التكنولوجيا المتقدمة، التقنية الفائقة، أو ما يعرف بالهايتك (بالإنجليزية: High Tech او hi tech) تشير غالبًاً إلى الصناعات المتعلقة بعالم الحوسبة، وأيضاً إلى الإلكترونيات والتكنولوجيا الحيوية والصناعات الأخرى. فمنذ أن انتقل العالم من عصر الثورة الصناعية إلى عصر المعلومات، أي الثورة التكنولوجية، تغيرت الكثير من طرق وأساليب ممارسة الأعمال والتطور في مختلف الدول، مما أتاح بيئة اقتصادية تعتمد بشكل أساسي على المعلومات العلمية والتقنية. في العقد الحالي تصدرت
شركات التكنولوجيا المشهد الاقتصادي من خلال أرباح طائلة تفوقت على أرباح الشركات النفطية والصناعية التي تصدرت على مدار السنوات قائمة الشركات الأكثر قيمة في العالم. ووفقاً للبيانات التي تقوم بإعدادها كل من مؤسستي بلومبرج و(PwC) عن أكبر 100 مؤسسة عالمية من حيث القيمة السوقية، قطاع التكنولوجيا يعد من أكبر القطاعات من حيث القيمة السوقية في عام 2017، وذلك بإجمال بلغ 3.582 مليار دولار، بينما يأتي في المرتبة الثانية القطاع المالي- 3.532 مليار دولار، وجاء في المرتبة الثالثة قطاع السلع الاستهلاكية- 2.660 مليار دولار.
تعود صناعة الهايتك في إسرائيل للخمسينيات، ركزت اسرائيل آنذاك على البحث العلمي والتنمية البشرية، وذلك بسبب النقص في الموارد الطبيعية وخوفا من المقاطعة العربية. أما في الثمانينيات والتسعينيات، ومع ازدياد استعمال الحاسوب والانترنت إلى جانب زيادة هجرة المهندسين من الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل، ضاعفت الأخيرة جهودها من خلال تطوير الأبحاث في الجامعات وهيئة تطوير الأسلحة التابعة لوزارة الدفاع إلى جانب مختبرات عسكرية أخرى بهدف الحفاظ على أمنها في المنطقة، آخذة بعين الاعتبار مساحتها الجغرافية الصغيرة مقارنة بجاراتها الدول العربية. هذه الجهود أنشأت بنية تحتية بشرية وتكنولوجية ممتازة كانت بمثابة نقطة انطلاق لتطوير صناعة التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل مع تراجع الصناعات التقليدية مثل المنسوجات، وبذلك نجحت إسرائيل بأن تضع قطاع الهايتك على سلم أولوياتها التنموية والاقتصادية وتحويله إلى محرك اقتصادي أساسي خلال أقل من 20 سنة من خلال استخدام الأبحاث التي أجريت في الجامعات والصناعات الدفاعية كوسيلة للتنمية الاقتصادية لها.
شهد قطاع الهايتك في السنوات الأخيرة نموًاً سريعاً، مما ساهم في نمو الاقتصاد العالمي عامة والإسرائيلي بشكل خاص. يعتبر قطاع الهايتك محرك النمو الاقتصادي الإسرائيلي الأساسي مؤخرًاً، إذ لديه أكبر مساهمة في إجمالي صادرات دولة إسرائيل كما يتمتع بأعلى قدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال في العالم، وهو في الواقع القطاع الوحيد في الاقتصاد الإسرائيلي الذي نجح في زيادة رأس المال الأجنبي بمعدلات مرتفعة للغاية، مقارنة بالحكومة والبنوك. بحسب بيانات البنك الدولي، نمت التجارة الدولية خلال العشر سنوات الأخيرة باثنتين من الخدمات المركزية بشكل كبير- الخدمات غير الملموسة بما يسمى الملكية الفكرية، وخدمات الاتصالات، الكمبيوتر والمعلومات وذلك بنسبة 8.3% سنة 2015 مقارنة بـ7.1% سنة 2006، وبشكل متناسق مع هذا الارتفاع، ازدادت الصادرات الإسرائيلية بهذين المجالين.
تمتاز إسرائيل في مجال الهايتك الذي يعتبر من الأفضل عالميا من حيث الابتكار، الخبرات البشرية وصناديق الاستثمارات على مختلف أنواعها. فقطاع الهايتك في إسرائيل يجمع بين صناعة الإلكترونيات، الأدوية، الطائرات، البرمجيات والأبحاث. تتركز صناعة الهايتك في إسرائيل بشكل رئيسي في وسط البلاد، لكنها تمتد إلى حيفا في الشمال والقدس وبئر السبع في الجنوب وتتميز بتكوين متجانس نسبيًاً للجنس، القومية (بما في ذلك الدين)، العمر والخلفية الأكاديمية. بحسب معطيات 2017- تل أبيب، رعنانا وهرتسليا هي المدن التي يتركز فيها أكبر عدد من شركات الهايتك. يطلق أحيانا على هذه المناطق اسم وادي السيليكون كوادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الذي يعتبر أكبر مركز لصناعة الهايتك في العالم.
صفقات عالم الهايتك في إسرائيل
في آذار 2017 تم عقد أكبر صفقة بعالم الهايتك في إسرائيل تبلغ قيمتها 15 مليار دولار وذلك من خلال شراء شركة "إنتل" الأميركية شركة "موبيلاي" الإسرائيلية بهدف تطوير وإنتاج سيارات ذات قيادة ذاتية دون سائق.
بحسب تقرير - Meitar IVC في مجال الـ EXITS بقطاع الهايتك، فقد بلغ المجمل المالي لشركات الـ EXIT الإسرائيلية في 2017، 23 مليار دولار يشمل صفقتي موبيلاي ونيردوم. وبحسب معطيات التقرير تمت 112 صفقة في العام الماضي (جميع المعطيات لا تشمل صفقة موبيلاي ونيردوم اللتان اصدرتا عام 2014 وتم الحصول على حصة السيطرة عام 2017 من قبل شركة "انتل" و "ميتسوبيشي")، بانخفاض 7% مقارنة بعام 2016 مع 120 صفقة، وكذلك 2014 و2015، مع 132 صفقة و129 صفقة على التوالي. أما بالنسبة لعدد عمليات الاندماج والاستحواذ (M&A) فقد كان مستقراً بين السنوات 2014- 2016، وانخفض بنسبة 13% في عام 2017 إلى 92 صفقة. كما بلغت مشتريات الشركات الإسرائيلية من شركات إسرائيلية أخرى في 2017، 393 مليون دولار.
أما بالنسبة لمقياس مكرر الربحية، فقد كان 2017 عاماً جيداً نسبياً لصناديق رأس المال الاستثماري، التي كسبت 28.3 ضعف الأموال المستثمرة في شركات الـ EXIT، مقارنة بـ 96.2 في عام 2016 و49.2 في عام 2015. ويُعد مكرر الربحية P/E من المؤشرات المهمة التي ينظر إليها المستثمرون عند تقييم الأسهم قبل اتخاذ قرارهم الاستثماري، وكلما كان مكرر الربحية للسهم منخفضا مقارنة بباقي الشركات المدرجة بالقطاع نفسه كان السهم مغريًاً للشراء ومشجعاً على الاستثمار فيه، وبالعكس فكلما كان مكرر الأرباح مرتفعًاً كان العائد أقل. لكن هناك العديد من المؤشرات الأخرى التي يعتمد عليها القرار الاستثماري من جودة الأصول المالية، القدرة على توليد إيرادات من تلك الأصول وإمكانية زيادة معدلات الربحية في المستقبل.
إذا نظرنا إلى مقياس مكرر الربح لجميع الاستثمارات وليس فقط للاستثمارات التي أدت إلى EXIT، هناك انخفاض كبير مقارنة بـ 2016 و2014، بنسبة 92.4 و27.5 مرة على التوالي. على الرغم من الانخفاض في عدد شركات الـ EXIT الإسرائيلية في 2017، قيمة عمليات الاندماج والاستحواذ في مجال السايبر (Cyber) والذي يعتبر مركز ابتكار عالمي تطور في إسرائيل، مرتفعة نسبيًاً وهذا يدل على أن إسرائيل لديها المعرفة والقيمة المضافة في هذا المجال.
خدمات الهايتك ونمو الاقتصاد الإسرائيلي
قسّم العديد من الباحثين الاقتصاديين التجارة العالمية إلى قسمين رئيسيين: المجموعة الأولى الصناعة التقليدية التي تعتمد على الأيدي العاملة، والمجموعة الثانية هي الخدمات التي تعتمد على المعلومة. العولمة ومنظمة التجارة الدولية جعلتا عملية التصدير والاستيراد أسهل مما شجع الدول على الاختصاص في أحد المجالين أعلاه على حساب الآخر لنجاعته الاقتصادية. اختصت دول الأيدي العاملة الرخيصة مثل الصين، فيتنام وبنغلاديش، في مجال الصناعة وتركزت الدول المتقدمة في مجال الخدمات، الذي شمل خدمات الهايتك مثل الاستشارة المالية، القانونية والخ وصناعة الهايتك، حيث احتاجت الصناعة هنا إلى تطور تكنولوجي وليس فقط إلى أيد عاملة كما في مجال الصناعة التقليدي.
بالتزامن مع النمو المتسارع لصادرات خدمات الهايتك في إسرائيل، تباطأت صادرات صناعة الهايتك الإسرائيلية ذات التقنية العالية وذلك تماشياً مع التباطؤ في التجارة العالمية في السلع من صناعات الهايتك وانخفاض حصة البلدان المتقدمة بهذا المجال، وذلك بحسب معطيات البنك الدولي. وبينما انخفضت صناعة الهايتك بشكل حاد في الدول المتقدمة، وخاصة في الولايات المتحدة، ارتفعت حصة الصين بشكل كبير. الصين حاليا هي البلد الأكثر هيمنة في مجال تصنيع منتجات التكنولوجيا المتقدمة، التي تعتمد على الأيدي العاملة فضلاً عن التقدم التكنولوجي، في حين تنعكس الريادة التقنية للولايات المتحدة في صادرات خدمات التكنولوجيا الفائقة، في الأساس في مجال حقوق الملكية الفكرية. ورغم أن الصين تعتبر إمبراطورية في مجال الصناعة لتوفر الأيدي العاملة الرخيصة لديها، تحاول القيادة السياسية والاقتصادية تحويل الصين إلى اقتصاد مبني على المعلومة، أي اقتصاد خدماتي وذلك لعديد من الأسباب، أهمها منافسة دول أخرى مع أيدي عاملة أرخص منها وبسبب أن التقديرات تشير إلى أن الروبوتات والذكاء الاصطناعي سيضعف مجال الصناعة أكثر فأكثر ويصبح مجال الخدمات الأكثر حيوية.
ساهم تخصص إسرائيل في الخدمات ذات التقنية العالية في السنوات الأخيرة بزيادة الإيرادات من العملات الأجنبية، انخفاض الالتزامات الخارجية، زيادة مستوى المعيشة (القوة الشرائية للسلع المستوردة) وزيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال تميزها في رأس المال البشري.
مراكز البحث والتطوير (R&D)
يعتبر الابتكار الإسرائيلي نقطة جذب لشركات التكنولوجيا الأكثر تقدماً في العالم. على مدار العقود الماضية، اختارت العديد من الشركات متعددة الجنسيات مثل Intel، Google، Microsoft، Broadcom، Amazon، IBM، Facebookوغيرها إنشاء مراكز بحث وتطوير في إسرائيل، ولدى بعضها عدد من المراكز في مختلف مجالات التنمية. وفقاً لمركز الشركات الناشئة الإسرائيلي يوجد اليوم حوالي 303 شركة متعددة الجنسيات تعمل في إسرائيل، تدير 344 مركزاً للبحث والتطوير. غالباً، تقوم هذه الشركات بإنشاء أو توسيع مراكز البحث والتطوير من خلال اقتناء شركات إسرائيلية. ذروة هذه الظاهرة كانت عام 2017 عندما اشترت شركة "إنتل" شركة "موبيلاي" بمبلغ قدره 15 مليار دولار، وهي صفقة ضخمة ستشهد توسع نشاط الشركتين في إسرائيل.
القطاعات الخمسة الأولى في تشغيل هذه المراكز هي البرمجيات والبرمجة، أشباه الموصلات Semiconductor؛ معدات الاتصالات؛ تكنولوجيا المعلومات والخدمات؛ أجهزة طبية؛ الخدمات المالية والمصرفية، وفقاً لبيانات مركز الشركات الناشئة الإسرائيلي.
تقسّم الشركات متعددة الجنسيات، التي ينمو بعضها في الإنتاج العالمي، عملية الإنتاج بين الدول المختلفة وهذا يتعلق بميزة كل دولة. فالشركات متعددة الجنسيات اليوم تختار القدوم إلى إسرائيل والمشاركة في نشاط البحث والتطوير فقط وليس كالسابق بسبب وجود شركات صناعية في هذا المجال. تطمح العديد من دول العالم إلى تطوير ميزة مماثلة وتستثمر الكثير من الموارد في هذا السياق، ويرجع ذلك إلى أن هذا القطاع يطور اقتصاد الدولة، يعطي موظفيه أجورًاً مرتفعة، يساهم في الابتكار والإنتاج في جميع القطاعات المختلفة، ويمهد الطريق لرفع مستوى المعيشة.
بحسب استطلاع أجراه المكتب المركزي للإحصاء ازدادت نفقات البحث والتطوير لدى الشركات متعددة الجنسيات الذي لديها مراكز بحث وتطوير في إسرائيل بين السنوات 2005 و2015 بمتوسط سنوي يبلغ 2.8%. في سنة 2015 وصل عدد الوظائف في مراكز البحث والتطوير في إسرائيل إلى 31 ألف وظيفة، حيث يحتل أصحاب الألقاب الاكاديمية 87% من هذه الوظائف. بلغت التكلفة السنوية لوظيفة بدوام كامل في مجال البحث والتطوير في الشركات المتعددة الجنسيات 530 ألف شيكل. يذكر ان الشركات متعددة الجنسيات تدفع ما يقارب 60% أكثر من الشركات المحلية المبتدئة. من ناحية أخرى هذه المُرتبات المرتفعة للغاية في مجال البحث والتطوير في الشركات متعددة الجنسيات تصعّب على الشركات الناشئة الأخرى توظيف العمال الجيدين.
كما ذكرنا سابقاً أصبحت إسرائيل مع مرور السنين نقطة جذب لمراكز تطوير الشركات الرائدة في العالم بفضل نجاح المبادرات التكنولوجية المحلية ووجود اصحاب الكفاءات وخريجي معاهد ذات مستوى أكاديمي عال ومعروف في العالم، مثل "التخنيون". وفيما يتعلق بالشركات متعددة الجنسيات، يعد شراء شركات تكنولوجية ناشئة ومتوسطة محلية، أسلوباً لاكتساب معلومات ومعرفة جديدة، توظيف قوى عاملة ذات جودة عالية من الذين يمكنهم تكييف المعرفة التي طوروها مع الاحتياجات الخاصة للشركة المتعددة الجنسيات.
تسرب المعلومات وتبادل المعرفة من خلال تنقل العاملين بين الشركات متعددة الجنسيات أضاف كثيراً لنشاط وتطوير الشركات الناشئة المحلية. إن تسرب المعرفة من خلال تنقل العمال بين الشركات هو أحد الأسباب الذي يدفع بعض الشركات في نفس المجال لأن تتركز بنفس المنطقة الجغرافية. رغبت الشركات الأجنبية والمبادرات الجديدة الاستفادة من تدفق وتسرب المعرفة وبالتالي نقلت العديد من أنشطتها المختصة فيها الشركات الإسرائيلية مثل تكنولوجيا السايبر، المركبات ذاتية التحكم، إلى إسرائيل. وبذلك ساعدت هذه الظاهرة الاقتصاد الإسرائيلي بتطوير مبادرات جديدة وناجحة بالإضافة إلى تشغيل عشرات الآلاف من الأكاديميين في وظائف ذات أجور مرتفعة.
الجيش وخصائص اسرائيلية
تتميز إسرائيل برأس مال بشري في مجال الحوسبة والبحث والتطوير. احتلت إسرائيل المرتبة الثانية بين الدول من حيث التعليم العالي للفئة العمرية بين 25 و64 عاما في عام 2014، بعد كندا، كما أنها احتلت المرتبة الخامسة بنسبة الأشخاص الحاصلين على الألقاب الاكاديمية للفئة العمرية بين 35 و44 عاماً. بحسب معطيات تقرير بنك إسرائيل، تصنّف إسرائيل في المراكز العشرة الأولى من حيث نسبة الأكاديميين في مجال العلوم والهندسة في فئة الشباب وذلك بعد كوريا الجنوبية، لوكسمبورغ، فنلندا واليابان، على مقربة من السويد، وقبل كندا، إيرلندا، سويسرا والمملكة المتحدة. تجدر الإشارة إلى أنه كان من المتوقع ان يكون ترتيب إسرائيل اعلى من حيث مقياس رأس المال البشري، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفئة العمرية بين 35 و44 عاما من القوى العاملة المتعلمة في إسرائيل مرتفعة نسبيا مقارنة بالدول الأخرى كما ذكرنا أعلاه. بحسب معطيات بنك إسرائيل، جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الرائدة بنسبة الأكاديميين في القوى العاملة الشابة في مجال العلوم والهندسة، متقدمة ايضًاً بمقياس القيمة المضافة لقطاع الهايتك من إجمالي الناتج. بالتالي، فإن تخصص كل من هذه الدول في قطاع التكنولوجيا المتقدمة هو نتيجة القوى العاملة المتعلمة، ومنها أيضاً إسرائيل.
يُعتبر الجيش الإسرائيلي واحداً من المصادر الأولية لرأس المال البشري في الهايتك، وله دور محوري في نمو تلك الصناعة، فبعض الوحدات المختصة في الجيش الإسرائيلي مثل 8200 و Talpiot تعتبر من أهم مصادر الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وجميع الملتحقين بهذه الوحدات يتلقّون الكثير من التدريبات في مجال البرمجة، الحروب الرقمية، التجسس وغيرها أثناء فترة الخدمة الإلزامية. ومن بعد انتهائهم من الخدمة، يستغلّون خبراتهم في إنشاء مشاريع ابتكارية في القطاع الخاص او العام مما يجعل إسرائيل متفوقة في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
يشمل قطاع البحث والتطوير، الذي تتميز به إسرائيل، قوى عاملة متعلمة أكثر من قطاع صناعة التكنولوجيا الفائقة والخدمات المالية المتقدمة، وذلك على الرغم من أن نسبة الأكاديميين فيها لا تتعدى نسبة الأكاديميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في مجالات العلوم والهندسة. تقدّم إسرائيل بهذا المجال يرجع لمتوسط العمر الصغير لرأس المال البشري؛ للتأهيل الذي توفره الخدمة العسكرية الإجبارية في وحدات الحاسوب ووحدات الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي؛ للوضع الجيوسياسي الأكثر تعقيداً؛ للبعد عن الأسواق المستهدفة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية؛ لحجم السوق المحلية الصغيرة نسبة للدول المجاورة؛ وللتكلفة العالية لجمع الأموال واستثمارها في الاقتصاد الإسرائيلي في الماضي.
جميع هذه الأسباب، جعلت من الصعب على إسرائيل تطوير صناعة متطورة مماثلة للصين، كوريا الجنوبية واليابان أو لتصبح مركزاً مالياً عالمياً مماثلا لبريطانيا وسويسرا.
مساهمة قطاع الهايتك في رفع مستوى المعيشة
قطاع الهايتك في إسرائيل مهم جداً من حيث كمية الإنتاج ومستوى المدخول أكثر من أي قطاع محلي آخر. قطاع الهايتك يساهم في زيادة النشاط في جميع القطاعات القابلة للتداول، منها قطاع انتاج المنتجات أو الخدمات التي يمكن تصديرها واستيرادها، فتحسين الانتاج يزيد من إمكانية التصدير وبذلك يزيد الطلب على الشيكل الإسرائيلي مما يؤدي إلى ارتفاع قيمته.
تؤدي الزيادة في الطلب العالمي على خدمات الهايتك التي تتخصص فيها إسرائيل، إلى رفع أجور الموظفين من الفئة المتعلمة المهنية وبالتالي الزيادة في هذه الاجور تؤدي لزيادة الأجور بشكل غير مباشر لمعظم العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي ككل، ويرجع ذلك إلى أن الارتفاع في القوة الشرائية للعاملين في قطاع الهايتك يؤدي إلى زيادة الطلب على بعض المنتجات والخدمات التي لا يمكن استيرادها من الخارج وزيادة سعرها. هذا الغلاء لا يضر بالأيدي العاملة الأخرى لأن العائدات ستتدفق إلى جيوب العمال المحليين والرأسماليين الذين ينتجونها أي للسوق المحلية.
ساهم قطاع الهايتك في تحسين الوضع الاقتصادي وذلك من خلال ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد من حيث القوة الشرائية. وفقاً لمعطيات البنك الدولي، درّجت إسرائيل بين السنوات 2013- 2016 بالمرتبة الـ 36 ارتفاعا من المرتبة 43 عام 2006 من حيث الناتج للفرد من ناحية القوة الشرائية. شكل الناتج للفرد سنة 2016 66% من الناتج للفرد في الولايات المتحدة مقارنًة بـ 56% سنة 2007. يعود جزء من هذا التحسن إلى الزيادة في القوة الشرائية من حيث السلع المستوردة.
الهايتك أكثر من أداة اقتصادية
قطاع الهايتك في إسرائيل هو ليس أداة اقتصادية فقط بل أداة سياسية ايضاً، فهذا القطاع يعود على إسرائيل بمردودات مالية، أمنية وسياسية كثيرة. تستغل إسرائيل قدراتها البرمجية، تطورها وتفوقها في مجال الهايتك عامًة وفي السايبر خاصًة، لتبقى مصدراً للتكنولوجيا لكافة دول العالم ولتصبح بنكاً للمعلومات الأمنية في المنطقة، وذلك بهدف بناء علاقات دبلوماسية متينة مع العديد من الدول المتقدمة والمتطورة ولتغير المفاهيم المتبعة لممارسة النفوذ في العلاقات الدولية وبالتالي تستطيع إسرائيل أن تلعب دوراً أكبر بكثير من حجمها في السياسة الدولية.
تعاملت بعض الدول العربية مع إسرائيل نتيجة للتحولات في البنية الأمنية الإقليمية خلال السنوات الأخيرة، هذا التطبيع التكنولوجي من قبل الدول العربية هو ما تسعى اليه إسرائيل لتحقيق هدفها طويل الأمد في بناء علاقات مع جاراتها الدول العربية دون الضرر بأمنها أو التغيير من استراتيجياتها.
وفقاً لتقرير بنك إسرائيل الذي نشر في آذار 2018، نسبة العرب سكان إسرائيل الذين يعملون في قطاع الهايتك لا يتعدى 1% من مجمل العاملين في هذا القطاع، وعدد الشركات العربية في مجال الهايتك يكاد لا يذكر. نسبة اندماج الطلاب العرب الذين درسوا المجالات المتعلقة بمواضيع الهندسة التكنولوجية في قطاع الهايتك قليلة بكثير من اليهود الذين درسوا تلك المجالات. يعود ذلك لأسباب عديدة تتعلق في نسيج الحياة الاجتماعي والثقافي وايضًاً للوضع السياسي للمجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، وبالتالي لا يسارع أصحاب الشركات اليهودية لتوظيف المهندسين او أصحاب الكفاءات من العرب في قطاع الهايتك، فضلاً عن ظروف أخرى مثل اللغة، مستوى التعليم في المدارس العربية والمواصلات.
يظهر في الأعوام الأخيرة تعاون بين شركات تكنولوجيا متقدمة إسرائيلية وبين مهندسين فلسطينيين من غزة ورام الله وذلك لوجود قوى عاملة متعلمة وماهرة وغير مكلفة. فمثلُا أقامت شركة Mellanox الإسرائيلية مركز مطورين في رام الله سنة 2010، وتوظف الشركة اليوم أكثر من 100 موظف فلسطيني، أكثر من 20% منهم في قطاع غزة، متوسط أعمار العاملين الفلسطينيين هو 25، حيث 75% منهم من الرجال والبقية من النساء. تشمل المجالات التي يعمل فيها الموظفون الفلسطينيون اختبار وتطوير البرمجيات والأجهزة. وبذلك تقوم بعض شركات الهايتك الإسرائيلية باستغلال المخزون الكبير من العمال الموهوبين الحاضر في الضفة وقطاع غزة لتلبية حاجة السوق الإسرائيلية الذي يواجه نقصاً في القوى العاملة المتعلمة المهنية وللأجور غير المكلفة نسبة للأجور في إسرائيل.
التحديات الحالية
هناك العديد من التحديات التي تواجهه قطاع الهايتك في إسرائيل ومنها: بيئة عالمية شديدة التنافسية؛ صناعة متطورة وسريعة التغير؛ تنوع المجالات التكنولوجية- حيث يتميز كل قطاع بخصائص واحتياجات فريدة؛ معظم مصادر التمويل أجنبية وبذلك فقطاع الهايتك في إسرائيل عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية؛ تركيز التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية في منطقة جغرافية ضيقة في هرتسليا وتل أبيب. تضع هذه الظروف الحكومة الإسرائيلية امام تحديات غير سهلة، منها، بناء استراتيجيات وخطط لتعزيز الابتكار التكنولوجي في القطاعات المختلفة من أجل المحافظة على رفع الاقتصاد الإسرائيلي.
كما ذكرنا سابقا، ساهم نمو قطاع الهايتك في إسرائيل في زيادة مستوى المعيشة والناتج المحلي الإجمالي وذلك يعود لعدة أمور من بينها رأس المال البشري، لكن اليوم لم يعد يخلق هذا القطاع أماكن عمل لأشخاص ليسوا باحثين، تقنيين، فيزيائيين أو مهندسين كما في السابق، وذلك بسبب اعتماد القطاع على المتعلمين من مجالات علم الحاسوب والهندسة في السنين الأخيرة. لهذا السبب نرى اليوم ان هذا القطاع يرفع من مستوى القوى العاملة ذات خلفية اكاديمية في هذه المجالات والحاضرة في منطقة المركز فقط. هذه القضية تثير التخوف من أن يكون قطاع الهايتك محرك نمو محدودًاً، هذا إذا بقي محركاً للنمو أصلاً.
تشير تقارير عديدة إلى انّ التغيير البنيوي الذي حدث في السنوات الأخيرة في السوق أدى إلى نقص متزايد في القوى العاملة المتعلمة المهنية في قطاع الهايتك. وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن منظمة IATI بالتعاون مع Startup Nation Central، صحيح للربع الثاني من سنة 2017، ينقص السوق ما يقارب 8- 13 ألف أيدي عاملة مهنية. وفقا للتقرير، العدد السنوي للأيدي العاملة المتعلمة المهنية الجديدة التي يتم تجنيدها أقل من نصف النقص المتزايد. يذكر ان التقرير لا يشمل الوظائف التي نقلت للخارج بسبب صعوبة في التجنيد داخل إسرائيل ونتيجة لتكلفة العامل الباهظة نسبة لدول أخرى مثل الهند وشرقي أوروبا. لذلك يتوقع ان يستمر نقص القوى العاملة المهنية بالازدياد، الأمر الذي بإمكانه ان يحد جدا من إمكانيات نمو هذا القطاع تحديدًاً والاقتصاد الإسرائيلي عامًة.
بالإضافة إلى الأضرار المباشرة التي يسببها النقص الحاد في القوى العاملة في قطاع الهايتك، زيادة الطلب على العمال بالرغم من النقص المتزايد سيؤدي لرفع ملحوظ في الأجور للعاملين في تلك المهن، بالأخص مع وجود حواجز عديدة تمنع دخول بعض المجموعات مثل العرب، النساء واليهود المتدينين، دائرة الموظفين في قطاع الهايتك. فالمعاشات العالية لمجموعة صغيرة التي لا تزيد عن 8% من جميع الوظائف في السوق ستؤدي لزيادة الفجوات في المجتمع الإسرائيلي.
قررت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً تخفيض الضريبة على شركات الهايتك التي تنقل الملكية الفكرية إلى إسرائيل إلى 12% لجميع الشركات و6% للشركات العالمية الكبيرة، كما انخفضت الضريبة على الأرباح إلى 4% لجميع شركات الهايتك. هذه الخطوات تهدف إلى جذب شركات أجنبية إضافية إلى إسرائيل للحفاظ على قيمتها في هذا المجال. مع ذلك، وعلى خلفية النقص في القوى العاملة، فإن التمييزات في الضرائب ليست بالضرورة الحل للتحديات القائمة، جهات عديدة تطالب الحكومة باستثمار إضافي في التعليم ودمج العرب والنساء في هذا القطاع كعلاج للمشكلة.
يُعتبر قطاع الهايتك في الأعوام الأخيرة عماد الاقتصاد الإسرائيلي فهو حيوي لمستويات المعيشة، كمية الإنتاج، الصادرات، التنافسية، النمو، جودة القوى العاملة وغيرها. يرتكز قطاع الهايتك بقسمه الأكبر على المعرفة في المجال الأمني، التي يتم اكتسابها من الوحدات التكنولوجية في الجيش الإسرائيلي، وتم تطويرها في الجامعات ومعاهد الأبحاث على مدار السنوات. 8% من العاملين في إسرائيل يعملون في قطاع الهايتك، اذ بلغت صادرات هذا القطاع 45 مليار دولار في عام 2017، من إجمالي الصادرات الإسرائيلية التي بلغت حوالي 100 مليار دولار، أي أن 8% من العاملين في الهايتك في إسرائيل ينتجون 45% من إجمال الصادرات.
(*) باحثة فلسطينية، درست الحقوق وإدارة الاعمال (تخصص تمويل)، عملت كمحامية ومحللة اعمال في القطاع الخاص والعام.
المراجع:
1- بيانات مؤسستي بلومبرج و(PwC) عن أكبر 100 مؤسسة عالمية من حيث القيمة السوقية للعام 2017
2- تقرير بنك إسرائيل، المساءلة عام 2017، نشر في آذار 2018
3- Start-up Nation: The Story of Israel's Economic Miracle
4- تقرير مؤسستي IVC-Meitar عن ال- EXITS في إسرائيل للعام 2017
5- مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل
6- تقرير OECD حول الاقتصاد في إسرائيل للعام 2017، نشر في آذار 2017
7- تقرير سلطة الابتكار في إسرائيل، 2017
8- تقرير منظمة IATI بالتعاون مع Startup Nation Central، 2017
9- مقالات إخبارية اقتصادية من مواقع إسرائيلية مثل، ذي ماركر، غلوبس، كالكاليست ومواقع أخرى