دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثاني. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول الماضي. وبالرغم من انشغالنا في الوقت الحالي بعملية جمع المواد المتعلقة بالحرب وتوثيقها وأرشفتها، بما يُتيح لنا في المستقبل إمكان الوقوف التفصيليّ عندها، وفهم ما أدّى إليها وما وقف وراءها غير بعيد عن سياقها المُحدّد وعن السياق الأوسع، التاريخيّ، فإن هذا لا يمنع من القيام هنا بوقفة استبصار من أجل إجمال ما استجد منها حتى الآن، وتقديم ماهية قراءتها في تطوراتها وتداعياتها الآخذة بالتراكم، من وجهة نظر المحللين الإسرائيليين أنفسهم.
مع دخول الحرب العدوانية على قطاع غزة أسبوعها الثالث يتبيّن مما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو مما يُقال على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين، أن إسرائيل ماضية قدماً نحو تنفيذ عملية اجتياح برية للقطاع يطلق عليها اسم "مناورة عسكريّة" [وهو مصطلح ينطوي على دلالات عسكرية بالأساس]، وخلال ذلك يتم تأكيد أن الأسبوع الثاني من الحرب، والذي انتهى أمس (الأحد)، تمّ تكريسه على أفضل وجه من أجل الاستعداد لهذا الاجتياح.
كذلك فقد أكّد على حتميّة القيام بهذا الاجتياح العسكريّ البريّ كل من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي.
لا ريب في أننا سنكتب مزيداً من المقالات عن عملية "طوفان الأقصى" التي كانت عبارة عن هجوم مباغت شنته حركة "حماس" على منطقة المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة والمعروفة باسم "غلاف غزة" يوم 7 تشرين الأول 2023 واستجرّت على الفور إعلان إسرائيل الحرب على القطاع تحت مُسمّى "السيوف الحديدية" وهي ما زالت مستمرة حتى الآن، ولا سيما من زاوية تناولها إسرائيلياً وما تنطوي عليه من تداعيات شتّى.
أكدت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية أنشأتها يوم الفاتح من تشرين الأول الحالي أن إسرائيل تعتبر شريكة في حملة التطهير العرقي التي قامت بها أذربيجان مؤخراً ضد السكان الأرمن في إقليم ناغورنو كاراباخ. وكتبت الصحيفة تقول: "بعد أكثر من مائة عام على مذابح الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، لجأ أبناء هذا الشعب الصغير إلى الهروب مرة أخرى من هول الاحتلال والقمع".
لا بُدّ من القول إن الملامح الراهنة لإسرائيل في ظلّ الحكومة الحالية الأكثر يمينيّةً قوميّاً ودينيّاً كانت شبه متوقّعة حتى لا نقول شبه حتميّة. وقد كان تشكّل هذه الملامح الشغل الشاغل لنا في "مركز مدار" منذ أعوام طويلة، سواء من خلال ما نشرناه من مواد في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، أو عبر سائر منشورات المركز ولا سيّما التقارير الإستراتيجية السنوية. كما كان تشكّلها موضع اهتمام الكثير من الجهات البحثية وكذلك الباحثين الأفراد في المجتمع الإسرائيلي، حيث قام بعض هؤلاء بتأمل تعاقب الوقائع وتحوّلات الحلبة السياسية، فيما استغرق بعضهم الآخر في تحليل ظواهر مادية تراكمت عبر الأعوام، وفيها ما ينطوي على قرائن ومعطيات تكفي لكي يتمكن المعنيون من صوغ تصوّرات حول تعاقب تشكيل المجتمع الإسرائيلي البشريّ. وعند هذه النقطة بالذات ينبغي أن نشير إلى أن كثيراً من هذه التصورّات يستند إلى معلومات إحصائيّة وعلى أساسها يتم بناء استنتاجات، يقول أصحابها إنه بمجرّد ذلك لا تفتقر تنبؤاتهم حول اتجاهات المجتمع الإسرائيلي إلى "شرعيّة علميّة".
ما زالت أصداء التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي تامير باردو إلى وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية للأنباء، الأسبوع الفائت، والتي أكد فيها أن إسرائيل تطبّق نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) في مناطق الضفة الغربية المحتلة، تتداعى وتقسّم الرأي العام الإسرائيلي بين مؤيّد لها أو معارض.
من ناحية وقائعية، قال باردو، الذي شغل منصب رئيس الموساد بين الأعوام 2011 و2016: "ثمة دولة فصل عنصري هنا. إن الدولة التي يخضع فيها شعبان إلى نظامين قانونيين هي دولة فصل عنصري بامتياز". وشدّد على أن موقفه هذا هو مجرّد توصيف لحقيقة بسيطة. وأضاف أنه بصفته رئيساً للموساد حذّر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مراراً من أنه بحاجة إلى تحديد حدود إسرائيل وإلا فـ "سيخاطر بتدمير دولة اليهود"، على حدّ تعبيره.
الصفحة 6 من 44