المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1015
  • برهوم جرايسي

أجمع معظم المحللين الاقتصاديين في إسرائيل على أن قرار الشركة العالمية لتدريج متانة اقتصاد الدول أمام الاعتمادات الدولية "موديز"، القاضي بتخفيض تدريج إسرائيل درجة واحدة ليس فقط بسبب الحرب، رغم أن تبعات الحرب لها وزن كبير جدا، بل أيضا بسبب شكل إدارة الاقتصاد، وخاصة ميزانية الدولة، وتضاف لها توقعات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي. وهنا أيضا حمّل العديد من المحللين المسؤولية لشخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، واعتبروا القرار فشلا يُسجّل عليه، إلى جانب الانتقادات لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي اختار الاستخفاف بقرار "موديز"، رغم التبعات السلبية جدا لهذا القرار على الاقتصاد، مثل احتمال تراجع قيمة الشيكل، وحذر مستثمرين عالميين في دخولهم لقطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، وارتفاع كلفة الفوائد على ديون الحكومة الإسرائيلية في العالم.

وكانت الشركة العالمية لتدريج متانة اقتصاد الدول أمام الاعتمادات الدولية "موديز" قد أعلنت يوم الجمعة التاسع من شباط الجاري، تخفيض تدريج إسرائيل بدرجة واحدة، من A1 إلى A2، مع تقديرات مستقبلية سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، التي يرى بها المحللون أنها مقدمة لتخفيض آخر سيليه، فيما ظهرت تخوفات من أن قرار "موديز" سيجر وراءه قرارا مشابها من شركتي التدريج العالميتين الأخريين، "فيتش" و"ستاندرد أند فور"، والثانية تُعد الأهم من ناحية البنوك الإسرائيلية، وقرارها يؤثر مباشرة على اعتماداتها المالية في العالم.

وكان تدريج إسرائيل A1 مثل تدريج السعودية واليابان، لكن التدريج الجديد A2 هو مثل تدريج دول كليتوانيا وبولندا ومالطا وسلوفاكيا، وهي من الدول الأوروبية الضعيفة اقتصاديا نسبيا، مقارنة بدول غرب أوروبا.

والمفروض أن هذا القرار كان متوقعا، لأن "موديز" كانت قد حذرت في 19 تشرين الأول 2023 من أن تدريج الاقتصاد الإسرائيلي تحت الرقابة، وقبل هذا كانت "موديز" من بين شركات التدريج العالمية التي حذرت في ربيع العام الماضي من أن مخطط حكومة نتنياهو، لتقويض الجهاز القضائي، أو ما عرف بوصف "الانقلاب على جهاز القضاء"، سينعكس سلبا على الاقتصاد وعلى جاهزية المستثمرين للدخول للاقتصاد الإسرائيلي.

وادعى نتنياهو، في رده على القرار، أن الاقتصاد الإسرائيلي متين، وأن القرار نابع من كون إسرائيل في حالة حرب، وبعد انتهائها سيعود الاقتصاد الإسرائيلي للازدهار. فيما اختار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الاستخفاف بالقرار، وقال إنه "مجرد ورقة سياسية" و"إن الاقتصاد الإسرائيلي قوي".

وقال محافظ بنك إسرائيل المركزي، البروفيسور أمير يارون، إن الاقتصاد الإسرائيلي يرتكز على أسس اقتصادية صحيّة، وذات مناعة، وهو رائد على الصعيد العالمي في العصرنة والتكنولوجية الفائقة (الهايتك). وأضاف "عرفنا كيف ننهض من فترات صعبة في الماضي، ونعود سريعا لمسار الازدهار، ولدينا اقتصاد ذو ركائز قوية تضمن له هذا النهوض في هذه المرّة أيضا".

وسعى البنك المركزي لطمأنة المستثمرين، بأن إسرائيل مرّت بأزمات اقتصادية، لكنها لم تتخلف في أي مرّة عن تسديد ديونها في موعدها.

ودعا البنك حكومته لمعالجة أسس القضايا التي ظهرت في تقرير "موديز"، وبشكل خاص أن تعمل على دفق ميزانيات على البنى التحتية والتعليم، وتشجيع تشغيل الرجال المتدينين المتزمتين - الحريديم، والعمل على زيادة إنتاجية العمل.

وانتقد الرئيس السابق لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الخبير الاقتصادي البارز مانويل تراختنبرغ، وزير المالية سموتريتش، لاستخفافه بقرار "موديز"، وقال إن تقرير الشركة لا يتطرق فقط للجانب الاقتصادي، بل أيضا لكل واحد من العوامل التي تؤثر على الاقتصاد. وعبّر تراختنبرغ عن قلقه من أن هذا القرار سيكون بمثابة إشارة سلبية للمستثمرين في العالم، وعلى إسرائيل أن تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار.

تبعات قرار "موديز"

يقول المحلل الاقتصادي غاد ليئور في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تبعات قرار "موديز" على الاقتصاد الإسرائيلي ستكون عديدة، ومن عدة جوانب، ويرى كما غيره من المحللين، أن رد الفعل الأولي سيكون تراجعاً في البورصات الإسرائيلية، إلا أن حركة أسواق المال الإسرائيلية (البورصات)، في الأيام الثلاثة الأولى للتداول بعد صدور القرار (11 و12 و13 شباط الجاري 2024) شهدت استقرارا.

كما أن العملة المحلية، الشيكل، ستفقد من قيمتها أمام الدولار خاصة، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود والبضائع المستوردة، وهذا سيؤدي إلى موجة غلاء إضافية. "وهذا عامل آخر قد يُدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة من ارتفاع الأسعار، فبعد ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء ومئات المنتجات في الاقتصاد، من المتوقع أيضا أن ترتفع أسعار المياه مرة أخرى قريبا وسوف ترتفع كلفة الزراعة"، وهنا نشير أيضا إلى أنه في اليوم الأول للتداول في أسعار العملات بعد صدور القرار (12 شباط الجاري 2024)، شهدت قيمة الشيكل استقرارا أمام باقي العملات.

ويتابع ليئور أنه من المتوقع أن يؤدي خفض التصنيف إلى زيادة سعر الفائدة على القروض التي تضطر الدولة للحصول عليها بسبب الحرب على الجبهة الجنوبية، والاضطرابات على الجبهة الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، ستصبح أسعار الفائدة أيضا أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والأسر الإسرائيلية.

وقال إن "العالم يدرك مخاطر الحرب، وأيضا عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في إسرائيل حتى قبل الحرب، على خلفية مخطط الانقلاب القضائي. ولذلك، قامت العديد من الهيئات المركزية في العالم، برفع سعر الفائدة على القروض المقدمة لإسرائيل".

وبحسب ليئور، فإن التخوف في الأوساط الإسرائيلية هو أن يكون تدريج إسرائيل المنخفض لفترة طويلة نسبيا، هذا إذا لم يتم التخفيض أكثر مستقبلا، خاصة وأن "موديز" حذّرت من أن التصنيف قد يستمر في الانخفاض، في حال رأت أن الوضع في جبهة الشمال يتصاعد، وأن سلوك الحكومة لا يقدم استجابة مرضية للوضع.

ليس فقط الحرب بل أيضاً نتنياهو

تقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر": "الحقيقة هي أن نتنياهو هو الشخص الذي جلب الخراب لأمن دولة إسرائيل، واعتبارا من الآن هو رسميا أيضا الشخص الذي جلب الخراب للاقتصاد المحلي. فهو ليس "السيد أمن" ولا "السيد اقتصاد"، لكن ذلك لا يزعجه على الإطلاق. الشيء الوحيد الذي رأى نتنياهو أن يقوله بعد الإعلان الدراماتيكي الذي أصدرته شركة التصنيف الائتماني موديز، هو أنه لا علاقة له على الإطلاق بهذا القرار".

وتابعت: "قال نتنياهو ردا على قرار موديز الصعب إن سبب التخفيض هو الحرب فقط، بطبيعة الحال هي أيضا لا علاقة له بها بالطبع، وبالتالي فهو ليس مسؤولا عن الأمر، وليس هناك ما يمكن الادعاء به ضده، ولا إلقاء عبء المسؤولية عليه. هذا كذب فظ. إذ تعود أسباب خفض تصنيف موديز إلى الحرب بالطبع، وإلى الخوف الشديد من حدوث انفجار أشد على الجبهة الشمالية، لكن ما أدى إلى خفض التصنيف هو إدارة الحرب بشكل خاص، وإدارة البلاد بشكل عام".

ويقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إنه "حتى الكارثة الاقتصادية التي جلبتها حكومة نتنياهو- سموتريتش على مواطني إسرائيل، والتي لاقت رسميا ختم مصادقة، بأول تخفيض اعتماد لإسرائيل في التاريخ، كان من الممكن منعها. ففي الأيام الأولى بعد أكبر فشل أمني في تاريخ البلاد، كانت جميع الأضواء الحمراء مضاءة: كان من الواضح أن هناك حاجة إلى توخي المزيد من الحذر فيما يتعلق بإدارة الميزانية، حيث أن فترة حساسة تبدأ أيضا في الجانب المالي".

وتابع بايلوت "لكن كل التحذيرات والتوضيحات والتقارير والعروض لم تلق آذانا صاغية، ولم يتجاهلها رئيس الحكومة نتنياهو ووزير المالية سموتريتش فحسب، بل أيضاً حذفاها بسبب مصالح سياسية وشخصية، ولقد فعلا عكس ما كان ينبغي عليهما فعله، لأنهما اعتقدا أنه من الممكن اللعب على الجميع طوال الوقت، فكما لعبا على مواطني إسرائيل، من الممكن أيضا اللعب على وكالات التصنيف العالمية. لكن العرض انتهى والنهاية مأساوية: فلأول مرة، وبما أن إسرائيل تسوّق ديونها في الأسواق الدولية، ويتم تصنيفها من قبل وكالات التصنيف، فإن التصنيف الائتماني لإسرائيل آخذ في الانخفاض".

ويضيف بايلوت "لكن هذه ليست نهاية القصة: التقرير الذي يشرح القرار له عواقب بعيدة المدى علينا جميعا. هذا الحدث المأساوي ليس بسبب الحرب بل بسبب الحكومة. القوى السياسية في دولة إسرائيل تُضعف السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتتسبب بأضرار قوية للاقتصاد الإسرائيلي في المستقبل المنظور".

ويستند بايلوت إلى ما ورد في تقرير "موديز" بأن الخطر يأتي من الاتجاه السياسي: "إن أحد الأسباب الرئيسة لخفض التصنيف الائتماني هو التقييم بأن تتعرض إسرائيل إلى مخاطر سياسية من الممكن باحتمال كبير أن تستمر في المستقبل المنظور، حتى لو توقف القتال في غزة أو تراجعت حدته".

أما المحلل الاقتصادي سيفر بلوتسكر فيقول في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت": "ليس الاقتصاد الذي دفع موديز لأن تخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل. فما الذي دفعها لذلك؟ الحرب؛ فمفهوم من تلقاء ذاته أن التصنيف الائتماني لدولة ما ينخفض حين تنشب حرب مضرجة بالدماء، بحدودها الجنوبية وتوسيعها الدراماتيكي إلى الحدود الشمالية حقيقي جدا".

ويتابع: "موديز تشكك في نجاح نهج حكومة إسرائيل في تحرير المخطوفين، وتحذر من تحديد أهداف غير واقعية للقتال، وقلقة على نحو خاص من غياب سياسة واضحة ومتفق عليها لليوم التالي. فالاقتراح الشامل الذي تتشارك فيه الولايات المتحدة وجيران إسرائيل العرب للحل في قطاع غزة، كما تشرح موديز، كان يمكنه أن يساهم في تحسين أمن إسرائيل؛ ورفض الحكومة له أضعف إسرائيل من كل النواحي، وأضر بالاقتصاد الإسرائيلي". وقال إنه بتقدير خبراء "موديز" فإن الاضطراب الاجتماعي، والتصدعات في الوحدة الداخلية والتطرف السياسي بالتالي، ستتعاظم بعد أن يتم حل "كابينيت الحرب"، أي بعد ان تنسحب كتلة "المعسكر الرسمي" من الائتلاف. وهذه هي الأسباب التي بموجبها جرى تخفيض موديز التصنيف الائتماني اآن، وأرفقت توقعا سلبيا للمستقبل".

ويقول المحلل غاد ليئور السابق ذكره هنا إن ادعاء نتنياهو بأن قرار "موديز" بسبب الحرب ليس صحيحا، "فعلى الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي في إسرائيل بسبب الحرب بشكل رئيس، إلا أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لمنع العجز الضخم، وهي مسؤولة أيضا عن الإضرار بالجهاز القضائي".

ويلفت المحلل موشيه غورالي، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" إلى "أن تقرير موديز يتحدث عن ضُعْف الكنيست والحكومة، وبلغة عبرية بسيطة: استمرار حكم إئتلاف البيبيين والكهانيين والحريديم. وهذا يضع أمامنا شارة اقتصادية تشاؤمية، مفادها أنه طالما استمر حُكم هذا الائتلاف، فإن التهديدات الوجودية والأمنية على إسرائيل ستتعاظم أكثر فأكثر. فليس مطروحا هنا توقعات اقتصادية فقط، وإنما تقديرات سياسية وأمنية متكدّرة إلى حد كبير. ومن هذا نستنتج بأن من أوقع علينا ضربة أخرى، بالانقلاب السلطوي، وإضعاف المجتمع، والمسؤولية عن الفشل الذي أدى إلى المذبحة، والحرب بدون رؤية حقيقية لإنهائها، لا يمكن الاعتماد عليه بأن ينقذنا من هذه الكارثة أيضاً".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات