تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

مدخل

يبدو في الظاهر كما لو أن إسرائيل رحّلت، بحلول نهاية العام 2009، ملفاتها الأمنية والعسكرية والسياسية إلى العام الجديد، 2010، غير أنها في واقع الأمر عملت طوال العام الماضي على صيانة ما حققته من وراء الحرب على غزة وحرب لبنان الثانية (في صيف 2006)، وهو ما تصفه إسرائيل بـ "الردع". وينبغي القول منذ البداية إن القيادة الأمنية والعسكرية تجمع على أن حالة "الردع" مقابل حماس وحزب الله ليست مستقرة، وذلك في ضوء التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تزايد قوة الحركتين بدعم من إيران وسورية، وخاصة وجود صواريخ تغطي كافة أرجاء إسرائيل في حيازتهما.

إعداد وحدة "المشهد الإسرائيلي"

كذلك فإن إسرائيل عملت، خلال العام 2009، على صيانة موقفها ونشاطاتها ضد إيران وبرنامجها النووي. واستمر قادتها في إطلاق التصريحات المطالبة بفرض عقوبات مشددة على إيران، فيما شرعت الدول العظمى الخمسة وألمانيا في حوار مع إيران بشأن برنامجها النووي. كما استمرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في جمع المعلومات حول البرنامج النووي ومتابعة الخطوات الغربية مع إيران. وحاولت إسرائيل، مع دول غربية أخرى، استغلال المظاهرات التي انطلقت في إيران احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية. وقد بدا أن هذه المحاولات كانت حذرة للغاية، على خلفية تقديرات لدى الاستخبارات الإسرائيلية والغربية تفيد بأن الموضوع النووي يوحد الإيرانيين، سواء أكانوا مؤيدين للنظام أو معارضين له.

عمومًا تميز العام 2009 فيما يتعلق بإسرائيل بحدثين مهمين أساسيين: الأول هو الحرب على غزة، التي انتهت في أول شهر منه، والثاني هو الانتخابات العامة، التي جرت في العاشر من شباط وأسفرت عن وصول حكومة يمينية إلى سدة الحكم برئاسة زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، ومشاركة أحزاب اليمين واليمين المتطرف وحزب العمل. وأدت الحرب على غزة إلى توقف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، من جهة، فيما تمنّعت الحكومة اليمينية الجديدة عن توفير الأسباب المطلوبة لاستئناف هذه المفاوضات، من الجهة الأخرى.

ومع انطلاق العام الجديد يبدو أن حكومة نتنياهو نجحت، حتى الآن، في الصمود أمام ضغوط كبيرة جدا، مورست عليها من جانب الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي المركزية وبريطانيا، وكان فحواها المطالبة بتجميد أعمال البناء في المستوطنات كلها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقام نتنياهو، عشية نهاية العام الماضي، بمناورة جديدة تمثلت في إعلانه، يوم 26 تشرين الثاني 2009، تعليق أعمال بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، لا تشمل بناء أكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة، بادعاء الشروع في بنائها قبل قرار التعليق. وبحسب التقارير الإسرائيلية فإن حجم أعمال البناء في هذه المستوطنات لا يقل عن حجم البناء فيها خلال الأعوام السابقة. لكن في موازاة ذلك تم تكثيف البناء في مستوطنات القدس الشرقية وإخراج مخططات إنشاء البؤر الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية من أدراج بلدية القدس وأذرعها الاستيطانية.

وبين الحرب على غزة في مطلع العام الفائت وتكثيف الاستيطان في القدس المحتلة في نهايته، لم يفوّت قادة إسرائيل فرصة واحدة للحديث عن السلام والحرب في الآن نفسه. ودعا نتنياهو في مناسبات عديدة إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنه رفض مطلب السلطة الفلسطينية تجميد الاستيطان بصورة مطلقة، واعتبره "شرطا مسبقا". كذلك وجه رسائل إلى سورية لاستئناف محادثات السلام معها، رافضا التعهد بالانسحاب من هضبة الجولان. وفي غضون ذلك صعدت إسرائيل، بعد الحرب على غزة، الأزمة في علاقاتها مع تركيا، التي كانت تعتبر الحليف الإستراتيجي لها.

عناصـر المنظور الأمني الإسرائيلي للعام 2010،

وفقًا لمصدر عسكري رفيع المستوى

صاغت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمـان)، في نهاية العام الماضي، منظورها الأمني للعام 2010، وقد تم إطلاع هيئات أمنية وسياسية عليه مؤخرا.

وقال مصدر عسكري إسرائيلي رسمي رفيع المستوى، طلب عدم ذكر هويته، إن هناك أربعة عناصر مركزية في المنظور الأمني الإسرائيلي للعام 2010. وهي متعلقة بإيران ومشروعها النووي، وبسياسة الإدارة الأميركية إزاء الشرق الأوسط، وبتسلح الجهات الراديكالية في المنطقة، وبالموضوع الفلسطيني على كافة أوجهه.

وأوضح المصدر نفسه أن المعسكر الراديكالي، أي إيران وسورية وحزب الله وحماس، "يشعر بأن قوته تتزايد على حساب الدول العربية المعتدلة. ولذا فإن إسرائيل تولي أهمية بالغة لمسألة جهوزية الجيش وحالة التأهب الأمني بصورة عامة وانعكاسات ذلك على المنطقة". لكنه لفت إلى "أننا نعتقد أن إيران تتحدث عن امتلاكها قدرات، لكنها في الواقع لا تملكها حتى الآن".

وتطرق المصدر الرسمي إلى تأثير الحرب على غزة على المنطقة مشددا على أن "انعكاسات عملية الرصاص المصبوب العسكرية والردع الذي حققته إسرائيل من خلالها لا تنحصر في قطاع غزة فقط وإنما تؤثر على المعسكر الراديكالي كله، لأن جميع الجهات في المنطقة تابعت ما حدث خلال الحرب في غزة وشاهدت كيف حقق الجيش الإسرائيلي الأهداف وبث رسالة رادعة أدت إلى أن يسود الهدوء في جبهاتنا الأخرى".

وأكد على أن العام 2009 كان أحد أكثر الأعوام هدوءا بالنسبة لإسرائيل "ونحن نعزو ذلك إلى الردع الإسرائيلي الذي تم تحقيقه في حرب لبنان الثانية وعملية الرصاص المصبوب". وأورد مثالا على ذلك بقوله إن "حزب الله لم يطلق رصاصة واحدة في اتجاه إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية، بينما كان قبل الحرب يقوم بتنفيذ عمليات كل ثلاثة أشهر بالمعدل".

ووفقا للمصدر ذاته فإن "حزب الله تلقى ضربات شديدة خلال العام أو العامين الماضيين، بما في ذلك خلال الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في لبنان"، لكنه رفض القول فيما إذا كان يشير أيضا بكلامه إلى اغتيال القيادي العسكري في الحزب، عماد مغنية، في دمشق في شباط العام 2008. وأضاف أن "حقيقة استمرار وجود (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله في مخبأ سريّ يعني أن الردع الإسرائيلي ما زال فعالا وكبيرا".

والعنصر المركزي الثاني في المنظور الأمني الإسرائيلي يتعلق بالسياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في منطقة الشرق الأوسط، ومتابعة جهاز الأمن الإسرائيلي لكيفية تطبيق هذه السياسة في المنطقة. وقال المصدر العسكري بهذا الخصوص إن "أوباما لم يعلن عن سياسته تجاه الشرق الأوسط، وبحسب تقديرنا فإنه سيعلن عن ذلك خلال العام الحالي".

