تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

خيم التوتر خلال الأسبوعين الأخيرين على منطقة هضبة الجولان السورية المحتلة، بعدما سقطت في هذه المنطقة قذائف تم إطلاقها من الجانب السوري لخط وقف إطلاق النار في الجولان، ووصفتها إسرائيل بأنها "نيران طائشة" ناتجة عن معارك بين قوات النظام السوري وميليشيات مسلحة تحاربه في إطار محاولة الجانبين السيطرة على مواقع حسّاسة.

 

وبرغم اعتبارها "نيرانا طائشة" وعدم تسببها بإصابات وأضرار، فإن الجيش الإسرائيلي قصف أهدافا لقوات النظام في الأراضي السورية بعد كل "قذيفة طائشة" كهذه، حتى أنه تم الإعلان عن مناطق في الجولان المحتل كمناطق عسكرية مغلقة وجرى منع المتنزهين من الدخول إليها من خلال نشر حواجز عسكرية، كما تم إخلاء مستوطنين من أراض زراعية وكروم في مناطق قريبة من القنيطرة.

ونقل موقع "واللا" الالكتروني، يوم الجمعة الماضي، عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي قوله "نشهد في الأيام الأخيرة معارك بين تنظيمات الجهاد العالمي وجيش (الرئيس السوري بشار) الأسد في منطقة القنيطرة الجديدة. ويرد نظام الأسد، الذي يخشى من احتلال مواقعه، بنيران تنحرف إلى الأراضي الإسرائيلية (في الجولان المحتل). من جهة نحن نرد على إطلاق النار هذا، ومن الجهة الأخرى لا نقود باتجاه تدهور الوضع. فهذه أحداث داخلية سورية ونحن نحافظ على سياسة عدم التدخل فيما يحدث هناك".

لكن تقارير صحافية عربية أفادت بأن غارة شنها سلاح الجو الإسرائيلي في شمال الجولان غير المحتل واستهدفت موقعا لقوات النظام، أسفرت عن مقتل مواطنين سوريين، يوم الاثنين من الأسبوع الماضي.

وبعد ذلك بيومين، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من مستوطنة "كتسرين" في الجولان، أن "من يطلق النار باتجاه أراضينا ويشكل خطرا على مواطنينا يصطدم برد شديد وسريع. لسنا مستعدين لأن نقبل تقطير (قذائف) لا في الجولان ولا في أي مكان آخر. ولن نتحمل نيرانا طائشة وسنرد على أي إطلاق نار. وسنهاجم من يهاجمنا. هذه هي سياستنا وسنستمر بممارستها".

كذلك حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، يوم الأحد الماضي، من أن "إسرائيل سترد بشكل أشد" على النيران الطائشة من سورية، وأنها "ليست مستعدة لقبول ذلك". وقال لمراسلين إسرائيليين إن الجيش السوري يبذل جهدا من أجل منع سقوط نيران طائشة في الجولان المحتل "لأنه يدرك أن هذه اللعبة ليست في مصلحته".

إسرائيل وتسوية محتملة في سورية

تسعى إسرائيل إلى التأثير على المحادثات الرامية إلى إنجاز تسوية في سورية. وفي هذا السياق، بعثت إسرائيل برسائل إلى عدة أطراف دولية تحذر فيها من مغبّة السماح باستمرار أي وجود لإيران وحزب الله في سورية، وخاصة في المناطق القريبة من الجولان المحتل. وكانت هذه الرسائل في صلب محادثات أجراها نتنياهو مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، التي زارها عدة مرات منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية، في نهاية العام 2015.

ومع ذلك قال ليبرمان، في مطلع الأسبوع الحالي، إن دولا عظمى ودولا عربية أرادت أن تشارك إسرائيل في المحادثات حول مستقبل سورية، لكن إسرائيل رفضت هذه الفكرة. وأضاف "توجد محاولات من أجل التوصل إلى تسوية. هذا لا يلزمنا. لن نوافق على أي اتفاق يكون الإيرانيون ضالعين فيه. ونحتفظ لأنفسنا بحرية العمل وسنعمل بموجب مصالحنا الأمنية".

وشدد ليبرمان على أن الاتفاق الذي سيكون مقبولا على إسرائيل هو الذي يتضمن إخراج إيران وحزب الله من سورية واستبدال الأسد. وأضاف "لن نتمكن من شرعنة الأسد بعدما قتل مواطنين واستخدم سلاحا كيميائيا. لا يمكن شرعنة محور الشر. يوجد هنا نفاق من جانب المجتمع الدولي. فقد تأكد من أن نظام الأسد استخدم السلاح الكيميائي".

وسعى ليبرمان إلى تهدئة الأجواء والتهديد في الوقت نفسه، وقال إنه "لا مصلحة لدولة إسرائيل بشن عملية عسكرية في الجنوب (قطاع غزة) أو الشمال (سورية ولبنان)". لكنه أردف أن "الجيش موجود في مكان آخر (قياسا بما كان عليه خلال حرب لبنان الثانية في صيف 2006) من حيث مستوى الجهوزية والمعلومات الاستخبارية. ولذلك لا يجدر بأي كان أن يختبرنا"، مضيفا أن الاستخبارات الإسرائيلية لا تلاحظ وجود أي استعدادات خاصة لحرب ضد إسرائيل في الصيف الحالي. وتطرق إلى ما وصفه بتسلح حزب الله فقال "هل تغير ميزان القوى منذ العام 2006؟ لقد أحدثنا فجوة مقابلهم وهي فجوة كبيرة".

من جانبه، اعتبر المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب والخبير في الشؤون السورية، البروفسور أيال زيسر، في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوم الاثنين الماضي، أن الحرب الأهلية في سورية تقترب من نهايتها وأن النظام السوري يحكم سيطرته على أجزاء واسعة في سورية بدعم روسي – إيراني، وفي هذا السياق تأتي المعارك بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في محاولة من جانب الأخيرة لتوسيع سيطرتها في المناطق القريبة من الجولان "ومنع احتلالها من جانب ميليشيات شيعية تدفعها إيران إلى الحرب في سورية".

وبحسب زيسر، في الفترة القريبة المقبلة ستبدأ الدول العظمى برسم خطوط الفصل بين مناطق سيطرة النظام السوري والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، والتي "ستصبح في المستقبل مناطق محمية"، ولذلك فإن أطراف النزاع تسعى إلى تحسين مواقعها "قبيل تجميد الوضع في ميدان القتال" الذي يمتد من القنيطرة إلى درعا، عند الحدود السورية - الأردنية. وأشار إلى أن اهتمام إسرائيل منصب أخيرا على عدم دخول قوات إيرانية وقوات حزب الله وميليشيات شيعية إلى هذه المنطقة.

ولفت زيسر إلى أن "لا أحد في الطرف الآخر من الحدود لديه مصلحة في التورط مع إسرائيل، لكن أحدا ما، وربما من صفوف المعارضة المسلحة في سورية، ليس حذرا وليس مدربا بالشكل الكافي ولا يأبه أيضا بعدم توجيه النار إلى الجانب الإسرائيلي من الحدود".

واعتبر زيسر أن أداء إسرائيل منضبط وأنها ردت على "النيران الطائشة" بشكل دقيق ومحدود باتجاه مواقع قوات النظام، وأن "هذا رد فعل ضروري، لأن غض النظر عن قذيفة واحدة سيجعل إسرائيل تتعرض لإطلاق نار لا يتوقف، مثلما غضت إسرائيل النظر عندما هرّب الإيرانيون الصاروخ الأول والثاني إلى حزب الله في لبنان، وبعد ذلك وصلت ترسانة الصواريخ التي بحيازة حزب الله إلى نحو 100 ألف".

ولفت زيسر أيضا إلى أن المجتمع الدولي لم يستجب حتى الآن لمطالب إسرائيل بالاعتراف بسيادتها في الجولان المحتل أو بإبعاد قوات إيرانية أو قوات موالية لإيران عن سورية.

معضلة إسرائيل حيال لبنان

بالرغم من تصريحات ليبرمان المذكورة آنفا التي قال فيها إنه لا مصلحة لإسرائيل في خوض حرب وخصوصا في الصيف الحالي، فإن القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل تبحثان مؤخرا في إمكانية شن هجوم كبير ضد لبنان بادعاء أن إيران وحزب الله أقاما مصانع لصنع صواريخ في لبنان، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الأحد الماضي، وصفت فيه هجوما كهذا بأنه سيشكل "ضربة استباقية" قبل أن يتمكن حزب الله وإيران من صنع كمية كبيرة من الصواريخ، التي ستستهدف إسرائيل في أي حرب مقبلة.

وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان")، هرتسي هليفي، صرح خلال مداخلته في مؤتمر هرتسيليا السنوي، قبل أسبوعين، بأن "إيران تعمل في السنة الأخيرة على إقامة بنية تحتية لإنتاج ذاتي لأسلحة دقيقة في لبنان وفي اليمن أيضا"، محذرا من أنه "ليس بإمكاننا البقاء غير مبالين حيال ذلك، ولن نبقى غير مبالين".

والمعضلة المركزية التي تُشغل جهاز الأمن الإسرائيلي، في هذه الأيام، هي ماذا يتعين على إسرائيل أن تفعل إزاء مصنع الصواريخ الدقيقة التي تحاول إيران إقامته لصالح حزب الله في لبنان؟. وقالت "يديعوت" إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) عقد مؤخرا اجتماعا خصصه لهذا الموضوع.

ويذكر أن إسرائيل قصفت أهدافا في الأراضي السورية خلال السنوات الأخيرة بادعاء أنها مستودعات أو قوافل أسلحة ستنقل إلى حزب الله في لبنان، ووصفت هذه الأسلحة بأنها "كاسرة للتوازن".

ولفتت الصحيفة إلى وجود نوع من الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، يتمثل بتفاهمات غير مكتوبة، ومفادها أن إسرائيل لا تقصف شحنات أسلحة في الأراضي اللبنانية وإنما في الأراضي السورية فقط. وفي المرة الوحيدة التي قصفت فيها إسرائيل شحنة أسلحة في لبنان، قبل ثلاث سنوات، رد حزب الله بإطلاق نار على مزارع شبعا، ومنذئذ حرصت إسرائيل على عدم تكرار هجوم كهذا.


وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن حزب الله مرتدع من إسرائيل، في أعقاب الدمار الذي ألحقته بلبنان في حرب لبنان الثانية عام 2006، ولكن الحزب يردع إسرائيل أيضا في الوقت نفسه. ووفقا للتحليلات والتقديرات الإسرائيلية، فإن حزب الله اكتسب خبرة عسكرية كبيرة من مشاركته في الحرب السورية. ويمتلك ترسانة صاروخية قوامها 150 ألف صاروخ، ما يجعل الحزب قادرا على إطلاق 1200 صاروخ يوميا باتجاه إسرائيل في أي حرب مقبلة، ولن يكون بمقدور أي منظومة دفاعية صد هذا الكم من الصواريخ، ولذلك فإن الخسائر التي ستتكبدها إسرائيل في حرب مقبلة ستكون كبيرة.


ووفقا للصحيفة، فإن "ضربة استباقية" ضد حزب الله لن تستهدف "مصانع الأسلحة" فقط وإنما أهدافا أخرى لحزب الله في لبنان، بعد أن جمعت الاستخبارات الإسرائيلية معلومات كثيرة جدا حول آلاف الأهداف التابعة للحزب. ونقلت الصحيفة عن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، قوله "لو أن حسن نصر الله يعلم بما نعرفه عنه لما فكّر بحرب". ونقلت عن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أمير إيشل، قوله إن "بإمكان سلاح الجو اليوم أن ينفذ خلال 48 ساعة ما نفذه في كل حرب لبنان الثانية".

كل هذا يعني، وفقا للصحيفة، أن القصف المتبادل في حرب لبنان الثالثة، في حال نشوبها، سيكون هائلا، خاصة وأن التخوف في إسرائيل هو من قصف "مبان وأبراج سكنية في تل أبيب"، وهو ما دفع إيشل إلى أن "ينصح" سكان جنوب لبنان بالنزوح بمجرد نشوب الحرب.

لكن يبدو أن هناك أكثر من سبب يجعل إسرائيل تتردد في شن "ضربة استباقية". إذ قال مسؤول في منظومة التقييمات الإسرائيلية إن "حرب لبنان الثالثة، إذا نشبت، ستكون حربا قاسية. سننتصر فيها، لكن الفرق سيكون بضربة البداية". واستدرك قائلا إن "الأمر الأسهل هو عدم اتخاذ قرار (بشن هجوم ضد لبنان)، لأن من سيتخذ هذا القرار الآن يستدعي لنفسه لجنة تحقيق. لكن الاعتبارات لدى القيادة يجب أن تكون موضوعية".

وأكد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أمس الثلاثاء، أن "إسرائيل تدرك أن تحييد القدرة العسكرية لحزب الله مقرون بحرب قاسية، سيلحق خلالها ضرر غير مسبوق من حيث حجمه بجبهتها الداخلية المدنية".

وأضاف أن ما تمثل أمام الكابينيت الإسرائيلي هو "تردد شديد" حيال توقيت وشكل عملية عسكرية ضد "مصانع الأسلحة"، لكن "الطريق ما زالت طويلة قبل استعراض هذا الأمر بأنه خيار بين عدم العمل والحرب"، وتوجد خطوات عديدة بإمكان إسرائيل تنفيذها ضد حزب الله "ويبدو أن التصريحات الرسمية غايتها الحفاظ على حوار بمستوى الرسائل وليس الصواريخ".

واستبعد هرئيل أن يكون نتنياهو يبحث عن ذرائع لشن حرب من أجل صرف الأنظار عن التحقيقات الجنائية التي تجريها الشرطة الإسرائيلية ضده أو من أجل تحسين مكانته قبيل انتخابات عامة. ورأى أنه ينبغي أن يحدث أمر غير عادي من أجل أن يبادر نتنياهو إلى حرب "وحتى عندها، على الأرجح أن يحدث هذا في غزة، نظرا إلى كون القدرة على إلحاق أضرار بإسرائيل أقل مما في الشمال، حيث حجم الدمار المتوقع أمسى واضحا لكلا الجانبين".