المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1685
  • محمد قعدان

صادقت الحكومة الإسرائيلية، في اجتماعها المنعقد في أواخر تشرين الأول الماضي، على تعيين اللواء هرتسي هليفي في منصب قائد الأركان العامّة للجيش الإسرائيلي، وسيصبح بالتالي القائد الثالث والعشرين لهذا الجيش.

وتسلّم هليفي مهام منصبه يوم 16 كانون الثاني الحالي في مراسم احتفاليّة، وختمَ الجنرال أفيف كوخافي فترة أربع سنوات في قيادة الأركان العامّة، اعتبرت فترة محتدمة ولا سيما في الأراضي المحتلة منذ 1967.

فترة هليفي قد تكون هي أيضاً محتدمة خصوصاً مع تشكّل حكومة يمينيّة من ألفها إلى يائها قد تطمع في الضفّة الغربيّة علناً وتتحضّر لضمّ مساحات واسعة، ولديها مخطّط في تحطيم "الإرهاب الفلسطينيّ" وإخضاعهِ.

هُنا نودّ فهم موقع الأركان العامّة داخل هذهِ السياقات، وما سيجلبهُ هليفي إلى المنصب، وهل سيكون عاملاً إضافياً لتسعير نيران الحرب، أمّ أنّه سيكون عاملاً متوازناً في هذهِ المعادلات الصعبة؟

بداية علينا التعرّف على هليفي، كي يتسنّى لنا معرفة دوره، واستيعاب مواقفه السابقة استشرافاً لخطواتهِ ومخططاتهِ، وكيف ستكون علاقتهِ مع الحكومة الجديدة؟  سنُجري تقديماً لهذهِ الشخصيّة وتجربتها وخبراتها، ثمّ نحاول استقراء مواقفهِ ومناصبه التي شغلها مؤخراً في مؤسسة الجيش، وما هي الرؤى التي عمل من أجل وتطويرها، وأخيراً كيف ستكون علاقتهِ مع بتسلئيل سموتريتش كصاحب مسؤوليّات معيّنة في وزارة الدفاع، باعتبار أنّ "إدارة احتلال الضفّة الغربيّة" ستُصبح تحت سيطرتهِ، أضف إلى أن وزارة الدفاع ستكون بيدِ يوآف غالانت، مما يجعل الوضع مركباً على قائد الأركان العامّة؟ وما هي توجهاته حيال هذهِ التغييرات، وكيف يدير علاقاتهِ مع الإدارة الجديدة؟

شغل هرتسي هليفي (من مواليد 1967) مناصب رفيعة في الجيش الإسرائيليّ، على سبيل المثال هو رئيس سابق للقسم العمليّاتي داخل شعبة الاستخبارات العسكريّة ("أمان") وأيضاً قائد سابق لـ "لواء المظليين" وقادَ لواء النُخبة "سييرت متكال" (سرية هيئة الأركان العامة) والعديد من المناصب الأخرى، لذا فهو جاء إلى هذا المنصب مع خبرات عالية وكفاءة غير اعتياديّة، داخل المؤسسة العسكريّة. أمّا عن تربيتهِ السياسيّة فهي يمينيّة، فجدّه حاييم شالوم هليفي جاء مستوطناً من بيلاروسيا، ونشطَ في "كتيبة إيتسل" كما أنه نشط في "منظمّة مدافعين عن اللغة" التي اهتمّت بتطهير "الييشوف اليهوديّ" إبان الانتداب من لغات غير العبريّة. أمّا من جهةِ أمّه فهو سليل عائلة ابنة الحاخام كوك، مما يجعلهُ شخصيّة يمينيّة بامتياز، تؤمن بوحدة "أرض إسرائيل" وعدم تسليمها للأعداء. سُمي على اسم عمه هرتسي هليفي الذي قتل في "معركةِ تحرير القدس" في اليوم الأخير من حرب 1967، وأصبحَ عمّه رمزاً لاحتلال القُدس، إذ أن رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، وفي أثناء مراسم تسلم هليفي المنصب الجديد ذكرَ هذهِ الحادثة.

