتطرف آرون جيان الذي كان يسكن في كفار داروم في قطاع غزة قبل إخلائها العام 2005. بعد ذلك، استوطن جيان في مستوطنة إيتمار في منطقة نابلس. وفي العام 2018 خرج من إيتمار، وانتقل لبناء مزرعة في منطقة طولكرم على أراضي قرية شوفا الفلسطينية (لرؤية موقع هذه المستوطنة الرعوية على الخارطة، أنظر الرابط في الهامش[iv]). المزرعة أقيمت على أراض مصنفة من قبل الجيش كأراضي دولة، واليوم تسيطر المزرعة على حوالى 40 ألف دونم! هذه الأراضي تستخدم لرعي الأغنام والماشية، بالإضافة إلى تخصيص مساحات واسعة منها لزراعة خضروات عضوية، وتوجد فيها حمامات، منازل خشبية، ومعامل لتغليف وتعبئة المنتجات الزراعية، وقطيع أغنام، بالإضافة إلى أنها تسيطر على مواقع أثرية. يعيش في المزرعة فقط 7 أشخاص، بالإضافة إلى متطوعين مزارعين يتبدلون بشكل دوري.

مزرعة أخرى مهمة هي مزرعة بار يوسف (تأسست العام 2019) في محافظة رام الله ما بين قريتي جيبيا وكوبر. وبار يوسف هو من أعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وله سوابق جنائية في الاعتداء على الفلسطينيين وحتى على مستوطنين آخرين! في شباط 2021، كتبت منظمة كرم ناڤوت الإسرائيلية المناهضة للاحتلال ما يلي: "مرحبا بكم في مزرعة الإرهاب... هل تعرف تسفي بار يوسف؟... هو مستوطن عنيف... ربما كان سيخضع منذ فترة طويلة للمحاكمة الجنائية. لكن الضفة الغربية ليست مكانا طبيعيا، لذا فإن تسفي بار يوسف لا يحاكم فحسب، بل يمتلك مزرعة ماشية تم بناؤها على مدى العامين الماضيين على آلاف الدونمات شرقي مستوطنة حلميش".[v]

في آذار 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بار يوسف بسبب عنفه غير الخاضع للمساءلة الإسرائيلية (وهي بذلك أرادت أن تنبه الحكومة الإسرائيلية بخصوص عنف المستوطنين الذي بات "مفضوحا"!). لكن الأخير لم يهتم، بل إنه رفع دعوى قضائية على منظمة كرم ناڤوت بدعوى "التشهير" (ورأى أنها السبب في فضحه أمام الولايات المتحدة!). وبالفعل، صادقت المحكمة الإسرائيلية بتاريخ 20 أيار 2024 على تغريم المنظمة بحوالى 40 ألف شكيل، من المرجح أن المبلغ سيساعد بار يوسف على تطوير مستوطنته الرعوية.[vi]

من المهم الإشارة إلى أن المستوطنات الرعوية التوراتية- العقائدية عادة ما تقام بين المدن أو القرى الفلسطينية، وتحظى بحماية شديدة من قبل الجيش الإسرائيلي. أهمها، على سبيل المثال لا الحصر، المستوطنة الرعوية "ميجد هآرتس" (على أراضي قرية شوفا في طولكرم)، "مزرعة بار يوسف" (على أراضي كوبر في رام الله)، مزرعة "حقل أفرايم" (على أراضي رأس كركر في رام الله- أنظر/ي الخارطة في الهامش[vii])، مزرعة "عائدون إلى البلاد" (على أراضي قرية دير استيا في نابلس- أنظر/ي الخارطة في الهامش[viii])، مزرعة (أو خمارة) توم (على أراضي قرية يانون في محافظة نابلس- أنظر/ي الخارطة في الهامش[ix]).

2.2 استيطان رعوي سياحي (تحالف التوراة مع الـ Business)

وهي مستوطنات رعوية أقيمت من قبل عائلة نووية (زوج وزوجة وأطفالهما)، وهي تمزج بين التمسك بالتوراة والحنين إلى أرض الميعاد كذريعة استعمارية وبين القيام بأعمال ربحية- سياحية. عدد من هذه المستوطنات الرعوية مقامة إما على جبال وسهول الضفة الغربية المحاذية للخط الأخضر أو على فروش الأغوار في منطقة قريبة من شارع 90 (وكلا المنطقتين يوفران "وصولا سهلا وآمنا" للإسرائيليين).

مثلا، مزرعة "إله الواحة" (بالعبرية: إيل ناڨيه)، أقيمت العام 2019 في محافظة طولكرم، على أراضي قرية قفين المحاذية لشارع 6 بالقرب من خربة المسعود أو قرية ظهر العبد. وهي مزرعة لتربية المواشي وتسيطر على مئات الدونمات المفتوحة لرعاية الأغنام. أقيمت هذه المستوطنة الرعوية من قبل عائلة شوارتز (زوجان يهوديان استيطانيان)، ويقدر بأن هناك 2-3 منازل فقط في المزرعة، وتقوم العائلة بتربية المواشي ورعايتها وتخصص أراضي المزرعة "الجميلة" لإقامة مناسبات الأفراح والأعراس والسياحة الروحانية في الطبيعة. على الموقع الإلكتروني للمستوطنة الرعوية كتب الزوجان: "أنشأنا مزرعتنا من أجل خلق وجود يهودي وحماية أراضي الدولة في المنطقة، بدافع الحب الكبير لأرضنا والرغبة في المشاركة في العملية التاريخية للعودة إلى صهيون... "صعدنا" إلى الأرض في رأس السنة العبرية، في منتصف الشتاء، بلا شيء، وببطء مع الكثير من الإيمان والمساعدة من المتطوعين - الشباب الأبطال، قمنا ببناء المزرعة. حجر آخر، مسار آخر، هيكل آخر. في الليل كلنا نقوم بالحراسة، وفي النهار نعمل على رعاية القطيع". ويقتبس الزوجان أثناء تشييد الـ business الخاص بهما من التوراة: "ترشد برأفتك الشعب الذي فديته. تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك." (سفر الخروج 15:13) [في النص العبري، ترد كلمة "واحة قدسك"، ومنها اسم إله الواحة، والتي يتم ترجمتها في النص العربي إلى مسكن قدسك- ترجمة وليد حباس]. ويتابع الزوجان كتابتهما على الموقع: "تقع المزرعة في شمال السامرة، في غابة صنوبر جميلة، على سلسلة من التلال المطلة على البحر الأبيض المتوسط... كجزء من رؤيتنا لازدهار شمال السامرة والعودة إلى الحياة، قررنا افتتاح، وإقامة المناسبات، وحفلات الزفاف، والاحتفالات." (لرؤية موقع المزرعة على الخارطة- أنظر/ي الهامش).[x]

مستوطنة رعوية أخرى مثيرة للاهتمام لأنها تأسست على أيدي مستوطنين من أصول أثيوبية، هي "أديس عيليم" (أقيمت العام 2019) والمقامة في محافظة رام الله إلى الغرب من قرية بيت لقيا (وفي اللسان الاستيطاني المسمى اللطرون والذي يقع في الضفة الغربية لكنه على الجانب الإسرائيلي من الجدار). هذه المزرعة تم إنشاؤها من قبل "الجالية الأثيوبية" (هكذا تعرفها على المواقع الإلكترونية الإسرائيلية). بالإضافة إلى رعاية المواشي، تقدم المزرعة نفسها على أنها "نموذج" في بيزنيس الضيافة (Catering)، أي تقديم الطعام الخاص بالمناسبات والحفلات، وفيها مطعم يستقبل الزوار، وتعتبر مزاراً للعديد من الإسرائيليين (لرؤية موقع المزرعة على الخارطة أنظر الهامش[xi]).

