(*) وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون على الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم، والتي يطلق عليها المستوطنون اسم "جباية الثمن"، بأنها أعمال ينفذها تنظيم "أشبه بالإرهابي"، علما أن مسؤولين آخرين وصفوا اعتداءات "جباية الثمن" بأنها أعمال إرهابية.
وأضاف باراك، الذي جاءت أقواله خلال زيارة لقاعدة "لواء عتصيون" العسكرية في جنوب الضفة الغربية، يوم الثلاثاء - 11.10.11، أن هذه الاعتداءات "خطرة للغاية" معربًا عن أمله بأن "تضع أجهزة تطبيق القانون يدها على منفذيها". وتابع قائلا إن "هذه الأعمال، التي امتدت إلى داخل إسرائيل الصغيرة، تعيب دولة إسرائيل وتضرّ بالعلاقات مع الفلسطينيين".
إعداد وحدة "المشهد الإسرائيلي"
وكان باراك بقوله إن هذه الاعتداءات "امتدت إلى داخل إسرائيل" يشير أساسًا إلى إحراق مسجد في قرية طوبا الزنغرية العربية البدوية قرب صفد، وإلى تدنيس مقبرتين عربيتين، واحدة إسلامية وأخرى مسيحية، في مدينة يافا، وإلى كتابة شعارات عنصرية ضد العرب في مدينة "بات يام" الواقعة جنوبي يافا.
وفي اليوم نفسه قام المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، يوحنان دانينو، بجولة في طوبا الزنغرية، لأول مرة منذ إحراق المسجد، ورغم مرور أسبوع على هذا الاعتداء. وقال دانينو إن عمليات "جباية الثمن" هي "اسم يهدف إلى التغطية على جرائم قاسية وخطرة وحقيرة بنظري". وأضاف أنه "حتى لو كانوا يعتقدون أن الحديث يدور على عمل طائش، فإن الحدث خطر وتبعاته أخطر بكثير من العمل نفسه"، موضحا أنه أصدر تعليمات الشرطة بالعمل على وقف هذه الظاهرة.
تعريف
"جباية الثمن" هي تسمية أطلقها المستوطنون ونشطاء اليمين المتطرف الإسرائيلي على اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين وأملاكهم والتي تشمل تدنيس مساجدهم ومقابرهم. كذلك يطلق المستوطنون تسمية "جباية الثمن" على الأضرار التي يلحقونها بأملاك تابعة للجيش والشرطة الإسرائيليين، وخصوصا السيارات.
ولتبرير تنفيذ هذه الاعتداءات يتذرع المستوطنون واليمين المتطرف بأنها ردة فعل على هجمات فلسطينية، أو على هدم مبان وإخلاء مستوطنين من بؤر استيطانية عشوائية على يد قوات الشرطة والجيش الإسرائيليين.
ويقول المستوطنون إن هدف اعتداءات "جباية الثمن" هو منع حكومات إسرائيل من إخلاء بؤر استيطانية، وهدم مبان أقيمت من دون تصاريح بناء، وردع فلسطينيين من تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية. وهم يعتبرون أن اعتداءات "جباية الثمن" من شأنها أن تردع الفلسطينيين وأن تحدث نوعًا من "توازن الرعب".
وبدأ المستوطنون في تنفيذ اعتداءات "جباية الثمن" في شهر تموز من العام 2008، عقب عملية إجلاء حافلة من البؤرة الاستيطانية "عادي عاد" والتي وقعت بعدها مواجهات بين مجموعات من المستوطنين المتطرفين وبين مواطنين فلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي. ونقلت تقارير إسرائيلية عن المستوطن إيتي زار، من البؤرة الاستيطانية "حفات غلعاد"، قوله إنه "في كل مرة يتم فيها تنفيذ إجلاء، وليس مهما ما إذا كان الحديث يدور على حافلة أو كرافان (بيت متنقل) أو بؤر استيطانية عشوائية صغيرة، فإننا سنرد".
وكتب راز في مقال نشره في موقع "القناة 7" اليمينية (التابعة للمستوطنين) في 13.5.2010 أن "الحديث يدور على نضال شرعي يشمل بالأساس إغلاق مفارق طرق وشوارع بهدف تشويش النشاط المنظم لقوات الأمن ومنع هدم بيوت". ووصف هذه الاعتداءات بأنها "أعمال هامشية ولا يمكن السيطرة عليها".
