منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تقوم الإدارة الأميركية باتخاذ مواقف تصفها بأنها أكثر تشدداً من بعض ممارسات المستوطنين، خصوصاً تلك التي تنطوي على العنف والإرهاب داخل مناطق الضفة الغربية المحتلة. ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت الإدارة الأميركية تغير من لهجتها حيال "التوسع الاستيطاني" بحد ذاته، أم أنه مجرد موقف من الإرهاب والعنف المتصاعد، وبالتالي هو اعتراض على الأسلوب. لكن العقوبات المتلاحقة التي تفرضها أميركا على عدد متصاعد من المستوطنين، تتجاوز كونها مجرد "قرصة أذن" إلى ما يبدو أنه سياسة جديدة.
بداية، وفي 30 تشرين الثاني 2023، أثار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قضية عنف المستوطنين الذي تصاعد بشكل غير مسبوق خلال الحرب، سيما أن الاهتمام الدولي والإعلامي كان متجهاً بشكل حصري نحو مجازر إسرائيل في قطاع غزة. وقد أبدى بلينكن "مخاوف" من هذا العنف ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى ضرورة الإسراع في وضع حد له.[1] تأتي هذه التصريحات وفي ذهنية الرأي العام الدولي هجوم المستوطنين المنظم على قرية حوارة مرتين وعلى قرية ترمسعيا في بداية العام 2023.
وقد تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية بعد ذلك ليشمل ترحيل عائلات من مناطق جبلية، وقتل أكثر من 15 فلسطينيا، ومهاجمة منازل وقرى. في 5 كانون الأول 2023، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على الحصول على الفيزا لدخول الولايات المتحدة بحق عدد من المستوطنين الذين ظلت أسماؤهم طي الكتمان كجزء من إجراء أرادت من خلاله الولايات المتحدة أن "تردع" مستوطنين آخرين من استخدام العنف في الضفة الغربية.[2]
في بداية شباط 2024، أصدر الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً يفرض عقوبات على مستوطنين "يقوضون السلام" من خلال استخدام العنف والقيام بالتهجير وتدمير الممتلكات في الضفة الغربية. ويشمل الأمر حظراً على التبرع الأميركي لهم.[3] إلى جانب الولايات المتحدة، كانت بريطانيا أيضا تتخذ خطوات مشابهة تجاه عنف الاستيطان. فقد فرضت بريطانيا في 1 شباط 2024، عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين "متطرفين" لارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. تشمل هذه العقوبات قيودا مالية وقيودا صارمة على سفر المسؤولين عن أعمال العنف.
في 14 آذار 2024، تصاعدت لهجة الولايات المتحدة عندما أعلنت أسماء ثلاثة مستوطنين فرضت عليهم عقوبات وبؤرتين استيطانيتين في الضفة الغربية لتورطهم في أعمال عنف ضد الفلسطينيين. وقد مثلت هذه الخطوة تصعيدا في جهود إدارة بايدن لمعالجة عنف المستوطنين وقوبلت بانتقادات شديدة من الصهيونية الدينية وقادة الاستيطان. وتأتي في أعقاب فرض المملكة المتحدة عقوبات على أربعة مستوطنين. قوبلت العقوبات بانتقادات من الجماعات الدينية الصهيونية الإسرائيلية ودعم من نشطاء السلام الإسرائيليين.
في 19 نيسان 2024، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مستوطنين أفراد، وأدرج منظمتي لاهافا وشبيبة التلال على القائمة السوداء. في 20 نيسان 2024، نشرت الصحافة الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات على كتيبة نيتساح يهودا، وهي كتيبة للجيش الإسرائيلي تعمل في منطقة رام الله- سلفيت، وينضم اليها بالعادة المجندون المتدينون القوميون والمستوطنون.[4] هذه الكتيبة كانت قد قتلت في أيلول 2022 فلسطينياً مسناً يحمل الجنسية الأميركية، الأمر الذي دفع السفارة الأميركية لدى إسرائيل لأن تطالب بتحقيق، وأجرت بالفعل مقابلات مع فلسطينيين ومنظمات حقوق إنسان لمعرفة المزيد عن هذه الكتيبة وعملها.
ولا بد من التعريج سريعا على موقف الولايات المتحدة من الاستيطان. فمنذ السبعينيات، تنظر الولايات المتحدة إلى الاستيطان باعتباره "عقبة أمام السلام". هذا الموقف العام يعفي الولايات المتحدة من إطلاق موقف صريح فيما إذا كانت الضفة الغربية "محتلة" وبالتالي فإن استيطان إسرائيل فيها هو "غير شرعي"، أو "أنها مناطق متنازع عليها" وبالتالي فالاستيطان فيها "شرعي". لكن، في العام 2019، وفي نهاية ولاية ترامب، غادر وزير خارجيته جورج بومبيو هذا السكوت وأعلن بأن إدارة ترامب لا ترى في الاستيطان "أمراً غير شرعي" ولا تدعو إلى تفكيكه. بعد ثلاث سنوات، ألغت إدارة بايدن "إعلان بومبيو"، وعادت لتقول بأن الاستيطان هو "عقبة أمام السلام".[5]
وقد صرحت إدارة بايدن في أكثر من مناسبة بأنها غير منسجمة مع الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، وأنها غير راضية عن رؤية اليمين المتطرف جزءا من الحكومة الإسرائيلية.[6] لم يكن واضحاً فيما إذا كان سبب عدم الانسجام هو السياسة الاستيطانية المتشددة التي يتبناها هذا الائتلاف الإسرائيلي، أو إذا ما كان السبب الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة التي تتعارض مع حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية.
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات المفروضة حتى الآن تطاول 3-5 مستوطنين من أصل نصف مليون، من بينهم 25 ألفاً يعيشون في البؤر الاستيطانية. وتقوم الحكومة الإسرائيلية نفسها بتنظيم، وتمويل، وحماية إرهاب المستوطنين وبؤرهم التي تتكاثر كـ"الفقع" في الضفة الغربية. خلال الشهور الـ12 السابقة، وزعت الحكومة الإسرائيلية، من خلال وزارة الأمن القومي، آلاف البنادق على المستوطنين في الضفة الغربية، وفي كثير من الأحيان بدون الانصياع لمعايير توزيع السلاح مما مكن العديد من أصحاب السوابق الإرهابية من المستوطنين من التزود بالسلاح. كما أن الوزارة نفسها أغلقت مئات الملفات المقدمة ضد عنف المستوطنين. وقامت الحكومة أيضا بشرعنة نحو 9 بؤر منذ بداية العام 2023، وتخصص ربع ميزانية مواصلاتها لتوسيع الاستيطان، وتمول عشرات الجمعيات والمنظمات التي تتبنى الاستيطان الرعوي.
[1]أنظر/ي: https://www.state.gov/secretary-antony-j-blinken-at-a-press-availability-43/
[2] أنظر/ي: https://www.haaretz.com/israel-news/2023-12-05/ty-article/.premium/u-s-imposes-visa-ban-on-israeli-settlers-engaged-in-violence-against-w-bank-palestinians/0000018c-3b10-d5f2-a5cc-7f14eb790000
[3] أنظر/ي: https://www.whitehouse.gov/briefing-room/presidential-actions/2024/02/01/executive-order-on-imposing-certain-sanctions-on-persons-undermining-peace-security-and-stability-in-the-west-bank/
[4] أنظر/ي: https://news.walla.co.il/item/3659530
[5] وليد حباس، "الولايات المتحدة تعود لتعلن أن الاستيطان في الضفة الغربية "غير شرعي": قراءة في موقف الولايات المتحدة من قضية الاستيطان 1977-2024". تقدير موقف، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، بتاريخ 6 آذار 2024.
[6] أنظر/ي: https://www.axios.com/2022/11/02/israel-elections-ben-gvir-netanyahu-biden-administration