2.3 مزارع رعي لشبيبة التلال

وهي مستوطنات رعوية أخرى، يقع بعضها بمحاذاة شارع 60، وهو الشارع الاستيطاني الأهم الذي يفصل مدن رام الله ونابلس والخليل عن منطقة الأغوار، ويشكل حداً أساسياً في ترسيم التخوم. تعيش في هذه المزارع "شلة" من شبيبة التلال الذين عادة ما يتم تعريفهم في المؤسسات الإسرائيلية الرسمية باعتبارهم "شبان في ضائقة" ويحتاجون إلى برامج تربوية لدمجهم في الحياة الاجتماعية بشكل بساعدهم على التخلص من "الاختلال النفسي".[xii]

مثلا، في 21 كانون الأول 2020، أقدم مستوطنون شبان، يقودون سيارة "مشطوبة"، على رشق الفلسطينيين بالحجارة في منطقة ما على رأس جبل العاصور على أراضي قرية سلواد. ثم اقتحمت سيارتهم حاجزاً للشرطة الإسرائيلية لم تكن تتوقع وجوده في المكان؛ في رد فعل سريع، بدأت الشرطة بمطاردة انتهت بتصادم بين سيارة الشرطة وسيارة المستوطنين، مما أدى إلى انقلاب الأخيرة ومقتل المستوطن أهوفيا سينداك. بعد يومين فقط من الحادث، قام أصدقاء سنداك بإقامة بؤرة استيطانية تحمل اسمه (تلة أهوفيا) في الموقع الذي لقي فيه حتفه. هذه البؤرة الاستيطانية ضمت مزرعة أغنام وسيطرت على مئات الدونمات بحجة تحويلها إلى مناطق للرعي. ثم حضر عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش لافتتاح البؤرة، حيث قام سكانها بأعمال تخريبية للمحاصيل الفلسطينية في المنطقة. اليوم، يقطن في البؤرة حوالى ستة أشخاص ولديهم 200 رأس من الغنم، ويقول أحد أفرادها، وهو يحضر "صاجية" لحوم في الهواء الطلق، وتبدو ملابسه الممزقة والمتسخة كأنها تتقمص شخصية الراعي الفلسطيني: "رعي الأغنام قد يبدو أنه مصدر رزق، لكن الفكرة من ورائه ليست اقتصادية وهذا واضح للجميع... وإنما هي حاجة استيطانية للاستيلاء على المكان. نحن نريد أن يكون هناك يهود في الضفة الغربية وليس عرباً".[xiii]

هناك العديد من المستوطنات الرعوية التي يديرها شبيبة التلال، والذين يتميزون بسوالف غليظة، وملابس متسخة، ويحبون الاستماع إلى أغان عربية بدوية! (لرؤية فيديوهات حول هذه المستوطنات الرعوية، أنظر/ي الرابط في الهامش[xiv]).

3. لماذا يستخدم المستوطنون "الاستيطان الرعوي"؟

يشكل الاستيطان الرعوي إحدى الأدوات الجديدة والناجحة للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، مما يمكّن المستوطنين من الحصول على مساحات شاسعة من الأراضي والعمل كحراس للتخوم. مفهوم التخوم (frontiers) أمر بالغ الأهمية في دراسات الاستعمار الاستيطاني لفهم ديناميات التوسع على الأرض. تشير التخوم إلى الحدود المتحركة الزاحفة (creeping) التي تفصل الأراضي التي يسيطر عليها المستوطنون (ما هي الأراضي التي "تدخل" في مشروع الاستيطان) وأراضي الفلسطينيين (ما هي الأراضي التي لا تدخل في المشروع الاستيطاني). هذه التخوم، التي يرسمها الاستيطان الرعوي، ليست ثابتة؛ فالمستوطنون الرعاة يتحركون باستمرار مع توسيع المراعي، مما يقلص أراضي السكان الأصليين ويحصرها، وغالباً ما يجعلها جيوباً مغلقة ومحاصرة. في الوقت نفسه، لا يزال "الخارج" (المنطقة "ج" تحديداً) فضاءً مفتوحاً للتوسع الاستيطاني المستمر.

تاريخياً، في تجارب الاستعمار الاستيطاني في أميركا، كندا، أستراليا وغيرها، أضفى الاستيطان الرعوي "الشرعية" على مطالبات المستوطنين بأراضي السكان الأصليين، وغالباً ما يتم تأطير هذه المزارع الرعوية كجزء من مهمة المستوطن الحضارية لتبرير تهجير الشعوب الأصلية وفصلها عن أراضيها. تخلق هذه العملية ثنائية مكانية (spatail binarism) بين الحيز الفلسطيني المستثنى والخاضع للرقابة (مناطق "أ" و"ب") وفضاءات المنطقة "ج" الواسعة والمتاحة. في هذا السياق، تعمل المستوطنات الرعوية كبؤر تحدد حواف الأراضي "اليهودية" في "يهودا والسامرة" وتحميها من زحف السكان الأصليين.[xv]

as2155

 خارطة تقديرية للمستوطنات الرعوية[i]

 

4. كيف "ترعى" دولة إسرائيل الرعاة في مزارع الاستيطان الرعوي؟

حسب تقرير صدر العام 2022، يسيطر الاستيطان الرعوي على حوالى 300 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية (ويمكن تقديره في منتصف العام 2024، استناداً إلى تقدير يقوم على وتيرة توسعه، بحوالى 350-380 ألف دونم). هذه المساحة تشكل حوالى 10% من مساحة المنطقة "ج"، مع العلم بأن المستوطنات التي تتمدد منذ العام 1967 تسيطر على ما نسبته 9% فقط من أراضي المنطقة "ج". ويمكن النظر إلى ثلاثة مستويات من رعاية دولة إسرائيل لهذا النمط من الاستيطان:

4.1 المستوى الأول: رعاية مجالس الاستيطان

في حال تقمصنا نظرة المستوطنين للضفة الغربية وقمنا بـ "إخفاء" الفلسطينيين مؤقتاً عن الخارطة، فإن الضفة الغربية كاملة مقسمة إلى 7 محافظات (أو مجالس استيطانية إقليمية) هي:

  • مجلس مستوطنات شومرون: يمتد من منطقة أريئيل وحتى شمال الضفة الغربية باستثناء منطقة الأغوار ويضم حالياً 31 مستوطنة.
  • مجلس مستوطنات بنيامين: يمتد من منطقة أريئيل وحتى معاليه أدوميم باستثناء منطقة الأغوار ويضم حالياً 54 مستوطنة.
  • مجلس إقليمي بكعات هيردين: وهو الأغوار الشمالية الممتدة من شمال الضفة الغربية وحتى أريحا ويضم 21 مستوطنة.
  • مجلس إقليمي مغيلوت: وهو الأغوار الجنوبية وصولاً إلى قرية خشم الدرج الفلسطينية شرقي يطا- 6 مستوطنات.
  • مجلس إقليمي غوش عتصيون: وهو يمتد من القدس حتى مشارف حلحول ويضم 14 مستوطنة.
  • مجلس إقليمي هار حفرون (جبل الخليل): وهو يضم حوالى 16 مستوطنة.
  • أما القدس، فتم ضمها الى دولة إسرائيل.

ولأن المجالس الاستيطانية ترسم حدودها لتغطي 100% من مساحة الضفة الغربية (أنظر التقسيمة على الخارطة على موقع رابطة مجالس الاستيطان في الضفة الغربية)[1]، فإن كل المستوطنات الزراعية تقع، نظرياً، في الحيز الذي يشرف عليه مجلس استيطاني ما، وتتلقى الدعم والرعاية منه. في العديد من الحالات، تعرف إسرائيل المزارع الاستيطانية، أو البؤر الاستيطانية، باعتبارها "أحياء" جديدة تابعة لمستوطنة ما، وعندما تتم "تسويتها" قانونياً فإنها تتبع تلقائياً إلى المخطط الهيكلي التابع للمستوطنة، وهو مخطط يتوسع باستمرار. على الموقع الإلكتروني لبعض المجالس المحلية، يتم إدراج المستوطنات الزراعية كجزء من "المجتمع اليهودي" في الضفة الغربية.

4.2 المستوى الثاني: رعاية منظمات المجتمع المدني الاستيطاني

 

هناك العديد من الجمعيات الاستيطانية، المسجلة إما كمنظمات مجتمع مدني (NGOs) في إسرائيل، والتي تعمل على رعاية الاستيطان الرعوي، وبعضها أقيم خصيصاً لغرض الاستيطان الرعوي، أهمها:

  • حراس يهودا والسامرة: وهي منظمة أقيمت العام 2013 بهدف "تعزيز الأمن الشخصي والاقتصادي للمزارعين ومربي القطعان في يهودا والسامرة من خلال الحماية الطوعية من أجل منع إلحاق الضرر بالممتلكات والأراضي [اليهودية]". [وهي تقوم بـ] "المساعدة في العمل والحراسة والتدريب والمحاضرات للمتطوعين". ميزانية المنظمة في العام 2022 وصلت إلى حوالى 7.5 مليون شيكل، وتلقت دعماً حكومياً بقيمة نصف مليون شيكل العام 2023، ولديها حوالى 2500 متطوع يعملون في المزارع الاستيطانية في الضفة الغربية.
  • حركة أمانا: وهي حركة منبثقة عن غوش إيمونيم، تأسست العام 1978 وتهدف إلى "توطين" اليهود في الضفة الغربية من خلال إقامة مستوطنات جديدة، وفي مؤتمرها العام 2021 وضعت "رؤية" مستقبلية تحت عنوان "مليون يهودي في الضفة الغربية بحلول 2050". وتصل ميزانيتها إلى أكثر من 10 ملايين شيكل.
  • منظمة نحالا: وهي حركة استيطانية أقيمت العام 2005 بهدف منع إقامة دولة فلسطينية، و"توطين" اليهود في الضفة الغربية من خلال بناء "بؤر" جديدة. وقد أقامت الحركة خيمة احتجاج أمام منزل نتنياهو في العام 2018 اعتراضاً على "صفقة القرن" التي قد تمنح الفلسطينيين دولة (وإن كانت ممزقة).
  • إم ترتسو: منظمة أقيمت العام 2006 باعتبارها ممثلة لليمين الصهيوني "الأصلي" الذي يسعى إلى العودة إلى برنامج بازل (1897) و"توطين" اليهود في "أرض الميعاد"، وهي تنشط بشكل كبير في بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية وتحقيق التكامل بين الجيش، المستوطنين، وعائلات القتلى الإسرائيليين.
  • جمعية كيدما، أقيمت العام 1993 وتعرف نفسها كجمعية تسعى إلى تحقيق المساواة في التعليم من خلال إعادة الاعتبار للقيم الاستيطانية ودورها الريادي في بناء الأمة اليهودية.
  • جمعية "في أرضنا" (أو بالعبرية: بـ أرتصينو)، هي جمعية أقيمت العام 2016، وتدير ميزانية تصل إلى مليون شيكل سنوياً، وتعرف نشاطها كالتالي: "إعادة الاعتبار للاستيطان في الجليل والنقب والقدس ومناطق أخرى مهمشة في أرض إسرائيل [المقصود: الأرض المحتلة]، وتختص الجمعية برعاية المزارعين، والرعاة، والحراسة".[2]

4.3 المستوى الثالث: رعاية وزارات الدولة

على الرغم من أن "البؤر" الاستيطانية والاستيطان الزراعي يعتبران استيطاناً "بدون موافقة رسمية" من دولة إسرائيل، فإنه لا يعني أنه يجري على الرغم منها. على العكس، ترعى دولة إسرائيل الاستيطان الزراعي، مادياً ولوجستياً، وتوفر له الحماية، وبشكل سخي. هذا يتيح لدولة إسرائيل أن تتحايل على المجتمع الدولي الذي يراقب وينتقد (بشكل مؤدب) انفلات المشروع الاستيطاني من عقاله خلال السنوات السابقة، ومن جهة أخرى يترك الأمر هامشاً عريضاً لوزراء الحكومة (كل حسب أجندته الأيديولوجية) من أجل رعاية الاستيطان الزراعي على طريقته.

