المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قررت سلطة المياه الإسرائيلية رفع أسعار المياه في اليوم الأول من العام المقبل 2020، بنسبة 7ر2%، لتستكمل بذلك ارتفاعا بنسبة 10% لأسعار المياه خلال عام واحد، إذ شهد هذا العام ارتفاع أسعار على دفعتين، كانت الأولى في مطلع العام الجاري بنسبة 56ر4%، والثانية في مطلع تموز الماضي بنسبة 2ر1%.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إنه من المرجح أن يستمر الاتجاه التصاعدي في السنوات المقبلة في ضوء الاستثمارات الضخمة التي وافقت عليها الحكومة في الاقتصاد المائي لمعالجة الجفاف في المستقبل، على الرغم من أن موسم الشتاء المقبل من المتوقع أن يكون معدل هطول الأمطار فيه وفق المعدل السنوي.

وينقسم سعر الماء إلى "تعريفة منخفضة" للاستهلاك الأساسي الذي يبلغ 5ر3 متر مكعب للشخص الواحد في الشهر، و"تعريفة مرتفعة" لأي كمية إضافية. ومن المتوقع أن تكون التعريفة المنخفضة 37ر7 شيكل لكل متر مكعب، بدلاً من 08ر7 شيكل لكل متر مكعب. ومن المتوقع أن تبلغ التعريفة المرتفعة 45ر13 شيكل للمتر المكعب، بدلاً من 15ر13 شيكل للمتر المكعب. والجزء الأكبر من العبء المالي نتيجة الزيادة يكمن في ارتفاع الضرائب.

فمنذ العام 2010، بدأ في إسرائيل نهج جديد في بيع المياه، إذ تم سحب هذه الصلاحية من المجالس البلدية والقروية، وتحويلها الى جمعيات حكومية، تجمع كل واحدة منها عدة بلدات، باستثناء المدن الكبرى. ثم أضيفت لسعر المياه ضريبة القيمة المضافة، التي هي اليوم 17%، ومن المتوقع أن تقرر أي حكومة ستتشكل قريبا رفع ضريبة القيمة المضافة الى نسبة 18%، ما يعني أن أسعار المياه سترتفع تلقائيا بنسبة 11% خلال عام واحد، علما أن المياه كانت معفية من ضريبة القيمة المضافة، حينما كانت جباية فاتورتها من خلال المجالس البلدية والقروية.

وقد أثار هذا النمط على مدى السنوات الأخيرة ضجة كبيرة واعتراضات، إذ أن الصرف على إدارة هذه الجمعيات أعلى مما كان يصرف حينما كانت صلاحية جباية فاتورة المياه في المجالس البلدية والقروية. وأعلنت حكومة بنيامين نتنياهو، في العامين الماضيين، نيتها خفض عدد جمعيات المياه، من خلال دمج بعضها ببعض، بهدف تقليص الكلفة الإدارية، إلا أن هذا المشروع لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
وأعلنت سلطة المياه أن زيادة الأسعار ناجم عن ارتفاع كبير في شراء المياه من معامل تحلية مياه البحر، بسبب زيادة الاستهلاك، وأن المصادر الطبيعية التي عانت في السنوات الأخيرة من شح أمطار، لم تعد كافية لتسديد الاحتياجات السنوية.

وعلى الرغم من هذا، فإن سلطة المياه تدعي أن أسعار المياه شهدت انخفاضا بنسبة 30%، عما كان من المفروض أن يكون اليوم، بفعل نقل الصلاحيات الى الجمعيات الحكومية، السابق ذكرها، إلا أن هذا التصريح يتجاهل حقيقة أن خزينة الحكومة تجبي ضريبة القيمة المضافة، التي لم تكن قائمة على المياه من قبل.

وتعد مسألة المياه أحد الملفات الساخنة على جدول أعمال كافة الحكومات، في ضوء أن المخزون الطبيعي للمياه لم يعد يكفي الاحتياجات، بسبب تزايد أعداد السكان، إذ أن إسرائيل بحكم الاحتلال مطالبة أيضا بتأمين المياه للضفة وقطاع غزة المحتلين، رغم أن حصتهما من المياه أقل بكثير من المعدل الذي يحصل عليه المواطن في إسرائيل. وزادت المشكلة تعقيدا جراء شح مياه الأمطار في السنوات الأخيرة، باستثناء موسم الشتاء الماضي، الذي تجاوز نسبة 150% من المعدل، وهذا انعكس إيجابا على بحيرة طبريا، وأيضا على الآبار الجوفية. وقد سبق موسم الشتاء الماضي موسمان ضعيفان، 81% في العام 2016، ونسبة 71% في العام 2017.

وحسب تقديرات سلطة المياه، فإن الاستهلاك السنوي من المياه في العام الماضي تجاوز 7ر1 مليار متر مكعب، بزيادة سنوية تقديرية بحوالي 50 مليون متر مكعب. وهذا استهلاك كان من المفروض أن يكون أعلى بكثير، لولا عمليات تكرير المياه العادمة، لاستخدامها أساسا في الزراعة. وحسب تقرير عن العام 2017، الذي شهد شحا في مياه الأمطار، فقد تم استخدام 294 مليون متر مكعب من المياه العادمة، بعد تكريرها لصالح الزراعة، في حين أن الكمية الإجمالية التي يستخدمها قطاع الزراعة، حوالي 740 مليون متر مكعب.

وكانت إسرائيل قد لمست أزمة المياه لديها منذ نهاية سنوات التسعين ولاحقا، وتلكأت كل الحكومات في إقرار مشاريع لإقامة محطات تحلية مياه، لمختلف الأسباب، منها ارتفاع الكلفة، أو الأضرار المتوقعة للطبيعة، نتيجة عمل هذه المعامل. وبعد جدل دام سنوات، توجد حاليا خمس محطات تحلية لمياه البحر، ولكنها لم تعد تكفي للمستقبل القريب.

وكانت إسرائيل تعتمد حتى قبل ثلاثة عقود بدرجة كبيرة على مياه بحيرة طبريا، التي كانت تضمن ما بين 25% وحتى 30% من احتياجات المياه في البلاد كلها، ولكن منذ مطلع سنوات التسعين بدأ مستوى المياه في البحيرة يتراجع بوتيرة عالية، وفي غالب سنوات العقود الثلاثة الأخيرة تكون البحيرة أقل من مستوى المياه المحدد لها، بما بين 3 أمتار وحتى ما يلامس 5 أمتار، ما يهدد البحيرة لاحقا بالجفاف، أو بارتفاع نسبة الملوحة فيها، رغم أنها تتميز بكونها بحيرة المياه العذبة. كذلك فإن مخزون المياه في الآبار الجوفية، إن كان في جبال الشمال ومنطقة القدس أو الجبال القريبة من الساحل، تراجعت هي أيضا في السنوات الأخيرة، وفي عدد منها توقف سحب المياه.

وفقط في موسم الشتاء الماضي، تدفقت على بحيرة طبريا مياه أمطار وثلوج، بحجم أدى إلى ارتفاع سطحها بأكثر من 4ر3 متر، وبقي ينقصها مع انتهاء موسم الشتاء حوالي 4ر2 متر، حتى تصل الى مستوى المياه الأقصى، وسط ترقب موسم الشتاء القريب، إذ أنه خلال الصيف انخفض مستوى البحيرة بأكثر من نصف متر.

وبحسب توقعات سلطة المياه الإسرائيلية، فإنه حتى العام 2040 ستكون 70% من المياه المستهلكة في إسرائيل مياها "صناعية"، بمعنى ليست من مخزون المياه الطبيعي، وهذا بحد ذاته بدأ يطرح أسئلة جدية في دوائر الحكم ذات الشأن، وأيضا لدى مختصين، ومن بين أبرز الأسئلة المطروحة مدى تأثير هذا على صحة الجمهور، وعلى جودة البيئة، وصولا إلى سعر كلفة المياه.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات