المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1540

ما الذي يمس أكثر بالجمهور الإسرائيلي؟ الاختناقات المرورية؟ الدور لدى الطبيب؟ الرواتب؟ التعليم؟ الاحتلال؟ الديمقراطية؟، الصراعات مع المتدينين/ الطائفيين/ القوميين؟ الوضع الأمني؟ ليس بالضبط. فبحسب استطلاع نشر قبل عدة أسابيع في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يظهر أن القضية المقلقة أكثر للإسرائيليين هي غلاء المعيشة.

نعم، بعد ست سنوات من اندلاع احتجاجات صيف العام 2011، فإن قضية غلاء المعيشة ما تزال قضية مركزية تشغل الجمهور الإسرائيلي. صحيح أننا نحطم أرقاما قياسية في شراء السيارات والسفر إلى الخارج، وأن لغالبية الإسرائيليين بيوتا تضاعفت قيمتها في السنوات العشر الأخيرة، كما أننا لمسنا انخفاض أسعار الهواتف والاتصالات الخليوية، وأجهزة التلفزيون المستوردة، ومع ذلك كيف حصل أن ما يشوش على حياتنا هو ارتفاع الأسعار؟.

وما تزال هناك أحجية أخرى: خفض غلاء المعيشة ليست قضية خلاف بين يمين ويسار، ومتدينين وعلمانيين، يهود وعرب، ومن المفترض أن تكون قضية اجماع، إذن لما ليس لدينا انجازات ذات أهمية في هذا المجال؟.

تكشفت في الأيام الأخيرة الخطة المتبلورة في وزارة المالية لمواجهة غلاء المعيشة، بحيث سيتم تحويلنا من مستهلكين إلى مستوردين، بمعنى تسهيل الاستيراد الفردي إلى إسرائيل، وتقليص البيروقراطية المتشعبة الزائدة، التي تمنعنا من أن نستورد بأنفسنا احتياجاتنا. وبدلا من الانتظار بأن يكون لدينا 10 مستوردين اضافيين لمعجون الأسنان، وشفرات الحلاقة، والحفاظات، ليتنافسوا في ما بينهم، فإن المتاح حسب تلك الخطة أن نستورد بأنفسنا من الخارج هذه المنتوجات.

وقد بلورت لجنة حكومية تقريرا سيتم عرضه على وزير المالية موشيه كحلون، يتضمن معالجة كل الحواجز المرتبطة بالاستيراد الشخصي. إلا أن اللجنة لم تبحث في الشأن الأساسي: الضرائب المفروضة على الاستيراد الشخصي. حتى اليوم فإن الاستيراد الشخصي معفي من ضريبة القيمة المضافة وضريبة المشتريات، حتى بضاعة بقيمة 75 دولارا. وإذا ما كانت الرزمة المستوردة تتراوح قيمتها ما بين 75 إلى 500 دولار، يكون على المشتري دفع ضريبة القيمة المضافة وضريبة المشتريات، وفي حال كانت الرزمة أعلى من 500 دولار، يكون على المشتري أن يدفع أيضا الجمارك المناسبة.

وتقول جهات حكومية إنه إذا تم رفع الحد الأدنى المعفي من الضرائب من 75 دولارا إلى 200 دولار، فإن هذا سيكون محفزا لزيادة الاستيراد الشخصي. ولكن في المقابل، كان ادعاء بأن هذا العرض من شأنه أن يميز ضد المصالح التي تضطر لدفع ضرائب، وإذا مس بهم هذا فإنه سيمس بمداخيل الدولة من الضرائب، وبأرباح المصالح، ومن هنا سيكون مسّا بالنمو الاقتصادي والتشغيل.

وكلا الادعاءين منطقيان، ويعكسان معضلة أساسية في الاقتصاد التقليدي: فأي قضية أولا، الاهتمام بالأسعار المنخفضة للمستهلك، أو القلق لضمان أماكن عمل؟، وهذه المعضلة تعمقت في السنوات الأخيرة على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية، وبعد ثلاثة عقود من العولمة المتسارعة، فدول كثيرة تفحص السياسة المطلوبة للدفاع عن أماكن العمل.

ولدينا أيضا معضلة كهذه، إلا أن إسرائيل موجودة في مكان مثير. فهي أكثر غلاء من معدل دول منظمة OECD، بـ 11%. ولكن الأكثر أهمية هو أنها أكثر غلاء في الخدمات وفي البضائع التي لا يمكن استيرادها، الكهرباء والماء والغاز والبيوت، وكل هذا لا يمكن استيراده. ولا أيضا المطاعم والفنادق والمواصلات. ولهذا فإننا مُثقلون بعبء على الجيب، وليس لدى المنتجين محفز لخفض الأسعار. وفي أحيان متقاربة، فإن المنتجين هم مؤسسات الدولة ذاتها، المسيطرة على الكهرباء وعلى الأراضي والمياه.

وهناك مجالات أخرى تشهد غلاء، ولكل مجال منها أسبابه: الكحول غالي الثمن، لكونه "منتوجا سلبيا"، إذ أن استهلاكه الكبير للفرد يتسبب بأضرار. والحليب والأجبان والبيض غالية الثمن، بسبب وجود مجالس انتاج زراعية، تهتم بالدفاع عن أماكن الانتاج المحلية، وبتوفر البضاعة الطازجة. كذلك الخبز والحبوب، والزيوت والمشروبات العادية، وكلها غالية الثمن لأن سوق الأغذية احتكارية وفيها عدد قليل من اللاعبين الذين يسيطرون عليها.

في كل المجالات هذه لا يوجد للمستهلك الإسرائيلي خيار الاستيراد الشخصي. من هنا فإن التعديل على الاستيراد الشخصي المعروض لن يساعده. فقط اصرار حكومي حقيقي من شأنه أن يخفض غلاء المعيشة. إلا أن معالجة الحكومة في قضية الاستيراد الشخصي، هي اثبات على صعوبة فتح الاسواق أمام المنافسة، وعلى عدم قدرة الحكومة على تفكيك اعتراضات أصحاب شأن، مثل المستوردين والصناعيين والمسوقين والوسطاء، الذين يتمتعون بالوضع القائم.

وهذا يجرنا إلى سؤال: ما العمل؟. أحد المسارات الذي يُطرح كوسيلة لخفض غلاء المعيشة، هو خفض ضريبة القيمة المضافة. ولكن يوجد قطاع لا تفرض عليه هذه الضريبة، وهو قطاع الخضراوات والفواكه. ولشديد الغرابة فإنه في هذا القطاع بالذات، الأسعار في إسرائيل أقل من المعدل في دولة منظمة OECD. وهذه الميزة تكلف خزينة الدولة بضعة مليارات جيدة سنويا. وبالتحديد فقد كانت الكلفة في العام الجاري 2017، حوالي 13ر3 مليار شيكل وهذا مبلغ خسرته خزينة الدولة.

إلا أنه يمكن التخمين بأن الخسارة الأكبر هي الاعفاء من ضريبة القيمة المضافة، الذي يسمح بإخفاء مداخيل بمنتهى السهولة، وقطاع الخضروات والفواكه موبوء بالاقتصاد الأسود. فالإعفاء من ضريبة القيمة المضافة هو اجراء سهل تنفيذه، ولكن له انعكاسات صعبة على الاقتصاد والجهاز الضريبي. ولهذا فإن الاعفاء ليس أمرا مرغوبا، لأنه مدخل للتهرب الضريبي، وفي حال تم تنفيذ الاعفاء فمن الصعب الغائه. وقد كانت محاولات في الماضي لإلغاء الاعفاء على الخضراوات والفواكه، إلا أنها فشلت نتيجة اعتراضات سياسية.

وهذا ليس لبّ القضية. فمعالجة غلاء المعيشة ليست قضية سياسيين مترددين أو جبناء. خفض غلاء المعيشة الحقيقي ليس مجرد تخفيض لضريبة القيمة المضافة، بل يتطلب مواجهة الجهات القوية في السوق وهي الصناعيون والمسوقون والمستوردون الاحتكاريون ولجان العمال المسيطرة على مؤسسات حكومية، تحارب من أجل استمرار صلاحياتها.

من أجل خفض غلاء المعيشة حقا يجب الكفاح والصمود أمام الضغوط الكبرى، ولربما دفع ثمن سياسي ما. يجب أيضا معرفة كيفية مواجهة الانعكاسات، إذ توجد انعكاسات لكل اجراء. ومسألة خسارة أماكن العمل هي مسألة ذات وزن ثقيل، ولا يمكن تجاهلها، ومن أجل مواجهتها مطلوب اهتمام حكومي واسع، لمعالجة غلاء المعيشة.

ومن مهمات الحكومة وضع خارطة للجوانب التي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة مباشرة، في ما يتعلق بغلاء المعيشة، إن كان من باب سيطرتها المباشرة، مثل سوق الاراضي والكهرباء، أو بسبب سياسة الضرائب، مثل السيارات والكحول؛ وتحديد الجوانب التي تقع المسؤولية فيها على القطاع الاقتصادي، مثل مسألة الاحتكارات، لدى المستوردين أو الصناعيين والمسوقين وجهات تقع مسؤوليتها على لجان عمال كبرى.

ويمكن خفض غلاء المعيشة فقط إذا تم تحديد هذه المهمة كهدف وطني، يتجند له كل اللاعبين، من أجل خلق ظروف سوق فيها منافسة أكثر وبيروقراطية أقل. والقلق تجاه أماكن العمل يجب تبديده بطرق أخرى، على الحكومة أن تهتم بها، مثل فتح مسارات للتأهيل المهني. فالتطور التكنولوجي والعولمة يلزمان بالاهتمام بضمان أماكن عمل مستقبلا. وهناك مشكلة واحدة لهذا هو أن البطالة عندنا موجودة في أدنى مستوى تاريخي لها، 1ر4%، ما يؤخر الاهتمام بضمان أماكن عمل مستقبلية.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات