المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1584
  • مريم فرح

قبل أسبوعين فقط من كتابة هذا المقال، يمكن القول إن الإعلام الإسرائيلي لعب دوره بجدارة في تشكيل وتوجيه الرأي العام الإسرائيلي في قضية الانقلاب الدستوري، لا بل وفرض خطابه حتى على المتظاهرين بوصف الإصلاحات القضائية بأنها "انقلاب دستوري" أو انقلاب قضائي"، وكان الإعلام مجنداً بالكامل للدفاع عن مؤسسات الدولة التي كانت مهددة بالانهيار جراء التعديلات وخوفا من الخروج من "نادي الدول الديمقراطية الليبرالية الغربية" التي تنادي بحرية التعبير واستقلالية المؤسسات القضائية. ولم تمر سوى أيام،  حتى تحولت المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية إلى جندي في المعركة،  وبدلاً من ممارسة دورها كسلطة رابعة ناقدة لوقف الحرب والإجرام،  باتت الركن الأصعب والأقوى في السلطة التنفيذية.  

لا شك في أن إحدى وظائف الإعلام هو عرض القصص الشخصية للإسرائيليين الذين قتلوا أو جرحوا في الهجوم يوم السبت 7 تشرين الأول، أما أن يتحول الإعلام إلى مدفعية حربية ملقّمة يقودها الخبراء العسكريون والمحللون العسكريون على مدار 24 ساعة فهذا يدل على كونه آلية من آليات نظام الأبارتهايد الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.  

يُشار هنا إلى أنه في إحدى لحظات التحول الأكثر بروزاً في تاريخ الصحافة الأميركية، تسللت صحيفة "نيويورك تايمز" وصحيفة "واشنطن بوست" إلى أعماق وزارة الدفاع الأميركية في العام 1971 للكشف عن أوراق سرية. تلك الوثائق، المعروفة بأوراق البنتاغون، كشفت عن حقائق مروعة تتعلق بدور الولايات المتحدة في حربها مع فيتنام. وهؤلاء الصحافيون لعبوا دوراً حاسماً في الكشف عن الحقائق والتصدي للسياسات الحكومية غير المشروعة. بالإضافة إلى كشف الأمور الخاصة بالحرب، رفع هذا الكشف الصحافي من مستوى الضغط العام والمعارضة ضد الحرب، مما أدى في النهاية إلى تصاعد الضغوط لإنهاء النزاع الذي لاقى تنديداً شديداً من قبل الرأي العام. وهذا تماماً ما لا يقوم به الإعلام الإسرائيلي. 

على مدار ساعات،  يجتمع خبراء ومحللون عسكريون ومراسلون للشؤون الأمنية في استوديوهات القنوات الإسرائيلية لتحليل الوضع والمشهد العسكري، وتقييم حالة الجبهات وقوة الجيش، وبعضهم بدأ بمحاسبة بنيامين نتنياهو على هذا الاخفاق الذي يصفونه بأنه الإخفاق الأكبر عسكرياً منذ العام 1973. 

لا يختلف الخطاب الإعلامي  كثيراً عن الخطاب الأمني العسكري، بل ويذهب إلى أن يكون عنصرياً بعد أن اتهم الحكومة الحالية بالفاشية بالأمس القريب. ومصطلحات "تسطيح غزة" - "طرد" - "تطهير عرقي" -   لم تعد حكراً على بن غفير وسموتريتش الذي يختفي إعلامياً منذ اندلاع الحرب، بل أصبح شرعياً جداً في ساعات البرايم تايم الإسرائيلي. كل السياسيين والمحللين أصبحوا فجأة سموتريتش، وكل الإعلاميين والمؤثرين أصبحوا فجأة بن غفير!.. ففي أحد اللقاءات المسائية عند الحديث عن سيناريوهات إنهاء الحرب شبّه أحد المحللين العسكريين الهجوم على الإسرائيليين في الجنوب بهجوم القوات اليابانية على ميناء بيرل هاربر الأميركي في هاواي في 7 كانون الأول 1941، مما أدى إلى دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.  وبعد عدة سنوات من القتال وتزايد حدة الصراع، قررت الولايات المتحدة الرد بحزم. وفي آب 1945، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. تأثير هذه الهجمات كان هائلاً، حيث تسببت بدمار شامل وخسائر بشرية جسيمة. استخدام هذه القنابل النووية هدف إلى إجبار اليابان على الاستسلام.  وهنا بدأ الخبير العسكري بالقول إن الرد يجب أن يكون حازماً كالولايات المتحدة!... عندها وجدت المذيعة نفسها (عماليا دويك) مجبرة على مقاطعته لخطورة ما يقول. 

شبهت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضاً هجوم حماس بالمحرقة النازية. ولعل هذا التشبيه هو بمثابة رسالة موجهة للخارج وليس للداخل الإسرائيلي. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة لجذب الدعم الغربي منقطع النظير، حيث لا زالت أوروبا تتذكر النازية، ولديها شبه اضطراب ما بعد الصدمة من تلك الذكريات، فقد كانت النازية بحق، بالنسبة لأوروبا، أسوأ ما مرّ على البشرية في القرن الماضي، وهذا يندمج بسلاسة وسهولة مع تحويل اللاصهيونية إلى اللاسامية وتوسيع مفهوم اللاسامية الذي تعمل عليه الدعاية ("الهسبراه") الإسرائيلية مؤخراً.  ففي إحدى المقابلات في قناة 13 مثلا قال أحد المحللين:  جيد أننا نقول إنهم نازيون، جيد بالأساس للعالم فبهذه الطريقة يتضامنون معنا أكثر .  

أما بالنسبة إلى الأميركيين فكان ملائما لمقاسهم أكثر تشبيه هجوم حماس بأحداث 11 سبتمبر 2001! فهم لم يمروا بتجربة النازية كالأوروبيين، وأما حماس فقد شبهوها بداعش كرسالة تحذير عالمية! وفي إحدى المقابلات مع أحد المحللين العسكريين، قال للمذيعة: فلنكثر من كلمة "داعش"، دعينا نلصقها أينما يمكن، سيساهم هذا الخطاب بالانتصار.  

عندما تقنع العالم بأنك لا تحارب عدواً بل تحارب "الشر المطلق" ففي هذه الحالة يصبح من الصعب ألا يتضامن معك العالم الذي يعتبر نفسه "الخير" ضد "الشر".  وهنا يعود مفهوم الشر المتجذر الكانطي القائم بالأساس على مفهوم ديني للشر ويجب القضاء عليه لينتشر الخير في العالم.  وفي هذه المعركة إسرائيل لا تحارب "العدو" بل هي تحارب الشر لتنقذ العالم منه!  

أما عن المراسلين او المحللين الناطقين بالعربية،  فنجد مراسل الشؤون فلسطينية أوهاد حيمو في القناة 12 الإسرائيلية أول صحافي تحدث عن التفجير الإسرائيلي لمستشفى المعمداني عند الساعة 20:05 حيث قال في النشرة المسائية  "قصف إسرائيلي على مستشفى في غزة"، ليأتي الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي وينفي الخبر، ويجبر حيمو على الاعتذار بعد ضغوطات مهولة عليه، و"للتكفير عن ذنوبه" طلبت منه المذيعة (يونيت ليفي) أن يفسر للعالم باللغة العربية القصة الحقيقية: "قتل فلسطينيين من الفلسطينيين"، لتأتي يونيت ليفي من بعده وتستعرض الخبر بالإنكليزية للعالم الغربي. وبهذه الطريقة ضمنت آلة الإعلام وصول الرسالة إلى العالم حول براءة إسرائيل من قتل المدنيين وتلميع صورتها أمام العالم العربي والأجنبي[1]

وحيمو، الذي يتحدث العربية بطلاقة،  ويشير دائما خلال البث إلى أنه يتحدث مع مواطنين في غزة، نشر أخباراً كاذبة في اليوم الثاني للحرب، 8-10-2023 ، ففي ساعات المساء أشار إلى ردود متعاطفة على ما يبدو مع هجوم حماس في مدينة أم الفحم. بعد ساعات أشار حيمو إلى أنه تم تضليله والصور كانت قديمة، ولكن هذه الأخبار وإن تم تصحيحها شكلت قاعدة مهمة لملاحقة المجتمع الفلسطيني في الداخل[2].  

ومن المتحدثين بالعربية أيضاً مراسل قناة 13 الصحافي تسفى يحزكيلي والذي وجه "رسالة شخصيّة" إلى سكان غزة والضفة، وفي فيديو آخر طالب سكان غزة بمشاهدة قناة 13 لمتابعة الأحداث، ومشاهدة ماذا سيكون بانتظارهم في الحرب الحالية...[3] 

ولم يكن المراسلون الذين يتقنون العربية الوحيدين الذين تجندوا للحرب، فغيرهم كثيرون ومن بينهم عميت سيجال وأفري جلعاد، طالبوا بالسماح للمواطنين بحمل السلاح والمشاركة في الحرب.   

ليست هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها الإعلام الإسرائيلي دوراً بارزاً في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين، وليست المرة الأولى التي يزور فيها عسكريون إسرائيليون أكثر من صحافيين وسياسيين استوديوهات قناة 12 و13، ولكنه في هذه المرة أصبح يعمل أيضاً كجزء من منظومة "الهسبراه" الأكبر لإسرائيل، وبات يسبق الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في إعلانه عن جرائم وفي التحريض الأرعن ضد الفلسطينيين.     

 

[1] https://www.mako.co.il/news-military/6361323ddea5a810/Article-dea506e9f824b81026.htm

[2] https://www.the7eye.org.il/498903

[3] https://www.the7eye.org.il/499891

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات