كتاب: "مصيدة" المكان - دراسة نقدية لحقل الفنون التشكيلية في إسرائيل، لمؤلفه محمد جبالي، يقع في 350 صفحة.
ينسج الكتاب، تاريخاً لا خطّياً للفن الإسرائيلي، ناقلاً حركاته الرئيسة والتحولات المهمة فيه، ومتجولاً في معارضه البارزة ومدارسه المختلفة، عبر أزمنة متعددة، مفككاً روايات هذه الحركات، وكاشفاً عن مغالطاتها وزيف تمثيلها للمقاومة والمثالية.
يشكل الكتاب على امتداد فصوله، ومن خلال التركيز على مُنتج الفنون التشكيلية، جواباً عن سؤال ذي شقين: ما هو الفن الإسرائيلي المعاصر، وكيف يكتب الحقل الفني الإسرائيلي الراهن تاريخ تشكيله، باحثاً عن الآليات الجماليّة والحسيّة التي يطبقها الحقل الفني على المجتمع الإسرائيلي، واليهود في العالم، وأرض فلسطين وشعب فلسطين.
ويكشف الكتاب المزود بملحق صور موسع عبر تقنية الاستجابة السريعة "كيو آر كود"، التناقض الكامن في لبّ تكوين حقل فني حداثي يدّعي تطوير الحس المرهف والمؤنسن في حالة استعمارية استيطانية، من خلال تجليات أسئلته النقدية في اللحظة الراهنة والظروف السياسية التي يعيشها ويمارسها ويجاوب عليها.
ويتابع الكتاب ما تتم الإشارة إليه غالباً حول المساحة الشاسعة التي يمنحها الحقل الفني الإسرائيلي للتعبير عن مناهضة "الاحتلال" من جهة، وعن الرغبة بالسلام من جهة أخرى، حيث عادةً ما يشكل هذا المنظور إشارةً إلى وجوب استثناء "الفن الإسرائيلي الرفيع" وعدم الخلط بينه وبين القوى "الاستعمارية" في المجتمع الإسرائيلي، مؤكدا أن كثافة التعابير النقدية في الحقل الفني الإسرائيلي، والمساحة غير الضئيلة التي يشغَلها الفنانون المناهضون للاحتلال في تياراته ونخبه، يشكلان معضلة ليست هينة في وجه أي باحث يحاول تتبع تاريخ هذا الحقل وراهنه.
يحاول الكتاب تطبيق منظور من خارج مجرة الديمقراطية الإسرائيلية عبر عدم الاكتفاء فقط باستعمال الاصطلاحات القادمة من النظريات ما بعد الاستعمارية، بل سنرى أنه من الممكن أن تكون بعض النظريات ما بعد الاستعمارية وسائل وأدوات تفتح الباب لدخول ممارسات استعمارية في الواقع الإسرائيلي.
ويضيء الكتاب على نقاط التواصل بين الحقل الفني الإسرائيلي والحقل الفني العالمي وخصوصاً الأوروبي والأميركي. هذا لأنه تبرز في الحالة الإسرائيلية محاولة إنتاج حقل فني غربي في فلسطين، وفلسطين لا تقع في أوروبا. لكن سنرى في الوقت ذاته ميولاً في الحالة الإسرائيلية لاختصار الممارسة الاستعمارية التي يشغلها الحقل الفني في فلسطين لتحوي فقط محاولة فرض مجتمع غربي على حيز ومجتمع غير غربيين باختزال تام للفلسطينيين ككيان جمعي من المعادلة.
ويكشف الكتاب كيف يحتوي الخطاب الفني الإسرائيلي على العمليات التوسعية لدولة إسرائيل من خلال الادعاء الديمقراطي تمثيل فئات المجتمع الإسرائيلي كافة، ويقدم قراءة في أحد التصادمات العديدة بين الطلاب العرب وأكاديمية الفنون، فهناك تكتمل صورة ما تسمح به حدود الحقل الفني الإسرائيلي وما يبقى خارجها.
وختاماً، لا يغفل الكتاب ممارسات الصهيونية داخل الكيان اليهودي الجمعي، المتمثلة بعملية محو الشتات والتنكر لقيم اليهودية الشتاتية من خلال برنامج بناء كيان جمعي سيادي غربي يتنكر للشرق ويتنكر للدين ويساوي بين الشرق والدين.