المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الأسعار في إسرائيل: ارتفاع متصاعد. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 764
  • برهوم جرايسي

تؤكد سلسلة من التقارير الاقتصادية الإسرائيلية أن قرار تركيا القاضي بوقف التبادل التجاري مع إسرائيل، من شأنه أن يعمّق أزمة الغلاء المستفحل أصلا، والذي يضرب أساسا المواد والبضائع الغذائية والحياتية الأساسية، إذ إنه بحسب ما ينشر عن طبيعة التبادل التجاري الإسرائيلي التركي، فإن النسبة الأعلى من الاستيراد في تركيا تتركز في المواد الغذائية، والمنتوجات الزراعية، ومعها أيضا ما يساهم بقدر كبير في قطاع البناء الإسرائيلي، إذ إن النقص في هذه البضائع سيقلل العرض، ويرفع الأسعار، وكل البدائل التي شرع المستوردون الإسرائيليون في البحث عنها ستكون كلفتها أعلى مما هي من تركيا، ورغم ذلك فهناك من يراهن من الإسرائيليين على أنها أزمة لن تدوم، ومرتبطة أساسا باستمرار الحرب. وضمن الأوضاع الاقتصادية، تشير التوقعات الجديدة إلى عجز في الميزانية العامة، بحجم لم تعرفه إسرائيل منذ سنوات طوال.

وقد أعلنت تركيا يوم الثاني من أيار الجاري، وقف التبادل التجاري كليا مع إسرائيل، إلا أنه حسب التقارير الإسرائيلية فإن القرار التركي لا يسري على البضائع غير تركية المنشأ، وتمر عبر الموانئ التركية، ولا أيضا بضائع، خاصة السيارات، التي هي من إنتاج شركات دول ثالثة، خاصة من الشرق الأقصى، وتصنّع في تركيا، وتصدّر لإسرائيل ودول أخرى، لكن وصول السيارات قد يمر بداية بالموانئ القبرصية واليونانية، ما سيزيد من كلفة النقل، وبالتالي ارتفاع أسعار السيارات. وأيضا هذا القرار لن يسري على النفط المستورد من أذربيجان وكازاخستان الذي يمر في الموانئ التركية.

وكانت تركيا قد أعلنت يوم التاسع من نيسان الماضي، منع تصدير 54 منتجا تركيا إلى إسرائيل، وفي الأساس ما يخدم قطاع البناء، وأيضا بعض المنتوجات الزراعية، ووقود الطائرات، وكانت التقديرات الإسرائيلية قد تحدثت حينها عن أن هذا إجراء مؤقت ولن يدوم طويلا، بين دولتين يرتفع التبادل التجاري بينهما باستمرار، وقالت تركيا يومها إن القيود على الصادرات إلى إسرائيل ستظل سارية حتى تعلن إسرائيل وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة.

وبحسب تقارير المعهد الاسرائيلي للصادرات والاستيراد، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا في العام الماضي 2023 حوالى 7.5 مليار دولار، من بينها 5.3 مليار دولار استيراد من تركيا، 71% من حجم التبادل التجاري. وفي العام 2022 وصل حجم التبادل التجاري إلى حوالى 9.15 مليارات دولار، منها حوالى 6.8 مليار دولار استيراد من تركيا، حوالى 75% من حجم التبادل التجاري.

وقالت تقارير اقتصادية إسرائيلية إنه حتى شن الحرب على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان من المتوقع أن يصل التبادل التجاري بين الجانبين التركي والإسرائيلي في العام 2023 إلى حوالى 10 مليارات دولار، إلا أنه جرى تراجع كبير في هذا التبادل، ومن بينه توقف السياحة إلى تركيا، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، وهي أشهر الحرب.

وحسب تقرير المعهد، فإن 22% من الاستيراد الإسرائيلي من تركيا، هو حديد أساسي للبناء، و14% أنواع مختلفة من الحديد، و9% مواد معدنية ووقود، وهنا يدخل وقود الطائرات، و9% مواد غذائية ومنتوجات زراعية، و9% مواد وبضائع تتعلق بالمواصلات، و8% مواد مطاطية وبضائع بلاستيكية، و4% مواد كيماوية، و4% أنواع معادن ثمينة وأحجار كريمة، و22% متفرقات، وهنا يدخل أيضا قطاع السياحة.

أما الصادرات الإسرائيلية لتركيا فهي موزعة كالتالي: 41% مواد كيماوية، و14% معادن، و14% مواد غذائية ومنتوجات زراعية، و13% مواد مطاطية وبلاستيكية، و3% بضائع تتعلق بالبصر ومواد طبية، و15% متفرقات.

ويقول المحلل الاقتصادي غاد ليئور، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن القرار التركي لم يفاجئ الكثيرين من كبار المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تستعد لاحتمال كهذا، ولهذا فإن الأضرار الناجمة عن وقف التبادل التجاري، قد تضر بشكل مباشر بالاقتصاد الإسرائيلي وبجمهور المستهلكين".

ورغم هذا، تقول التقارير الاقتصادية الإسرائيلية إن القرار التركي الجديد، كما سابقه، لن يكون قطيعة كلية ودائمة، بل هو متعلق بقرار بوقف إطلاق النار، وقبول إسرائيل بأن تشارك تركيا في نقل بضائع إغاثة إلى قطاع غزة. إلا أن تقارير أخرى، تقول إن القرار التركي يضيء ضوءا أحمر أمام قطاعات اقتصادية، تعتمد بشكل أساس على الاستيراد من تركيا، وخاصة قطاع البناء، المتضرر من القرار الأول، الصادر في نيسان الماضي، إذ شرع المستوردون منذ القرار الأول بالبحث عن بدائل، وزيادة الاستيراد من الدول التي تستورد منها إسرائيل أصلا مواد تتعلق بقطاع البناء. 

ويقول ليئور إن المواطن في إسرائيل سيشعر بشكل فوري بتأثير القرار التركي، خاصة في المواد الغذائية، ومواد التنظيف والتعقيم، وقطاع البناء، إذ إن الأسعار سترتفع أكثر بنسبة مختلفة تتراوح بين 3% وحتى 15%، بحسب الصنف، وهناك أنواع من البضائع لم يجد المستوردون الإسرائيليون حتى الآن بدائل لها، خاصة في مجال المعدات الكهربائية البيتية، وأيضا منتوجات النسيج.

وكما ذكر، فإن ليئور اتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها تعاملت باستخفاف، وقدّرت أن التهديدات الواردة في الرسائل التركية، لن تطبق على أرض الواقع، ولم تؤمن الحكومة بأن تركيا قادرة على اتخاذ قرار بوقف التبادل التجاري، وبالتالي لم تستوعب الضرر الضخم الذي سيتكبده الاقتصاد الإسرائيلي بسبب هذا القرار، إن كان على مستوى الاستيراد من تركيا أو الصادرات الإسرائيلية إليها. وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تلتفت حتى لتحذيرات رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيلي رون تومر، ولا لرئيس اتحاد المقاولين راؤول سروغو، ولا لرئيس اتحاد الغرف التجارية أوريئيل لين.

استفحال الغلاء

يُعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي هذا الأسبوع، يوم 15 أيار الجاري، نسبة التضخم المالي التي كانت في شهر نيسان الماضي، وحسب التقديرات، فإن نسبة التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة، ستبقى أعلى من 2.5%، وهذا هو مقياس التضخم الذي على أساسه تقوم الحسابات الاقتصادية في هذا المجال.

لكن منذ مطلع أيار الجاري، لا تتوقف الأخبار الاقتصادية التي تتحدث عن رفع جديد لأسعار البضائع الاستهلاكية؛ ومن المهم الإشارة إلى أن أسعار الوقود وحدها، سجلت منذ مطلع العام الجاري ارتفاعا إجماليا بنسبة 13.4%، في حين أن التضخم ارتفع في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بنسبة قد تكون 1.4%، وهذا يشمل تقدير تضخم نيسان بنسبة 0.4%.   

واستعرضت صحيفة "كالكاليست"، في تقرير لها، الجانب المركزي في موجة الغلاء التي تضرب الاقتصاد الإسرائيلي منذ ما يزيد عن عامين. وقال التقرير إنه في العامين الأخيرين، فقط في إسرائيل، مقابل كل الدول الأوروبية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، بينما تراجعت في تلك الدول.

وحسب التقرير، فإنه منذ مطلع العام الماضي 2023، وحتى نهاية شهر آذار هذا العام، بمعنى خلال 15 شهرا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بأضعاف نسبة التضخم المالي المعلنة، فعلى سبيل المثال، في هذه الفترة المشار إليها، ارتفعت أسعار الفواكه الطازجة بنسبة 18%، والخضروات الطازجة بـ16.5%، والبيض بما يقارب 15%، والسكر بأنواعه بـ13% تقريبا، والأسماك بحوالى 10%، والدجاج بـ9%، والحليب بـ 8%.

وقال تقرير اقتصادي في نهاية الأسبوع الماضي، إنه في الأشهر الأخيرة، وفي شبكات التسوق الإسرائيلية، سجلت أسعار لحم البقر، بأصناف متعددة، ارتفاعا بالمعدل وصل إلى نسبة 50%، في حين أن أسعار الدجاج ارتفعت بما بين 10% إلى 20%. وحسب تبريرات المزارعين والمسوّقين، فإن ارتفاع أسعار لحوم البقر يعود في الأساس إلى إغلاق البحر الأحمر في وجه البضائع المتجهة إلى إسرائيل، بفعل عمليات عسكرية في اليمن، ما جعل السفن المحملة بالأبقار من الشرق الأقصى، مثل أستراليا وغيرها، إما تلغي رحلاتها، أو أنها تطيل رحلتها حول القارة الأفريقية، ولتدخل البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وهذا ما زاد كلفة النقل.

وبالتالي، حينما ترتفع أسعار اللحوم المستوردة، فإن أسعار اللحوم المحلية ترتفع بالمثل، حفاظا على الفجوة في الأسعار.

أما بشأن أسعار الدجاج، فإن التبرير يعود إلى إغلاق مزارع دجاج في شمال البلاد أساسا، وأيضا في الجنوب، بفعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، وهذا ما قلص العرض في السوق، وقاد إلى رفع الأسعار. 

وكما ذكر سابقا هنا، بحسب التقديرات الإسرائيلية فإن موجة غلاء جديدة، ولربما أيضا موجة نقص محدود في العديد من المواد الغذائية، ستشهدهما السوق الإسرائيلية، في أعقاب الإعلان التركي، إذ تعد تركيا مصدرا للكثير من المواد الغذائية، وبضمنها الخضراوات والفواكه وحتى الأسماك والزيوت، وحينما تنقطع هذه البضائع، فإن العرض في السوق الإسرائيلية سيقل، ما سيرفع أسعار المنتوجات المحلية، وهذا ما سيلمسه الجمهور في مشترياته اليومية، مثل أسعار الخضراوات، وخاصة الفواكه.

ومن البضائع التي عرضتها الصحافة الاقتصادية أصناف مستهلكة كثيرا من الأسماك، كذلك زيت الزيتون، إذ إن 28% من زيت الزيتون في السوق الإسرائيلية مستورد، وإن 19% من احتياجات السوق الإسرائيلية مصدرها تركيا، والباقي من إسبانيا وإيطاليا.

استفحال العجز ومطالبات بزيادة الضرائب

دلت معطيات وزارة المالية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، على أن العجز في الميزانية العامة، بلغ حتى نهاية نيسان الماضي نسبة 7% من حجم الناتج العام، بمعنى 140 مليار شيكل، وهذا يعادل حوالى 38 مليار دولار، وتبع هذا تصريح لمن تم وصفه "مسؤول كبير في وزارة المالية"، قال فيه إن العجز في الميزانية العامة قد ينتهي هذا العام بما بين 8% إلى 9%، علما أن ميزانية العام الجاري، وبعد تعديلها، قائمة على أساس عجز بنسبة 6.6%.

وجاء هذا بعد أيام قليلة من تقرير لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في الأسبوع الماضي، قالت فيه إن بحثا مهنيا جرى في وزارة المالية، بغياب وزيرها بتسلئيل سموتريتش، أشار إلى احتمال أن يستفحل العجز في الميزانية العام، في العام المقبل 2025، إلى أكثر من 5% من حجم الناتج العام، في حين أن التقديرات حتى الآن تحدثت عن 4.25%.

والتقدير الجديد في الوزارة بشأن العام المقبل، هو "تفاؤلي" بحسب وصف الصحيفة، إذ إن العجز سيتفاقم حتى في ظل توقف الحرب، وسيكون العام المقبل العام الثالث على التوالي الذي يقفز فيه العجز بنسبة 5%، من حجم الناتج، الذي يقدر بحوالى ألفي مليار شيكل (2 تريليون شيكل) وهو ما يعادل حوالى 538 مليار دولار.

فقد انتهى العام الماضي 2023 بنسبة عجز 5% بفعل الحرب، في حين أن التقديرات حتى شن الحرب كانت تتحدث عن نسبة 1.75% وهي تعد هامشية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي. في حين أن العجز المخطط للعام الجاري هو 6.6%، لكن غالبية التقديرات تشير إلى أن العجز سيلامس 8% بفعل الحرب، وفي حال ثبتت التقديرات للعام الماضي، بنسبة 5%، فهذا يعني أن العجز خلال ثلاث سنوات قد يصل إلى 18% وهو ما يعادل 360 مليار شيكل، ما يعادل 97 مليار دولار تقريبا، وهذا يعني زيادة المديونية الإسرائيلية بنسب كبيرة.

وأمام هذا الواقع، يطالب المستوى المهني في وزارة المالية بزيادة الضرائب، بهدف تقليص العجز، ومن بين ما يطالبون به تبكير موعد رفع ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المشتريات) بنسبة 1% لتصبح 18%، من مطلع العام 2025، إلى مطلع شهر تموز المقبل، لكن هذا يحتاج إلى تعديل قانوني في الكنيست.

كذلك تطالب الأوساط المهنية نفسها بعدم الاكتفاء بزيادة الضرائب المخططة للعام المقبل، بل رفع ضرائب أكثر، فعلى سبيل المثال، ضمن ما أقره الكنيست في شهر آذار الماضي لن يتم تعديل سقف درجات ضريبة الدخل على الأجيرين في العام المقبل، وعادة يتم تعديلها إلى الأعلى بحسب نسبة التضخم المالي. وهذا بحد ذاته يتضمن زيادة عبء مالي على الأجيرين، الذين يتكبدون أعباء الغلاء واستقرار الرواتب بدون تعويض.

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات