المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 997
  • هشام نفاع

يشير بحث إسرائيلي جديد إلى أن مشكلة النقص في المعلمين ما زالت ماثلة، ويعرّفها كأحد التحديات الكبرى التي تقف أمام جهاز التعليم، لما للمشكلة من تأثير حاسم على جودة المعلمين والتدريس، على جودة التعليم في المدارس وعلى تحصيل الطلاب. البحث الذي أعدّه مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست بطلب من عضو الكنيست عوفر كسيف، يشدّد: بالرغم من أن هذه القضية ترافق جهاز التعليم منذ وقت طويل جدا، ففي الأشهر الأخيرة تجمعت ادعاءات بشأن نقص فادح في المعلمين، مما يؤدي إلى مساس قاس بالتعليم وبأسس التعليم. من جهة أخرى، هناك من يدعون أن وضع جهاز التعليم في هذا السياق لا يختلف بشكل جوهري عن سنوات سابقة، والجهاز لا يتعاطى مع مشكلة شاملة بل مع مكامن نقص موضعية ومتعلقة بجودة المعلمين.

الوثيقة مؤلفة من قسمين. ويعرض الأول معلومات شاملة من مصادر مختلفة بشأن النقص في المعلمين ومنها معطيات المكتب المركزي للإحصاء، معطيات مقارنة من أبحاث دولية ومعطيات من استطلاع أعده مركز الأبحاث نفسه بين مديري مدارس من أجل هذه الوثيقة تحديدا. أما القسم الثاني فيعرض سياسة وزارة التعليم بهذا الشأن بما في ذلك مسح وتحديد النقص في المعلمين والخطط والنشاطات لمواجهة المسألة على المدى القصير والبعيد. 

انخفاض في عدد خريجي تأهيل المدرّسين

تم تناول مصطلح النقص في المعلمين على نحو واسع في العقود الأخيرة في الخطاب العام والبحث الأكاديمي. الباحثون الذين يتناولون هذه القضية ميزوا ما بين معان مختلفة للنقص في المعلمين: منها النقص النوعي والنوع الكمي، وعددوا العوامل خلف النقص وإسقاطاته على التعليم في المدارس. وفي حين أن وزارة التعليم أصرت في السنوات الأخيرة على كون النقص في التعليم موضعياً وفي مواضيع محددة فقط، فقد عادت الوزارة وأعلنت مؤخرا أن الأزمة في القوى العاملة عموما أعمق وذلك في جميع المواضيع التي تدرس في جهاز التعليم.

المعطيات التي يوفرها المكتب المركزي للإحصاء والتي ينشرها على نحو دائم تتناول جوانب مختلفة من قضية تأهيل التدريس وعمال التدريس، وهي تمكن من تشخيص عدد من المؤشرات المتعلقة بالعرض والطلب في هذا الصدد، وبينها: منذ العام 2018 هناك انخفاض في عدد خريجي جميع مساقات تأهيل التدريس، وكان عدد الخريجين في العام 2021 الأكثر انخفاضا منذ العام 2016 – نحو 9750 خريجا في جميع المساقات. أقل من 70% من خريجي التأهيل في التدريس كل سنة يتم دمجهم في التدريس في جهاز التعليم. نسبة الدخول إلى مجال التدريس في المجتمع اليهودي بقيت على حالها تقريبا منذ العام 2013، مع انزياحات في الاتجاهين في سنوات محددة. أما في صفوف الخريجين من المجتمع العربي فهناك انخفاض معين في نسبة الخريجين الذين دخلوا إلى سلك التدريس في السنوات الأخيرة، أكثر من نصفهم بقليل فقط بدأوا التدريس فعليا في جهاز التعليم. 

نسبة زيادة عدد المعلمين في جهاز التعليم وعدد وظائف التدريس الكاملة، أعلى من نسبة زيادة عدد الطلاب. بموجب ذلك، عدد الطلاب بالمعدل للمعلم الواحد ولوظيفة التدريس الواحدة انخفض بشكل ملحوظ بين الأعوام 2000-2001 بما يشمل جميع مراحل وقطاعات التعليم تقريبا. عدد المعلمين الجدد في جهاز التعليم عموما أعلى من عدد المعلمين الذين يتركون التدريس. يمكن في السنوات الأخيرة ملاحظة اتجاه معين للارتفاع في نسبة المعلمين الذين يتركون التدريس، وبموازاة ذلك هناك انخفاض في عدد المعلمين الجدد، وخصوصا في التعليم العربي. 

بموازاة ذلك هناك ارتفاع ملحوظ في نسبة ترك المعلمين الجدد لجهاز التعليم. التحليلات التي تناولت خروج المعلمين في فترة كورونا تدل على اتجاه مضطرد لوقف العمل في صفوف المعلمين أصحاب الأقدمية المنخفضة (2 حتى 5 سنوات). هناك ارتفاع من نسبة 13.3% العام 2017 حتى نسبة 21.1% العام 2021. 

نسبة الملائمة ما بين مجال التأهيل للموضوع الذي يُدرس فعليا في مواضيع: اللغة العبرية، الرياضيات والإنكليزية، هي نسبة ذات مؤشر ارتفاع في جميع المراحل العمرية والقطاعات. مع ذلك فما زال في التعليم العبري الكثير من المعلمين الذين ليس لديهم تأهيل ملائم لتدريس الموضوع الذي يعلمونه. حتى العام 2026 هناك حاجة إلى إضافة حوالي 24 ألف معلم لجهاز التعليم، ومنهم نحو 16 ألف معلم في التعليم الابتدائي، 4000 آلاف معلم في المرحلة الإعدادية و4000 في المراحل العليا. الزيادة الأكثر جدية في الطلب على المعلمين ستكون في جهاز التعليم للحريديم.

أكثر من نصف المدارس: نقص يفوق 10% من الحاجة


توجه مركز أبحاث ومعلومات الكنيست في تموز 2022 إلى مديري المدارس باستمارات موضوعها النقص في المعلمين في المدارس. تم إرسال الاستمارات إلى حوالي 4000 مدير وتلقى إجابات 583 مديراً تمثل مدارس من قطاعات، مراحل تعليم وأنواع تعليم مختلفة. ينوّه البحث: مهمٌ التأكيد أن إجابات المديرين تستند إلى رؤاهم الشخصية وليس إلى الوضع في اللحظة الزمنية المحددة، وأنها إجابات تمثل مواقف المديرين الذين اختاروا أن يجيبوا على الاستمارات فقط. ومن بين المعطيات والمستخلصات المركزية التي جاءت في بيانات المديرين الذين أجابوا على الاستطلاع:

77.5% من المديرين الذين أجابوا على الاستمارة أفادوا بأن هناك نقصاً في المعلمين في المدرسة. بين المعلمين الذين أفادوا عن وجود نقص، حوالي 46% أشاروا لنقص في معلم واحد أو اثنين و54% تحدثوا عن نقص في ثلاثة معلمين فما فوق. في حوالي 64% من المدارس التي أفادت عن نقص في المعلمين تمت الإفادة عن نقص في معلمين حتى 10%، وفي 54% من المدارس تمت الإفادة عن نقص في أكثر من 10% من المعلمين. هناك فروق جدية في التقارير حول حجم النقص في المعلمين بين مدارس التعليم العربي والعبري، والابتدائي وفوق الابتدائي. كذلك تشير المعطيات إلى وضع خطير في التعليم الخاص. 

في ألوية تل أبيب والمركز أفاد أكثر من نصف المديرين في التعليم العبري عن وجود نقص في ثلاثة معلمين فما فوق في المدارس، في حين أن 70% من مديري مدارس لواء تل أبيب وحوالي 60% من ألوية المركز أفادوا عن نقص في أكثر من 10% من معلمي المدارس. عموماً، في المدارس التي يتعلم فيها طلاب من مستوى اجتماعي اقتصادي عال، تمت الإفادة أكثر عن نقص في المعلمين قياساً بمدارس يتعلم فيها طلاب من مجموعات سكانية مستواها الاجتماعي- الاقتصادي أكثر انخفاضاً. 

77.5% من المديرين قدروا أن النقص هذا العام أكبر أو أكبر على نحو ملموس من السنوات السابقة، وكان هناك مديرون معدودون فقط أفادوا بأن النقص في المعلمين تقلص قياسا بالسنوات السابقة. في هذا السياق، هناك فرق كبير بين التعليم العبري والعربي، بين مدارس القطاعات المختلفة، وبين مدارس تتعلم فيها مجموعات سكانية من مستويات اجتماعية- اقتصادية مختلفة.

من ناحية تعاطي المدارس مع النقص في المعلمين وصعوبة تجنيد معلمين نحو السنة الدراسية الراهنة، تبين أن معظم مديري المدارس تحدثوا عن استخدام استراتيجيات وأدوات إدارية من شأنها أن تحمل إسقاطات سلبية على التدريس. ومنها: دمج معلمين دون تأهيل ملائم في الصفوف - 85% من المجيبين على الاستمارات أفادوا بذلك. تجنيد معلمين غير ملائمين للمدارس وهو ما قاله 52%. وإلقاء وظائف إضافية على المعلمين وأعضاء الإدارة بما في ذلك تعيين مربية واحدة لصفين دراسيين وهو ما أفاد به 51% ممن أجابوا على الاستمارة. هناك أدوات أخرى، منها التنازل عن تعليم مواضيع معينة، تقليص نشاطات ومشاريع المدرسة غير المنحصرة في التدريس، وزيادة صفوف، وهذه ظاهرة اقل انتشارا لكنها ما زالت موجودة في مدارس كثيرة.

بين المعيقات: الأجور، الضغط، التآكل

نحو 80% من المديرين الذين أجابوا على السؤال الذي يتناول عوامل النقص والمعيقات، أشاروا إلى أجور المعلمين. هناك عوامل أخرى أشار اليها نحو ربع المديرين وهي: مكانة المعلم، ضغط، الشعور بالتآكل والمصاعب في عمل المعلم، وظروف التشغيل الإشكالية. ومن بين القضايا الشائعة التي أشار اليها المجيبون: تعامل الأهل مع المعلمين، سياسة وزارة التعليم وتعاطيها مع عمال التدريس وحجم الصفوف وتركيبة الشرائح الطلابية.

لكن أجور المعلمين تظلّ النقطة المعيقة التي أشار إليها أكبر عدد من المديرين. وشدّدوا على الفجوة ما بين متطلبات الوظيفة وما بين مكافأة المعلمين. واستخدموا مصطلحات مشحونة تصف المشكلة، منها أن الفجوة غير منطقية، الأجر غير لائق قياساً بساعات العمل الكثيرة، هذه مهنة فيها جهد واستثمار هام مقابل مردود منخفض جدا. هناك اتفاق واسع على غياب أي علاقة ما بين أداء المعلم وبين الأجر، ولا يمكن للمديرين أن يكافئوا معلمين متميزين أو متفوقين. كذلك تحدثوا عن أن وظيفة التدريس تفتقر للجاذبية قياساً بمهن أخرى في السوق. فهناك معلمون يتركون التدريس من أجل وظائف في القطاع الخاص ووظائف في مجال المبادرات الاقتصادية في السوق الحرة وهو ما ترك أثره على نحو خاص في فترة كورونا. فبعد كورونا، كما قال أحد المديرين، يبحث الناس عن أعمال تحمل مردودا أكثر وتنطوي على نوع من التنوّع والتهجين لكي يتمكنوا من البقاء في البيت.

النقطة الثانية البارزة هي تعامل الأهل مع المعلمين، وهو أمر تكرر لدى مديرين كثيرين. فالمعلمون وفقا للمديرين يستصعبون تعامل الأهل معهم ويتحدثون عن أن العلاقات تفتقر للحدود، وهناك تدخل زائد في عملهم. فالأهالي لديهم مطالب مفرطة وتدخل فظ في دور ومجال عمل المعلم. كذلك، تحدث عدد كبير من المديرين عن تعامل غير لائق من قبل قسم من الأهل مع المعلمين، بل إن بينهم من لا يرى أن المعلمين يقومون بوظيفة تنطوي على رسالة، وإنما ينظرون إليهم كمجرد "حاضنين" لأولادهم في وقت انشغالهم. وبموجب أحد المديرين: هذا تعامل مهين من قبل الأهالي وكأن كل شيء متاح لهم.

خطة وزارة التعليم تفتقر لأهداف ومواعيد ورصد ميزانيات!

الجهة المسؤولة في وزارة التعليم عن تركيز تعاطي الوزارة مع النقص في المعلمين هو قسم التأهيل والتخصص في مديرية عاملي التدريس، وذلك بالتعاون مع أقسام أخرى في الوزارة وخارج الوزارة. في إطار عمل هذا القسم، يجري العمل على بلورة سياسة في هذا المجال ومسح النواقص القائمة والمتوقعة في تفعيل برامج للتعاطي مع النقص. 

يقول البحث إنه تم في العام 2019 نشر تقرير شامل لمراقب الدولة الإسرائيلية في مجال القوى العاملة في التدريس ووجد نواقص كثيرة من حيث تعامل الوزارة مع الظاهرة. سياسة وزارة التعليم لمواجهة مشكلة النقص في المعلمين تنص عليها خطة عمل الوزارة للعام 2022 وتم فيها عرض برنامج منظوماتي لتقليص النقص في المعلمين من أجل سد الفجوات ما بين العرض والطلب لعمال التدريس. وهو يشمل جوانب مختلفة منها تجنيد مرشحين، تحسين تأهيل معلمين، تسهيل الاندماج في التدريس وإمكانية نقل عمال تدريس بين قطاعات مختلفة ودعم وتعزيز المعلمين ومنع التسرب. مع ذلك الخطة لم تتضمن الإشارة إلى أهداف مستقبلية ولا برامج زمنية ولا ميزانيات مخصصة بشكل جدي لهذا الأمر. ومن هنا، كما يخلص البحث، يبدو أن معظم مركبات تلك الخطة لم تطبق على نحو جدي فعليا حتى الآن، وهو ما يفسّر جانباً واسعاً من تواصل مشكلة النقص في المعلمين.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات