المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو وغانتس وغالنت: ثلاثي الحسابات المعقّدة. (عن: إٍسرائيل اليوم)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 787
  • برهوم جرايسي

يفتتح الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع دورته الصيفية، التي ستستمر حتى الرابع والعشرين من شهر تموز المقبل، وهي الدورة البرلمانية الثانية التي تُعقد في ظل الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وفي ظل أنظمة الطوارئ القائمة على أساس إعلان "حالة الحرب"، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. إلا أن الدورة الصيفية تبدأ في ظل احتمال قوي لنهاية حكومة الطوارئ، بعد الإنذار الذي طرحه الشريك بيني غانتس، أمام بنيامين نتنياهو، مساء يوم السبت 18 أيار، لبلورة خطة إستراتيجية في غضون 3 أسابيع. غير أنه في حال غادر غانتس حكومة الطوارئ، فإن الائتلاف الأساسي لحكومة نتنياهو، الذي يرتكز على 64 نائبا، ما زال متماسكا، وهو الأمر المقرر في مسألة الانتخابات المبكرة.

وعلى أجندة الدورة الجديدة الاستمرار في تمديد سريان قوانين مؤقتة لتسيير الحرب وقمع الحريات والتنكيل، إلا أن الملف الذي سيبدو ساخنا هو سن قانون تجنيد الشبان اليهود الحريديم، إحدى نقاط الخلاف مع غانتس.

وفي الأجواء الإسرائيلية العامة، برلمانيا وميدانيا، لا توجد قوة مركزية ذات وزن، تدعو إلى إنهاء الحرب، فالحراك المركزي الأساس، الذي نشهده في الشارع الإسرائيلي، حتى الآن، يدعو إلى تحرير الرهائن، أو بحسب التسمية الإسرائيلية "المخطوفين" في قطاع غزة، بأي ثمن؛ والشعار الثاني، وهو أقل قوة، يدعو إلى انتخابات مبكرة، وهو مطلب لا يبدو أنه يحظى بمد جماهيري، لأن المنطق السياسي، وخاصة في إسرائيل، لا يجيز حل حكومة، والغوص بحملات انتخابية ساخنة، في ظل حرب متصاعدة على قطاع غزة، وأيضا الضفة الغربية المحتلة، وبموازاة هذا، استمرار الاشتباكات مع حزب الله اللبناني.

هل وصلت حكومة الطوارئ إلى نهايتها؟

في مساء السبت 18 أيار، قبل أقل من 48 ساعة على افتتاح أعمال الهيئة العامة للكنيست في دورته الصيفية، ألقى بيني غانتس خطابا في مؤتمر صحافي، طرح فيه إنذارا أمام شريكه بنيامين نتنياهو، يطلب فيه بلورة خطة إستراتيجية، في كابينيت الحرب، تضمن تحقيق 6 أهداف، على أن تكون الخطة جاهزة ومتفقاً عليها، حتى يوم الثامن من حزيران المقبل، وإلا فإن غانتس وكتلته البرلمانية، "المعسكر الرسمي"، ستغادر حكومة الطوارئ، ليعود الائتلاف الحاكم يرتكز على 64 نائبا، بمعنى أغلبية مطلقة في الكنيست.

جاء خطاب غانتس هذا بعد أيام من تصريح صحافي ألقاه وزير الدفاع يوآف غالانت، من حزب الليكود، يكشف عن خلافات مع نتنياهو، ملمحا إلى حسابات شخصية تقف وراء قرارات نتنياهو الأخيرة، وداعيا إلى إحداث اختراق في حالة الحرب وأيضا كيفية إنهائها. وتُجمع التقديرات الإسرائيلية على وجود توافق بين غالانت وغانتس في الموقف، إلا أنه وفق ما يظهر، وبحسب التقديرات، فإن هذا لا يعني انشقاقا في كتلة الليكود، الذي يحتاج إلى 11 عضو كنيست من الكتلة لتنفيذ الانشقاق، والاعتراف بكتلتهم برلمانيا بموجب القانون، الذي يضع حدّاً أدنى للانشقاق، وهو ثلث الكتلة البرلمانية.

والنقاط الست، كما طرحها غانتس وبلغته: 1- إعادة "المخطوفين" (الرهائن). 2- القضاء على حركة حماس وانهيارها بالكامل، ونزع السلاح كليا من قطاع غزة. 3- ضمان إقامة مديرية لقطاع غزة، تشمل الولايات المتحدة وجهات أوروبية، وأيضا فلسطينية (وفي الورقة التي وزعها على الصحافة، قال غانتس إنه يرفض مشاركة حركة حماس والسلطة الفلسطينية). 4- ضمان عودة سكان شمال البلاد (قبالة الحدود مع لبنان) حتى الأول من أيلول المقبل. 5- ضمان توقيع اتفاقية تطبيع مع المملكة السعودية. 6- ضمان سن قانون يفرض الخدمة العسكرية على كافة الإسرائيليين.

ولم يقدم غانتس تفصيلات لبنوده الستة، مثل كيف سيضمن عودة سكان الشمال إلى بلداتهم، فهل بشن حرب سريعة على لبنان مثلا؟

البند السادس والأخير صاغه غانتس بحذر شديد، كي لا يُغضب كتلتي الحريديم، إذ إنه يريد سن قانون يضمن تجنيدا أكبر لشبان الحريديم، وليس القانون الذي كان صاغه غانتس نفسه مع قيادة الجيش، قبل أكثر من عامين، ويريد نتنياهو الاستمرار به الآن، فبحسب ادعاءات غانتس وغيره، فإن صيغة مشروع القانون القائم، الذي مرّ قبل أكثر من عامين بالقراءة الأولى، لم تعد تلائم الواقع العسكري الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ إن الفكرة التي اعتمدها الجيش قبل سنوات، لتقليص القوة البشرية وزيادة القوة التكنولوجية، لم تعد واقعية، ويُعلن الجيش أنه بحاجة إلى قوة بشرية أكبر. وسنأتي على هذا القانون هنا لاحقا.

وانتقد نتنياهو، ومعه كتلتا اليمين الأشد تطرفا في حكومته، بزعامة كل من الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، خطاب غانتس، لكن نتنياهو أبقى الباب مفتوحا، ولم يرفض كل ما ورد كليا، رغم أن مسألة التجنيد ستبقى خلافية.

نشير هنا إلى أن خطاب غانتس لم يكن خطاب الند لجوهر خطاب اليمين الاستيطاني، باستثناء تلميحه لرفض إعادة الاحتلال الفعلي وفرض حكم عسكري كامل على قطاع غزة، وهذا أيضا هو موقف الوزير غالانت. فغانتس شدد، ضمنا، على ضرورة استمرار الحرب، ومن أبرز ما قاله، رفضه للسلطة الوطنية الفلسطينية، ورفض أن تفرض أي دولة أو جهة في العالم على إسرائيل إقامة دولة فلسطينية.

لكن التجربة علمت أنه حينما تبدأ لهجة الإنذارات للشركاء في الائتلاف، فهي تكون بداية النهاية للشراكة، حتى لو تأخرت عن اليوم الذي حدده غانتس، الثامن من حزيران المقبل. وسنأتي هنا على الاستطلاعات، والجديد فيها واحتمالات الانتخابات المبكرة.

على أجندة الدورة الصيفية

في الكنيست، على وجه الخصوص، فإن جميع كتل المعارضة الصهيونية، على الإطلاق، تؤيد استمرار الحرب، ومن هذه الكتل من يقارع حكومة نتنياهو بأنها لا تضرب بشدة كافية، مثل حزب "إسرائيل بيتنا"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي تتنبأ له استطلاعات الرأي زيادة في قوته البرلمانية.

وسيكون على أجندة الكنيست في دورته القصيرة نسبيا، مقارنة بالدورة الشتوية، التي هي ضعفي المدة الزمنية، تمديد عدة قوانين طوارئ، عرضتها الحكومة بالتزامن مع إعلان الحرب، وتم تمديدها تباعا لثلاثة أو أربعة أشهر في كل مرة، وحسب ما نرصده في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، فإن هذه القوانين تنتهي فترة تمديدها في شهري حزيران وتموز، ومنها ما يتعلق بتشديد ظروف الأسرى في سجون الاحتلال جميعا، ومعهم من تتم تسميتهم في القانون الإسرائيلي بـ"محاربين غير شرعيين"، في إشارة إلى المقاتلين من قطاع غزة، الذين شاركوا في الهجمات ما بين 7 وحتى 13 تشرين الأول/أكتوبر، لكن من دون هذه التسمية، فإن كافة الظروف القاسية تُفرض على جميع الأسرى الفلسطينيين، وبضمنهم من يقبع فيها منذ سنين طويلة.

كما من هذه القوانين ما يمنع الالتقاء مع محام عدةَ أشهر، وأيضا قانون خاص يجيز عدم الامتثال للقوانين والمواثيق الدولية، بشأن الحد الأدنى للمساحة للأسير في الزنزانة، وأيضا ما يتعلق بجودة الطعام والملبس. أما التعذيب الوحشي فهو يُنفذ كسياسة عليا، وليس ضمن القوانين.

تجنيد الشبان الحريديم

الملف الساخن، إن صح التعبير، الذي يقف أمام الحكومة، هو قانون فرض التجنيد الإلزامي في الجيش على الشبان المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذين بغالبيتهم الساحقة جدا يمتنعون عن التجند لأسباب دينية، وبأوامر كبار الحاخامات، رغم مواقفهم اليمينية الاستيطانية، التي تتشدد باستمرار.

فالائتلاف الأساسي الحاكم، الذي يرتكز على 64 نائبا، بمعنى من دون كتلة "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، متوافقة في ما بينها، على سن قانون مخفف، ويرضي كتلتي الحريديم، إذ إن كتلتي الحريديم وجمهور الحريديم بغالبيتهم الساحقة باتوا عنصرا أساسيا في قوة اليمين الاستيطاني. وفي هذا الإطار، نذكر تحفظ وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي دعا إلى سن قانون تُجمع عليه جميع كتل الائتلاف، ويقصد كتلتي الحريديم، وكتلة "المعسكر الرسمي"، ويبدو أن هذا مطلب من الصعب تحقيقه، على ضوء التصريحات الصادرة عن الطرفين، خاصة تصريح غانتس الأخير، الذي يطالب بعدم اعتماد صيغة مشروع القانون القائم.

فالحكومة تقف في مواجهة المحكمة العليا، التي تطالب بسن قانون قائم على أساس المساواة في ما يسمى "توزيع العبء"، وهذه القضية ليست جديدة، بل مستمرة منذ ما يزيد عن 35 عاما، واصطدمت غالبية الحكومات، إن لم تكن كلها، مع قرارات للمحكمة العليا، ولم يتم الامتثال لها، باستثناء حكومتين تقدمتا بسن القانون خطوات، لكن لم يصل هذا إلى حيز التنفيذ العامل: حكومة بنيامين نتنياهو، 2013- 2015، يومها كانت من دون الحريديم، ومثلها الحكومة السابقة، برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد، واستمرت عاما واحدا، لتعود القضية إلى نقطة الصفر.

ويصر الحريديم على عدم سن قانون كهذا، ويطالبون بسن قانون إعفاء شبه كامل، أو في حال التنازل، سن قانون فضفاض جدا، وتطبيقه لا يغير الوضع القائم بشكل ملموس.

في الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنه قرر الاستمرار في سن القانون الذي أقر خلال الحكومة السابقة بالقراءة الأولى، وقال إن القانون تمت صياغته في الجيش؛ لكن حسب تحليلات صدرت في حينه، يبقى مجال المناورة واسعا للحكومة، لتقديم تسهيلات لقطاعات واسعة لشبان الحريديم. واعتقد نتنياهو أن هذا سيرضي شريكه غانتس، الذي قاد سن ذلك القانون في حينه.

إلا أن غانتس أعلن معارضته للاستمرار في سن القانون، وقال إن صياغته تمت قبل وقت طويل، من هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، التي كشفت ضُعف حجم القوى البشرية في الجيش، بمعنى أن الجيش بات ينادي الآن بزيادة حجم القوى البشرية عنده، من خلال شمل شبان الحريديم، وتقليل حيز الإعفاءات، وحتى زيادة أيام الاحتياط السنوية. 

وتبين من تقارير الصحافة، أن القانون الذي رأى فيه نتنياهو خشبة خلاص أمام كتلتي الحريديم، لا يضمن تجنيد أكثر من 15% من شبان الحريديم، في جيل التجنيد سنويا، ولغرض فهم الأعداد، عدنا إلى الإحصائيات الإسرائيلية، قبل 18 و19 عاما، فمنذ سنين طويلة قالت الإحصائيات الإسرائيلية إن 30% وأكثر من المواليد اليهود، هم من الحريديم، بمعنى أن من بلغوا سن 18 عاما، هذا العام 2024، يزيد عددهم عن 31 ألف شاب، وللمقارنة، في العام الماضي 2023 كان عدد المواليد الحريديم، بحسب التقدير، أكثر من 20 ألفا.

ولأن الشابات المتدينات اليهوديات، من كل التيارات، معفيات من الخدمة العسكرية بموجب القانون، إلا إذا اختارت الشابة التطوع في الجيش، فإن الحديث حاليا عن نحو 15 ألف شاب من الحريديم في سن التجنيد.

وهذه الأعداد تقول كل شيء، عما بتنا نسمع بعد 7 أكتوبر الماضي، عن حاجة الجيش لقوى عاملة أكثر، بعد أن لوّح الجيش سنواتٍ عديدة في الماضي القريب، بمسعاه لتقليص أعداد القوى البشرية، والاعتماد أكثر على التكنولوجيا.

وإذا صحّت تقديرات الصحافة الإسرائيلية، فقد يكون هذا السبب وراء الهدوء اللافت لكتلتي الحريديم بعد إعلان نتنياهو، وكما يبدو من باب "القبول بالخيار الأقل سوءا"، بالنسبة لهم.  

وعودة إلى غانتس، فعلى الرغم مما يعلنه، ودعوته لسن قانون أكثر وضوحا يضمن تجنيدا أوسع لشبان الحريديم، إلا أنه يرى أن استطلاعات الرأي ترشحه لقيادة الحكومة المقبلة، بغض النظر عن واقعية هذه النتيجة في يوم الانتخابات المقبلة، لكن هذا يجعل غانتس يعمل حسابا لكتلتي الحريديم، اللتين لن تنفكا عن تحالفها المخلص لحزب الليكود، ورغم هذا يريد أن يُبقي الباب مفتوحا أمامهما، ولو أمام كتلة واحدة منهما، كتلة شاس، وهذه الحسابات قد تجعله يخفف من موقفه لاحقا.

تماسك الائتلاف الأساسي والاستطلاعات

من المستبعد جدا أن تكون مسألة تجنيد الحريديم سببا لحل الحكومة، بمعنى انهيار الائتلاف الأساسي، وهذا ما قلناه من قبل، لأن كتلتي الحريديم تعرفان جيدا أنهما في الحكومة النموذجية بالنسبة لهما، في الوضع القائم، ولا ضمانه بأن تتشكل حكومة مريحة لهم بهذا المستوى، بعد أي انتخابات مقبلة.

لكن الأمور لا تتوقف عند مسألة التجنيد، إذ نرى تصعيدا في الخطاب السياسي الذي يتحدى الحكومة، وخاصة رئيسها بنيامين نتنياهو، في مسألة الحرب على قطاع غزة، والتصعيد الأشد من الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يدعو مثل شريكه في الانتخابات الأخيرة، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وإعادة الاستيطان فيه، حتى وإن جاءت الصيغة على شكل "التشجيع على الهجرة"، فخلف كلمة "تشجيع" تقف نوايا ومخططات جرائم إبادة، ولا أقل منها.

لكن أيضا يعرف هذان الاثنان أنهما حاليا في الحكومة النموذجية الأفضل لهما، فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تمنح بن غفير بالذات، زيادة ملموسة في قوته البرلمانية، وحتى سموتريتش بات يجتاز نسبة الحسم، فإن الزيادة في مجموع قوتيهما البرلمانية في الاستطلاعات، يقابلها انهيار في قوة الليكود، ما يُضعف القوة الاجمالية للائتلاف الأساسي الحاكم حاليا، ويبعده عن الحكم، رغم أن هذه الاستطلاعات تبقى افتراضية، وليست بالضرورة هي المشهد النهائي للانتخابات.

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بتنا نلمس تحولا في استطلاعات الرأي، فالقوة الاجمالية للائتلاف الأساسي الحاكم ارتفعت من 45 مقعدا في معدل الاستطلاعات، على مدى أسابيع عديدة من بدء الحرب (لهم حاليا 64 مقعدا في الكنيست) إلى نحو 52 مقعدا، وهذه زيادة جدية في استطلاعات الرأي، مقابل أغلبية من 61 إلى 63 مقعدا للشركاء في الحكومة السابقة، بما فيهم "القائمة العربية الموحدة"، في حين أن المقاعد الخمسة لقائمة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، تبقى خارج الحسابات الائتلافية.

إلا أنه في مساء السبت الماضي، 18 أيار، أطلق الشريك الأساسي المفترض في الحكومة البديلة لليكود، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، تصريحا في برنامج تلفزيوني، أعلن فيه رفضه لشراكة "القائمة العربية الموحدة" بزعامة منصور عباس، لأي حكومة يكون شريكا فيها، لأنه يريد "حكومة صهيونية خالصة"، رغم أن ليبرمان أغدق مرارا في الماضي القريب المديح على منصور عباس ونهجه، وفي أكثر من مناسبة، ما يعني أن حسابات استطلاعات الرأي من المفروض أن تتغير.

