الورقة 75 من سلسلة "أوراق إسرائيلية" تحت عنوان (في مفهوم "تقليص الصراع"- الخلفية، الغايات والمآلات)، تستعرض وتحلل مفهوم "تقليص الصراع" حيال المسألة الفلسطينية، الذي صاغه لأول مرة الباحث الإسرائيلي ميخا غودمان، وتفاعلات المفهوم لاحقا، والبيئة التي سمحت بتطوره وصولا لتصدره الخطاب السياسي الإسرائيلي بشقه اليميني، حيث تبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، نفتالي بينيت، المفهوم في حزيران 2021، بعد أن كان ظهر في البرنامج الانتخابي لحزب "أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر، المنشق عن الليكود.
ويتبين من قراءة مضامين الورقة التي أعدها وقدّم لها الباحث وليد حباس وترجمها بلال ظاهر، بداية وقبل أي شيء، أن "تقليص الصراع" لا يشمل حل الدولتين، ولا انسحاباً إسرائيلياً من أراضي 1967، بمعنى أنه لا يأتي لإنهاء الصراع، بل يسعى لضمان أمن إسرائيل، عبر الانتقال من "إدارة الصراع إلى إدارة الاحتلال".
يقدم "مدار" في القسم الأول من الورقة، نقداً لنموذج "تقليص الصراع" من خلال مقارنته مع نماذج أخرى تم تبنيها بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل إسرائيل مثل "حل الصراع"، و"إدارة الصراع"، و"حسم الصراع"، و"السلام الاقتصادي". وباقي الورقة تنفرد في ترجمة مقالات أساسية لفهم الجدل الإسرائيلي الداخلي حول المفهوم.
المقال الأول المترجم في الورقة كتبه ميخا غودمان في العام 2019 بعنوان "ثماني خطوات لتقليص الصراع"، وهو بمثابة المقال التأسيسي الذي عرض المفهوم لأول مرة وتحوّل إلى مرجعية تلهم أحزاب اليمين والوسط الإسرائيلية في مقاربتها للمسألة الفلسطينية. والمقال الثاني كتبه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك، وينتقد فيه مفهوم "تقليص الصراع" معتبرا إياه تحويراً جديداً للخطاب والممارسة الإسرائيلية اليمينية. وفي المقال الثالث يرد غودمان على انتقادات باراك. أما المقال الرابع والأخير فهو لميرون رابابورت ويقدّم من خلاله انتقاداً أكثر راديكالية للمفهوم يستند إلى معارضة تامة لمبدأ الاحتلال الإسرائيلي المرتكز إلى "ضرورات أمنية".
يذكر أن غودمان صكَّ "تقليص الصراع" كحل توافقي ما بين "اليسار" واليمين الصهيونيين، بل إنه يعرضه كبرنامج عمل قد يتلاءم أكثر مع الأحزاب الإسرائيلية المصنفة كأحزاب وسط. بمعنى، أن تقليص الصراع هو ضرورة إسرائيلية داخلية للخروج من الطريق المسدود والتجسير ما بين رافضي استمرار الاحتلال (اليسار) وما بين المتمسكين بالتواجد في الضفة الغربية بدواع أمنية (اليمين الصهيوني)، بعيداً أن أخذ بعين الاعتبار لموقف الفلسطينيين وحقوقهم المستندة لاتفاقيات ولمعايير دولية متنوعة.
وتخلص الورقة إلى أن تقليص الصراع بالنسبة لنفتالي بينيت، قد لا يأتي لحل تناقضات إسرائيلية داخلية ما بين اليمين واليسار. صحيح أن الائتلاف الحكومي الحالي يقوم على أحزاب يسارية، وسطية، يمينية وعربية، وهذا ما يجعل النموذج موضوعًا ساخنًا في الوقت الراهن، إلا أن منطلقات بينيت تكمن في مدى ملاءمة "تقليص الصراع" للعلاقة ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين وليس للعلاقة الداخلية ما بين اليسار واليمين الصهيونيين. فبينيت يرى فيه مخرجا للتناقض الجوهري ما بين طبيعة إسرائيل الاستيطانية، وما بين عملية السلام التي دخلتها منذ العام 1993، والتي تستند إلى مبدأ حل الدولتين على أساس حدود العام 1967.
وتخلص الورقة إلى أن "تقليص الصراع" يأتي أيضا من داخل منظومة "إدارة الصراع" لكنه يختلف عن مفهوم السلام الاقتصادي. فـ "تقليص الصراع" لا يسعى إلى خلق علاقات اقتصادية وطيدة قد تساهم في وصول الفلسطينيين إلى تنازلات حقيقية أثناء نقاش ملفات الوضع النهائي، بل إنه يستند إلى اعتقاد بأن حل الدولتين غير قابل للتطبيق عمليًا، أما التسهيلات الاقتصادية فهدفها ليس خلق مصالح متبادلة بين المتصارعين وإنما الحد من "تذمر" الفلسطينيين من استمرار الاحتلال.
كما يمنح "تقليص الصراع" للفلسطينيين تنازلات أخرى تتعدى الحقل الاقتصادي، لكنها لا ترقى أبدًا إلى المستوى السياسي. تتعلق هذه التنازلات بالتحديد بإزالة، أو تخفيف/ تقليص، الميكانيزمات التي قد توفر للفلسطينيين أرضية للشعور بأنهم تحت الاحتلال، وفي مواجهة دائمة مع "عدو" يحاصرهم، يتحكم في حركتهم عبر الجغرافيا، يمنعهم من السفر أو حتى يتحكم في اقتصادهم (الاستيراد والتصدير والعمالة).