وتشمل عمليات "جباية الثمن" إلقاء حجارة على السيارات الفلسطينية التي تمر في شوارع الضفة الغربية ومهاجمة قرى فلسطينية وإلحاق أضرار بأملاك الفلسطينيين وحقولهم، مثل قطع أشجار الزيتون وإحراق مزروعات، وحتى إحراق مساجد وتكسير شواهد قبور. وفي أغلب الأحيان يكون ذلك مرفقًا كتابة شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين إلى جانب عبارة "جباية الثمن".
ونفذ مستوطنون متطرفون اعتداءات "جباية الثمن" في أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية، في شهر تشرين الثاني من العام 2009، تعليق أعمال بناء جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية، وبينها إحراق مسجد في قرية ياسوف في الضفة. وكتب المستوطنون على جدران القرية كتابات بينها "سوف نحرقكم جميعا"، و"استعدوا لجباية الثمن". وأفادت صحيفة "هآرتس" بأنه يشارك في اعتداءات "جباية الثمن" ما بين مئات وثلاثة آلاف مستوطن بصورة فردية أو بمجموعات صغيرة.
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد ادعت في تقريرها السنوي حول العام 2009 أنه حدث تراجع في ظاهرة "جباية الثمن". لكن هذه الظاهرة تصاعدت خلال العام الماضي وبعد ذلك تصاعدت أكثر في العام الحالي. ووفقا لتقرير جهاز الأمن العام (شاباك)، الذي نشرت "هآرتس" عنه في 13.9.2011، فإن تعريف هذه الاعتداءات بـ "جباية الثمن" يشكل استخفافا لأن منفذيها هم أعضاء خلايا إرهابية بكل معنى الكلمة.
وجاء في تقرير أعده مكتب تنسيق الأنشطة الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، وصدر في كانون الأول 2010، أن تطبيق إسرائيل للقانون في ما يتعلق بأعمال اعتداءات "جباية الثمن" ينطوي على خلل وإهمال. وحذر التقرير من أنه في حال بدأت إسرائيل بإجلاء مستوطنات في الضفة الغربية من دون معالجة جدية لظاهرة "جباية الثمن"، فإن ربع مليون فلسطيني، يسكنون في 86 قرية وبلدة، سيكونون معرضين لاعتداءات كهذه من جانب المستوطنين.
حاخامون يشجعون الاعتداءات
رغم وجود ادعاء يقول إنه لا تقف خلف اعتداءات "جباية الثمن" أيديولوجيا أو حاخام، إلا إن المعلق الصحافي نداف شرغاي أشار في مقال نشره في "هآرتس"، في 3.10.2008، إلى أن المستوطنين الذين يشاركون في هذه الاعتداءات هم في أغلب الأحيان تلامذة الحاخامين إسحق غينزبورغ ودافيد دودكيفيتش وإسحق شابيرا، الذين يترأسون المدرسة الدينية في مستوطنة "يتسهار"، والتي تعتبر أحد أبرز معاقل غلاة المستوطنين المتطرفين. ويشار إلى أن الحاخام شابيرا هو مؤلف كتاب "عقيدة الملك" الذي يتيح قتل المدنيين والأطفال والنساء والمسنين غير اليهود، ولا يزال يثير جدلاً صاخبا في إسرائيل.
وأطلق أشخاص قياديون في المستوطنات، خلال الأعوام الأخيرة، العديد من التصريحات التي يظهر منها بوضوح تأييدهم لاعتداءات "جباية الثمن". فقد دعا الحاخام شابيرا إلى القيام بعمليات من خلال "التكافل المتبادل" وقال إنه "عندما يتعرض أحد (المستوطنين) لاعتداء في مكان واحد فإنه يجب أن تكون هناك ردة فعل في كل مكان". كذلك أطلقت إحدى قادة المستوطنين، وتدعى دانييلا فايس، أقوالا شبيهة بأقوال شابيرا. وفي مناسبة أخرى قالت إن "جباية الثمن" الوحيد المقبول عليها هو إقامة بؤرة استيطانية عشوائية جديدة بدلا من أي بؤرة استيطانية يتم إجلاؤها. وكتب الحاخام اليعازر ميلاميد في مقاله الأسبوعي في صحيفة "بَشيفاع" التي يصدرها المستوطنون، أنه اتضح أن سياسة "جباية الثمن" هي سياسة "ناجعة". وقال حاخام مستوطنة "بساغوت" يوسف فايتسن، في أعقاب عملية مستوطنة "إيتمار" ولدى سؤاله عن "جباية الثمن"، إنه "وجدنا أن شمشون (الجبار) استخدم هذه الطريقة، لكن من الجائز أن الوضع اليوم مختلف، بوجود نظام حكم يهودي منظم".