نُلاحظ أن خبرات الرجل توسّعت من القتال في جنوب لبنان ضمن "لواء المظليين" وكانَ على رأسه خلال احتلال لبنان، وعيّن خلال الحرب قائداً على "بؤرة الريحان الاستيطانية" في أقصى شماليّ المناطق التي سيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي في "حزام الأمن" في جنوبيّ لبنان، بينَ أعوام 1992- 1993 بعد أن تمّ تعيينه قائد العمليّات الخاصّة في شعبة الاستخبارات العسكريّة، وخلال بدايةِ تعيينهِ في لواء النخبة "سييرت متكال" قامَ باختطاف مصطفى ديراني، وهو قائد الذراع العسكريّة لحركة أمل، أثناء مقاومتها للاحتلال الإسرائيليّ. أضف إلى هذا الدور الأساس في لبنان، أنه ساهم في قيادة العمليّة العسكريّة الأكبر على الضفّة الغربيّة منذُ احتلالها، خلال الانتفاضة الثانية، بعد أن تمّ تعيينه قائد لواء "سييرت متكال"، خلال شنّ عملية "الجدار الواقي" الأكثر شراسةً وهولاً في عددِ الشُهداء والتدمير الذي لحقَ بالمدن، وقادها خلال عمليات أخرى طبعاً. وفي نهاية منصبه هذا في العام 2004، تمت ترقيته إلى رتبة عقيد، ثمّ توجّه للدراسة في "جامعة الدفاع القوميّ" (National Defense University)، ومقرّها واشنطن، المموّلة مباشرةً من وزارة الدفاع الأميركيّة.

في نهاية تراكم خبراتهِ عيّن قائداً للمنطقة العسكرية الجنوبية في العام 2018 حتى العام 2021، وأصبحَ على علم محيط بكلّ "مساحات الخطر"، أي من الشمال مروراً بالضفّة الغربيّة إلى الجنوب، وتعرّف بالتالي على جميع الحركات المسلّحة الفلسطينيّة والعربيّة. وقد تخللت هذهِ الفترة معارك مصغّرة وجولات صاروخيّة بينَ حركة "حماس" والجيش الإسرائيليّ.

مواقف وتوجّهات واعتبارات

عند الاستماع إلى تحليلات هليفي تدرك أنّ أيديولوجيّته اليمينيّة تمازجت في الواقع العملياتيّ للجيش، وضوابطهِ ومحاذيرهِ ومعاييره.

ويعتبر هليفي في الرأي العامّ الإسرائيليّ بأنهُ الرجل العسكريّ المتزّن، فهو برأيه حادّ البصيرة، وثاقب النظر، ولا يستخدمُ القوّة إلّا عند "الحاجة".

في إحدى التقارير التي نشرتها القناة 12 حول هليفي وقيادتهِ للجيش في منطقةِ الجنوب، قبل نحو عامين، اعتبرت فترتهُ الأكثر هدوءاً وتعاطيا بواقعيّة مع حماس، دون الإفراط في القوّة، ولكن ضمن معادلة ردع قويّة. وذكر التقرير أن الفضل يعود لأدوات هليفي العسكريّة المترابطة مع الأدوات الدبلوماسيّة في إنهاء "المظاهرات على السياج الحدودي [يقصد مسيرات العودة]، ومن بين 40 ألف متظاهر وعشرات الضحايا كلّ أسبوع على السياج، انخفضت الأرقام تدريجياً إلى الصفر، وذلك بفضل مزيج من الدبلوماسية العسكرية مع الوسطاء - مصر وقطر والأمم المتحدة- جلبت نتيجة لذلك، وتعلمت حماس درساً أيضاً، والنتائج واضحة على الأرض". أضف إلى ذلك "إنجازاً" آخر ينسبونهُ إلى هليفي هو الانخفاض الحادّ في إطلاق الصواريخ التي أطلقتها المقاومة في غزّة. وأوضح هليفي: "نحن بحاجة إلى منع تصاعد القوّة العسكريّة في قطاع غزة"، ومن هُنا بدأ الجيش في التخطيط منذُ عقد على الأقل لـ 'جولة بين حربين' بهدفِ محاولة كسر التسارع الهائل لقوّة المقاومة في غزّة. كما أنهُ تمت صياغة مفهوم جديد في القيادة الجنوبية، "قيادة غزّة"، باعتبار أن "غزّة محيط مليء بالجبال الجليدية، الأمر الذي يتطلّب إبحاراً ثابتاً ودقيقاً، أو في صورة أخرى - سائق على طريق مليء بالمسامير"، وفقاً لهليفي، لإدراكهِ أنّ غزة في وضعٍ هش والأوضاع الداخليّة في إسرائيل تزداد صعوبةً.

أمّا في ما يخص موقفهِ من إيران ففي مداخلةٍ ضمن مؤتمر نظمته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حولَ مقتل قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، في مطلع العام 2020، أعرب عن موقفٍ حياديّ، قائلاً إنّ الولايات المتّحدة تملك محفزاتها وأسبابها في خوضِ هذا الصراع ضدّ إيران، لذا على إسرائيل أن تقف جانباً، وتنتظر مآلات ذلك. هذا الموقف يعبّر عن رؤيةٍ أنّ إسرائيل هي ليست "لبّ الصراع في الشرق الأوسط"، بل أحياناً هي على الهامش من الصراعات في الشرق الأوسط، باعتبار أن الولايات المتّحدة لديها صراعها الخاصّ على هويّة وشكل العراق، إزاء إيران، بالتالي إسرائيل عليها أن تبقى حياديّة في هذا الصراع على قدرِ الإمكان. بالنسبةِ إليهِ، سليماني قُتل لأنه استهدف مصالح الولايات المتّحدة في المنطقة وقد تكون إسرائيل ضمن حسابات هذهِ المصالح، ولكنها ليست الموضوع الرئيس داخل حسابات الولايات المتحدة. نستنج من موقفٍ كهذا أولاً أن موقفه إزاء إيران قد يكون قائماً على توازنات استراتيجيّة وواقعيّة. وأكد هليفي أنّ إيران تساهم فعلياً في بناء "خارطة التهديد"، من الشمال (حزب الله في لبنان)، ومن الجنوب (قطاع غزّة)، إلّا أنّ العمل ضدّها يجب أن يكون بحذر وضمن خطواتٍ مدروسة، وليس من منطلق اعتباراتٍ آنيّة أو مفاجئة مثل مقتل سليماني. وهو يعتقد أن الجيش الإسرائيلي بإمكانه الدفاع عن نفسهِ أمام عدّة جبهات. وبحسب ما قال في مقابلة مع "واينت": "إن الجيش الإسرائيلي منظّم وجيّد الإعداد. أعتقد أن أعداءنا في الشمال والجنوب سيحاولون جاهدين عدم الدخول في مواجهة معنا بسبب قوة الجيش وقوة دولة إسرائيل، وسيبقى الجيش الإسرائيلي يعرف كيف يتعامل مع جبهتين إذا لزم الأمر".

وفي تقرير آخر لصحيفة "يسرائيل هيوم"، أشير إلى أن إحدى المهام التي تقع على رئيس الأركان الجديد هليفي هي استعادة نظام العمليات الخاصة، "فهو يعرفُ هذا العالم عن كثب منذ أيامه في سرية هيئة الأركان العامة وفي لواء العمليات وهو على دراية بالركود الذي أصاب الجهاز منذ العملية الفاشلة في خان يونس التي قتل فيها الملازم أول محمود خير الدين".

اتفاقيّات الائتلاف

جاءَ تعيين هليفي في وقتٍ حسّاس من حيثُ الخلافات على المستوى السياسيّ ومن حيثُ تعدّد الوزراء المسؤولين عن وزارة الدفاع والجيش، وقدَ أوضح قائد الأركان السابق، أفيف كوخافي، أنه يعارضٌ الإخلال في التراتبية العسكريّة والأمنيّة. وقد انتقد بشدّة منح صلاحيات في الضفة الغربية كجزء من اتفاق الائتلاف بين سموتريتش وإيتمار بن غفير ونتنياهو. وكما جاء في تقرير "القناة 7" فرفضه مؤسس على أنّ هذهِ الاتفاقيّات تجعل من الجيش عرضةً لتداعيات الخلافات والانقسامات السياسيّة. أضف إلى ذلك أن العديد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين عارضوا ذلك لأنه على حدّ قولهم "سيخلق فوضى ستضرّ بمكانةِ إسرائيل الدولية ويخلق نظامين قانونيين مختلفين في المناطق: أحدهما لليهود والآخر للفلسطينيين".

خلال خطاب هليفي عند تسلمه قيادة هيئة الأركان، عبّر عن موقفٍ مبطّن إزاء وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير الدفاع (المسؤول عن ملّف الضفّة الغربيّة) ووزير الماليّة سموتريتش، علماً أن كليهما جلسا في الصفّ الأول عند حديثهِ، قائلاً: "سنجهز الجيش الإسرائيلي للحرب على الساحات البعيدة والقريبة، وسنوسّع التجنيد النوعي للجيش الإسرائيلي من جميع طبقات السكان وهذا مصدر قوتنا؛ سنقوي جيش الاحتياط وسنحتفظ بجيش إسرائيلي واحد، من الناحيةِ الواقعية والأخلاقية والمهنية، بعيداً عن أي اعتبار آخر غير الأمن". وتلا ذلك خطاب لوزير الدفاع (العام) يوآف غالانت، أعرب في سياقه عن موقف داعم لموقف هليفي وقيادة الجيش عامّة إزاء التغييرات.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات