تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

قررت المديرة العامة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، داليت شتاوبر، بدعم من وزير التربية والتعليم، غدعون ساعر، وفي أعقاب ضغوط مارسها اليمين، فصل مفتش موضوع المدنيات في الوزارة، أدار كوهين.
ورفض الوزير والمديرة العامة مطالب تقدّم بها أكاديميون وأساتذة جامعات متخصصون في موضوعي المدنيات والعلوم السياسية، من خلال عشرات العرائض والرسائل التي بعثوا بها إلى هذين المسؤوليْن، بالامتناع عن فصل كوهين. كذلك رفض الوزير والمديرة العامة التقاء أكاديميين ومعلمين لموضوع المدنيات. وأعلنت شتاوبر، يوم الأحد الماضي – 5.8.2012، أنه لن يتم تثبيت كوهين في وظيفته، بعد أن أشغلها لمدة أربع سنوات.



وينسجم قرار ساعر وشتاوبر مع قرارات عديدة أخرى اتخذتها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في ظل حكومة اليمين الحالية، وأثارت انتقادات من جانب معلمين وخبراء في مجال التربية والتعليم ومفكرين ليبراليين في إسرائيل. ومن بين هذه القرارات، القرار الذي اتخذه ساعر بإلزام جميع تلامذة المدارس، اليهودية بشكل خاص، بزيارة الحرم الإبراهيمي في الخليل، من أجل ترسيخ علاقة التلاميذ بما يسمى "مغارة المكبيلا"، والبؤر الاستيطانية في الخليل.

كذلك قررت الوزارة، مؤخرا، دعم اعتراف هيئة استيطانية، هي "مجلس التعليم العالي في يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، بما يسمى "المركز الجامعي" في مستوطنة "أريئيل" كجامعة رسمية، وسط معارضة شديدة من جانب مجلس التعليم العالي في إسرائيل ورؤساء الجامعات الإسرائيلية كلها، الذين بعثوا برسالة إلى قائد الجبهة الوسطى للجيش الإسرائيلي، اللواء نيتسان ألون، بصفته الحاكم العسكري للضفة الغربية، مطالبين بمنع تحويل "المركز الأكاديمي" إلى جامعة للإسرائيليين.

وتحاول وزارة التربية والتعليم، منذ بدء ولاية حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو، فرض تعليم الفكر الصهيوني بشكل إلزامي على المدارس العربية في مناطق 48. وهناك أمثلة عديدة أخرى على ممارسات هذه الوزارة انطلاقا من فكر يميني وصهيوني يهدف إلى غرس الأفكار اليمينية والصهيونية، المعادية للعرب، في عقول التلاميذ وإبعادهم عن الفكر التنويري والتعددية الفكرية ومعرفة الآخر، أو العربي - الفلسطيني.



"اليهودية والديمقراطية نقيضان"

قالت وزارة التربية والتعليم في بيان عممته بشأن فصل كوهين من العمل إن "المديرة العامة اتخذت قرارها في أعقاب إجراءات مهنية متواصلة على مدار الشهور الأخيرة. وقد درست المديرة العامة مجمل الأمور وبضمن ذلك تعقيب مفتش موضوع المدنيات على الادعاءات التي تم طرحها أمامه، وتوصلت إلى قرار مفاده أنه بسبب الإخفاقات المهنية التي وجدتها في طبيعة أدائه كمفتش للموضوع، لن يتم السماح له بالاستمرار في إشغال وظيفته".

وأجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تناولت قضية فصل كوهين من منصبه، على أن القرار اتخذ في أعقاب ضغوط مارسها اليمين.

ونقلت صحيفة "هآرتس"، يوم الاثنين الماضي، عن مصادر في وزارة التربية والتعليم قولها إن منع تثبيت كوهين في وظيفته "جاء على أثر حملة محمومة ومتزامنة قام بها أشخاص في اليمين، من داخل المؤسسة السياسية وخارجها".

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في اليوم نفسه، إنه "منذ عدة أسابيع تُمارس على وزارة التربية والتعليم ضغوط كبيرة من أجل عدم تمديد ولاية كوهين".

