تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

ألقى رئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية الإسرائيلي، يائير لبيد، يوم الاثنين الماضي، خطابا شديد اللهجة هاجم فيه الحريديم (اليهود المتشددين دينيًا)، وطالبهم بالخروج إلى العمل، وهدد بتقليص المخصصات المالية التي يحصلون عليها.

وفي موازاة ذلك، تعهد لبيد، في اليوم التالي، بإنزال ضربات اقتصادية ستستهدف، بالأساس، الطبقة الوسطى.

ورأى البعض أن لبيد يحاول أن يغلف الضربات الاقتصادية بمهاجمة الحريديم، وأن هذا الهجوم يهدف إلى صرف الأنظار عن الضربات الاقتصادية المتوقعة.

 


ونوّه بعض آخر بأن لبيد تجنب الحديث عن الميزانيات الهائلة التي تُصرف على الاستيطان في المناطق المحتلة كي لا يثير غضب شريكه رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت.

من السابق لأوانه أن نخوض في هذا التقرير في تفاصيل الضربات الاقتصادية. لكن تكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن لبيد يعتزم، حسبما رشح من خطة الميزانية العامة الجديدة للعامين الحالي والمقبل، تقليص ميزانيات الوزارات بمبلغ 26 مليار شيكل، ورفع أعباء الضرائب بمبلغ يتراوح ما بين 15 - 17 مليار شيكل. ولا شك في أن هذه الأرقام مرشحة للتغيير، ولذا فإنه لا حاجة، في هذه الأثناء، إلى الخوض في تفاصيل الميزانية، إذ سيستمر النقاش حول بنودها حتى موعد إقرارها.

رغم ذلك، فإن لبيد رسم ملامح عامة لرؤيته وسياسته الاقتصادية فيما يتعلق بالحريديم. وهذه الملامح تنسجم مع الرؤية التي طرحها خلال حملته الانتخابية.

وفي إطار ذلك أعلن أنه سيقلص حجم الميزانيات المخصصة للمؤسسات الدينية الحريدية، وسيسعى لإدخال تعديلات على جهاز التربية والتعليم في المجتمع الحريدي، وتقليص مخصصات الأولاد، وهي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تراجع دخل العائلات الحريدية الكثيرة الأولاد المنتشرة في هذا المجتمع.

من جانبهم، رد الحريديم على لبيد بهجوم مضاد، في الكنيست ومن خلال صحفهم وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية، بصورة بدا معها كما لو أن الصراع العلماني - الديني في إسرائيل قد عاد إلى الصدارة.

وفي خضم ذلك طرح كثير من المحللين سؤالا يتعلق بموقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إزاء هذا الهجوم. وأشار بعضهم إلى أنه يبدو أنه لا يوجد موقف. والأصح أن نتنياهو لم يعقب على الخطوات الاقتصادية تجاه الحريديم. لكن ثمة محللين يشيرون إلى أن نتنياهو ينظر إلى لبيد على أنه خصم سياسي، قبل أن يكون وزير ماليته، وإلى أنه "كلما أشعل لبيد عود ثقاب فإن نتنياهو سيسكب نفطا".

وبهذا الشكل سيظهر لبيد كوزير مالية فاشل، وسيحاول نتنياهو إضعاف هذا الخصم، خاصة وأن لبيد، في نظر الكثير من الإسرائيليين والمحللين، قد يخوض الانتخابات العامة المقبلة كمرشح لرئاسة الحكومة.

وفي هذه الأثناء لا يزال لبيد محافظا على تحالفه مع الوزير نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، ويعتبر عدد نواب هذين الحزبين أكبر من عدد نواب الكتلة الحاكمة الآن "الليكود بيتنا"، المؤلفة من تحالف حزبي الليكود و"إسرائيل بيتنا".

 

تقليص ميزانيات ومخصصات الحريديم وإدخال تغييرات على جهازهم التعليمي

يشكل جهاز التعليم أحد أهم المؤسسات في المجتمع الحريدي. وهذا الجهاز منفصل بالكامل، أيضًا من حيث المضامين، عن جهاز التعليم الإسرائيلي. ويضم هذا الجهاز مؤسسات تعليمية من سن الطفولة المبكرة مرورا بالمدارس الابتدائية وحتى المدارس والمعاهد الدينية العليا، "الييشيفوت". ولا يتعلم فيها سوى الحريديم. ويركز هذا الجهاز على تعليم المواضيع الدينية ودراسة التوراة وغيرها من الكتب الدينية اليهودية. وتمكن الحزبان الحريديان، شاس و"يهدوت هتوراة"، طوال الأعوام الماضية التي كانا يشاركان فيها في الائتلاف الحكومي، من الحصول على ميزانيات كبيرة لهذه المؤسسات.

ولدى تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، أصر تحالف لبيد وبينيت على الموافقة على الانضمام إلى الائتلاف شرط عدم ضم الحزبين الحريديين إليه. وقد وافق نتنياهو على هذا الشرط مرغما، لكنه ألمح إلى إمكانية ضم الحريديم إلى الائتلاف لاحقا، فنتنياهو يعتبرهم شركاء طبيعيين له.

وكشفت صحيفة "معاريف"، أول من أمس الثلاثاء، عن أن لبيد يعتزم تقليص مبلغ 340 مليون شيكل من ميزانية "الييشيفوت"، ليصبح حجم هذه الميزانية 700 مليون شيكل بدلا من مليار و40 مليون شيكل.  

واقترحت هذا التقليص "لجنة بيري"، برئاسة وزير العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي، يعقوب بيري، من حزب "يوجد مستقبل". ومهمة هذه اللجنة هي طرح مشروع قانون يستند إلى شعار "المساواة في تحمل العبء"، الذي تضمنته الاتفاقيات الائتلافية.

وفسرت اللجنة قرارها بتقليص ميزانية "الييشيفوت"، بأنه كان متبعا حتى اليوم إرجاء تجنيد طلاب "الييشيفوت" إلى حين بلوغهم سن 28 عاما، وعندها يحصلون على إعفاء من الخدمة العسكرية. وكانت خزينة الدولة تمول طلاب "الييشيفوت". لكن بموجب اقتراح "لجنة بيري"، فإنه ابتداء من شهر آب المقبل، سيحصل طلاب "الييشيفوت" على إعفاء من الخدمة لدى بلوغهم سن 22 عاما. وأوصت اللجنة بوقف الدعم الحكومي لهذه السنوات الست، بين سن 22 - 28 عاما، وهذا هو الجزء من ميزانية "الييشيفوت" الذي ستتوقف خزينة الدولة عن تمويله.

وأوضحت "لجنة بيري" أن الهدف من هذا الاقتراح هو أنه "بدلا من أن يتعامل الجيش مع أي حريدي يتراوح سنه ما بين 18 إلى 28 عاما، فإنه سيتم التعامل معه بين سن 18 إلى 22 عاما. ومن بين أهداف هذا الطرح هو دفع الحريديم إلى التجند للجيش والدخول إلى سوق العمل لاحقا".

واتهم لبيد الحريديم، خلال جلسة الهيئة العامة للكنيست، يوم الاثنين الماضي، بأنهم أحد أسباب العجز المالي الكبير في الميزانية. وقال لبيد مخاطبا النواب الحريديم "أنتم لا تديرون الدولة بعد اليوم، ولن نأخذ الأوامر منكم. أين كنتم في السنوات الأخيرة، على المريخ؟ لقد كنتم في الحكومة عندما نشأ هذا العجز. والعجز مسجل على اسمكم".

وأضاف لبيد مخاطبا الحريديم: "عندما ينجب أحدكم طفلا، فإنه يكون الإنسان الأول المسؤول عنه. وإنجاب طفل هو مسؤولية كبيرة، وعلى كل منكم أن لا ينجب طفلا ويعتبر أن أشخاصا آخرين سينفقون عليه، وإنما عليه أن يدرك أن إعالته هي واجب عليه".

كذلك طالب لبيد بتعديل مناهج التعليم في المؤسسات التعليمية الحريدية، من خلال إدخال مواضيع أساسية لا تُدرّس فيها، وهي الرياضيات واللغتان العبرية والانكليزية.

 

حزب العمل يهاجم لبيد

هاجم نواب حزب العمل لبيد على ضوء سياسته الاقتصادية وخاصة الضربات الاقتصادية المتوقعة.

