يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا مهمًا في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لكنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث النفوذ والدعم المالي والدور السياسي. بشكل عام، يدعم الاتحاد الأوروبي (الذي يضم 27 دولة) حل الدولتين، ويعارض المستوطنات الإسرائيلية، ويُعتبر أكبر مانح مالي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الأونروا. ومع ذلك، وراء هذا الموقف الذي عادة ما ينسب إلى الاتحاد الأوروبي ككتلة، تكمن خلافات في المواقف السياسية بين أعضائه حيال الحرب على قطاع غزة. يستعرض هذا التقرير هذه التباينات بعد مرور أكثر من عام على 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
(1)
عقب هجوم 7 أكتوبر، أظهر الاتحاد الأوروبي تضامنًا واضحًا، شاملًا وسريعًا، مع إسرائيل حيث أُعرب عن دعمه "لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد ما وصف بـ"الهجوم الإرهابي" الذي نفذته حركة حماس. وقامت شخصيات قيادية بارزة، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (Ursula von der Leyen) ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا (Roberta Metsola)، بزيارة إلى إسرائيل خلال الأيام الأولى من الحرب، مما عكس دعمًا أوروبيًا كبيرًا. كما زار قادة آخرون مثل المستشار الألماني أولاف شولتز (Olaf Scholz) ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك (Rishi Sunak) إسرائيل خلال الأسابيع التالية، معبرين عن "تضامنهم مع الشعب الإسرائيلي".
ومع ذلك، ومع استمرار الحرب وتصاعد أعداد الشهداء الفلسطينيين في غزة وتكشف هول الإبادة المستمرة، بدأ التضامن الأوروبي يتراجع تدريجيًا. وتحولت بعض الدول الأوروبية نحو انتقاد الحكومة الإسرائيلية، خصوصًا في ما يتعلق برفضها المستمر لأي اتفاق لوقف إطلاق النار، وغياب خطط ملموسة لإعادة إعمار قطاع غزة أو إدارته بعد الحرب. وقد زادت حدة الانتقادات أيضًا مع استمرار الحكومة الإسرائيلية في رفض أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة، أو مناقشة إنشاء دولة فلسطينية، وهو ما يتعارض مع الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي المؤيد لحل الدولتين. ووصل هذا التضامن في بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية خلال أشهر الحرب ليرتفع عدد أعضاء الاتحاد الذين يعترفون بدولة فلسطينية إلى 9 دول في مقابل 18 دولة ما تزال لا تعترف بدولة فلسطينية (أنظر/ ي الجدول أدناه).
(2)
في تشرين الثاني 2024، نشر "معهد ميتفيم" الإسرائيلي للشؤون الخارجية الإقليمية تقريرًا فصّل التباينات بين مواقف دول الاتحاد الأوروبي في سياق الحرب على قطاع غزة.[1] فالاتحاد يعاني من انقسامات واضحة بين أعضائه بشأن قضايا مثل وقف إطلاق النار، والاعتراف بدولة فلسطينية.
في ما يخص قضية وقف إطلاق النار، تنقسم دول الاتحاد الأوروبي إلى ثلاث فئات: من جهة، هناك دول تؤيد وقف إطلاق النار فوري ودائم، وهي إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا وبلجيكا مما يعكس انتقادات قوية للأعمال العسكرية الإسرائيلية. من جهة ثانية، هناك دول تدعو إلى وقف إطلاق النار بشكل مؤقت، من دون إلحاح على إنهاء معاناة سكان قطاع غزة بشكل كامل، أهمها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وتؤكد هذه الدول على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس مع دعم الممرات الإنسانية لوصول الاحتياجات الحيوية والإنسانية لأهالي قطاع غزة. من جهة ثالثة، هناك دول معارضة لوقف إطلاق النار أو مترددة في تأييده (سواء كان وقف إطلاق نار دائم أو مؤقت)، وأهمها المجر (هنغاريا) وجمهورية التشيك اللتان تنحازان بحزم إلى جانب إسرائيل.
وفي ما يخص الاعتراف بدولة فلسطينية، أيضًا تنقسم دول الاتحاد الأوروبي إلى ثلاث فئات: من جهة، هناك أعضاء في الاتحاد الأوروبي اعترفوا بالدولة الفلسطينية خلال الحرب على قطاع غزة (وعددها 3 دول)، بالإضافة إلى دول تعترف بالدولة الفلسطينية قبل 7 أكتوبر (عددها 6). من جهة ثانية، هناك دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي يميلون للاعتراف بدولة فلسطينية في حال تحققت شروط، علمًا أن الشروط مطلوبة من الجانب الفلسطيني نفسه وليس دولة إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية وتمنع إقامة الدولة الفلسطينية. وألمانيا وفرنسا هما اللاعبان الرئيسان في هذه الفئة، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي ككتلة يدعم إلى حد كبير حل الدولتين، لكنه يربط الاعتراف بإصلاحات السلطة الفلسطينية والمفاوضات الأوسع نطاقا مع إسرائيل. من جهة ثالثة، هناك دول لا تتحمس بتاتًا للاعتراف بدولة فلسطينية مثل المجر وجمهورية التشيك، إلى جانب بعض دول أوروبا الشرقية.
تاريخ الاعتراف |
الاعتراف بدولة فلسطينية |
الدولة |
لا |
النمسا |
|
لا |
بلجيكا |
|
لا |
كرواتيا |
|
لا |
الدانمارك |
|
لا |
أستونيا |
|
لا |
فنلندا |
|
لا |
فرنسا |
|
لا |
ألمانيا |
|
لا |
اليونان |
|
لا |
إيطاليا |
|
لا |
لاتفيا |
|
لا |
لتوانيا |
|
لا |
لوكسمبورج |
|
لا |
هولندا |
|
لا |
البرتغال |
|
لا |
سلوفاكيا |
|
18 دولة |
المجموع |
|
1988 |
نعم |
بلغاريا |
1988 |
نعم |
المجر |
1988 |
نعم |
بولندا |
1988 |
نعم |
رومانيا |
1988 (كجزء من تشيكوسلوفاكيا) |
نعم |
جمهورية التشيك |
قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبيفي العام 2004 |
نعم |
قبرص |
قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبيفي العام 2004 |
نعم |
مالطا |
2014 |
نعم |
السويد |
28 أيار 2024 |
نعم |
أيرلندا |
28 أيار 2024 |
نعم |
إسبانيا |
5 حزيران 2024 |
نعم |
سلوفينيا |
9 دول |
المجموع |
(3)
يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا في الساحة الدولية، لكنه يواجه تعقيدات واختلافات في تأثيره وفق القضايا والمناطق. في سياق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يتمتع الاتحاد بثقل سياسي ملحوظ، لكنه يظل أقل نفوذًا مقارنة بالولايات المتحدة. يدعم الاتحاد الأوروبي حل الدولتين ويعارض المستوطنات الإسرائيلية في أراضي 1967 باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي. كما يُعتبر أكبر مانح مالي للسلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا (بعد الولايات المتحدة)، مما يسهم في دعم المؤسسات الفلسطينية وتخفيف الأزمات الإنسانية.
ما بين 2014- 2020، خصص الاتحاد الأوروبي حوالى 2.2 مليار يورو مساعدات للفلسطينيين.[2]ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للسلطة الفلسطينية، حيث تجاوز التمويل المخصص للأعوام 2021- 2024 حاجز 1.2 مليار يورو. وقد زاد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير من دعمه المالي والإنساني للفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023، حيث خصص 400 مليون يورو كدعم مالي طارئ للسلطة الفلسطينية لمواجهة تعسراتها المالية والمضي قدمًا في الإصلاحات "المطلوبة".[3] من المهم الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد ربط الزيادة في تمويله بإصلاحات مطلوبة من السلطة الفلسطينية في مجالات الحوكمة والتربية والتعليم وجهاز القضاء. إضافة إلى ذلك، أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرات مثل "مبادرة أمالثيا" لنقل المساعدات إلى قطاع غزة، لكنها واجهت تحديات لوجستية كبيرة وأثبتت محدودية تأثيرها.
(4)
بصفته أحد أكبر الكتل الاقتصادية في العالم، يمتلك الاتحاد الأوروبي صوتًا مؤثرًا في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. كما يُعرف بدوره كقوة معيارية تروّج للقانون الدولي وحقوق الإنسان والتعددية، مستفيدًا من القوة الناعمة والدبلوماسية التي يعتمدها. هذا النهج يجعله طرفًا محتملًا لتوازن القوى أمام الاستراتيجيات الأحادية التي تعتمدها دول أخرى، وخصوصًا الولايات المتحدة.
على الرغم من هذا الدور، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات واضحة تحدّ من تأثيره. وتُعد الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء من أبرز هذه التحديات، حيث أنها تُعيق تبني مواقف موحدة وفعالة. فضلًا عن ذلك، يعتمد الاتحاد الأوروبي غالبًا على القيادة الأميركية في قضايا الشرق الأوسط، ما يُضعف استقلاليته.
[1] https://mitvim.org.il/wp-content/uploads/2024/12/מאיה-שיאון-צדקיהו-ועזריאל-ברמנט-1.pdf
[2]https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2023/754628/EPRS_BRI%282023%29754628_EN.pdf?utm_source=chatgpt.com
[3] https://neighbourhood-enlargement.ec.europa.eu/news/european-commission-and-palestinian-authority-agree-emergency-financial-support-and-principles-2024-07-19_en?utm_source=chatgpt.com