تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أعاد الصاروخان اللذان سقطا في مدينة إيلات، يوم الأربعاء الماضي – 17.4.2013، الأوضاع الأمنية المتصاعدة عند حدود إسرائيل إلى مركز النقاش. وتسود التخوفات في إسرائيل من أن هجمات من هذا النوع، لن تبقى محصورة عند الحدود الجنوبية، وإنما يتوقع أن تحدث هجمات صاروخية مشابهة، ضد أهداف إسرائيلية، عند منطقة خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان، الذي تعتبره إسرائيل بمثابة حدودها مع سورية.
وعلى الرغم من أن بعض التحليلات الإسرائيلية وجهت اللوم إلى مصر في أعقاب إطلاق الصاروخين على إيلات، إلا أن القلق الإسرائيلي يتناول هوية الجهات المسلحة التي تطلق هذه الصواريخ. وهذه المرة هي السابعة التي يتم فيها إطلاق صواريخ باتجاه مدينة إيلات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. ومشكلة إسرائيل الأكبر مع هذه الهجمات تكمن في أنها تنفذها تنظيمات تنتمي إلى ما يسمى بالجهاد العالمي، وتدور في فلك تنظيم القاعدة، وهذه التنظيمات معادية للأنظمة في الدول التي تنشط فيها، مثل مصر وسورية، وفي حالة الأخيرة تحارب هذه التنظيمات من أجل إسقاط نظام الحكم.

 
ولهذا فإن إسرائيل، التي بنت سياستها وتوجهاتها الأمنية والعسكرية على قوة الردع، لا يمكنها توجيه ضربات رادعة ضد إطلاق صواريخ باتجاه أراضيها، مثلما فعلت ضد قطاع غزة ولبنان، في السنوات الأخيرة. ويرى المحللون أن هجمات تنظيمات الجهاد العالمي، في سيناء وسورية، هي "تهديد لا عنوان له" وأنه "ليس ثمة من يمكن تهديده وردعه".

إسرائيل تتخوف من إلغاء مصر لمعاهدة السلام

اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ألكس فيشمان، أن إسرائيل تتحسب من تنفيذ هجمات ضد مسلحين في سيناء، بعد إطلاق صاروخي كاتيوشا من طراز "غراد" باتجاه إيلات، وذلك خوفًا من إقدام مصر على إلغاء معاهدة السلام بين الدولتين.

وكتب فيشمان، يوم الخميس الماضي، أن "إسرائيل تتخوف من المخاطرة بإحباط أعمال إرهابية في الأراضي المصرية لأن من شأن عملية كهذه أن تستخدم كذريعة لإلغاء معاهدة السلام"، موضحًا أن الاستخبارات الإسرائيلية حصلت على معلومات حول نية المسلحين في سيناء تنفيذ هجوم ضد أهداف إسرائيلية، وأنه تم نقل هذه المعلومات إلى أجهزة الأمن المصرية "التي لم تفعل شيئًا لمنع الهجوم".

ولفت فيشمان إلى أنه في أعقاب ورود معلومات إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول هجوم محتمل، نصب الجيش الإسرائيلي بطارية "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، وزج بقوات في منطقة إيلات ورفع حالة التأهب الأمني فيها؛ لكن "القبة الحديدية" لم تعمل، وتحدثت تقارير عن حدوث خلل فيها، وأنها لم تنجح في رصد إطلاق الصاروخين.

ورأى المحلل العسكري أن "إسرائيل دخلت إلى مصيدة وليس لديها أدنى فكرة حول كيفية الخروج منها. فمن جهة يتعين عليها الدفاع عن مواطنيها في إيلات. ومن الجهة الأخرى تمتنع عن مهاجمة المسلحين في سيناء، فيما قوات الأمن المصرية تمتنع عن العمل ضد المسلحين". واعتبر فيشمان أن سبب امتناع مصر عن مواجهة المسلحين نابع من قرار أصدره الرئيس المصري، محمد مرسي، ويقضي بأن لا تتعرض قوات الأمن المصرية للبدو في سيناء على ضوء اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في مصر، في تشرين الأول المقبل، وأن "الإخوان المسلمين يتحسبون من تراجع شعبيتهم" بين سكان سيناء.

وأشار فيشمان إلى أن "قادة جهاز الأمن الإسرائيلي أطلقوا تصريحات نارية في يوم الاستقلال [الإسرائيلي الأسبوع الماضي] ولكنهم في الواقع يقفون عاجزين أمام ما يحدث في سيناء"، في إشارة إلى التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، بأن دولة لبنان ستدفع ثمن أي هجوم ضد إسرائيل من جانب حزب الله، وتلويح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، بأن إسرائيل قادرة على أن تهاجم وحدها المنشآت النووية الإيرانية.

وألمح فيشمان إلى أن إسرائيل أبلغت مصر بمعلومات حول هجمات محتملة داخل مصر، وكتب أنه "تصل إلى مصر إنذارات حول استعدادات لتنفيذ عمليات في الاسكندرية والقاهرة أيضا". ووفقا لفيشمان فإن أجهزة الأمن المصرية تتجاهل إنذارات حول نقل أسلحة من ليبيا إلى قطاع غزة عبر مصر.

"ليس ثمة من يمكن تهديده"

تحت هذا العنوان كتب المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، عمير ربابورت، يوم الخميس الماضي، أن "إطلاق الصواريخ من سيناء باتجاه إيلات يشكل تحديًا أمنيًا معقدًا على نحو خاص بالنسبة لدولة إسرائيل، وحتى أنه أكثر إشكالية من إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه النقب الغربي".

ونوّه ربابورت، وكذلك المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، يوم الجمعة الماضي، إلى أن إيلات هي مدينة استجمام وسياحة، واستمرار إطلاق الصواريخ نحوها من شأنه أن يوجه ضربة اقتصادية شديدة، في حال توقف، أو حتى انخفض، توجه السياح والمستجمين إليها خوفًا من هذا الوضع الأمني.

ورأى ربابورت أنه "ما لا يقل إشكالية هو حقيقة أنه يصعب تطبيق ردع يؤدي إلى وقف إطلاق الصواريخ من الأراضي المصرية. فمن أجل تحقيق ردع كهذا ينبغي توجيه تهديد ما إلى الجانب الثاني، مثل الثمن الذي دفعته حماس خلال عملية ’عمود السحاب’ العسكرية بسبب إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية". 

وأشار في هذا السياق إلى أن الجيش الإسرائيلي يصف سيناء بأنها "منطقة بلا حكم" وأنه "ليس ثمة من يمكن تهديده" في شبه الجزيرة من أجل وقف إطلاق الصواريخ. إضافة إلى ذلك فإن معاهدة السلام تنص على منع إسرائيل من القيام بأي عمل عسكري في سيناء. واعتبر ربابورت أن معاهدة السلام "أصبحت هشة" بعد سقوط حكم الرئيس المصري السابق، حسني مبارك. لكن إطلاق الصواريخ باتجاه إيلات حدث خلال حكم مبارك.

وتابع ربابورت أنه تنشط في أنحاء سيناء عشرات المجموعات من الجهاد العالمي منذ فترة طويلة. وأضاف أن أفراد قوة الأمم المتحدة، المسؤولة عن تطبيق معاهدة السلام، "يختبئون مذعورين داخل معسكراتهم"، وأن "قوات الشرطة المصرية [في سيناء] يتحصل على وسائل تكنولوجية على شكل مساعدات من الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك فإنها غير قادرة على تقديم المساعدة. ويوجد اتصال متواصل بين نشطاء الجهاد العالمي في سيناء ومجموعات الجهاد في قطاع غزة، بواسطة أنفاق تحت الأرض ووسائل اتصال متنوعة".

ووفقا لربابورت فإن الصاروخين اللذين تم إطلاقهما من سيناء هما من طراز "غراد 122 ملم"، وسقوطهما في إيلات لم يفاجئ إسرائيل التي وصلتها معلومات استخبارية حول نية مسلحين في سيناء إطلاق صواريخ. لكن ربابورت شدد على أن عدم عمل "القبة الحديدية" سببه هو أن الجيش الإسرائيلي خفّض مستوى حالة التأهب في صفوف قواته في تلك الفترة. لكن المحلل لا يشير إلى سبب خفض مستوى التأهب، وألمح إلى أن "الأسباب الكاملة لذلك محفوظة لدى سلاح الجو" الإسرائيلي المسؤول عن تفعيل "القبة الحديدية".

واستبعد ربابورت حدوث هجمات صاروخية مشابهة في المدى القريب، مشيرًا إلى أنه خلال العام الأخير كانت هناك ثلاث هجمات صاروخية على إيلات، وتوقع أن ينسى الجمهور هجوم الأسبوع الماضي خلال وقت قصير وستعود الحياة في المدينة إلى مجراها الطبيعي. ولفت أيضًا إلى أن "ثمة نقطة تستدعي التفاؤل الحذر، وهي أنه خلال الشهور الماضية، وخاصة بعد عملية ’عمود السحاب’ العسكرية، لوحظ وجود جهوزية عالية نسبيًا لدى القوات المصرية في محاولة لإحكام سيطرة، ولو غير كاملة، في أنحاء سيناء... التي ستضع مصاعب أمام إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل".

ووفقا للمحلل فإن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على مصر "من أجل القيام بشيء ما"، وأن "مصر تشعر بالتزام أكبر لتحقيق الهدوء، بسبب الدور الممنوح لها كمسؤولة عن تطبيق وقف إطلاق النار بين حماس والجيش الإسرائيلي". وشدد أن الأمر المؤكد، الآن، هو أن سلاح الجو الإسرائيلي "لن يطفئ ثانية أزرار تشغيل ’القبة الحديدية’".

معلومات استخباراتية ضعيفة

اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "إسرائيل اليوم"، يوءاف ليمور، أن على إسرائيل ممارسة ضغوط على مصر "من أجل أن تعمل بشكل أفضل لإحباط الأنشطة في سيناء". وكتب أنه "في الماضي تم إطلاق صواريخ على إيلات من جانب جهات فلسطينية انطلقت من غزة، أي أنه كانت لدى الجيش الإسرائيلي وسائل ضغط في القطاع لإحباط أو معاقبة المنفذين أو مرسليهم. لكن عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة باتجاه إيلات نفذتها جهات في الجهاد العالمي، التي ليس لدى إسرائيل أي تأثير عليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".

وأضاف ليمور أنه "في ظل غياب قدرة حقيقية [لدى إسرائيل] على القيام برد فعل في سيناء، وكي لا تمس بمعاهدة السلام، فإنها متعلقة بحسن نوايا المصريين، الذين تعلموا على جلودهم أن من لا يحبط تنفيذ عمليات في إيلات سيواجه عمليات مشابهة ضد قواته في سيناء" في إشارة إلى هجوم مسلحين على مركز للشرطة المصرية في سيناء ومقتل 16 شرطيا.

وتابع ليمور أن "المصريين يمتنعون عن العمل الآن، والسبب الأساسي لذلك هو انشغالهم في مشاكل اقتصادية – سياسية داخلية. والمعنى المباشر لذلك هو استمرار استقرار الجهات المتطرفة في سيناء، والاستنتاج المباشر والواضح لذلك بالنسبة لإيلات هو أن الهجوم المقبل هو مجرد مسألة وقت، لكن الصواريخ المقبلة قد تؤدي، إلى إلحاق أضرار حقيقية أو خسائر بالأرواح".

لكن المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هارئيل، أشار إلى نقطة أخرى مهمة في تعامل إسرائيل مع التنظيمات الجهادية، وليس في سيناء فقط وإنما في سورية أيضا، وهي أن "انعدام الاستقرار عند الحدود مع الدول المجاورة، يشكل صعوبة في جمع معلومات استخباراتية وتوقع العمليات المسلحة. وانعدام الهدوء هذا يثير تخوفًا دائمًا من تطورات أمنية غير متوقعة".

وأشار هارئيل إلى أن "إطلاق الصواريخ من جانب إحدى الفصائل المقربة من تنظيم القاعدة قد تصبح ظاهرة ستواجهها إسرائيل في الجولان أيضًا، وليس عند الحدود المصرية في سيناء فقط".

وأضاف أنه "في حال انضمام القاعدة والتنظيمات الموالية لها إلى صورة الوضع هذه، وكل التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن هذا ما سيحدث عاجلا أم آجلا، فإنه ليس لدى إسرائيل عنوان  في الجانب الآخر لتتواجه معه".

ولفت هارئيل إلى أن "طبيعة مدينة إيلات وموقعها الجغرافي، عند قطاع ساحلي ضيق ومزدحم بين مصر والأردن، يصعب الدفاع عنها... إضافة إلى ذلك فإنه بمقدور التنظيمات الإرهابية تهديد الطائرات المدنية التي تهبط في مطار إيلات. ومعروف أنه توجد صواريخ مضادة للطائرات في سيناء".

      

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 

"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"