وأثار كوهين غضب اليمين الإسرائيلي عليه على أثر إدخال مضامين تتسم بالاعتدال السياسي، وتم وصفها بأنها "ما بعد صهيونية"، في منهاج المدنيات. ومن بين الأمثلة التي استخدمها اليمين بهدف فصله من العمل، مصادقته على كتاب مدنيات جديد بعنوان "على درب مدنية". وأثار هذا الكتاب حفيظة اليمين لأنه جاء فيه أنه "يوجد تناقض بين التراث اليهودي، الذي يدعي تأسيس التجلي الإلهي، وبين قيم الديمقراطية وهي نتاج إنساني".

وبعد ذلك وجه اليمين انتقادات أخرى إلى مضمون الكتاب، وبينها تطرقه إلى "تقرير غولدستون" حول الحرب على غزة والذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين. كما تطرق الكتاب إلى عنف اليمين الإسرائيلي. كذلك هاجم اليمين ما جاء في الكتاب بأن "مميزات الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق (إلى إسرائيل) تكمن في كونها علمانية وليست صهيونية بمعظمها، فيما أن دوافع المهاجرين لمغادرة موطنهم هي اقتصادية بالأساس".

وتوجهت جهات يمينية إلى مفوضية خدمة الدولة بادعاء أن كوهين زيّف محاضر اجتماعات لجنة موضوع المدنيات في الوزارة، لكن المفوضية أغلقت الملف مؤكدة أنه لم يتم العثور على أية إخفاقات في عمل كوهين.

وقالت "هآرتس" إن الحملة ضد كوهين قادها البروفسور أبراهام ديسكين، مؤلف كتاب آخر في موضوع المدنيات. واعتبر ديسكين، مؤخرا، أن تثبيت كوهين في وظيفته "سيكون كارثة تربوية تلحق بثلاثة ملايين تلميذ سيتعلمون الجهل وشعارات ما بعد الصهيونية".



أزمة ثقة بين المعلمين والوزارة

وقد عمم كوهين رسالة وداعية على معلمي موضوع المدنيات في أعقاب إعلان وزارة التربية والتعليم عن فصله من العمل.

وقال كوهين في رسالته إنه "حتى لو اضطررت إلى مغادرة وظيفتي، فإنني أفعل ذلك بقامة منتصبة ورأس مرفوع. لقد لحق بي ظلم شخصي كبير، لكن الأهم من ذلك هو الظلم العام لجميعنا كمواطني الدولة وكمن نسعى إلى مصلحتها ومصلحة مؤسستها العامة".

وأضاف كوهين "لم نخش من تناول النقاط المؤلمة التي تمزق المجتمع الإسرائيلي، ولأسفي فإنه على المستوى الشخصي لم يكن الجميع قادرا على احتواء هذه التعقيدات، ووجه أشخاص السهام نحوي... وسعت جهات مهووسة ومتشددة، لا تعيش الحالة التربوية، إلى إنهاء ولايتي، ونفذوا كل خطوة ممكنة من أجل صبغ عملنا التربوي بألوان سياسية".

كذلك أصدر "طاقم نضال المعلمين من أجل موضوع المدنيات" بيانا في أعقاب بيان الوزارة بفصل كوهين، ووقع عليه 800 معلم مدنيات. وجاء في البيان أن "القرار يخلق أزمة ثقة عميقة بين المعلمين والوزارة. وإذا كنا قد عبرنا عن تأييد كامل للوزارة حتى الآن، فإنه سيكون صعبا علينا مواصلة الصمت على ضوء القرار".



"الهدف إخضاع جهاز التربية والتعليم العام لمفاهيم سياسية قومية متشددة"

وقالت "هآرتس" إن مواقع اليمين على شبكة الانترنت عبرت عن فرح كبير في أعقاب قرار فصل كوهين من وظيفته ووصفت القرار بأنه "انتصار كبير للمعسكر الصهيوني". وشدد محرر الشؤون التربوية في الصحيفة، أور كاشتي، على أن "ساعر والمستوى المهني الذي يتعاون معه قررا إبادة أي ذكر للخلافات من منهاج المدنيات، وكبح توجيه أي نوع من النقد. وجريمة كوهين ليست المصادقة على كتاب تدريسي وإنما أنه حاول أن يمرر للتلاميذ تعقيدات الحياة في إسرائيل".

وأضاف كاشتي أن "الحديث يدور على تلقين سياسي، كاستمرار طبيعي لرحلات التلاميذ إلى (مستوطنة) كريات أربع واحتفالات مدينة داوود التي تنظمها جمعية إلعاد (الاستيطانية في حي سلوان في القدس)، وهما برنامجان يدفعهما الوزير ساعر بحماس، من بين سلسلة مشاريع لتعزيز ’الوعي القومي - اليهودي’. ومع فصل كوهين عن العمل تكون المهمة قد انتهت. فالتلاميذ لن يطلعوا، لا في الرحلات ولا في دروس المدنيات، إلا على حقيقة واحدة، كتلك الملائمة لأفكار وزير التربية والتعليم. فقد صمت ساعر خلال العامين الأخيرين أمام الهجوم المنظم على كوهين من جانب جهات يمينية مختلفة. ولم يكن هناك دعم، بل ربما كان عكس ذلك".

وأنشأت "هآرتس" افتتاحية يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان "قرار معاد للتربية"، قالت فيها إن فصل كوهين هو "مثال آخر على الرياح الشريرة التي تهب في قيادة وزارة التربية والتعليم وتسعى إلى محو أي تفكير مستقل أو تشكيك. لقد تم فصل كوهين من العمل لأنه تجرأ على إرشاد معلمي المدنيات، وبواسطتهم التلاميذ، بأن من حقهم طرح أسئلة تتعلق بالديمقراطية الإسرائيلية، وبضمن ذلك جوانبها الأقل إضاءة. وفصل كوهين يدل على أن المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ليسوا معنيين بهذا التوجه".

ورأت الصحيفة أن "رسالة كوهين هي إرث تربوي جدير، لكن يخامرنا الشك في ما إذا كان ساعر والموظفون من تحته سيطبقونها، فهدفهم مختلف تماما، وهو إزالة أي عقبة من الطريق من أجل إخضاع جهاز التربية والتعليم العام لمفاهيم سياسية قومية متشددة. إن قرار فصل كوهين من العمل معاد للتربية ويعبر عن توجه معاد للتعددية".



"كوهين أراد أن ننظر إلى الملك بعيون مواطني المستقبل"

أشارت الكاتبة في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، أريانا ميلاميد، إلى أنه "لا يوجد ملك في إسرائيل، إلا إذا كان البعض مقتنعًا فعلا بشعار ’بيبي كينغ’ [أي نتنياهو الملك، الذي منحته إياه مجلة "تايم" الأميركية]، وأدار كوهين لم يصرخ بأن الملك عريان، وكل ما أراده في نهاية المطاف هو أن ننظر إلى هذا الملك، في هذه الدولة، بأعين مواطنين في المستقبل، وهم الفتية الذين يعرفون طرح السؤال. ومن أجل معرفة طرح السؤال، لا يمكن الموافقة على ’هكذا رأى وقدّس’. وفي الأسطورة فقط يوجد صبي يعرف بسذاجته كيف يضع علامات تشكك على ما هو مقبول ومعروف. وحتى في الحكاية [التي تُقرأ في عيد الفصح اليهودي]، تتم إجابة هذا الذي لا يعرف كيف يسأل في البداية بأن أحكي له عن الأفعال، وأن أعطيه معلومات ليعرف من خلالها كيف يسأل ويتذكر وأن يكون إنسانا مفكرا".

وأضافت ميلاميد "أرفض أن أنظر إلى فصل أدار كوهين من العمل على أنه صراع بين اليمين واليسار، وبين المتدينين والعلمانيين في وزارة التربية والتعليم. إن الصراع أكبر بكثير، وأشد وأهم بكثير. وهو يجري لأسفي على كاهل كوهين، لكن في الواقع هذا شجار بين معسكرين متميزين في هذه البلاد، وأحدهما محق فقط".

وتابعت أن "المعسكر الأول يؤمن بأن ’لدينا بلادا رائعة’ وحسب. لا توجد فيها صراعات وتناقضات بين الإيمان الديني والقيم الديمقراطية. ولن يحصل هذا أبدا. ولا يوجد عدم مساواة بين الأغلبية والأقلية [العربية]، ولا توجد فيها تشوهات اجتماعية واقتصادية. ولا يوجد تاريخ إشكالي، وليس هناك ’آخر’، ويوجد، ربما، صراع قومي ما، لكن من الأفضل أن يبقى معتما ومشوشا، إذ أن مواطني المستقبل ينبغي أن يكونوا جنودا طائعين بعد قليل، وإذا لا سمح الله كشفنا أمامهم أنه يوجد للصراع وجهان، فكيف سيطيعون؟".

وأضافت ميلاميد أن "المعسكر الثاني يؤمن بأن لدينا بلادا رائعة لكنها معقدة للغاية. والطريقة لجعلها رائعة أكثر، أو على الأقل يسكنها أناس يسعون للعيش فيها معا بسلام، تبدأ بالاطلاع على التعقيدات ومناقشتها. أي أنه من الجائز أحيانا أن يسير الملك عاريا، أو على الأقل أن ملابس السلطة إشكالية مثل السلطة نفسها، مهما كان لونها الحزبي، ولزام على المواطنين أن يكتشفوا هذا بأنفسهم وعدم انتظار الصبي الصغير الوقح كي يعلمهم".

وأشارت إلى أنه "يوجد في هذا المعسكر الثاني، حسبما اتضح، 750 معلما للمدنيات، وبعضهم جاء من مدارس وحتى من يِشيفوت [مدارس دينية] وراء الخط الأخضر. ويوجد فيه أشخاص يفكرون، ويسألون، وهم مترددون، وفضوليون، ومكترثون، من جميع الأحزاب والحركات والتيارات والآراء في الفسيفساء المذهلة للمجتمع الإسرائيلي. وهم ليسوا يهودا فقط، ولا من مصوتي حزب ميرتس، وحتى أنه ليس بينهم كاره لإسرائيل. وهم ببساطة موحدون في الحاجة إلى إمداد الجيل القادم بأدوات تفكير مدنية. والإمكانية الأخرى هي أنه يوجد أحمق ينشد شعارات. وبودي أن أذَكّر بأن ’الأحمق’، بمفهومه الأصلي اليوناني القديم، هو ’مواطن ليس ضالعا في الشؤون العامة’".

وكتبت ميلاميد أن "إسرائيل معقدة وممزقة أكثر مما ينبغي إيداعها بأيدي حمقى. وثمة حاجة هنا إلى جماهير كبيرة من الأشخاص الذين يفكرون من أجل وضع حلول خلاقة لخلافات صعبة ومنهكة وقديمة. ومثل هؤلاء الأشخاص بإمكانهم أن ينموا فقط في مجتمع مستعد لأن يسمح لهم بأن يفكروا، ومنحهم أدوات لكي يفهموا التعقيدات. لكن معسكر ’لدينا بلاد رائعة’ لا يوافق على حدوث هذا. لماذا؟ لأنه إذا كان هناك أشخاص يفكرون في جهاز التعليم لا قدر الله، فإن أناسا يفكرون ومستقيمين مثل أدار كوهين، قد يكشفون الشقوق ويثبتون أن هذا القول ليس صحيحا تماما".

وأضافت "لقد تعلمت ابنتي في الصف الرابع، العام الماضي، عن الديمقراطية واليهودية وحكم الأغلبية وحقوق الأقلية، وتبين أنه توجد أكاذيب في النص، من قبيل أن قانون التعليم الإلزامي المجاني يسري على الجميع وأن هذا مجاني حقا، رغم أنها تعرف أنه ليس كذلك، وأن التلميذ يحصل من الدولة على جميع الفرص للنجاح، رغم أنه واضح أنه حتى في صفها يوجد أولئك الذين يحصلون على أكثر، وأنه في مدينتنا نهريا لا يحصلون على امتيازات مثلما يحصلون في رمات شارون [مدينة في وسط إسرائيل]".

وختمت الكاتبة "أتمنى أن ينمو أولادي في دولة يوجد فيها أشخاص مثل أدار كوهين وأن يربي الكثير من المعلمين الذين يدعمونه الأولاد على المواطنة النشطة، المهتمة، التي تنصت وتسأل، وبالطبع على النقد أيضا. أتمنى أن يعلموهم وأن يعلموا رئيس الحكومة الذي سيأتي من بينهم، والعلماء والبائعين، والسائقين والقياديين الذين سينميهم جيلهم. لكن حاليا يبدو أن هذا لن يحدث، لأنه سيأتي مفتش تربوي مطيع، وسيعلم الجميع أنه توجد هنا بلاد رائعة، وأن كل شيء رائع. وهو سيكون عاريا تماما، لكن لن يتجرأ أحد في وزارة التربية والتعليم على الاعتراف بذلك".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا ييعكس آراء الاتحاد الاوروبي"