لا بُد من القول إن ما يجري تداوله في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب ضد قطاع غزة وما آلت إليه من نتائج حتى الآن، في ظل عدم الوضوح الذي يحيط بسير مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار، يشي بما يلي من استنتاجات، والتي بوسعها أن تُحيل إلى الصورة العامة باعتبارها، بكيفية ما، تحصيل حاصل تجميع الجزيئات المتفرقة:
أولاً، حسم المعركة مع حركة حماس ما زال بعيد المنال، بل ثمة من يؤكد أنه غير ممكن. وهذا الاستنتاج غير مقتصر على اللواء في الاحتياط إسحق بريك، الذي التصق به نعت "نبيّ الغضب" في إبان هذه الحرب، وكرّر مؤخراً تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع بوضعه الحالي البقاء وقتاً طويلاً في المناطق التي احتلها من قطاع غزة، ولا يمتلك القوة الكافية من أجل تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 12/3/2025)، بل يتعدّاه إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين ناهيك عن محللين في الشؤون الأمنية والعسكرية من الصعب حصرهم.
يُعرّف البروفسور آسا كاشير (84 عاماً) بأنه "الفيلسوف" و"المؤدلج الأكبر" لـ"المنظومة القيمية والسلوكية للجيش الإسرائيلي"، وقد عمل أستاذاً للفلسفة في جامعة تل أبيب، وحصل على عدد من الجوائز الإسرائيلية الكبرى تقديراً لجهوده ومساهماته في مجالات تخصصه، ومنها "جائزة إسرائيل" في بحث الفلسفة العامة. كما يعد أحد الألسنيين المعروفين عالمياً، وله العديد من المؤلفات في الألسنيات والفلسفة والمنطق والأخلاق وغيرها. كذلك ترأس العديد من اللجان العامة المهمة وأشغل وما زال يشغل عضوية عدة لجان عامة أخرى، ويوصف بأنه "مفتي الأخلاق" الأعلى في إسرائيل.
وفقاً لبيانات الناطق العسكري الإسرائيلي، صعّد الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوع عملياته العسكرية في مناطق شمال الضفة الغربية ضمن ما توصف بأنها "حملة السور الحديدي" التي بدأت في يوم 21 كانون الثاني الماضي، حيث دخلت دبابات إلى ساحة القتال في الضفة الغربية لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً وتحديداً منذ عملية عملية "السور الواقي" العام 2002. وتشارك في هذه الحملة قوات من لواء "ناحال" ومن وحدة "دوفدفان" إلى جانب وحدة مدرعة تضم دبابات. وأتى هذا التصعيد العسكري في أعقاب محاولة تفجير استهدفت حافلات باص في منطقة تل أبيب الكبرى لم تسفر عن وقوع إصابات بشريّة.
تشهد إسرائيل، منذ أن أعلنت الحكومة أنها ستحتفظ بوجود عسكري مستمر في 5 نقاط في لبنان مع دخول موعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية حيّز التنفيذ بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين الدولتين المبرم في يوم 27 تشرين الثاني 2024، جدلاً في هذا الشأن يمكن القول إن مرده الرئيس هو تجربة ما عُرف باسم الحزام الأمني في الجنوب اللبناني والذي أقامته إسرائيل بعد حرب 1982 على لبنان، وبقيت تحتله مدة 18 عاماً وانسحبت بعدها منه بصورة أحادية الجانب في أيار 2000 في إبان ولاية حكومة إيهود باراك (1999- 2001).
سارعت أبواق اليمين الحاكم في إسرائيل إلى تفكيك خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإلى إعادة ترتيبها من أجل ملاءمتها لمعتقدات هذا اليمين لا فيما يتعلق بقطاع غزة ومستقبله فحسب إنما أيضاً فيما يمكن أن تنطوي عليه من تداعيات على مستقبل القضية الفلسطينية عموماً، كما سنوضح في هذه الوقفة.
حتى يوم أمس الأحد (9/2/2025) كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال متمسكاً بتصريحاته التي أثارت التنديد والجدل بشأن مستقبل قطاع غزة، والتي أطلقها في سياق مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عقده في البيت الأبيض في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي، وطرح من خلالها فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة. كذلك طرح اقتراحاً يقضي بنقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة وإعادة تطوير المنطقة المتضرّرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
الصفحة 3 من 49