يؤكد تقرير رسمي إسرائيلي جديد أن التقاعس الحكومي والرسمي عموماً ما زال سائداً إزاء الحوادث التي يتعرّض لها عمّال قطاع البناء، فيتواصل سقوطهم قتلى أو جرحى بشكل بالغ. ليس فقط أن الحوادث لم تتراجع بشكل يمكن اعتباره تحوّلاً، بسبب عدم تطبيق قرارات وتعهدات بزيادة الرقابة على ظروف مواقع وورشات العمل ومتطلبات الأمان فيها، بل إن المقاولين الذين يتحملون مسؤولية الإهمال بحق العمال في شركاتهم، يحظون بتعامل متساهل بدرجات مثيرة للاستهجان.
ففي الأسبوع المنصرم وحده سجّلت الجهات الرسمية الحوادث اليومية التالية: سقط عامل يبلغ من العمر 30 عاماً من ارتفاع في موقع بناء في مدينة رامات غان، وتم نقله إلى مستشفى إيخيلوف مصاباً بجروح في الصدر والبطن. وجُرح عامل يبلغ من العمر 60 عاماً عن منشار كهربائي في حيفا، وتم نقله إلى مستشفى "رمبام". وقُتل عامل صيانة يبلغ من العمر 60 عاماً في فندق في القدس نتيجة اصطدام مصعد شحن. وسقط عامل يبلغ من العمر 54 عاماً من ارتفاع 5 أمتار عندما انهار عمود في أثناء أعمال تركيب إضاءة في موشاف بالشمال، ونُقل إلى مستشفى "زيف" مصابا بجروح في أطرافه ورأسه. وأصيب عامل يبلغ من العمر 40 عاماً بجروح خطيرة بعد أن اخترق سيخ حديدي رقبته في موقع بناء في بات يام، وتم نقله إلى مستشفى "تل هشومير". وأصيب عاملان في الخمسينات من العمر بجروح متوسطة جراء سقوط آلة لقص الفولاذ عليهما في مصنع في كيبوتس بوسط البلاد، وتم نقلهما إلى مستشفى "أساف هروفيه" مع إصابات في أطرافهم. ومنذ بداية العام لقي 25 عاملا مصرعهم في حوادث عمل.
معدّل قتل عمال البناء أكبر من الاتحاد الأوروبي بضعفين وأكثر!
خصّص التقرير الجديد الصادر عن مكتب مراقب الدولة فصلاً لهذه القضية، وكتب أنه في أماكن العمل بشكل عام وفي قطاع البناء على وجه الخصوص، يتعرض العمال لمختلف مخاطر انعدام متطلبات السلامة والصحة. وتقع مسؤولية ضمان سلامة وصحة الموظفين على عاتق صاحب العمل. وتعتبر منظمة العمل الدولية قطاع البناء من أخطر القطاعات بالنسبة لعمالها. وقد قُتل في إسرائيل، في كل من عامي 2020 و2021، 32 عاملاً في حوادث عمل في قطاع البناء. وفي الأعوام 2017-2020، كانت نسبة العمال الذين لقوا حتفهم في حوادث العمل في قطاع البناء أكبر مما هو في الصناعة، والخدمات والتجارة والزراعة. كذلك، في مقارنة دولية، كان معدل الوفيات في حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل في كل عام من 2011-2018 أكبر من المتوسط في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، وفي بعض السنوات كان يعادل الضعفين وأكثر.
الهيئة المسؤولة الرئيسة في مجال السلامة المهنية هي إدارة السلامة والصحة المهنية في ذراع العمل بوزارة الاقتصاد والصناعة. تم تحديد أنشطة إدارة السلامة لغرض التأكد من أن صاحب العمل يتخذ الخطوات اللازمة لحماية سلامة العاملين وصحتهم، بما في ذلك عن طريق وضع التشريعات والأنظمة، والإشراف على أحكام القوانين والأنظمة المختلفة وإنفاذها في هذه المجالات، والتحقيق في حوادث العمل والأمراض المهنية. لدى إدارة السلامة تقاطعات عمل مع هيئات أخرى للتنفيذ والعقاب: فهي تقدم المساعدة المهنية للشرطة في التحقيق وتوضيح الظروف التي أدت إلى وقوع حوادث العمل؛ تقديم معلومات إلى مسجل المقاولين في وزارة البناء والإسكان عن المقاولين الذين تخضع مواقعهم لانتهاكات منهجية لقوانين السلامة ولوائح سلامة العمل، بغرض اتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم نيابة عن المسجل؛ واعتباراً من تموز 2020، يتم تقديم المعلومات إلى المحاسب العام في وزارة المالية، لغرض تحديد أهلية المقاولين لإدراجهم في قائمة المقاولين المعترف بهم.
في الفترة ما بين آذار وكانون الأول 2021، فحص مكتب مراقب الدولة جوانب إجراءات الدولة فيما يتعلق بسلامة العمال في قطاع البناء. وتم فحص إجراءات إدارة السلامة في مجال إنفاذ أحكام السلامة المطبقة على أصحاب العمل؛ إجراءات مسجل المقاولين فيما يتعلق بالمقاولين الذين ارتكبوا مخالفات تتعلق بالسلامة؛ إنشاء وحدة تحقيق شرطيّة مخصصة للتحقيق في المخالفات المتعلقة بالسلامة في قطاع البناء؛ وشمل التدقيق أيضا رصد تصحيح بعض أوجه القصور التي سبق ذكرها في تقرير نشره مكتب مراقب الدولة في العام 2018 حول "تسجيل المقاولين وجوانب ضمان الجودة والسلامة في قطاع البناء". وتم إجراء استكمال للفحص في الشرطة.
بالنسبة لنطاق الموظفين في إدارة السلامة، زاد عدد الوظائف في إدارة السلامة من 95 في مطلع 2019 إلى 148 في مطلع 2021. ومع ذلك، لم يتم إشغال 28 من أصل 176 وظيفة منصوص عليها، ولم يتم إشغال سبعة من أصل 60 وظيفة متفق عليها مع وزارة المالية أضيفت في العام 2018.
غياب متابعة منهجيّة للإخطارات والتحقيقات والعقوبات
ليست هناك منهجية في "إدارة السلامة" لعملية مراقبة استلام إخطارات من أصحاب العمل حول إصلاح عيوب السلامة في مواقع البناء، التي سبق العثور عليها في أثناء عمليات التفتيش، ولم تستدعِ خطوات قانونية ضد المقاول. هناك غياب لآلية مراقبة لتسلم الإخطارات، ولا يحتوي نظام الكمبيوتر الخاص بإدارة السلامة على توصيف لعرض تنبيه أو تذكير بأنه لم يتم تسلم الإخطارات بعد بالشكل المطلوب. في العام 2020، كان عدد أوامر السلامة الصادرة أكبر بست مرات من عدد أوامر السلامة الصادرة في العام 2017 (حوالي 5800 أمر في العام 2020، مقارنة بحوالي 900 في العام 2017)، وزاد عدد أوامر إيقاف العمل بنسبة 43% خلال تلك الفترة (من 65 إلى 93 طلباً). هذه الزيادة في عدد أوامر السلامة وأوامر التوقف عن العمل في 2017-2020 تؤكد ضرورة قيام إدارة السلامة بمراقبة تنفيذ الأوامر وتلقي إخطارات بتصحيح ثغرات السلامة. أي أن حالات الفحص ازدادت، لكن هناك قصور في متابعة إصلاح مكامن الخلل.
في مجال نطاق العقوبات المالية على المقاولين - بلغ عدد العقوبات التي فرضتها إدارة السلامة في العام 2019 (نحو 150) حوالي ربع عدد العقوبات المفروضة في العام 2018 (حوالي 600). في العام 2020، تماثل عدد العقوبات المفروضة مع عدد العقوبات المفروضة في العام 2018، على الرغم من أن عدد أوامر السلامة الصادرة في العام 2020 كان أكثر بخمسة أضعاف من عدد الأوامر الصادرة في العام 2018 (قرابة 5800 مقابل حوالي 1100). كما تبين أن 424 مقاولاً من بين 735 مقاولاً (58%) تمت معاقبتهم في الأعوام 2018-2020 فُرضت عليهم عقوبة واحدة في تلك السنوات، وأن 145 مقاولاً (20%) فُرضت عليهم ما بين ثلاث إلى عشر عقوبات.
بخصوص تحصيل العقوبات المالية، فرضت إدارة السلامة في الأعوام 2018 - 2020 حوالي 1350 عقوبة مالية لانتهاك مخالفات السلامة في قطاع البناء، بقيمة 42.7 مليون شيكل. اعتبارا من نهاية العام 2020، بلغت العقوبات التي تمت جبايتها 2.1 مليون شيكل وهي حوالي 5% فقط من إجمالي عدد العقوبات المفروضة. في تشرين الأول 2020 بدأ تحويل العقوبات إلى مركز تحصيل الغرامات والرسوم والنفقات. اعتباراً من تموز 2021، تم تحويل عقوبات بقيمة 10.7 مليون شيكل للتحصيل؛ ومع ذلك، فإن معظم العقوبات التي لم يتم دفعها بحلول نهاية العام 2020 ولم تكن قيد الاستئناف، بمبلغ 26.5 مليون شيكل (71% من العقوبات المفروضة)، لا تزال عالقة في إدارة السلامة. ولا يوجد لديها نظام محوسب لإدارة عملية معالجة العقوبات بالكامل، بما في ذلك إرسال الإخطارات وتحويلها للجباية.
في مسائل التحقيق الجنائي من قبل إدارة السلامة في حالات الاشتباه بارتكاب مخالفات تتعلق بالسلامة، اعتباراً من تشرين الأول 2021، لم يكن لدى إدارة السلامة وحدة مخصصة للتحقيقات الجنائية، على الرغم من الحاجة التي أثارها المتخصصون في أنشطتها، وتم إعطاء أدوار التحقيق الجنائي للمفتشين. في الأعوام 2018 - 2021 تم تحويل نتائج 26 تحقيقا أجرته إدارة السلامة إلى وحدة النيابة العامة لغرض تقديم لوائح اتهام - 13 تحقيقا في 2018، تحقيق واحد في 2019، تحقيقان في 2020، عشرة تحقيقات في 2021 - بسبب عدم تفعيل وحدة متخصصة للتحقيق مع من ارتكب مخالفات تتعلق بالسلامة.
ثغرات في الرقابة والإنفاذ
تناول التقرير تفعيل معيار جديد للسقالات، وجاء فيه أنه في ضوء الموافقة على السقالات التي تلبي المعيار الإسرائيلي الجديد فقط اعتباراً من شباط 2021، وما توفر من هذه السقالات بالمعيار الجديد، فحتى نهاية فترة التقرير (كانون الأول 2021) لم يتم استيفاء الشروط المطلوبة لبدء تنفيذ التزام إدارة السلامة بتركيب هذه السقالات، على الرغم من مرور أكثر من عامين على تاريخ تطبيق هذا الالتزام. واتضح أيضاً أنه في كانون الأول 2021، تمت الموافقة على سبعة نماذج سقالات معتمدة من قبل أربع شركات مختلفة.
تقوم إدارة السلامة بتركيز البيانات الخاصة بالحوادث المميتة التي وقعت وأسبابها، وتنشر البيانات في تقريرها السنوي. وبالنسبة لبقية الحوادث وكذلك بالنسبة لحالات "شبه الجرحى"، لا تقوم إدارة السلامة بتركيز البيانات المتعلقة بها ولا تحللها من أجل التوصل لاستنتاجات. كما تبين أنه لم يتم تحويل بيانات تحقيقات وحدة الشرطة الخاصة للتحقيق في الجرائم في مجال السلامة في قطاع البناء إلى الإدارة لغرض التعلم والاستخلاص. وبينما يبلغ عدد المقاولين المعترف بهم للتعاقد مع الوزارات الحكومية حوالي 770، فمن أصل 20 حالة تم تحويلها إلى المحاسب العام في وزارة المالية تم إيقاف أربعة مقاولين فقط.
بالنسبة لنشاط إدارة السلامة فمن العام 2017 حتى العام 2020 ازدادت زيارات مفتشيها لمواقع العمل بـ 74% وازداد عدد أوامر تطبيق معايير الأمان بنحو ستة أضعاف. ويوصي تقرير مراقب الدولة بإكمال إشغال الوظائف المطلوبة لغرض التفتيش، مع فحص إمكانية زيادة 17 وظيفة جديدة. وبالعمل على نحو منهجي في متابعة ما يصدر من إخطارات، وأوامر ونتائج التحقيق والعقوبات.
كتب مراقب الدولة في ملخص تقريره أنه في ضوء عدد الضحايا في قطاع البناء، اتخذت الدولة عدة خطوات منذ العام 2018 لزيادة السلامة في قطاع البناء وتقليل عدد الحوادث، بما في ذلك زيادة نطاق نشاط مفتشي إدارة البناء في قطاع البناء؛ فرض عقوبات مالية على أصحاب العمل في قطاع البناء الذين ارتكبوا مخالفات تتعلق بالسلامة؛ إنشاء وحدة تحقيق شرطية متخصصة في مجال السلامة المهنية في قطاع البناء؛ واتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المقاولين لمخالفات السلامة من قبل مسجل المقاولين. لكن هذا التقرير يوضح أنه على الرغم من الخطوات المتخذة، إلا أن هناك ثغرات في نظام الرقابة والإنفاذ؛ فليس هناك إنفاذ فعال بما فيه الكفاية لمخالفات السلامة الجنائية في قطاع البناء؛ وإجراءات إدارة السلامة فيما يتعلق بتحليل البيانات والدروس المستفادة بعد حوادث العمل بحاجة إلى تحسين وتوسيع. ولم يتم تخصيص العدد الكامل لإدارة السلامة في مجال مراقبة السلامة في قطاع البناء، وفقاً لملخص الميزانية المعني، ولم يتم شغل العدد الكامل للوظائف المخصصة لها في المعيار. ويجب على الذراع العمالية وإدارة السلامة والشرطة ومسجل المقاولين ووزارة المالية العمل على تصحيح أوجه القصور وفحص التوصيات المحددة في هذا التقرير، من أجل زيادة السلامة في العمل في قطاع البناء في إسرائيل.