أظهرت سلسلة من التقارير في الأيام الأخيرة أن مسألة المواصلات العامة، وحجم الحركة على الطرقات، باتا هاجسا ومصدر قلق أكثر من ذي قبل، خاصة على ضوء مؤشرات بأن تكون هذه واحدة من أكبر الأزمات الشديدة التي ستواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة.
ويساهم في هذه الأزمة الارتفاع المتواصل والحاد في أعداد السيارات الجديدة، كما هي حال العام الجاري، ووصول مناطق اساسية إلى حد عدم القدرة على توسيع شبكات الطرق فيها، ومقابل هذا ارتفاع حاد في أعداد قتلى حوادث الطرق.
ذروة السيارات
واصلت مبيعات السيارات الجديدة تسجيل ذروة غير مسبوقة في السوق الإسرائيلية، إذ تم بيع قرابة 259 ألف سيارة جديدة في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري. ومن المتوقع أن يقارب عدد السيارات الجديدة حتى نهاية العام الجاري 300 ألف سيارة، خاصة على ضوء مؤشرات لرفع آخر على ضرائب السيارات. وهذا العدد أكبر بضعفين ونصف ضعف من عدد السيارات التي بيعت في العام 2003- حوالي 120 ألف سيارة.
ويعزو محللون الارتفاع الحاد في بيع السيارات الجديدة، إلى اتجاه الجمهور لشراء السيارات الصغيرة، وأيضا إلى المنافسة الحادة بين شركات قروض السيارات، وتنوع القروض التي تعد سهلة نوعا ما على الشرائح الوسطى وما فوق.
وحسب القائمة الدورية، التي نشرها وكلاء بيع السيارات، فقد واصلت شركة يونداي في احتلال المرتبة الأولى ببيعها 36532 سيارة خلال 10 أشهر، وتليها كايا- 4ر34 ألف سيارة، ثم تويوتا- قرابة 27 ألف سيارة، وسكودا- 3ر18 ألف سيارة، وميتسوبيشي- 8ر15 ألف سيارة، لتضاعف بذلك ما باعته في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
ذروة الاختناقات
وحسب تقارير واحصائيات رسمية، نشرت في الأسابيع القليلة الماضية، فإن مناطق مركز البلاد، وبشكل خاص منطقة تل ابيب الكبرى، تشهد في السنوات الأخيرة حالة انفجار في المواصلات، عدا الانفجار السكاني، إلا أن فرص توسيع الشوارع وشق شوارع جديدة باتت صعبة، وفي حالات أخرى في ذات المنطقة باتت مستحيلة، وخاصة في أوتوستراد "أيالون" الذي يشق منطقة تل أبيب الكبرى من شمالها إلى جنوبها، وتمر فيه يوميا 700 ألف سيارة، وهذا يشكل زيادة بنسبة 50% عما كان في العام 2000. وغالبية السيارات تتحرك في ساعات بدء الدوام وانتهائه، ما يخلق اختناقات مرورية حادة جدا، يعلق فيها المتوجهون إلى العمل، والعائدون منه.
ويرى المختصون أن هذا الأوتوستراد وصل إلى الحد الاقصى من امكانيات الاستيعاب، ولا مجال لتوسيعه. وكل هذا على الرغم من أن معدل عدد السيارات التي تمر منه قد انخفض عما كان في العام 2008، حوالي 745 ألف سيارة يوميا. ويعزو المختصون هذا الانخفاض إلى بدء عمل برنامج التطبيق الهاتفي، توجيه السيارات "ويز"، الذي يعمل على قاعدة منظومة توجيه السيارات "جي بي إس".
وحسب الاحصائيات الرسمية، فقد تم في السنوات العشر الأخيرة شق 1555 كيلومترا، وهذا عدا توسيع شوارع مركزية قائمة بمسار وأكثر؛ ومن أبرزها ما يسمى بـ "عابر إسرائيل"، أو "شارع رقم 6"، ويبلغ طوله حاليا 167 كيلومترا. ويقول رئيس وحدة أبحاث المواصلات في جامعة تل أبيب د. موشيه غفعوني "إنهم يشقون الشوارع، اعتقادا منهم بأنها ستقلص الاختناقات المرورية، ولكن هذا لن يكون. فمهما شقوا شوارع، فإنها ستبقى مكتظة، وفي ذات الوقت ستتزايد مشكلة ايقاف السيارات. واليوم بات واضحا للجميع أن حركة السير في منطقة تل أبيب الكبرى (منطقة غوش دان)، يجب أن تكون مرتكزة على المواصلات العامة".
ذروة الرسوم
في سياق متصل، أظهر تقرير جديد لمركز الابحاث في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، أن رسوم تجديد رخصة السيارة في إسرائيل تصل إلى أربعة أضعاف المعدل العالمي، هذا عدا عن أن الضرائب المفروضة على وقود السيارات تعد من الأعلى، وكذلك الضرائب على السيارات الجديدة. وقد عرض التقرير الرسوم في إسرائيل، وفي عدد من الدول المتطورة، بالمعدل، بحسب القوة الشرائية في إسرائيل. وظهر أن رسوم تجديد سيارة خاصة يصل إلى 984 شيكلا (259 دولارا) بالمعدل لأن ترخيص السيارات مرتبط بحجم السيارة وقوة محركها وسنة انتاجها، فالرسوم تتراوح ما بين 700 شيكل إلى 1600 شيكل سنويا؛ بينما المعدل في الدول التي استعرضها التقرير 240 شيكلا (63 دولارا)، وتهبط الرسوم في الولايات المتحدة الأميركية إلى مستوى 15 دولارا.
وبلغت رسوم تجديد رخص السيارات في العام 2014، حوالي 4 مليار شيكل، وهو ما يعادل 05ر1 مليار دولار، وكان هذا 68% من إجمالي جباية الرسوم الحكومية، التي دخلت إلى خزينة الضرائب قبل عامين.
ذروة في عدد قتلى الحوادث
أظهرت تقارير منتصف الشهر الجاري أن عدد القتلى في حوادث الطرق في العام الجاري، سجل حتى الآن ارتفاعا بنسبة 6%، مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي 2015، الذي هو أيضا استمر في تسجيل ارتفاع أعداد قتلى حوادث الطرق. وفي المقابل، أظهر تقرير آخر أن ميزانية "سلطة الأمان على الطرق" قد انخفضت في غضون ثمانية أعوام بنسبة 60%.
وكانت إسرائيل قد سجلت في العقدين الأخيرين هبوطا حادا في أعداد القتلى قياسا بأعداد السكان، إلا أن الهبوط الحاد بشكل خاص وقع في عامين في السنوات التسع الأخيرة: الأول حينما هبط عدد القتلى في العام 2009 إلى 346 قتيلا، مقابل 433 قتيلا في العام الذي سبق- 2008، والثاني، حينما سجل عدد القتلى في العام 2012 العدد الأقل مقارنة بعدد السكان وعدد السيارات في السنوات الـ 69 الماضية، وبلغ 290 قتيلا، مقابل 382 قتيلا في العام الذي سبق 2011.
إلا أنه منذ ذلك الحين وحتى العام الجاري، فإن أعداد قتلى حوادث الطرق في ارتفاع مستمر، وبنسب أعلى من نسب التكاثر السكاني، رغم تطور السيارات، بما فيها الأجهزة التحذيرية فيها. وقد بلغ عدد القتلى في العام 2015 الماضي 356 قتيلا، فيما بلغ عدد القتلى منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية الأسبوع الماضي حوالي 330 قتيلا، وهذا يعكس ارتفاعا بنسبة 6% عما كان في الفترة ذاتها.
وفي المقابل، فإن تقريرا داخليا في وزارة المواصلات أظهر نوعا من الفشل في ادارة "سلطة الأمان على الطرق"، التي أقيمت قبل تسع سنوات، بهدف تركيز نشاطات الوزارات المختلفة، التي لها علاقة بقضية المواصلات، مثل وزارة المواصلات ووزارة "الأمن الداخلي" (الشرطة)، ووزارتي التعليم والثقافة وغيرها. وتبين من التقرير أيضا، أن ميزانية هذه السلطة قد انهار في غضون ثماني سنوات بنسبة 60%، من 549 مليون شيكل في العام 2008، إلى 232 مليون شيكل في العام 2015. ويتضح أنه لا توجد ميزانية محددة وواضحة سنويا، بل تستند السلطة على ميزانية حد أدنى، ومن ثم تتلقى سنويا ميزانيات من الاحتياطي والفائض في الوزارات المختلفة. وأعلنت وزارة المواصلات أنها بصدد اقامة لجنة فحص لعمل السلطة، التي اضطرت لتغيير خمس مديرين عامين لها في غضون تسع سنوات.