"جباية الثمن" داخل الخط الأخضر
أقدم مجهولون، قبيل فجر يوم الاثنين - 3.10.2011، على إحراق مسجد في قرية طوبا الزنغرية البدوية القريبة من مدينة صفد، ما تسبب بأضرار جسيمة للمسجد، وتركوا وراءهم كتابة على جدرانه تشير إلى أنهم ينتمون إلى اليمين المتطرف الإسرائيلي. وأتى الحريق على المسجد كله وألحق أضرارا جسيمة به، كما احترقت كتب القرآن الكريم فيه. وتم العثور على كتابة "انتقام جباية الثمن".
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن قائد الشرطة في منطقة شمال إسرائيل، روني عطية، قوله إن "هذا حدث خطر جدا في إطار أنشطة ’جباية الثمن’". وأصدر تعليمات بتشكيل طاقم تحقيق خاص وبذل كافة الجهود من أجل اعتقال المنفذين. لكن هذا التحقيق لم يتقدم حتى اليوم، حسبما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية. ووصف سكان القرية الاعتداء على المسجد بأنه "خطر للغاية" وحملوا جهات يهودية متطرفة المسؤولية عن الاعتداء.
وفي أعقاب إحراق المسجد تتالت ردود الفعل الإسرائيلية المنددة بالاعتداء. وزار الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، القرية والمسجد وسعى إلى تهدئة الخواطر، وكان يرافقه الحاخامان الرئيسيان لإسرائيل ورجال دين مسيحيون. وأصدر ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بيانا جاء فيه أن هذا الأخير "استشاط غضبا بعد مشاهدة صور المسجد المحترق"، وقال إن هذا العمل "يتعارض مع قيم دولة إسرائيل التي تنظر إلى الحرية الدينية وحرية العبادة على أنها قيم عليا، والصور تقشعر لها الأبدان ومكانها ليس في دولة إسرائيل". وأضاف البيان أن نتنياهو اتصل برئيس جهاز الشاباك، يورام كوهين، وأصدر توجيهات له بإلقاء القبض على المسؤولين عن جريمة إحراق المسجد في أسرع وقت.
وقال رئيس مجلس طوبا الزنغرية السابق، حسين الهيب، لوسائل إعلام إسرائيلية إن "كتابة شعار ’انتقام جباية الثمن’ فاجأنا ومس بمشاعرنا" وأن "الحديث هنا يدور على قرية بدوية لطيفة ومخلصة لدولة إسرائيل".
من جانبه قال عضو الكنيست اليميني المتطرف ميخائيل بن أري "إنني لا أؤيد إحراق كتب القرآن أو مبان دينية بالطبع، لكنني لن أستنكر" إحراق المسجد.
وعقبت رئيسة حزب كاديما وزعيمة المعارضة الإسرائيلية، تسيبي ليفني، على الاعتداء على المسجد بالقول إنه "إذا كان الحديث يدور فعلا على عملية جباية الثمن فإنه ينبغي التنديد بها بكل القوة، وإحراق المساجد يتناقض مع قيم إسرائيل كدولة يهودية". وأضافت أنه "لا يكفي أن تناضل القيادة الإسرائيلية من أجل الاعتراف بإسرائيل من الخارج، وإنما يجب عليها أيضًا أن تربي على القيم من الداخل وأن تكون هذه القيم تتعارض بأوضح صورة مع حرق بيوت العبادة كانتقام، ولا شك في أن أحداثًا خطرة كهذه تلزمنا بإجراء حساب قومي للذات".
