يحدث مرة واحدة كل بضعة أشهر أن تواجه المؤسسة الصناعية، التي تقع غالبا في الضواحي، صعوبات، وتواجه الإغلاق. فكلفة تشغيل العمال باهظة للغاية بالنسبة للمستثمرين، والإنتاج الخارجي أرخص، والبيروقراطية والضغوط هنا تغلبتا على المستثمرين. بشكل عام، فإن إغلاق الشركات تصاحبه حركات احتجاج، ويظهر العاملون في وسائل الإعلام، ثم تمارس ضغوط على وزارة المالية وأعضاء الكنيست، ولربما يكون حل يمدد لفترة ما عمل هذه الشركة أو تلك، من خلال عملية تنفس اصطناعي، ولكن خلال هذه الفترة يتم إغلاق عشرات الشركات الأخرى، من الشركات الناشئة الإسرائيلية وبهدوء، ولم يكن أحد يعلم بوجودها.
في هذه الحالات، لن ترى عمالا يعملون بالأعمال الشاقة، ولن يتحدث أحد عن دعم الدولة للشركات. أغلقت وانتهى الأمر. فالشركات تختفي بسرعة كما ظهرت. ويتم استيعاب موظفيها في شركات أخرى، وليس قبل قفزة صغيرة في الخارج للاستمتاع بالإجازة القسرية. وهذا المشهد يعكس الفوارق الكبيرة، بين الصناعات الإسرائيلية المختلفة.
في العام الجاري 2019، من المتوقع أن يحدث أمر في الصادرات الإسرائيلية: لأول مرة، ستتجاوز صادرات الخدمات صادرات السلع. هذه ليست قضية إحصائية أو رمزية، ولكنها نقطة تحول في حياة الصناعة الإسرائيلية. فإذا صادفتم في الآونة الأخيرة الحملات الدعائية لاتحاد أرباب الصناعة، حول أهمية الصناعة وضرورة أن تتصدى الدولة لتحدياتها، فهذا ليس صدفة. يرتبط هذا بشكل مباشر بتدهور الصناعة المحلية، وتعدد التهديدات التي تواجهها وحقيقة أنها تتقاسم الاقتصاد المتراجع.
في النصف الأول من عام 2019، بلغ إجمالي الصادرات الإسرائيلية 8ر56 مليار دولار. تم توزيع الصادرات بالتساوي تقريبا: بلغ إجمالي صادرات البضائع 9ر28 مليار دولار، وبلغ إجمالي صادرات الخدمات 9ر27 مليار دولار. في مثل هذه الفترة من العام الماضي 2018، كانت هناك فجوة بقيمة 5 مليارات دولار لصالح البضائع. وبحلول بداية عام 2020، ستكون صادرات الخدمات أكبر.
معظم الخدمات التي تصدرها إسرائيل هي خدمات برمجية. تتميز هذه الصناعة بخصائص مختلفة عن تصدير البضائع: فهي لا تحتوي على مواد خام، ولا تفريغ وتحميل في الميناء، ولا توجد آلات وخطوط إنتاج، ولا أوقات إعداد واستخدام الآلات، ولا شحوم، وزيت، ورافعات شوكية لتفكيك البضائع. وهذا يعني عدد أيدي عاملة أقل بكثير.
لا يوجد سوى أشخاص وأجهزة كمبيوتر لا يحتاجون إلى خدمات الموانئ والنقل. يتم النقر على زر الكمبيوتر، ويأتي المنتوج مباشرة إلى زبون في أستراليا أو كندا أو الصين. وتتمتع صناعة الخدمات بميزة أخرى: فهي تجعل الميزان التجاري لإسرائيل بفائض كبير- إنها تصدر أكثر بكثير مما تستورد. في صناعة البضائع، الأمر عكس ذلك، فنحن نستورد أكثر من التصدير.
ومستقبلا ستتسع الفجوات بين تصدير الخدمات والبضائع. وهذه مشكلة مقلقة بالنسبة للصناعة الإسرائيلية لأنها تقسم الصادرات إلى مجالين لا يوجد بينهما الكثير من العوامل المشتركة. في هذه الحالة، تضعف قوة صناعة البضائع الأساسية، مما يثير تساؤلات حول مستقبلها.
لسنوات، عندما اشتكى كبار الصناعيين من ضائقاتهم، مثل انخفاض سعر صرف الدولار، والتنظيم، وقوانين العمل، والبيروقراطية، كانوا يمثلون معظم الصناعة والصادرات الإسرائيلية. ومع ذلك، فقد أحدثت التغييرات التكنولوجية حاجزا بين أنواع الصناعات وأنواع المصدرين، وبالتالي لا يمكن حل مسألة مستقبل الصناعة الإسرائيلية بجواب واحد. لا يمكن الإجابة عليه بشكل جيد أو سيء.
أيضا التفرقة المطلوبة بين الصناعات المتقدمة والتقليدية، بالضرورة هي السبيل لتحديد من سيبقى ومن سيغرق. في الصناعات التقليدية، هناك مصانع يمكن تجديدها وتنجيعها، والحفاظ على ميزة تسويقية أو إدارية أو لوجستية. لقد اخترق الكثيرون في الصناعة التقليدية مكانا يسمح لهم بالعيش بكرامة. في الصناعات المتقدمة، من ناحية أخرى، هناك الابتكار والبحث والتطوير، ولكن أيضا ساحة تنافسية عالمية وسوق تغير أذواقها بسرعة، وتبحث عن الشيء التالي، وهذا لا ينعش حياة أي شركة.
إن مسألة ما إذا كان هناك مستقبل للصناعة الإسرائيلية أمر مهم، ولكن في الوقت نفسه يوجد لها حاضر أيضا. توظف الصناعة حوالي 377 ألف شخص، أي 10% من العاملين في إسرائيل. 60% من هؤلاء يعملون في الضواحي، لذلك يجري الحديث عن أرباب عمل مهمين في الواقع الحالي.
عدد العاملين في الصناعة يحافظ على حالة ركود منذ ست سنوات، ولهذا فإن نسبة العاملين في الصناعة، من إجمالي العاملين في إسرائيل، في تراجع مستمر، رغم أن الدولة تمنح الصناعة حوافز وفوائد، لا تمنحها للقطاعات الأخرى، وعلى الأخص قانون تشجيع الاستثمارات.
يتم إغلاق المصانع لأسباب عدة: حجم كلفة الانتاج، إجراءات الترخيص والتصاريح المستمرة، ونقص رأس المال الاستثماري، ومشاكل الإدارة، وعدم القدرة على التغيير والتجديد، وإرهاق المستثمرين وغيرها من الأسباب. وتعرف الدولة كيفية منح الفوائد والحوافز، لكنها أيضا جيدة في إيصال الروح إلى المستثمرين.
ولكن هناك مسألة أخرى، الدولة مسؤولة عنها ومتصلة ببقاء الصناعة الإسرائيلية على قيد الحياة. لسنوات عديدة شجعت فقط الشركات المنتجة للتصدير. هذا سمح لها بتحسين قدرتها التنافسية في العالم، وأن تكون أكثر ابتكارا وتحافظ على إنتاجية عالية. ومع ذلك، كانت النتيجة إهمال الصناعات العاملة في السوق المحلية، ونتيجة لذلك اشتُقت كلفة المعيشة المرتفعة أيضا.
ليس من دون سبب، كانت في السنوات الأخيرة أصوات لوقف دعم الصناعات التصديرية والاستثمار في الصناعات المحلية كذلك. يتم التعبير عن أحد هذه الأصوات من قبل بنك إسرائيل، الذي نشر مؤخرا تقريرا شاملا عن مشكلة الإنتاجية في الاقتصاد، حيث يوصي بالتخلص التدريجي من التفضيل الكاسح الذي تتمتع به الصادرات والصناعة اليوم، في منح رأس المال والضرائب والابتكار، وتقسيمهما بالتساوي بين جميع قطاعات الاقتصاد، والعمل على تحسين الإنتاجية. حتى إذا تم اعتماد التوصية، فهذا ليس بالضرورة أن يعيد الحياة للصناعات التقليدية. فهل سينجحون في رفع مكانة هذه الصناعات؟ هذا ما سيتضح بعد سنوات.
النقاش العام حول الحوافز لم ينته بعد. في غضون ذلك، هناك أسئلة أبسط تواجه الدولة صعوبة في الإجابة عليها. وهذا هو بالضبط في المجال الذي يُزعم أنه كان أهم الأخبار الاقتصادية في العقد الماضي، اكتشافات الغاز الطبيعي.
خذوا على سبيل المثال، مصنع الأدوية أونيرفارم، الذي تم إطلاقه في عام 2017. فقد تم إنشاء المصنع، الذي يشغل 220 شخصا، باستثمارات تبلغ حوالي 300 مليون شيكل. وتذهب جميع منتجاته حاليا إلى السوق المحلية، والاستثمار في المصنع الجديد يهدف إلى تطوير أنشطة التصدير. تبلغ كلفة الطاقة في المصنع حوالي 9 ملايين شيكل. ولكن لو تم ربطه بالغاز الطبيعي بالمصنع، فإن تكاليف الطاقة ستنخفض بنحو 25%. لكن الشركة التي من المفترض أن تزود المنطقة بالغاز لا تفعل ذلك، وتفرض على المصانع المساهمة في بناء خط أنابيب الغاز. في الوقت نفسه، تلقى المصنع منحة بقيمة 15 مليون شيكل بموجب قانون تشجيع استثمار رأس المال.
هناك مجال للصناعة الإسرائيلية. إن استعداد المستثمرين للاستثمار وإنشاء مشاريع جديدة ليس بديهيا. ولكن هناك بعض النقاط التي يتعين على الدولة معالجتها: وقف تفضيل المصانع المصدرة على العاملين في السوق المحلية، ووضع أهداف طموحة للخصوبة ستطيل الحياة الصناعية الإسرائيلية (بدلا من مصطنعة وسياسية) وتمنع اكتشافات الغاز التي تمنع النمو الذي من شأنه تحسين الربحية للصناعة المحلية، في حين أن إنتاجية التقنية العالية "الهايتك"، أعلى بكثير ولها المستقبل.
_____________________________________
(*) محلل اقتصادي. نقلاً عن صحيفة "ذي ماركر".