حسب تحقيق قام به موقع "سيحا مكوميت"، مولت دولة إسرائيل (أي الحكومة الإسرائيلية ومؤسسات الدولة) منظمة "حراس يهودا والسامرة" بحوالى 6 ملايين شيكل (ما بين الأعوام 2018-2022).[3] أهم الوزارات التي تمول الاستيطان الرعوي بشكل مباشر، وصريح: وزارة الزراعة (كون الرعاة يعملون في مجال الزراعة وتربية الماشية)، ووزارة التربية والتعليم (بعض الاستيطان الزراعي يصنف كبرامج "تأهيل" للشبيبة التوراتية المصنفة كـ "شبان في خطر")، ووزارة الدفاع (من خلال دائرة الاستيطان التي يترأسها يسرائيل يهودا، من مؤسسي منظمة ريغافيم واليد اليمنى لسموتريتش، ومن خلال الإدارة المدنية التي يشغل منصب نائب رئيسها المستوطن هيلل روت، وهو أيضا من المقربين من الوزير سموتريتش).

أدناه، قائمة بأهم المستوطنات الرعوية في الضفة الغربية:

المستوطنة الرعوية

تأسيس

الموقع

مزرعة "إله الواحة"

2019

محافظة طولكرم، ما بين قرية قفين وشارع 596، بالقرب قرية ظهر العبد

ماعوز تسيبي

2007

محافظة جنين، على أراضي قرية يعبد

مزرعة ليلينتال

2018

محافظة طوباس، بالقرب من قرية كردلة في الأغوار الشمالية

مزرعة تانا ياروك

2012

محافظة طوباس، الى الشرق من شارع "ألون" بالقرب من مستوطنة روتيم

ميجد هآرتس

2018

محافظة طولكرم، الى الشمال من قرية شوفا

مزرعة عيميك تيرتسه

2021

فروش بيت دجن

مزرعة خمارة توم

2018

محافظة نابلس، الى الشرق من قرية يانون

مزرعة شوفيه هآرتس

ب. ت.

محافظة نابلس، على أراضي قرية دير استيا

مزرعة ناحال شيلو

2019

محافظة رام الله، على أراضي قرية سنجل

المزارع السعيد

ب. ت.

محافظة رام الله، شارع 5055 الى الشمال من المغير

ملاخي هشالوم

2016

محافظة رام الله الى الشرق من قرية المغير

مزرعة بار يوسف

2019

محافظة رام الله، شرق مستوطنة حلميش ما بين كوبر وأم صفا

مزرعة ماغنيزي

2019

محافظة رام الله، ما بين شقبا ونعلين

حقل أفرايم

2018

محافظة رام الله، على أراضي قرية راس كركر

معاليه أهوبيا

2020

محافظة رام الله، سلواد، فوق تل العاصور

مزرعة هاشاش

2020

محافظة رام الله، الى الشرق من قرية الطيبة

مزرعة بوابة أريحا

2021

على طريق المعرجات، شارع 4490

مزرعة البدايات

2020

وادي القلط

مزرعة أديس عيليم

2021

محافظة رام الله، الى الغرب من بيت لقيا

مزرعة عدن

2021

محافظة بيت لحم، ما بين قرتي حوسان ونحالين

مزرعة كاشوالا

2012

محافظة بيت لحم، الى الجنوب الغربي من نحالين

مزرعة ناغوهوت

2017

محافظة الخليل، الى الشرق من بيت عوا

مزرعة تاليا

1995

محافظة الخليل، بالقرب من بيت يتير في أقصى جنوب يطا

مزرعة ماكنيه يهودا

ب. ت.

محافظة الخليل، بالقرب من الأصايل في أقصى جنوب يطا

مزرعة ابراهام

2017

محافظة الخليل، جنوبي الظاهرية

مزرعة آبيحاي

2023

محافظة رام الله، شمال قرية رنتيس

مزرعة حب العالم

2020

محافظة رام الله، شرقي قرية عين يبرود

مزرعة حب البلاد

2021

محافظة بيت لحم، شرقي سعير

مزرعة الرشاش

2021

في الأغوار، شرقي قرية دوما

مزرعة تانا الخضراء

2012

الأغوار، جنوبي بردلة

مزرعة البرق

2012

محافظة الخليل، بالقرب من بيت يتير في أقصى جنوب يطا

مزرعة فني كيديم

2021

محافظة بيت لحم، شرقي سعير

المراجع

 

[1] أنظر/ي الخارطة: https://myesha.org.il/?CategoryID=167

[2] https://artzenu.org.il

[3] https://www.mekomit.co.il/המדינה-מממנת-במיליוני-שקלים-עמותה-הפו/

[i] الخارطة تقديرية، وتم نشرها بالإنجليزية العام 2022 من قبل هيئة تحرير مجلة The Guardian. أنظر/ي الرابط التالي: https://www.theguardian.com/world/2022/jun/20/land-beyond-road-forbidden-israeli-settler-shepherds-displacing-palestinians

[i] أنظر/ي قرار الحكومة الإسرائيلية رقم 6/ب للعام 2023 حول تسوية البؤر الاستيطانية على الرابط التالي: https://www.gov.il/he/pages/dec6b-2023؛ ثم أطلب قائمة البؤر التي تم إدراجها ضمن هذا القرار في 23 شباط 2024 من مركز مدار على الإيميل التالي: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته..

[ii] هدى مباركة، "الاستيطان الرعوي شكل جديد من أشكال الاستعمار الاستيطاني في منطقة الأغوار"، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد 83 للعام 2021؛ ووليد حباس، " إسطبلات الخيول في أراضي "ج"... استيطان رعوي بدعم من "كوبات حوليم""، في المشهد الإسرائيلي، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، بتاريخ 5 كانون الأول 2022.

[iii] وليد حباس، "الحردلية: التيار المتزمت دينياً، المتطرف قومياً والمحافظ ثقافياً"، في هنيدة غانم (تحرير)، اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع الهيمنة الشاملة (رام الله، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، 2023)، ص: 187-218.

[iv] أنظر/ي الخارطة على موقع "السلام الآن". الرابط:  https://peacenow.org.il/settlements/settlement1124

[v] https://www.keremnavot.org/post/צבי-בר-יוסף-משתולל

[vi] https://www.kikar.co.il/israel-news/sdmg1c

[vii] أنظر/ي الخارطة: https://hashomeryosh.org/points/שדה-אפרים/

[viii] https://www.facebook.com/p/חוות-שובי-ארץ-100083880326102/?paipv=0&eav=AfZimzJg1RuUVMZm_JTVFEw0ymWpiHeS8TKgxKNFtCl6dK-lOePIwtkg9YzA9FRG6EA&_rdr

[ix] أنظر/ي الخارطة: https://hashomeryosh.org/points/2988-2/

[x] أنظر/ي الخارطة: https://www.elnavefarm.com/קצת-עלינו

[xi] أنظر/ي الخارطة: https://hashomeryosh.org/points/אדיס-עלם/

[xii] مثلا، أنظر/ي: https://hibur-hadash.org.il/position/שומר-יוש-חוות-שומרון/

[xiii] https://www.youtube.com/watch?v=xcmIcolpGSo

[xiv] أنظر/ي حساب عيزري طوبي على YouTube تحت عنوان: "جولات في تلال ومزارع يهودا والسامرة". الرابط: //www.youtube.com/@EzriToBe">https://www.youtube.com/@EzriToBe

[xv] في المقابل، فإن التجمعات الرعوية الفلسطينية المهددة في فضاءات الضفة الغربية هي أيضا موضوع جدير بالاهتمام، باعتبارها شكلاً من أشكال المقاومة الأصلانية. أنظر/ي Good Shepherd Collective على الرابط التالي: https://goodshepherdcollective.org.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات