خلصت صحيفة "هآرتس" من وقائع محضر الجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية قبل 30 عاماً، وتحديداً في يوم 30 آب 1993، وصادقت خلالها على اتفاقية أوسلو التي وقّعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن يوم 13 أيلول من العام نفسه وحملت الاسم الرسمي "إعلان المبادئ"، والذي كشف عنه النقاب الأرشيف الرسمي لدولة إسرائيل الأسبوع الماضي، أن إسرائيل لم تنظر إلى هذه الاتفاقية باعتبارها نقطة انطلاق نحو التخلّي عن الاحتلال في أراضي 1967، ونحو منح الفلسطينيين الحق في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.
لا يخفي اليمين الإسرائيلي الجديد منذ أكثر من عقد أن المحكمة العليا، بالإضافة إلى المؤسسة الأكاديمية ووسائل الإعلام وكبار الموظفين الحكوميين، موجودون في أولى درجات مهدافه، وذلك في سياق مسعاه المنهجي لتكريس هيمنته على الحلبة السياسية والتي بدأت في العام 1977. وبلغ استهداف المحكمة العليا من طرف هذا اليمين ذروته هذه الأيام في ما يعرف باسم "خطة الإصلاح القضائي" التي طرحتها الحكومة الحالية وترى فيها المعارضة البرلمانية بالإضافة إلى جهات أخرى أنها بمثابة انقلاب على السلطة القضائية بهدف إخضاعها إلى السلطة التنفيذية مثلما جرى إخضاع السلطة التشريعية.
لا تُعدّ الفتوى القانونية الجديدة الصادرة عن منظمة "يش دين" ["يوجد قانون"] الإسرائيلية لحقوق الإنسان بشأن سياسة إسرائيل حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، والتي نقدّم قراءة لها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، الوثيقة الإسرائيلية الوحيدة التي تحوصل تلك السياسة، ولكن مع ذلك فهي تنطوي على أهمية خاصة بسبب تزامنها مع ما تقوم به الحكومة الحالية من ممارسات ميدانية في هذه الأراضي والتي سبق أن وصفتها جهات إسرائيلية بأنها تضمر استراتيجيا جديدة تسعى للقضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية، وعلى الخيار السياسي للتسوية، وتحضير الأوضاع لضم كل مناطق "ج" في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، ولاحقاً إنشاء وضع "دولة واحدة مع تفوّق يهودي"، على حدّ ما نوهنا في العدد السابق.
1- في خضم تواتر التحذيرات من تداعيات الأزمة الحادّة غير المسبوقة التي تشهدها إسرائيل على خلفية خطة حكومة بنيامين نتنياهو الحالية الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي والانقلاب على السلطة الثالثة، وبشكل خاص من جانب "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، يجدر بنا أيضاً أن نلتفت إلى ما يرد فيها بشأن آخر المواقف الإسرائيلية حيال أراضي 1967، وحيال القضية الفلسطينية عموماً، في ظل وجود حكومة هي الأكثر تطرفّاً قوميّاً ودينيّاً.
هذا الأسبوع ارتأينا تسليط مزيدٍ من الأضواء على اليمين الإسرائيلي المتطرّف والمتمثّل تحديداً في مثلث الأحزاب الذي شكّل تحالف "الصهيونية الدينيّة" (والقصد أحزاب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وعوتسما يهوديت بزعامة إيتمار بن غفير، ونوعام بزعامة آفي ماعوز) والذي فاز في الانتخابات العامة الأخيرة (جرت يوم 1/11/2022) بـ 14 مقعداً في الكنيست المنتخب (الـ 25). وبسبب هذا اليمين المتطرّف وما يحمله من أفكارٍ وما يقوم به من ممارسات ميدانية، توصف الحكومة التي أقامها بنيامين نتنياهو معه، ومع أحزاب اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، وهي حكومته السادسة، بأنها الأكثر تطرفّاً دينياً وقوميّاً حتى من طرف أقرب أصدقاء إسرائيل وحلفائها، كما عبّر عنهم الرئيس الأميركي جو بايدن.
حمل الأسبوع الفائت المزيد من الإشارات إلى أن قائمة الفجوات القائمة بين الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو السادسة التي توصف بأنها يمينية كاملة، وواقعة تحت سطوة المستوطنين واليمين المتطرّف، تطول وتطول، وبعض هذه الفجوات يمكن القول بثقة معقولة إنه منطوٍ على دلالات قد تكون بعيدة المدى.
الصفحة 7 من 44