من جانبه قال نائب رئيس الحركة الإسلامية الجناح الشمالي، الشيخ كمال خطيب، إن "العنصرية سيطرت على الشارع اليهودي، والحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية عن تشجيع مثل هذه الأعمال وكراهية المسلمين".
وهذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها متطرفون يهود مثل هذه الاعتداءات، ففي العام الماضي أقدم نشطاء من اليمين المتطرف الإسرائيلي على إحراق مسجد في قرية إبطن الواقعة قرب حيفا وكتبوا شعارات ضد العرب والمسلمين على جدرانه.
كما أن هذا لم يكن اعتداء "جباية الثمن" الأخير.
ففي السابع من تشرين الأول 2011، عشية يوم الغفران اليهودي، وبعد خمسة أيام من إحراق مسجد طوبا الزنغرية، اعتدى متطرفون يهود على المقبرة الإسلامية ومقبرة طائفة الروم الأرثوذكس في مدينة يافا وحطموا شواهد قبور وكتبوا شعارات عنصرية. وكسّر المعتدون شواهد 22 قبرا في المقبرة الإسلامية و4 قبور في مقبرة الروم الأرثوذكس وكتبوا عليها "الموت للعرب" و"جباية الثمن".
وندد رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست النائب إبراهيم صرصور "باستمرار الاعتداءات على الأماكن المقدسة الإسلامية التي أصبحت ظاهرة بين الرعاع اليهود الذي يستغلون عجز الشرطة عن إلقاء القبض على المجرمين في عشرات الاعتداءات المشابهة التي وقعت في الماضي".
وقال عضو بلدية تل أبيب - يافا العربي أحمد مشهراوي إنه "يوجد شعور بأن المؤسسة الحاكمة تتغاضى عن هذه الأفعال وعلى الدولة وقادتها التدخل فورا، وإصدار أوامر للجهات المختصة بوضع حد لهذه الأعمال ومطالبة الشرطة باتخاذ الخطوات المطلوبة للكشف عن الجناة".
وفي اليوم التالي نظم سكان مدينة يافا مظاهرة شارك فيها المئات من العرب واليهود احتجاجا على تدنيس المقبرتين. وندد بيريس بهذا الاعتداء أيضا، فيما أعلن ديوان نتنياهو أن الحكومة ستبحث خلال اجتماعها الأسبوعي، في اليوم التالي، الاعتداءات المتكررة على المقدسات العربية.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن مجهولين ألقوا في ساعة متأخرة من مساء يوم 8 تشرين الأول 2011 زجاجة حارقة باتجاه كنيس في يافا من دون أن يتسبب بأضرار أو إصابات، لكن سكان المدينة عبروا عن تخوفهم من تدهور الأوضاع في يافا على خلفية الاعتداء على المقبرتين.
وقال نتنياهو لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي "نشهد في الآونة الأخيرة هجمات على أماكن إسلامية وموقع مسيحي وآخر يهودي، ونحن لسنا مستعدين لأن نتحمل أي أعمال همجية وخصوصا تلك الموجهة ضد مشاعر دينية، ودولة إسرائيل هي دولة تسامح، لكنها لن تتسامح إزاء هذه الأعمال".
وأضاف "إن تسامحنا هو تجاه المشاعر الدينية، وحاجتنا إلى مواصلة العيش بتعايش واحترام متبادل من دون عنف وبحياة هانئة وسلام، وانعدام تسامحنا موجه نحو أولئك الذين يعارضون هذه الأنظمة وطريقة الحياة هذه، وسنعمل بشدة من أجل العثور عليهم. لقد أصدرت تعليمات لقوات الأمن بإحضار المسؤولين (عن الاعتداءات) إلى المحاكمة وسننزل بهم أشد العقوبات التي ينص عليها القانون".
وفي اليوم نفسه تم العثور على كتابات عنصرية في مدينة "بات يام"، الواقعة جنوبي يافا، بينها "الموت للعرب" و"كهانا كان على حق"، في إشارة إلى الحاخام مئير كهانا مؤسس حركة "كاخ" والذي كان يدعو إلى طرد الفلسطينيين من البلاد.
كذلك نددت ليفني بهذه الاعتداءات وقالت إن "جرائم الكراهية خلال الأسبوع الماضي تسبب تدهورا خطرا في المجتمع الإسرائيلي وعلى جهات تطبيق القانون أن تعمل بسرعة من أجل القبض على المسؤولين واستنفاد الحكم معهم بقوة. وعلى القيادة أن تتحدث بصوت واضح وحاد يستنكر ويوضح أن هذه الأنشطة تتعارض مع قيم دولة إسرائيل وحتى مع قيم ديانة من ينفذونها".
اليمين يبرر "جباية الثمن"
في أعقاب اعتداءات "جباية الثمن" داخل الخط الأخضر تم نشر العديد من المقالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وبرز في المقالات التي كتبها كتاب يمينيون تبرير هذه الاعتداءات، وحتى عندما انتقد بعض هذه المقالات "جباية الثمن" فإنه كان يحاول تبرير الاعتداءات.
وانتقد المحامي بوعاز شابيرا، وهو من سكان تل أبيب وليس مستوطنا، في مقال نشره في موقع "القناة 7" الإلكتروني، دعوة "حاخام معروف إلى تسليم الضالعين في هذه الأنشطة ("جباية الثمن")، رغم أنه لم يدع لتسليمهم إلى طغاة ليبرمان وأهارونوفيتش (وزيرا الخارجية والأمن الداخلي من حزب "إسرائيل بيتنا") وإنما إلى المسؤولين عن الأمن في المستوطنات. والمبررات التي يتمسك بها هؤلاء الحاخامون هي مبررات شرعية وأخلاقية، وأنا أقول إن كل هذا غير حقيقي". واعتبر شابيرا أن اعتداءات "جباية الثمن" ألحقت "أضرارا طفيفة فقط".
وسعى شابيرا إلى التشكيك بهوية منفذي اعتداءات "جباية الثمن". وكتب أن "هوية المنفذين غير معروفة... ولا ينبغي أن ننفي أن يد الدائرة اليهودية في الشاباك ضالعة في الأمر وأن الموضوع هو بمثابة لغز. وكل هذا لا ينأى بوسائل الإعلام المعادية عن إصدار الحكم والإشارة إلى متهمين وإصدار إدانة شاملة ضد الشبان الذين تطلق عليهم اسم ’شبيبة التلال’، إذ أن هذا هو المطلوب: مسموح إهدار دماء وتشويه السمعة الطيبة لليهود".
وهاجم شابيرا الانتقادات للمستوطنين المتطرفين بأنهم من خلال اعتداءات "جباية الثمن" إنما "يأخذون القانون بأيديهم". واعتبر أن هناك "سياسيين يفتقرون إلى عمود فقري ويتحدثون عن وجود خطر على الديمقراطية، ورجال قانون منافقين ليس لديهم أي رابطة أو شعور تجاه اليهودية واليهود ويقدسون سلطة القانون فقط".
وأضاف أن "ردود الفعل على جباية الثمن هي الأمر المطلوب في حفلة النفاق والفناء. وكلما كان التنديد أشد، وسامّا أكثر، يحظى بالمديح أكثر. وأولئك الحاخامون لن يطلقوا صرخة احتجاج عندما يقوم مثيرو الشغب العرب بإحراق كنيس أو يعتدون على اليهود أو يخرقون سكينة حياة أشقائنا في القدس. والحاخامون المذكورون يصمتون إزاء تنكيل الطغاة مبعوثي الطغمة الحاكمة بالمستوطنين، وإزاء الكثير من الاعتقالات العبثية والأوامر الإدارية التي تمنع القيام بأنشطة وتبعد (مستوطنين عن الضفة)، وإزاء هدم البيوت - الحصون ليهود طلائعيين والتنكيل بأطفال في الليل كأنهم مخربون من حماس".
واعتبر شابيرا أن "العرب في حوارة والمنطقة يخافون من التعاطي مع ’المجانين’ اليهود من إحدى المستوطنات في المنطقة. وهكذا هو الوضع في الييشوف اليهودي في الخليل. وهذا ردع مبارك من شأنه أن يمنع كوارث مثل المجزرة في إيتمار".
من جانبه وصف الصحافي بن درور يميني اعتداءات "جباية الثمن" بأنها "جهاد يهودي" وأنها "أعمال إرهابية".
وكتب في صحيفة "معاريف"، في 9 تشرين الأول 2011، أنه "مثلما تقول عقيدة حماس واليسار المتطرف (في إسرائيل) بأنه لا يوجد خط أخضر، وأن تل أبيب هي مستوطنة أيضا، فإن الجهاد اليهودي يعتقد الأمر نفسه. لا يوجد خط أخضر. والعمليات العدائية يتم تنفيذها في طوبا الزنغرية ويافا. فلا تقولوا رجاء إن هؤلاء هم أعشاب ضارة، فلهذه الأعشاب ثمة مؤسسات ومعلمون للشريعة اليهودية وميزانية طائلة. وكل ذلك على حساب الدولة".
وأضاف يميني أن "المدرسة الدينية اليهودية ’يوسف حي’ في (مستوطنة) يتسهار، وهي مجرد مثال فقط، تحظى بملايين الشواقل كل سنة من ميزانية الدولة. وحاخام المستوطنة، إذا كان بالإمكان تسميته بالحاخام، وإذا كان بالإمكان تسمية هذه المؤسسة بالمدرسة الدينية اليهودية، هو إسحق شابيرا. ورئيس المؤسسة، وهو الآخر يسمى حاخاما، يدعى إسحق غينزبورغ. وهو الرجل الذي ألف كتاب ’باروخ الرجل’ ووصف السفاح الكبير غولدشتاين بـ ’القديس’"، في إشارة إلى باروخ غولدشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في العام 1994.
وتابع يميني أن "هؤلاء الأشخاص، من التيار الحريدي - القومجي، هم الذين يسقون هذه النباتات الضارة التي تهددنا بالفناء. ولدينا ميل للاستخفاف بهم والقول إنهم جماعة صغيرة. لكن لنفترض أن الحديث يدور على أفراد فعلا، فإن أفرادا مثل هؤلاء، حازمين ومجرمين، قادرون على إشعال الشرق الأوسط برمته... وعذرا على المقارنة، لكن لماذا علينا أن ندعي ضد السلطة الفلسطينية، التي تندد بالإرهاب وتدفع، أيضا، ملايين الشواقل في السنة لقتلة وإرهابيين وتبدو كما لو أنها ضدهم. هذه المسرحية بغيضة عندما تكون في الجانب الآخر. وهي ليست أقل بغضا عندما تكون في جانبنا. صحيح أن هذا ليس نفس الشيء. فهناك يدور الحديث على قتلة، وعندنا عن مجرد مشاغبين. لكن أضرار المشاغبين قد تكون أبعد من كونها محلية. فهم قادرون على جرنا إلى مواجهات في يافا، وإلى انتفاضة أخرى. وكل ما قلقنا من حدوثه في أيلول، ولأسفهم لم يحدث، فإنهم سيهتمون بأن يحدث في تشرين الأول. وهكذا فقد حان الوقت للعمل، ووقف التمويل، وعدم التسامح. وأي حاخام يؤيد هؤلاء المخربين يجب وقف تمويله وتوجيه لائحة اتهام له بممارسة التحريض. وطالما يستمر الكلام المزدوج ليست لدينا أي إمكانية للقول إن كفنا هي الراجحة".
اعتداءات متوقعة
رأى الكاتب السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يونتان يافين، في مقال نشره في الخامس من تشرين الأول 2011، أن اعتداءات "جباية الثمن" متوقعة مسبقا. وكتب "أنا لا أعتزم تصنع السذاجة وكأن حرق مسجد في إسرائيل العنصرية والعنيفة، التي يحكمها فتوات اليمين، هو حدث لا يمكن توقعه. فالتنظيم السري اليهودي لم يعد سريا منذ وقت طويل. بل على العكس، فأعضاؤه المسلحون يتجولون بارتياح في وضح النهار، ويصبون بلواهم على المواطنين والأبرياء الرازحين تحت الاحتلال، وعلى الجنود وأفراد الشرطة أيضا الذين يرسلون لحماية الضحايا".
ودعا يافين إلى "محو تعبير الاندهاش المزيف عن الوجه القومي، ولو كان ذلك لأن التزعزع جراء النتيجة يبدو دائما أقل ذكاء من التزعزع جراء السبب. ونحن لا نحب التحدث عن السبب طبعا. فمريح أكثر أن ننسى وأن ننفي فيما الوضع آخذ في التدهور، وفقط بعد حدوث اعتداءات، نقوم بالتنديد والتزعزع والتعبير عن الاستياء. والمشكلة هي أن جميع تلك الوجوه العابسة، التي تعدنا بأننا لن نرتاح ولن نهدأ حتى يتم إلقاء القبض على ’المسؤولين’، هي في نهاية المطاف المسؤول الحقيقي".
وأضاف يافين، في إشارة إلى إحراق المساجد، أنه "عموما، تعاني المساجد في إسرائيل من علاقات عامة غير جيدة، ويتم ربطها دائما تقريبا بثلاثة مواضيع: خلافات إقليمية، مثل حالة جبل الهيكل (أي الحرم القدسي)؛ الإرهاب، أي التحريض في الخطب؛ وبين حين وآخر شكاوى يقدمها جيران يهود ضد رفع الآذان عبر مكبرات الصوت التي تخترق سماء الفجر... نحن لا نحب المساجد هنا. أي أن مشهدها لطيف وتزين خط السماء في المدن العربية، لكن بشكل عام يخيل لنا أن أمورا ليست جيدة تحدث هناك داخلها، والصراع التاريخي مع شعوب المنطقة لا يشجعنا على نفي ذلك. ونحن نفضل أن نلقي نظرة رومانسية على المآذن في جولات يوم السبت، والتظاهر بقية الوقت بأنها وجمهور مؤمنيها غير موجودين. وعندما يكتب أحد الأغبياء ’جباية ثمن’ على أبوابها، ويكرر ذلك وفي نهاية المطاف يرسل النيران إلى داخلها فإننا ’نتزعزع’".
وأشار الكاتب إلى "أننا لا نتزعزع من الحريق وإنما خوفا من تبعاته، من أحداث أكتوبر ثانية (في إشارة إلى هبة أكتوبر 2000). وإذا كان هناك تزعزع، فإنه من أنفسنا، ومن التفسخ الذي التصق بصورتنا القومية ويسيّرنا منذ عقود كثيرة على نغمات ناي غيبي في اتجاه كارثة زاحفة. وبشكل خاص نحن لا نتزعزع من حرق مسجد مثلما نتزعزع من حرق كنيس قبل سبعين عاما، ومن النازيين الذين ربيناهم بيننا وباتوا معسكرا كاملا".
من جانبه أشار محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ميلمان، إلى أن جهاز الشاباك لا يتعامل مع المتطرفين اليهود المشتبه بارتكابهم أعمالا إرهابية مثلما يتعامل مع المشتبه بهم العرب، وإنما يغض النظر عن اليهود.
وكتب في مقال نشره في العاشر من تشرين الأول 2011 أن "هناك ثلاثة شبان معتقلون في سجن في إسرائيل: قاصران فلسطينيان مسلمان، وإسرائيلي يهودي واحد. الفلسطينيان متهمان بقتل مستوطن يهودي. أما الإسرائيلي فمتهم بإحراق المسجد في القرية البدوية طوبا الزنغرية. يوجد بالطبع فارق جوهري بارز وجلي بين الحالتين: فالفلسطينيان متهمان بأنهما رشقا سيارة بالحجارة، ونتيجة لذلك قُتل آشر بالمر وابنه الطفل يونتان. بينما الإسرائيلي متهم بإحراق مسجد انتهى بإلحاق ضرر بالمبنى وبالمصاحف، لكن بدون ضحايا".
وأضاف "مع ذلك يوجد فرق آخر خفي أيضا يتعلق بالشاباك المسؤول عن التحقيقين. فقد نجح الشاباك في حالة القاصرين الفلسطينيين في أن يحصل سريعا جدا على المعلومات الاستخباراتية المطلوبة للعثور على المشتبه بهما واعتقالهما. وفي التحقيق، وبمساعدة الطرق المعروفة، نجح رجاله في انتزاع اعترافات من المشتبه بهما اللذين اعترفا بالفعل. ولا شك في أن هذا هو نجاح آخر مدهش لـلشاباك. وفيما يتعلق بالشاب المستوطن من يتسهار، الذي يعتبر ممن يسمون ’شبيبة التلال’، فقد حدث الاعتقال صدفة وليس على يد الشاباك. فهذا الأخير لا يمارس ضد المشتبه الإسرائيلي أساليب التحقيق الخاصة، ولو فعل لاستطاع أن يمنعه من التقاء محام، لكن هذا لم يحدث. فقد نصح المحامي موكله بالحفاظ على حق الصمت الآن على الأقل".