ويشار إلى أن استطلاعات الرأي المعلنة فيها ضُعف واضح، في ثلاثة جوانب مركزية: أولا أن الاستطلاعات التي تجري في فترات قلاقل، قد تعبّر عن أجواء عامة، لكنها ليست حاسمة لنتائج انتخابات لم يحدد موعدها بعد؛ وحسب تقديرنا الدائم، أنها ستجري أقرب إلى موعدها الرسمي في خريف العام 2026، طالما استمر الوضع القائم حاليا. لكن الجانبين الأهم بشأن توزيع المقاعد الـ 120، يتعلقان بالحريديم، وبقدر أكبر بالمجموع الكلي لقوة القوائم التي تمثل فلسطينيي الداخل.

فكل استطلاعات الرأي تُنقص من قوة كتلتي الحريديم مقعدا ومقعدين، ولا تنتبه معاهد الاستطلاعات لحقيقة أن القوة الانتخابية للحريديم تزداد كل أربع سنوات بمقدار مقعد برلماني كامل على الأقل، ولأن 95% من الحريديم يصوتون للقائمتين شاس ويهدوت هتوراه، ونسبة التصويت بين الحريديم دائما أعلى بما بين 18% إلى 20% من نسبة التصويت العامة، فإن الحريديم مرشحون لزيادة قوتهم الانتخابية في كل انتخابات مقبلة بمقعد واحد على الأقل، إذا لم يكن بمقعدين، لقوتهما الإجمالية اليوم وهي 18 مقعدا: 11 لشاس، و7 مقاعد ليهدوت هتوراه.

الجانب الأكثر في ضعفه يتعلق بالعرب، وهناك إهمال واضح في استطلاعات الرأي، فعلى الأغلب هي تثبت مشهد التمثيل القائم، أو في "أحسن الأحوال" يتم أخذ عينة من العرب، بنحو 90 مستطلعا على الأكثر، وهي شريحة لا يمكن أن تعبّر عن الواقع. وكل استطلاعات الرأي تمنح كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة" ما مجموعه 10 مقاعد، وهي ذات القوة الممثلة حاليا، إلا أن القوة الإجمالية للقوائم الثلاث التي خاضت الانتخابات الأخيرة، كانت 14 مقعدا برلمانيا كاملا، إذ إن قائمة "التجمع الوطني الديمقراطي" لم تجتز نسبة الحسم.

ليس واضحا كيف سيكون شكل خوض العرب الانتخابات المقبلة، لكن إذا تم تدارك ما جرى في الانتخابات الأخيرة، فإن 14 مقعدا وحتى 15 مقعدا بقائمتين للعرب هو أمر وارد، وهذا من شأنه أن يغير بشكل ملحوظ موازين القوى، خاصة وأننا نتحدث عن 120 مقعدا.

وعودة إلى احتمالات الانتخابات المبكرة، فطالما بقي الائتلاف الحاكم الأساسي على حاله، فلا يوجد أي سبب، ظاهر حاليا، لحل الحكومة والكنيست، والتوجه إلى انتخابات مبكرة. إلا أن هناك من يتحدث عن احتمالات انشقاق في كتلة الليكود، وهذا احتمال ضعيف جدا، وفرصه القانونية شبه معدومة.

وكما ذكر سابقا هنا فإن انشقاق كتلة، وكي يكون معترفا برلمانيا بالكتلة المنشقة ككتلة جديدة، تستطيع أن تبلور حزبا وتخوض الانتخابات، يجب أن تكون ثلث أعضاء الكتلة الأصل. وحتى الآن لا يوجد 11 نائبا في الليكود، يتمردون على نتنياهو، والأصوات التي تصدر عن بعض النواب، وتبدو خلافية مع نتنياهو، لا تصب في الاتجاه نفسه، على سبيل المثال الوزيرين يوآف غالانت، ووزير الاقتصاد نير بركات.

الأمر الآخر أن ثمانية أعضاء كنيست من الليكود، دخلوا إلى البرلمان بموجب "القانون النرويجي" بمعنى بعد استقالة 8 وزراء من الليكود، من عضوية الكنيست، وفي حال تمرّد أي منهم، ستنهي كتلته فورا عضويته من الكنيست، ولا يبدو أن هناك من يريد التفريط بمقعده، وهذا يسري أيضا على باقي النواب والوزراء الذين كل واحد منهم يجري حساباته المستقبلية، ولا يحلق في الأجواء حجم "انشقاق قانوني" كهذا في حزب الليكود.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات