يرصد الكتاب التحوّلات والديناميات التي أسهمت في بلورة مواقف يعتنقها الإسرائيليون تجاه العرب والفلسطينيين، والتي تفسّر أيضا، طريقهم الخاصة في تعريف أنفسهم. ويعالج الكاتب ما يدعوه بتجربة اللقاء مع الشرق، من خلال مراحل تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، ولا تنتهي مع نهاية القرن العشرين، إلا بقدر ما يستدعي التحقيب والرصد التاريخيين من محددات زمنية.
يرصد الكتاب التحوّلات والديناميات التي أسهمت في بلورة مواقف يعتنقها الإسرائيليون تجاه العرب والفلسطينيين، والتي تفسّر أيضا، طريقهم الخاصة في تعريف أنفسهم.
ويعالج الكاتب ما يدعوه بتجربة اللقاء مع الشرق، من خلال مراحل تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، ولا تنتهي مع نهاية القرن العشرين، إلا بقدر ما يستدعي التحقيب والرصد التاريخيين من محددات زمنية.
ورصد الكاتب تجربة اللقاء مستخدما مفهوم الشبكة، بمعنى أن جملة المعارف المتحصلة في حقل ما تعتمد على نوع من التراتبية، وسلسلة من علاقات وموازين القوّة، وعلى ضوابط خاصة يفرضها قانون العرض والطلب. وهذه الأشياء مجتمعة هي ما يسهم في صياغة الخطاب في حقل من حقول المعرفة. بيد أن هذه الأشياء تفترض، وتستدعي، صراعا بين الهامش والمتن، أي بين مصالح داخلية، وإكراهات خارجية متضاربة، تتجلى في ممارسات خطابية متباينة.
ويخلص غيل إلى أن "كل راغب في الكلام بشكل مختلف عن الخطاب المكرس، خاصة الراغب في إعادة إنشاء الشرق كعالم مسحور، إدراك اصطفاف مصالح مختلفة في وجهه، لأفراد تدربوا على النظر إلى أنفسهم من خلال تصنيفات الانعزالية الثقافية، والتي أضم إليها أيضا تصنيف هوية اليهود الشرقيين ـ فمن في نهاية الأمر لديه مصلحة أكبر في مراقبة الحد الفاصل لفئة اليهود الشرقيين، أكثر من أولئك الأشخاص، الذين تدربوا على تصنيف أنفسهم "كيهود شرقيين"، وحوّلوا هذه الهوية إلى مصدر لممارسات مقاوِمة".
ويضيف: على كل راغب في الكلام بشكل مختلف، أيضا، إدراك اصطفاف المصالح المختلفة للخبراء في وجهه، أولئك الذين تعتمد معيشتهم ومكانتهم على استمرار الفصل بين مختلف العوالم. وكذلك، كافة المصالح المختلفة للمؤسسات التي تستمد مبرر وجودها من تطهير المهجنين.
علاوة على ذلك، عليه إدراك أن المحصلة الإجمالية لتلك المصالح ـ بمعنى آخر، آليات الجمود التي يتكلم ضدها ـ ترتبط في نهاية الأمر على نحو وثيق الصلة، بعملية توليد مظهر الدولة."
ويختتم غيل: لذا، سيّنظر إلى كل راغب في الكلام بشكل مختلف كشخص يهدد الدولة ـ حدودها، شخصيتها، مبررها، أو وجودها نفسه. لهذا السبب، يبدو الاستمرار في عملية قائمة بالفعل: بناء أسوار للانفصال الحقيقي بمحاذاة حدود متوّهمة خارجية وداخلية، أسهل بكثير.
ومن مقدمة الكاتب حسن خضر الذي ترجم الكتاب نختار:
"لعل أهم ما رصده الكاتب في شأن اللقاء مع الشرق يتمثل في قياس الممارسات الخطابية، وما فيها من تباين، أو ما يمكّن بعضها من احتلال المتن، والتحوّل إلى خطاب سائد، استنادا إلى مفهوم الحدود الفاصلة. يشتمل هذا المفهوم على إنشاء وتعزيز حدود ثقافية وجغرافية وسياسية تفصل بين قوميات وأقوام أو لغات مختلفة، وعدم السماح أو التسامح مع عبور الحدود على الجانبين، أي رفض الهجنة، والسعي إلى تطهير المهجنين.
وقد جابه الإسرائيليون مشكلة في هذا السياق، بحكم أن السيطرة على الأقلية الفلسطينية، بعد قيام الدولة، تستدعي ضرورة اجتياز الحد الفاصل، على أحد جانبي الحدود على الأقل، والاحتكاك بالآخر، لممارسة آليات المراقبة والضبط، التي يصعب تحقيقها عن بعد.
نشأت هذه المشكلة قبل قيام الدولة الإسرائيلية، وتجسدت في شخصيات المستعربين من الطراز القديم، سواء الذين "فتنهم" الشرق، وأرادوا إعادة إنتاج اليهودي الجديد، بمحاكاة نموذج العربي، أو أقاموا علاقات تجارية واجتماعية مع أقرانهم الفلسطينيين، بصرف النظر عن الدوافع.
بيد أن الحدث الأهم، في نظر الكاتب، يتمثل في حرب العام 1948، التي طُرد بموجبها الفلسطينيون من أرضهم، فتحوّلوا إلى لاجئين، أو أصبح من تبقى منهم في أرضه، أقلية قومية تخضع لحكم وقوانين، وحدود ومحددات، الأغلبية اليهودية الجديدة.
هذا الحدث هو الأهم بقدر ما يتعلّق الأمر ببلورة وممارسة مفهوم الحدود الفاصلة، وانتقاله من مرتبة الاستيهام، أو الاجتهاد الثقافي لدى هذه الجماعة أو تلك من المستشرقين، والمستوطنين الأوائل، إلى مستوى الممارسة السياسية والثقافية، من جانب مؤسسات حكومية، وأجهزة رسمية، تسهر على إنشاء وحماية الحدود الفاصلة، وتنشئ آليات خاصة لمكافحة وتطهير المهجنين."