ورأى ميلمان أن "هذه التفاصيل هي التي تؤدي إلى الفارق الكبير. فـالشاباك ينجح مرة تلو أخرى في إحباط وحل ألغاز عمليات ’إرهاب’ للفلسطينيين في الضفة الغربية ولعرب من مواطني إسرائيل أيضا، لكنه يفشل المرة تلو الأخرى في مهمته إزاء التنظيمات السرية اليهودية، وأعمال التنكيل وعمليات الإرهاب اليهودية. كان المسجد في طوبا الزنغرية هو الرابع الذي تم إحراقه. وسبقته عمليات إحراق في إبطن في الجليل الغربي وفي قرى في الضفة الغربية. وفي نهاية الأسبوع تم تدنيس المقابر في يافا. إن من يحرق المساجد ويدنس القبور لا يقصد الانتقام فقط بل يريد أن يتحرش بهدف إشعال حرب دينية".
وأردف "لذلك، فإن إخفاقات الشاباك المتكررة لحل لغز الإرهاب اليهودي هي إخفاقات مقلقة وتعرّض النظام في إسرائيل للخطر. والجهاز يعلم هذا جيدا. إنه يواجه الظاهرة التي مصدرها المتطرفون المتدينون بين المستوطنين منذ ثلاثة عقود. بعد عمليات التنظيم الإرهابي اليهودي التي كانت موجهة ضد رؤساء بلديات في الضفة في بداية الثمانينيات من القرن الفائت زعمت مجلة تايم الأميركية أن رئيس الشاباك آنذاك، أبراهام أحيطوف، لا يبادر إلى التحقيق في العمليات وحل ألغازها كي لا يُغضب رئيس الحكومة مناحيم بيغن. وأثار النبأ ردة فعل غاضبة في إسرائيل وتم نفيه. وبعد مرور ثلاثة أعوام نجح الشاباك في اعتقال أعضاء التنظيم الذين خططوا أيضا لتفجير حافلات أولاد ومسجدي جبل الهيكل. وحُكم عليهم بفترات سجن طويلة وأُفرج عنهم بعد أن أمضوا مدة قصيرة نسبيا".
وشدّد ميلمان على أن "هذا هو إخفاق للمؤسسة. ويحظى المعتدون في إسرائيل بتسامح القضاة الذين يقللون من قدر أعمالهم ويفرجون عنهم أو يحكمون عليهم بعقوبات طفيفة، ويحظون بعجز الشرطة والجيش الإسرائيلي المتعمد على ما يبدو. وتساهم الصحف اليهودية الإسرائيلية أيضا بأن تتبنى مغسلة كلام المستوطنين الذين يسمون هذه الأعمال ’جباية الثمن’، وكأن الحديث يدور على منتوج في حانوت. يجب أن نقول الحقيقة وهي أن ما يفعله المستوطنون بجيرانهم الفلسطينيين هو إرهاب بكل ما في الكلمة من معنى".
ولفت إلى أنه "في جميع أعوام محاربة الشاباك للإرهاب اليهودي زعم القادة الكبار لهذا الجهاز أن هناك صعوبة في التغلغل إلى صفوف المجموعات القومية من المتطرفين المتدينين اليهود لأنها شديدة السرية وتستعد لمواجهة التحقيقات. وهذه مجرد ذرائع. إن حزب الله وحماس أيضا هما منظمتان مكونتان من متطرفين متدينين. وهما أيضا تدرسان العدو. ومع ذلك كله ينجح الشاباك والجهات الاستخباراتية في التغلغل فيهما والحصول على معلومات دقيقة. إن رؤساء الشاباك الثلاثة في العقد الأخير - آفي ديختر ويوفال ديسكين والحالي يورام كوهين- هم خريجو سرية هيئة الأركان العامة (سييرت متكـال)، ومن المؤكد أنهم لم ينسوا العبارة القائلة: ليس هناك لا أستطيع، وإنما لا أريد"!.