وفيما يتعلق بالعنصر المركزي الثالث، وهو "تسلح الجهات الراديكالية بواسطة إيران وسورية"، في إشارة إلى حزب الله وحماس خصوصا، قال المصدر إن حزب الله جمع كميات كبيرة من الأسلحة "وخزّن قسما منها في مناطق تقع جنوب نهر الليطاني، فيما خزّن الغالبية العظمى من هذه الأسلحة في مناطق تقع شمال الليطاني". وكذلك الأمر بالنسبة لحماس، حيث قال المصدر إن "حماس عبأت مخازنها بالأسلحة وحتى أن مخزونها أصبح أكبر مما كان عليه قبل الرصاص المصبوب". وأشار إلى "أهمية النشاط الذي تمارسه مصر في منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ومشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبية في منع تهريب الأسلحة إلى حزب الله".

أخيرًا قال المصدر إن العنصر المركزي الرابع، الذي يشغل بال جهاز الأمن في إسرائيل، هو متابعة الوضع في الأراضي الفلسطينية في جميع المجالات، وبينها المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حماس وفتح، والتغييرات في قوة الحركتين وشعبيتهما بين الفلسطينيين، ومصير الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وما إذا كان سيقدم على الاستقالة أم لا.

عام هادئ وتراجع

شرعية إسرائيل

قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء عاموس يادلين، إن فصل الشتاء الحالي هو الأهدأ أمنيا، الذي مر على إسرائيل منذ عشرات السنين، وعزا ذلك إلى تعزيز قدرة الردع الإسرائيلية في أعقاب حرب لبنان الثانية والحرب على غزة.

وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن يادلين قوله خلال ندوة لإجمال العام الفائت عقدها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب [في 15.12.2009] إنه "في شتاء العام 2009 لم يقتل أي جندي أو أي إسرائيلي في عمليات إرهابية. وهذه ظاهرة لم نشهد مثلها في العقود الأخيرة".

ورأى يادلين أن مصدر الهدوء يعود إلى عدة أسباب بينها "الردع الإسرائيلي والثمن الذي تم جبايته من حزب الله في حرب لبنان الثانية ومن حماس في عملية الرصاص المصبوب". وشدّد على أن "الردع قوي لكن يصعب توقع سريانه في المستقبل". وأضاف أن "للعدو اليوم اعتبارات

الربح والخسارة، وهو يقوم بفحص الفائدة من شن هجمات ضدنا والاستعداد للمخاطرة. لكن على الرغم من ذلك فإنه لا ينبغي ربط الهدوء بالردع فقط، فالجبهات هادئة أيضا لأن الأعداء يستغلون الهدوء وينشغلون ليل نهار في التسلح، ولسورية وإيران وحزب الله القدرة على تهديد وسط إسرائيل بالنيران (أي الصواريخ) وأعداؤنا لا يستريحون للحظة".

وانتقد يادلين انفتاح المجتمع الإسرائيلي فيما يتعلق بالنقاش حول قدراته. وقال إنه "بواسطة النقاش حول نقاط الضعف والقوة نمنح أفضلية ملموسة وهامة لقدرة المحور الراديكالي على المعرفة. ولذلك فإننا مطالبون بإجراء توازن بواسطة المعرفة المضادة".

وتطرق يادلين إلى شرعية إسرائيل في المجتمع الدولي ورأى أن العالم يرغب دائما في الوقوف إلى جانب الضعيف وأن كون "إسرائيل لا تعاني في الفترة الأخيرة من عمليات إرهابية يدفع العالم إلى دعم الجانب الثاني".

وأضاف أن ثمة مثالا آخر لتراجع إسرائيل في ميزان الشرعية وهو تحسن مكانة سورية، حيث أن الرئيس السوري بشار الأسد "يستضيف كل أسبوع وزراء خارجية من أوروبا وأعضاء من الكونغرس الأميركي، الذين يشكرونه على عدم تدخله في الانتخابات في لبنان، لكن من يعرف عمل المخابرات يدرك جيدا أن الأسد تدخل بالمال والتهديدات، وفيما هو يستضيف أعضاء الكونغرس من الباب الأمامي فإن (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) خالد مشعل وآخرين يهربون من الباب الخلفي بعد التوصل إلى تفاهمات".

إيران

كذلك تطرّق يادلين إلى البرنامج النووي الإيراني وقال إن "إيران تطور برنامجها النووي من خلال إستراتيجيا مدروسة وذكية وأنشأت بنية تحتية نووية متشعبة، فقد وزعت برنامجها النووي على عدة مواقع مكشوفة وسرية ومدنية وعسكرية، ومن المناسب استخدام موقع قم، الذي شكل إشارة تحذير لمن اعتقد أن الحديث يدور على برنامج مدني وبهدف إنتاج الطاقة. وفي العام 2009 جمعت (إيران) كمية من المواد كافية لصنع قنبلة كاملة".

وفيما يتعلق بالوضع الداخلي في إيران قال يادلين إن "الأخبار السيئة هي أن النظام الإيراني في الوقت الحالي نجح في وقف الاحتجاجات، ولا يوجد لأعمال الاحتجاج (داخل إيران) زعيم كلاسيكي قادر على التسبب بانهيار النظام لأن قادة حركة الاحتجاج ما زالوا جزءا من النظام، بينما الأخبار الجيدة هي أنه انفتحت شقوق في إيران وتداعى ادعاء النظام بأنه نظام رائع". وبحسب يادلين فإنه "بعد تزوير الانتخابات وقمع المظاهرات لم يعد هناك من يمكنه الاقتناع برواية الثورة النظيفة".

وخلص إلى أن "أعداءنا يسعون إلى وضع تحد أمام تفوّق الجيش الإسرائيلي في الجو والمخابرات والسلاح الدقيق، ويحاولون تهديد قدراتنا. وقدرات العدو ما زالت بعيدة عن قدرات الجيش الإسرائيلي، والتحدي كامن في الحفاظ على هذه الفجوة".

وكان يادلين قد استبعد، في اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عقد في 12 أيار الماضي، احتمال نشوب حرب خلال العام الحالي، ووصفه بأنه "احتمال ضئيل". لكنه كرر أن إيران باتت قريبة من حيازة قدرة نووية عسكرية وأن الوضع ابتداء من العام 2010 سيكون "مصيريا".

لكن تبين أن تقديرات وتحليلات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ليست دقيقة، وأحيانا ليست صحيحة أيضا، وتدل على افتقار كبير إلى المعلومات. فقد قال يادلين، في اجتماع اللجنة البرلمانية نفسه، وكان ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إنه "حتى لو خسر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر حزيران، فإنه لا يتوقع حدوث تغيير في السياسة النووية الإيرانية، لأن كل واحد من المرشحين للرئاسة الإيرانية مقبول من الزعامة الروحية الدينية الإيرانية". لكن اتضح خلال الأحداث التي تلت الانتخابات أن المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، لا يؤيد المرشح الأقوى الذي نافس أحمدي نجاد، وهو علي موسوي، الذي اضطر مؤخرا إلى الهرب من طهران.

وأجرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تقويمات للوضع في إيران نتجت عنها تقديرات بأن النظام الإيراني مستقر وأنه من غير المتوقع سقوطه في أعقاب احتجاجات المعارضة الواسعة النطاق لكن قد تكون انعكاسات لهذه الاحتجاجات في المستقبل البعيد.

وبحسب تقديرات الموساد، التي تم نشرها بعد الانتخابات الرئاسية، فإن النظام الإيراني بقيادة خامنئي ارتكب خطأين بالغين مؤخرا. وكان الخطأ الأول هو السماح للرئيس أحمدي نجاد بمهاجمة جهات قوية في النظام، وخصوصا الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، والإساءة البالغة إلى سمعته الطيبة وسمعة عائلته. وأضافت التقديرات الإسرائيلية أن الخطأ الثاني كان تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية، أو على الأقل التصرف بشكل أثار الانطباع لدى مواطنين كثيرين وكأنه تم تزوير نتائج الانتخابات.

وتابعت الاستخبارات الإسرائيلية أن هذين الخطأين، بالإضافة إلى أن ولاية أحمدي نجاد الرئاسية السابقة لم تؤد إلى تحسن الوضع الاقتصادي في السنوات الماضية، وإلى تراجع حرية التعبير عن الرأي خلال ولايته- كل هذا أدى إلى انفجار الأوضاع الحاصل الآن في إيران.

ويرى الموساد أنه يوجد لمنصب الرئيس تأثير علني بالغ في القضايا الداخلية لكن تأثيره على الموضوع النووي ودعم منظمات مثل حزب الله وحماس ليس كبيرا. وأضاف أنه على ضوء سيطرة النظام الكاملة على أجهزة الأمن والاستخبارات من مكتب خامنئي والخطوات الشديدة والسريعة التي اتخذها النظام ضد المتظاهرين فإن التقديرات في إسرائيل هي أن النظام ما زال مستقرا ولا يوجد خطر عليه في المستقبل القريب.

من جانبه طالب رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي [في شهر تموز الماضي] قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالتواضع فيما يتعلق بالتقديرات التي يتنبأون من خلالها بمستقبل المظاهرات والاحتجاجات الجارية في إيران على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية. وقال هنغبي إن "على الجهات التي تُعدّ التقديرات والدراسات في أجهزة الاستخبارات في إسرائيل إبداء قدر بالغ من التواضع والتوضيح لقيادة الدولة أنه ليس بمقدورهم تنبؤ المستقبل".

وأضاف هنغبي أنه "لا يوجد في إسرائيل أو في العالم كله جهة استخباراتية قادرة على تنبؤ تطور الدراما الإيرانية بصورة مهنية وكل ما يمكن فعله هو رسم سلسلة سيناريوهات محتملة وتحليل احتمالات تحققها". وتابع أنه "يجب أن ندرك أنه حتى النظام الإيراني نفسه، الذي يُنشط عددا كبيرا من العملاء والمتعاونين في أنحاء إيران، لم يتوقع أن الاحتجاجات في أعقاب الانتخابات ستكون بهذا الحجم الواسع، وليس لدى القيادة الإيرانية حتى الآن طريقة نافعة للتأثير على الأحداث بصورة تضمن نهايتها الأكيدة".

ومع نهاية العام الفائت، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، إن المنشأة النووية الإيرانية في مدينة قم محصنة من قصف عادي وإن حربا مع حماس أو حزب الله أو كليهما معا هي أمر وارد في العام 2010 ورأى أن مكانة إسرائيل قوية وتمكنها من التوصل إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وقال باراك خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست [في 28.12.2009] إن "الموقع في قم موجود في ملجأ تحت سطح الأرض وهو محصن من قصف عادي".

وأضاف أن "ما تم كشفه الآن من قبل الإيرانيين نابع من قرار اتخذوه هم، وهذا موقع تم بناؤه طوال أعوام" فيما التقارير الإسرائيلية كانت قد تحدثت في الفترة الأخيرة عن أن إيران أقدمت على الإعلان عن وجود المنشأة في قم في أعقاب اكتشافها من جانب أجهزة مخابرات غربية. وقال باراك أيضا إن "مشروع تخصيب اليورانيوم" مستمر في المنشآت النووية الإيرانية، وأبدى أسفه لأن المجتمع الدولي لم يدعم المتظاهرين المعارضين في إيران بالشكل الكافي، وقال إنه "ليس مريحا رؤية رد فعل العالم الحر على النشاطات هناك... وما يجري هناك هو أن النظام يدوس على المواطنين، في حين أن المتظاهرين يبحثون عن حياة طبيعية وانفتاح وحسب وأنا أعتقد أن العالم الحر لا يعمل ما فيه الكفاية".

ولخص باراك الوضع الأمني خلال العام المنتهي بالقول إن "العام 2009 كان من الأعوام الأكثر هدوءا في جميع الجبهات، وعلى الرغم من الهدوء فإننا ندخل العام 2010، مع إمكان حدوث نشاطات مكثفة". وأردف أن "إسرائيل قوية ورادعة جدا، لكن فرضية العمل لدى الجميع هي أن المواجهة (العسكرية) محتملة ولا يجوز تجاهل حقيقة التهديد إلى جانب الهدوء، ومن شأن عملية إرهابية كبيرة ليس مهما مصدرها أن تستبدل الهدوء بمواجهة عنيفة مع حزب الله أو حماس أو كليهما معا".

حماس

تشير التقديرات في إسرائيل إلى احتمال تجدّد الحرب على غزة، لا سيما بعدما أعلن يادلين خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست [في 3.11.2009] أن حماس أجرت تجربة على إطلاق صاروخ بمدى 60 كيلومترا يشكل خطرا على وسط إسرائيل وخصوصا مدينة تل أبيب.

ووفقا للمعلومات، التي أدلى بها يادلين خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن، فإن حماس أجرت تجربة على صاروخ طويل المدى، في نهاية شهر تشرين الأول الماضي، وقادر على الوصول إلى تل أبيب. وأضاف أن حماس أعادت جمع كمية من الصواريخ التي كانت فقدتها خلال الحرب على غزة، وأن مخزون الصواريخ الحالي أكبر مما كان عليه قبيل نشوب الحرب على غزة، وأن بحوزة حماس أكثر من 1000 صاروخ قسام يصل مداها إلى 20 كيلومترا وحوالي 200 صاروخ غراد يصل مداها إلى 40 كيلومترا.

وكتب المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، المقرب من قيادة الجيش الإسرائيلي [يديعوت أحرونوت - 4.11.2009]، أن "القيادة الأمنية (في إسرائيل) لا تسأل ما إذا كانت ستقع مواجهة عسكرية أخرى مع حماس في قطاع غزة وإنما متى ستقع؟... والعد التنازلي بدأ قبل أسبوع عندما أجرت حماس، تحت غطاء الأحوال الجوية العاصفة، تجربة أولى على صاروخ إيراني طويل المدى [نسبيا]، تم إطلاقه من شاطئ غزة. وقد حلق الصاروخ مسافة 60 كيلومترا". ورأى أن "إطلاق هذا الصاروخ يشكل علامة فارقة. ومنذ هذه اللحظة خرجت المواجهة بين إسرائيل وحماس من غلاف غزة (أي البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة) ووصلت إلى وسط إسرائيل. وبذلك تكون حماس قد طبقت إحدى العبر المركزية التي استخلصتها من عملية ’الرصاص المصبوب’".

وأضاف فيشمان أن "قادة حماس توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه طالما لا يوجد في أيديهم صواريخ تهدد تل أبيب، فإنه لن يكون لديهم أية ورقة حقيقية يؤثرون بواسطتها على الرأي العام في إسرائيل، وتردع الحكومة والجيش الإسرائيلي بشكل حقيقي". وأشار إلى أنه "في اللحظة التي تصبح فيها منظومة الصواريخ الطويلة المدى التي بحوزة حماس جاهزة للاستعمال فإن المواجهة ستكون مسألة وقت لا أكثر".

وعدد فيشمان الأسباب التي قد تؤدي إلى تجدد الحرب على غزة، وأولها احتمال تفجر الحوار بين الدول العظمى وإيران، معتبرا أنه في هذه الحالة ستكون لدى الإيرانيين مصلحة في إشعال الجبهة بين إسرائيل وقطاع غزة، بهدف صرف أنظار العالم عنها. ويتعلق السبب الثاني بتقديرات إسرائيل أن حماس ستحاول إفشال الانتخابات الفلسطينية، في حال إجرائها، بواسطة مواجهة عسكرية. والسبب الثالث يتعلق باستمرار الجمود في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين ونشوء صعوبات تمنع التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس، الأمر الذي من شأنه أن يثير حالة غليان تؤدي إلى اشتعال الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأشار إلى أنه وفقا للتقديرات الإسرائيلية فإن حماس ستستكمل استعداداتها العسكرية المطلوبة للوقوف أمام الجيش الإسرائيلي.

من جانبه أشار المحلل العسكري في صحيفة معاريف، عوفر شيلح، [معاريف 4.11.2009] إلى أن حماس أجرت تجربة على قذيفة صاروخية يصل مداها إلى 60 كيلومترا وليس على صاروخ، لأن القذيفة الصاروخية لا يتم توجيهها عن بعد مثل الصاروخ. وأضاف أن أهمية هذه القذيفة الصاروخية لا يتعلق بمداها الطويل فقط وإنما أيضًا بقدرتها على حمل رأس متفجر بزنة عشرات الكيلوغرامات. وهي شبيهة بصواريخ "فجر 5" التي بحوزة حزب الله وقادرة على حمل 90 كيلوغراما من المتفجرات، ولذلك فإن الأضرار التي تحدثها أكبر كثيرًا من الأضرار التي تحدثها صواريخ قسام.

ورأى شيلح أن الأمر الأهم الذي يدل عليه الكشف عن تجربة القذيفة الصاروخية الجديدة في هذه المرحلة، هو أن قدرة حماس على تهريب الأسلحة تعززت، على الرغم من أن إسرائيل تراقب قطاع غزة من البر والبحر والجو، ورغم مراقبة مصر للحدود مع القطاع بشكل أشد مما كان في الماضي، لكن حماس تمكنت من تهريب سلاح زنته طن.

وخلص شيلح إلى أنه "كما هي الحال في لبنان، فإنه يتضح مرة أخرى أنه لا توجد طريقة لوقف توريد الأسلحة بكمية ونوعية أعلى مما كان في الماضي. ولمن نسي فإن الأسلحة دخلت إلى قطاع غزة تحت سمعنا وبصرنا أيضا، عندما كانت إسرائيل تسيطر على محور فيلادلفي".

انتفاضة ثالثة؟

يتوجس الإسرائيليون من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. وفي كل مرة تقع فيها عملية إطلاق نار في الضفة الغربية، رغم أن هذه العمليات كانت نادرة خلال العام الماضي، يتجدد حديث المحللين عن احتمالات اندلاع انتفاضة. غير أن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يوفال ديسكين، استبعد، مؤخرا، احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. لكنه قال مستدركا إن هذا ربمـا يحدث في حال اعتداء جماعات يهودية متطرفة على المسجد الأقصى أو إحراق مساجد.

وقال ديسكين، خلال مشاركته في اجتماع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست [في 29.12.2009]، إن "احتمال أن يصلوا [أي الفلسطينيين] إلى ما كانوا عليه في العام 2000 هو احتمال ضئيل". وأردف أنه "في حال وقوع حدث دراماتيكي فإن ذلك سيشجع الإرهاب".

وأعطى مثالا على شكل "استفزاز مثل اعتداء في جبل الهيكل [أي الحرم القدسي] وإحراق مساجد".

وأضاف ديسكين "إني لا أرى وجود رغبة لدى الجمهور الفلسطيني في العودة إلى موجة الإرهاب مثلما حدث في العام 2000. لكن ربما تتجدّد هذه الرغبة على مدى أطول وما بعد العام 2010 وفي حال تم استبدال أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] بزعيم آخر مثل [القيادي في حركة فتح الأسير مروان] البرغوثي، مع ماض في النشاط الإرهابي، وفي حال إطلاق سراح عدد كبير من أسرى حماس إلى مناطق يهودا والسامرة [أي الضفة الغربية] بحيث سيتمكنون من إعادة بناء القواعد الإرهابية". وشدد على أنه "في ظل غياب عملية سياسية، ووجود شعور بانعدام مخرج من الوضع الحالي، فإن من شأن ذلك كله بكل تأكيد أن يشجع على العودة إلى نشاط إرهابي مثلما عهدنا في الماضي".

وقال ديسكين ردا على سؤال حول المرشحين المحتملين لخلافة عباس إن "البرغوثي موجود في السجن الإسرائيلي، ونحن الذين تسببنا بأن يكون مرشحا جديا... وإذا لم ’نقلق’ بهذا الأمر فإنه سيكون مثل أي أسير آخر، والأمر متعلق بنا". وأضاف أن "صوره مع الأصفاد رافعا يديه تساعد على جعله أسيرا مهما. والحقيقة هي أن السلطة الفلسطينية تتدبر أمرها بدونه... وللبرغوثي ماض إرهابي وهو بكل تأكيد يضلل عددا كبيرا جدا من الإسرائيليين".

وفيما يتعلق بالوضع الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة قال ديسكين إنه "في العام المنتهي طرأ انخفاض على حجم العمليات في الضفة والقطاع. وسبب انخفاضها في غزة هو عملية ’الرصاص المصبوب’ العسكرية. وتم تسجيل انخفاض في إطلاق الصواريخ وهذا العام لم تسجل عمليات انتحارية خرجت إلى حيز التنفيذ، فقد تم إحباطها". وأضاف "إننا نلاحظ فيما يتعلق بقطاع غزة نشاطا حثيثا في ترميم قدرات حماس وتهريب أسلحة عبر الأنفاق. ونلاحظ اتساع الجهاد العالمي في القطاع من خلال ضمهم إلى تنظيمات مارقة".

وقال ديسكين إن "حماس قلقة من تزايد قوة الجهاد العالمي في القطاع. لكن حركات الجهاد العالمي تحظى بشعبية بين الجيل الشاب في القطاع، وقد نجح الشاباك هذا العام في معالجة أمر أموال الإرهاب". وأضاف أن "الجهاد وحماس يواصلان زيادة قوتهما. فحماس تلقت ضربة خلال ’الرصاص المصبوب’، وهي الآن تحافظ على الهدوء. لكن لا شيء مضمونا في المستقبل".

وقال إن "قدرات حماس اليوم أفضل مما كانت عليه عشية العملية العسكرية، وكذلك في مجال القدرة على تهريب السلاح والمنظومة الدفاعية داخل القطاع". واعتبر ديسكين أن "حماس لا تسعى للانتصار على إسرائيل، والنصر بالنسبة لها هو عدد الصواريخ التي تطلقها والضرر الذي ستلحقه. وفي العام 2010 ستواصل المنظمات الإرهابية جهودها لزيادة قوتها وتهريب الأسلحة وهي تبذل جهدا لتهريب صواريخ يزيد مداها عن 50 كيلومترا إلى القطاع إضافة إلى القذائف المضادة للطائرات والدبابات".

وفيما يتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين قال ديسكين إنه "سيكون صعبا للغاية على إسرائيل تطبيق اتفاق سياسي في حال التوصل إليه طالما لا تتم مصالحة بين حماس وفتح، وحتى الآن لا أنجح في رؤية إمكان حدوث مصالحة بين حماس وفتح".

وأضاف "أنا لا أرى وضعا تعود فيه السلطة الفلسطينية إلى غزة بموافقة حماس بل على العكس قد تعود حماس إلى الضفة بموافقة السلطة. إن العزلة بين القطاع والضفة هي أمر جيد بالنسبة لنا من الناحية الأمنية. وفي حال الربط مجددا بين الضفة والقطاع، فإن هذا سيكون بمثابة خطأ أمني فادح وخطر، ففي ظل ربط كهذا ستتوفر إمكانية لإعادة بناء قواعد الإرهاب التي تشن هجمات على دولة إسرائيل".

تطورات سياسية

تطرق يادلين خلال ندوة "معهد دراسات الأمن القومي" المذكورة إلى تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، حول بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقال يادلين إن إسرائيل تقف أمام تحد يتمثل بوجود كيانين فلسطينيين "وتتطور هناك فكرة جديدة وهي التقدم الأحادي الجانب. ولا يدور الحديث على إعلان أحادي الجانب عن دولة، وإنما على توجه يقول إنه لا يمكن التوصل إلى تسوية مع إسرائيل ويجب فرض أفكارنا عليها قبل المفاوضات". وأضاف أنه "بالإمكان تشبيه هذا بالنموذج السوري، الذي يطالب إسرائيل بالموافقة على حل قبل المفاوضات، وليس في نهايتها. وهناك جهود أخرى [ضد إسرائيل] مثل الإجراءات في محاكم دولية وتطبيق تقرير لجنة غولدستون، وهذه الإجراءات تقنع الفلسطينيين بقدرتهم على التوصل إلى حل من دون التحدث مع إسرائيل".

ولا تزال قضية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس تخضع لمفاوضات غير مباشرة، كما أن إسرائيل لا تزال تتردد في إقرار التبادل. وكان ديسكين قد تطرق مؤخرا إلى التأثيرات المحتملة لصفقة التبادل على الساحة الفلسطينية. واعتبر ديسكين، خلال اجتماع للسفراء الإسرائيليين في القدس، مؤخرا، أن تنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس "ستكون بمنزلة صفعة للرئيس عباس وإنجاز كبير لحماس لدى الرأي العام. لكن من الجهة الأخرى فإن عباس يدرك أن هذا سيتم، وهو يعد نفسه لامتصاص ذلك، وفي جميع الأحوال فلن تكون هذه الصفقة هي التي ستسقطه".

ولم يتطرق ديسكين إلى موضوع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بهم حماس مقابل إطلاقها سراح الجندي الإسرائيلي الأسير غلعاد شاليت، لكنه تطرق فقط إلى القيادي في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي. وقال ديسكين في سياق الرد على سؤال حول احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة إن "البرغوثي هو الذي كان الروح الحية التي أطلقت الانتفاضة الثانية وليس (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات، كما يميل الكثيرون إلى الاعتقاد، والمشكلة أن الانتفاضة خرجت عن سيطرة البرغوثي".

وفيما يتعلق بالوضع في السلطة الفلسطينية أشار ديسكين إلى أن "الضفة الغربية وقطاع غزة منقسمتان اليوم أكثر من أي مرة في الماضي، والفجوة بين الضفة وغزة تتعمق باستمرار من النواحي العقلية والسياسية وحتى الدينية". وتابع أن "أبو مازن ضعيف لكن لا بديل له في هذه المرحلة".

وأضاف فيما يتعلق بالجمود الحاصل في العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أن "أبو مازن صعد إلى شجرة عالية لأنه اعتقد أن الأميركيين سيحضرون له كل ما يريده على طبق من فضة" في إشارة إلى شرط تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات، "وإذا لم يكن هناك من ينزله عن الشجرة، فإنه من الجائز أن يذهب إلى البيت".

وأشار ديسكين إلى ثلاثة أشخاص محتملين لخلافة عباس، وهم رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق، أحمد قريع (أبو علاء)، ورئيس الحكومة الحالي، سلام فياض، والقيادي في حركة فتح، أبو ماهر غنيم. لكن ديسكين لفت إلى أن قريع لا يتمتع بشعبية بين الفلسطينيين ودلت على ذلك نتائج الانتخابات الداخلية لقيادة فتح، كما أن فياض سيواجه صعوبة في خلافة عباس لأنه ليس عضوا في فتح. وقال ديسكين عن غنيم إنه "يعتبر في نظر الجمهور الفلسطيني شخصية نظيفة".

حزب الله

قال جهاز الشاباك في تقرير تلخيص العام 2009 إن حزب الله استمر، خلال العام الماضي، في جهوده الرامية لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية ومحاولة الانتقام لمقتل القيادي العسكري في الحزب عماد مغنية، الذي اغتيل في دمشق في شباط العام 2008، واتهم حزب الله إسرائيل بالوقوف وراء الاغتيال. وأضاف تقرير الشاباك أن نشطاء حزب الله وسعوا نشاطهم الرامي إلى جمع معلومات حول إسرائيل ومواقع فيها بعدة وسائل بينها الانترنت.

لكن المسؤولين الإسرائيليين، وبينهم باراك ويادلين ورئيس قسم الدراسات في شعبة الاستخبارات، العميد يوسي بايداتس، تحدثوا في عدة مناسبات وأمام هيئات أمنية، خلال العام الماضي، عن أن بحوزة حزب الله محزونا من الصواريخ يعادل ثلاثة أضعاف الصواريخ التي كانت بحوزته قبل الحرب على لبنان، وأن عدد الصواريخ التي بحوزة الحزب الآن لا تقل عن أربعين ألفا، بينها صواريخ طويلة المدى. وشدد المسؤولون الإسرائيليون على أن صواريخ حزب الله تغطي كافة أنحاء إسرائيل.

وبعث باراك بتهديد إلى حزب الله ودولة لبنان عموما، خلال جولة عند الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، في 12.1.2010. وقال "إننا نعرف أن حزب الله يواصل زيادة قوته بمساعدة سورية، وأحيانا بمساعدة إيرانية أيضا". وأضاف باراك الذي وقف في قاعدة عسكرية مطلة على القرى اللبنانية المحاذية للشريط الحدودي "لقد قلنا في الماضي وها نحن نكرر ونوضح اليوم إن تدهور الوضع هو أمر ليس مجديا. وإذا تدهور، لا قدر الله، فإننا نرى في حكومة لبنان وكل من يساعد حزب الله على أنها جهات مسؤولة عن التدهور".

وتأتي أقوال باراك في أعقاب انضمام حزب الله إلى الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري. وتابع باراك أن الجيش الإسرائيلي جاهز بالشكل المناسب وبمستوى عالٍ على طول الحدود مع لبنان "ومقابل مواقع حزب الله". وأردف أن "الهدوء هنا يخدم الجميع، ونحن ننصح الجانب الآخر ألا يحاول تغييره. وقد تم بناء الهدوء، أولا وقبل كل شيء، بواسطة الردع"، في إشارة إلى حرب لبنان الثانية. ومضى قائلا للجنود الإسرائيليين إن "الانتقال من الوضع الاعتيادي الممل خلال الدوريات إلى الاصطدام المحتمل هو الأمر الذي يتطلب منكم إظهار كل ما تدربتم على مواجهته. ورغم الهدوء، عليكم أن تكونوا مستعدين ومتأهبين. ونحن لا نتمنى التصعيد لكننا لا نرتدع، وإذا تم إرغامنا فإننا سنعرف كيف نرد".

يذكر أنه بعد شهور قليلة من انتهاء حرب لبنان الثانية، بدأ الجيش الإسرائيلي، في مطلع العام 2007، في سلسلة طويلة من التدريبات العسكرية ما زالت مستمرة حتى اليوم.

ورغم التدريبات المكثفة وأقوال المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين عن استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية، إلا أن إسرائيل كشفت النقاب قبل شهور قليلة عن أنها حصلت على تقرير تم إعداده في حزب الله وصنف بأنه "سري للغاية"، تبين من خلاله أن الحزب نجح في اختراق الجيش الإسرائيلي وحصل على معلومات كثيرة وواسعة جدا حول تحركات الجيش الإسرائيلي.

ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت [12.11.2009] مقاطع من تقرير حول الموضوع أعده مراسلها للشؤون المخابراتية والإستراتيجية، رونين برغمان. وكتب برغمان أن التقرير "يستند إلى فسيفساء من المصادر البشرية، أي جواسيس يشغلهم حزب الله داخل الجيش الإسرائيلي والأراضي الإسرائيلية، إلى جانب جمع معلومات من مصادر مكشوفة والتنصت على شبكات اتصال عادية وربما حتى على شبكات مشفرة تابعة للجيش الإسرائيلي". وأضاف "رغم أنه يصعب التصديق، إلا أن نشطاء الاستخبارات في حزب الله الذين كتبوا هذه الوثيقة، نسخوا (معلومات) على ما يبدو من وثائق داخلية تابعة لقيادة الجبهة الشمالية (في الجيش الإسرائيلي)".

واقتبست يديعوت أحرونوت من تقرير حزب الله أنه "يوجد لأنواع الرادار المختلفة دور مهم جدا في عملية كشف عمليات تسلل العدو الصهيوني، ويعمل الرادار بصورة أوتوماتيكية في المنطقة التي يمسحها بزاوية تصل إلى 110 درجات، ويتم كل بضع دقائق إجراء مسح يدوي بزاوية 35 درجة أخرى من كل جانب، وهكذا فإنه في نهاية المطاف يتم إجراء عمليات مسح لـ 180 درجة، والمدى الناجع للرادار هو 6 كيلومترات ويتم استخدامه في منطقة تمتد على 5 كيلومترات".

وقالت يديعوت أحرونوت إن هذه الفقرة التي تصف "بصورة دقيقة ومفصلة" إحدى وسائل المراقبة الالكترونية التابعة للجيش الإسرائيلي هي قسم من "وثيقة داخلية لحزب الله ومصنفة ’سري للغاية’ وتصف نشاط الجيش الإسرائيلي وقيادة الجبهة الشمالية والفرقة 91"، أي فرقة الجليل العسكرية.

وأضافت أن هذه الوثيقة وصلت إلى يديعوت أحرونوت وهي "تجسد مدى نجاح العدو في التغلغل داخل الجيش الإسرائيلي، وتثبت أنه يوجد لرجال (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله مصادر مخابراتية ليست سيئة بتاتا".

ووفقا للصحيفة فإن تقرير حزب الله السري مؤلف من 150 صفحة وأن فهرسه مؤلف من أربع صفحات، ويتضمن التقرير تفاصيل كاملة حول انتشار القوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان والوسائل التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في الجو والبحر والبر.

وقال ضابط كبير خدم في منصب رفيع في قيادة الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي إنه "لدى قراءة مضمون الوثيقة اسودت عيناي"، لأن "مستوى التفصيل في وصف حزب الله لشبكة المراقبة والإنذار التابعة للجيش الإسرائيلي أدهشني"، فقد تضمن تقرير حزب الله وصفا دقيقا حول معدات يستخدمها الجيش الإسرائيلي بينها المناظير وكاميرات المراقبة وأجهزة الرادار الجوي والرادار الأرضي ومعلومات كثيرة عن طائرات الاستطلاع بدون طيار، "وهي تلك الطائرات التي اعتقدنا أنها تعمل بهدوء تام".

وتضمن تقرير حزب الله صورا كثيرة تم التقاط معظمها في الجانب الإسرائيلي من الشريط الحدودي مع لبنان، وشملت هذه الصور مواقع مراقبة للجيش الإسرائيلي وقوات إسرائيلية رافقت وحرست أعمالا هندسية وأعمال صيانة الشريط الحدودي عند الطريق المحاذية للشريط وتبدل ورديات الحراسة التي يقوم بها الجنود والقوات التي تتنقل بين حدود الوحدات العسكرية الإسرائيلية المختلفة عند الشريط الحدودي.

وتناول التقرير، "من خلال فصول كاملة"، الشريط الحدودي في فترات مختلفة والأجهزة الالكترونية الموجودة فيه وتدريبات القوات الإسرائيلية على مطاردة المتسللين من لبنان وطبيعة الحياة في البلدات الإسرائيلية الحدودية التي يصفها التقرير بـ "المستوطنات".

إلى جانب ذلك تضمن تقرير حزب الله تفاصيل دقيقة "ومثيرة للإعجاب" حول الأساليب التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في كمائن لضبط متسللين، ورسومات حول بنية هذه الكمائن، كما تناولت فصول في التقرير وحدات قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي والتدريبات التي يتلقونها وقدرات هذه الوحدات وأساليب تمكن من تضليل هذه الوحدات.

وتابعت يديعوت أحرونوت أن 10 صفحات في تقرير حزب الله تم تخصيصها لكيفية تعامل مقاتلي الحزب مع وحدة "عوكيتس"، التي تضم الكلاب المدربة، وسبل مواجهتها.

آخر الممارسات

الاستيطانية الإسرائيلية

ذكرنا في مستهل هذا التقرير أن الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية، خاصة في نهاية العام الفائت، أظهرت النيات الحقيقية لحكومة نتنياهو، وأن القرار الحكومي الخاص بتعليق أعمال البناء في المستوطنات هو قرار صوري يهدف إلى إرضاء الإدارة الأميركية، لا أكثر.

ومن آخر هذه الممارسات نشير إلى قيام وزارة الإسكان الإسرائيلية بنشر ثلاثة عطاءات لتنفيذ أعمال بناء 692 شقة في أحياء استيطانية في القدس الشرقية تقع وراء الخط الأخضر، ومن الجهة الأخرى إعلان النيابة العامة الإسرائيلية أن السلطات الإسرائيلية تعتزم مصادرة أراض فلسطينية بملكية خاصة لتوسيع مستوطنة، وذلك خلافا لتعهدات إسرائيلية سابقة.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت [28.12.2009] إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو صادق على عطاءات البناء في مستوطنات القدس الشرقية ورحب بنشرها، رغم مطالبة الإدارة الأميركية بالامتناع عن توسيع المستوطنات في القدس. وأشارت إلى أنها تأتي في خلفية المواجهات بين سلطات تطبيق القانون في إسرائيل والمستوطنين، على خلفية قرار الحكومة تعليق أعمال بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية.

وشملت العطاءات الثلاثة بناء 198 وحدة سكنية في مستوطنة "بسغات زئيف" و377 وحدة سكنية في مستوطنة "نافيه يعقوب" و117 وحدة سكنية في مستوطنة "هار حوماه" [جبل أبو غنيم].

ووفقا ليديعوت أحرونوت فإن مبعوث نتنياهو إلى المحادثات مع الإدارة الأميركية، المحامي إسحاق مولخو، أطلع المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، على نية إسرائيل نشر العطاءات لبناء مئات الوحدات السكنية في مستوطنات القدس الشرقية، علما أن هذه المناطق لا يعتبرها المجتمع الدولي خاضعة للسيادة الإسرائيلية، ولذلك فإن إسرائيل تتوقع صدور تنديدات دولية بخطوتها هذه.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الإسكان الإسرائيلية قوله إن "ثمة إشكالية بالنسبة للأميركيين فيما يتعلق بهذه الأحياء الثلاثة، ووضعها مشابه لغيلو (المستوطنة)، التي ثارت عاصفة دولية حولها بمجرد الإعلان عن التخطيط لبناء 900 وحدة سكنية فيها".

وقال مستشارون لنتنياهو إن الأخير يحرص على الحفاظ على شفافية أمام الأميركيين في كل ما يتعلق بنشاط إسرائيلي ينطوي على تبعات سياسية وأن "لا شيء يأتي بصورة مفاجئة".

وأضافوا أن نشر عطاءات البناء في مستوطنات القدس تنسجم مع قرار تعليق البناء لمدة عشرة أشهر في مستوطنات الضفة الغربية، كون هذا القرار لا يسري على مستوطنات القدس.

وادعى مستشارو نتنياهو أنه لا يتم التمييز ضد الفلسطينيين في القدس في موضوع البناء، وأنه تم إطلاع الإدارة الأميركية على قرار رئيس بلدية القدس، نير بركات، المصادقة على "إضافات بناء" لـ 500 بيت للفلسطينيين في حي سلوان، الذي يشهد هجمة استيطانية إسرائيلية كبيرة وتهديدا بهدم عشرات البيوت فيه بحجة البناء غير المرخص، رغم رفض السلطات الإسرائيلية منح تصاريح بناء في جميع أنحاء القدس الشرقية.

وعقب وزير الإسكان الإسرائيلي، أريئيل أتياس (شاس)، على نشر عطاءات البناء في القدس الشرقية بالقول إن "القدس هي في قلب الإجماع الإسرائيلي، ومنذ العام 2006 لم يتم تسويق عطاءات فيها، وضائقة السكن في (مستوطنات) القدس معروفة، ولذلك تم نشر العطاءات".

من جهة ثانية أفادت صحيفة هآرتس بأن النيابة العامة الإسرائيلية أبلغت المحكمة العليا بأنها تدرس إمكان مصادرة أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية.

ولفتت الصحيفة إلى أن بلاغ النيابة يتعارض مع تعهدات نتنياهو التي تضمنها خطابه في جامعة بار إيلان، في شهر حزيران الماضي، حين قال إنه "لن تتم مصادر أراض لتوسيع مستوطنات قائمة"، كما أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس كرر هذا التعهد خلال مؤتمر صحافي عقد في القاهرة قبل بضعة أسابيع من تاريخه، وفي ختام لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك.

وجاء بلاغ النيابة العامة ردا على التماس تم تقديمه إلى المحكمة العليا ضد بناء منشأة لمياه الصرف الصحي في مستوطنة "عوفرا" في أراض فلسطينية خاصة يملكها سكان في قرية عين يبرود الفلسطينية.

واعترفت السلطات الإسرائيلية، لدى ردها على التماس قدمته منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية، بأنه تم بناء المنشأة بصورة غير قانونية ومن دون الحصول على تصريح بناء، لكن هذه السلطات أعلنت من خلال النيابة العامة أنها تدرس إمكان مصادرة الأراضي التي تم بناء المنشأة فيها بهدف تشريع البناء غير القانوني.

وتمتد المنشأة على مساحة 37 دونما بينها 4 دونمات على سطح الأرض و33 دونما تقع فيها المنشأة تحت سطح الأرض وتشمل قنوات وأنابيب، وتم البدء في بنائها في العام 2007 بشكل يتعارض مع الخريطة الهيكلية للمنطقة وبلغت كلفة المنشأة 7.8 مليون شيكل (حوالي مليوني دولار) بتمويل من خزينة الدولة كما أن الحكومة الإسرائيلية هي التي دفعت المشروع وخططته.

ونقلت هآرتس عن مستشار وزير الدفاع الإسرائيلي لشؤون الاستيطان، إيتان بروشي، إقراره أمام المحكمة العليا بأن "عوفرا" هي أكبر بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة الغربية وأن معظم بيوتها مبنية في أراض فلسطينية خاصة يملكها السكان الفلسطينيون في القرى المجاورة وأنه تم

بناء بيوت المستوطنة بدون تصاريح بناء ومن دون رسم حدود نفوذ المستوطنة ومن دون وضع خريطة هيكلية لها.

وكشفت صحيفة هآرتس [1.1.2010] أنه على الرغم من قرار حكومة إسرائيل تعليق البدء بأعمال بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، إلا أنه تجري في هذه الأثناء أعمال بناء في أكثر من 50 مستوطنة غالبيتها تقع شرقي جدار الفصل.

وقالت الصحيفة إن أعمال البناء الجارية بالأساس في المستوطنات الواقعة شرقي الجدار بدأت قبل وقت قصير من إصدار الحكومة الإسرائيلية أمر تعليق أعمال بناء جديدة في 26 تشرين الثاني الماضي أو بعد بدء سريان مفعوله بوقت قصير.

وتبين من جولة مراسل هآرتس، الصحافي عكيفا إلدار، في منطقة شمال الضفة أنه تجري أعمال حفريات تمهيدا لتنفيذ أعمال بناء وبنية تحتية في المنطقتين الصناعيتين التابعتين لمستوطنتي "باركان" و"أريئيل" وأعمال بناء وحدات سكنية في "أريئيل" و"إلكناه شمال" و"فادوئيل" و"كفار تبواح"، كما تم وضع لافتة كبيرة في المستوطنة الأخيرة تعلن عن بناء 65 وحدة سكنية جديدة في المكان.

وشدد تقرير هآرتس على أنه في جميع هذه المستوطنات تتواجد آليات كبيرة لتنفيذ أعمال حفريات وشق طرق لتمهيد الأرض للبناء.

ووثق الناشط درور إتكيس، من منظمة "ييش دين"، والناشطة حاغيت عوفران، من حركة "السلام الآن"، وكلتاهما تناهضان الاستيطان، أعمال بناء تجري في هذه الأيام في أكثر من 50 مستوطنة وفي منطقتين صناعيتين في مستوطنتي "مافو حورون" و"غوش عتصيون"، كما تم في 7 كانون الأول الماضي نشر عطاء لشراء مساحة كبيرة من الأراضي لإقامة مبنى تجاري كبير في "غوش عتصيون".

ووثق إتكيس استيلاء مستوطنين على أراض زراعية بملكية مواطنين فلسطينيين واقعة بالقرب من مستوطنات "براخا" و"كوخاف هشاحر" و"كفار تبواح" و"إيتمار" و"ألون موريه" و"سوسيا" والبؤرة الاستيطانية العشوائية "إيفي هناحال".

وأوضحت "الإدارة المدنية" التابعة للجيش الإسرائيلي أن "أمر تعليق البناء" يسري فقط على الوحدات السكنية التي لم يتم صب أساساتها حتى موعد صدور الأمر.

رغم ذلك تبين من مراقبة أعمال البناء الجارية في المستوطنات أن معظم هذه الأعمال هي في مراحل أولى من بناء هيكل مبان وفي بعض الحالات يجري أيضا صب أساسات لمبان.

ولاحظ إتكيس وعوفران، اللذان يتابعان الأنشطة الاستيطانية، أن المستوطنات شهدت تصاعدا في وتيرة البناء خلال الفترة التي جرت فيها مفاوضات بين حكومة إسرائيل والولايات المتحدة حول تجميد الاستيطان، وفي تلك الفترة فإن السلطات المحلية في المستوطنات أصدرت تصاريح لإنشاء مشاريع بناء جديدة.

وأضافا أن هذه التصاريح تم إصدارها بالأساس لتنفيذ أعمال بناء جديدة في "المستوطنات المعزولة"، أي تلك الواقعة شرقي الجدار، وخارج الكتل الاستيطانية الكبيرة.

الجدير بالذكر أن أعمال البناء هذه تجري إلى جانب أعمال بناء 3000 وحدة سكنية لا يشملها قرار تعليق البناء و492 وحدة سكنية صادقت حكومة إسرائيل على البدء بتنفيذ أعمال بنائها بعد صدور قرار تعليق البناء.

وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية، خلال اجتماعها في يوم 13.11.2009، خريطة مناطق الأفضلية القومية بميزانية بلغ حجمها ملياري شيكل. وسيتم رصد هذه الميزانية لتطوير التجمعات السكانية التي تم ضمها إلى هذه الخريطة، وتبين أن بين هذه التجمعات 90 مستوطنة، نصفها تقريبا تقع شرقي الجدار وتصفها إسرائيل بـ "المعزولة". وتجدر الإشارة إلى أن القادة الإسرائيليين يتحدثون دائما، لدى تطرقهم إلى مسألة التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، عن ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل وإجراء تبادل أراض وإخلاء المستوطنات "المعزولة". لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بادر إلى ضم هذه المستوطنات إلى خريطة مناطق الأفضلية القومية ورصد المزيد من الميزانيات إليها، إضافة إلى الميزانيات الخاصة.

من جهة ثانية، يواصل المستوطنون معارضتهم ورفضهم قرارا آخر اتخذته الحكومة ويتعلق بتعليق أعمال بناء جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية. ويسعى المستوطنون إلى فرض حقائق على الأرض، وسط إعلان نتنياهو ووزير الدفاع، إيهود باراك، عن نيتهما تقديم تسهيلات للمستوطنين فيما يتعلق بتطبيق تعليق البناء. وبثت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي تقريرا لمراسلها السياسي، أودي سيغال، تبين منه أن المستوطنين ينفذون أعمال بناء جديدة ليستبقوا قدوم مراقبي البناء وإظهار وجود أساسات بناء يجب إنهائها والادعاء بأن قرار تعليق البناء لا يسري عليها.

وبالاعتماد على ما قالته مديرة دائرة متابعة الاستيطان في حركة "السلام الآن"، حاغيت عوفران، في مقابلة خاصة، بشأن قراري الحكومة [قرار تعليق أعمال البناء في المستوطنات وقرار خريطة مناطق الأفضلية القومية]، وبشأن الوضع في المستوطنات في القدس الشرقية، التي رفض نتنياهو بشدة شملها في قرار تعليق البناء، فإن صورة الوضع تظهر ما يلي:

- يدل قرار الحكومة الإسرائيلية ضم نحو 90 مستوطنة في الضفة الغربية إلى خريطة مناطق الأفضلية القومية على أن غالبية المستوطنات ستحصل من الدولة على عدة أنواع من الامتيازات من أجل أن يرغب المزيد من الأفراد في القدوم للسكن فيها. بكلمات أخرى تشجيع الإسرائيليين على الانتقال للسكن في المستوطنات. وهذه الامتيازات ستكون في مجال التعليم والرفاه وبحجم أكبر مما يتم الحصول عليه في أماكن أخرى. ومعنى القرار هو أن الحكومة تسعى إلى تشجيع المواطنين على السكن في المستوطنات، وأنها ترى في المستوطنات منطقة يحصل كل من يسكن فيها على منفعة في الخدمات، وذلك حتى في البؤرة الاستيطانية في قلب مدينة الخليل.

- بإمكان الحكومة ضم المستوطنات إلى هذه الخريطة، أو الخطة، من دون الحصول على موافقة وزارة الدفاع التي يتولاها رئيس العمل إيهود باراك، فهذا قرار للحكومة. وفي إطار المداولات حول الميزانية، في شهر حزيران الماضي، تم سن قانون مناطق التطوير. وبموجب هذا القانون فإن بإمكان الحكومة تحديد التجمعات السكنية التي ستصبح مناطق تطوير. وينص القانون على أن الحكومة تملك صلاحية تحديد الاعتبارات للإعلان عن مناطق تطوير، وبينها اعتبارات جغرافية وأمنية واقتصادية وغير ذلك. وعمليا فقد تركوا هذه الناحية مفتوحة كي تتمكن الحكومة من تحديد الاعتبارات وفقا لسياستها. بينما قبل ذلك، كان هناك قرار حكومي يقضي بالإعلان عن مناطق الأفضلية القومية وفقا للبعد الجغرافي عن وسط البلد، لكن الحكومة الحالية أقرت اعتبارات أخرى، وعمليا يبقى كل شيء في الوضع الحالي خاضعًا للاعتبارات السياسية للحكومة.

- من الصعب معرفة ما هو الجديد في قرار الحكومة الأخير، وذلك لأن الوضع حتى الآن كان غير واضح. فقد كانت لدى كل وزارة قائمة خاصة بها تضم قسما من المستوطنات. مثلا أن تحصل مستوطنة معينة على امتيازات في مجال الصناعة لكنها لا تحصل على امتيازات في مجال التعليم، أو أن تحصل مستوطنة على امتيازات في مجال التشغيل لكنها لا تحصل على امتيازات في مجال الزراعة، وهكذا. "وقد حاولنا التدقيق في أي من المستوطنات موجودة في كل قائمة من قوائم الوزارات، وواجهنا صعوبات كبيرة، لأن القوائم كانت كثيرة والوزارات لم تقدم لنا أجوبة واضحة. لكن ما تمكنا من معرفته هو أن جميع المستوطنات كانت من الناحية المبدئية في مناطق أفضلية في المجال الصناعي".

- ما زال من المبكر معرفة ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تطبق قرارها بشأن تعليق أعمال البناء فعلاً، أم أن أنها تضلل الرأي العام المحلي والعالمي، لأنه في هذه الأثناء رأينا أن مراقبي البناء وصلوا إلى عدد من المستوطنات وسلموا المسؤولين عن أعمال البناء فيها أوامر تقضي بوقف أعمال البناء. كانت هناك بدايات لتطبيق القرار، لكننا رأينا أنه في أماكن عدة يخرقون هذا الأمر ويتم البدء بأعمال بناء جديدة. ومن الصعب الآن تحديد الوضع، وفقط بعد شهر أو شهرين سنتمكن من معرفة ما إذا كانت الحكومة تعتزم بجدية تعليق البناء ومعاقبة المخالفين لقرارها.

- أعمال البناء الجارية في الوقت الحالي تشمل نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في جميع المستوطنات، بما فيها تلك الواقعة شرقي الجدار، لكن بالطبع هذا لا يشمل المستوطنات في القدس الشرقية. إضافة إلى ذلك سمحت الحكومة ببناء قرابة 500 وحدة سكنية جديدة وفقا لتصريح خاص، صدر بعد الإعلان عن تعليق البناء، وقد سمح ببدء تنفيذ أعمال بنائها. هذا يعني أن الحكومة سمحت ببناء 3500 وحدة سكنية جديدة خلال فترة التجميد الذي يسري على البدء بأعمال بناء جديدة. وهذا يعني أنه توجد أعمال بناء واسعة النطاق في المستوطنات في الوقت الحالي، أي خلال فترة تجميد البناء.

- فيما يتعلق بوضع البناء في مستوطنات القدس الشرقية: ثمة نوعان من المستوطنات في القدس الشرقية. فهناك المستوطنات الكبيرة التي تبنيها الحكومة، مثل غيلو وراموت وبسغات زئيف. وهناك المستوطنات في قلب الأحياء العربية. ويبدو أنه فيما يتعلق بالمستوطنات في قلب الأحياء العربية تجري أعمال البناء كالمعتاد، وهذا يعني أنه بين حين وآخر نسمع أن المستوطنين استولوا على بيت جديد أو بناية جديدة. كذلك فإن مشاريع التطوير السياحية والمتنزهات في المستوطنات داخل الأحياء العربية مستمرة. وفيما يتعلق بالمستوطنات الكبيرة فإنها من الناحية الرسمية ليست خاضعة لقرار تعليق البناء، لكن منذ تشكيل حكومة نتنياهو وحتى الآن لم نر أنه تم البدء بمشروع بناء كبير جديد، باستثناء الإعلان عن بناء 900 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة غيلو، والتي ستستغرق وقتا إلى حين الانتهاء من الإجراءات والبدء بأعمال بناء فيها. وعمليا يوجد نوع من التباطؤ في وتيرة البناء في المستوطنات الكبيرة في القدس. "وأنا أعرف أن هذا الوضع ليس كافيا لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. ولو أن نتنياهو كان يريد فعلا استئناف المفاوضات لكان عليه أن يجمد البناء في جميع المستوطنات، أو على الأقل أن يظهر للفلسطينيين أنه جادّ. لكن عمليا فإنه يحاول فعل أقل ما يمكن والقول إنه يفعل الكثير من أجل استئناف المفاوضات، وفي الوقت نفسه تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية استمرار الجمود في العملية السياسية".