ورأت زعيمة العمل والمعارضة، شيلي يحيموفيتش، أن "لبيد يبدو كما لو أنه يستعرض سياسته أمام نتنياهو، لكن هذه هي السياسة التي رسمها نتنياهو بنفسه. وسيكون هناك عبء ثقيل ولا يمكن تحمله على الطبقة الوسطى والفقراء على حد سواء. والمهمة الكبيرة الملقاة علينا هي مواجهة الميزانية العامة وقانون التسويات [الذي يرافق إقرار الميزانية] بنشاط وحكمة وإحباط المهمات الشريرة. وهذه المسؤولية ملقاة على كاهلنا فقط من أجل مواجهة حكومة تسير في خط واضح، هو خط نتنياهو، وحتى أنها تزيد تطرفه أكثر".

من جانبه اعتبر عضو الكنيست عن حزب العمل إسحق هرتسوغ، أن لبيد يهاجم الحريديم كي يصرف الأنظار عن الضربات الاقتصادية القادمة.

وقال هرتسوغ لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "على وزير المالية أن يقرر ما إذا كان يخوض حملة دعائية أم أنه وزير مالية. وفي هذه المرحلة يخوض لبيد حملة دعائية، والجميع يبدون متحمسين من تصريحاته [ضد الحريديم]. لكن دعونا ننظر إلى جوهر الأمر. هل هو يدفع إلى الأمام النمو الاقتصادي في إسرائيل أو تحسين مستوى التشغيل؟ كلا، أبدا".

 

الحريديم يرفضون خطة وزير المالية

من جانبها ردت الصحف الحريدية بهجوم شديد على لبيد. ووصفت صحيفة "ييتد نئمان"، التي تمثل الحريديم الليتوانيين وهم أكبر مجموعة حريدية، الحكومة بأنها "حكومة كراهية وإقصاء الحريديم". وأضافت الصحيفة أن "لبيد جاء إلى السياسة من الإعلام وهو يدرك أن عليه التغطية على الضربات الاقتصادية وخطواته لن تلقى تأييدا واسعا. ولذلك هو يتستر عليها بواسطة هجوم ضد الحريديم. وهذه خطوة شعبوية والإعلام [العلماني] يوافق عليها. والحقيقة هي أن هذا اختراع ليس مسجلا على اسمه، وإنما هو تِركة تلقاها من والده المرحوم"، في إشارة إلى الوزير السابق يوسف لبيد الذي كان معروفا بمواقفه ضد الحريديم.

وفي ردها على محاولات الحكومة تعديل المنهاج التعليمي في المدارس الحريدية نشرت الصحيفة الحريدية كاريكاتورا يظهر فيه لبيد كمجرم علماني، ويعرض على الحريديم تعاطي المخدرات، وتعلم مواضيع غير دينية، ويهددهم بعصا.

ونقلت صحيفة "همودياع" عن عضو الكنيست مناحيم موزيس، من "يهدوت هتوراة"، قوله "لن نغير تراثنا وتعليمنا، وذلك على الرغم من أنهم يهددون بمعاقبة أحفادي إذا لم يتعلموا المواضيع غير الدينية".

 

"حريديم طفيليون"!

وقال نائب وزير المالية الإسرائيلي، ميكي ليفي، من حزب "يوجد مستقبل"، في مقابلة أجرتها معه إذاعة حريدية، إن على الحريديم الاندماج في سوق العمل وألا يكونوا "طفيليين على الجمهور الإسرائيلي".

ورد عليه رئيس حزب شاس، إيلي يشاي: "ماذا كنا سنرد على مقولة كهذه لو أنها صدرت في ألمانيا؟" في إشارة إلى العداء للسامية. وسرعان ما بادر ليفي إلى الاعتذار عن أقواله هذه.

وعقب على ذلك المحلل البارز في صحيفة "غلوبس" الاقتصادية المسائية، ماتي غولان، أول من أمس، بالقول إنه "من الواضح أن الكثيرين من الحريديم هم طفيليون، ولن أعتذر عن هذا القول، لأن هذا هو تعريف دقيق لأولئك الذين يرفضون التجند للجيش والخروج إلى سوق العمل، وبشكل عام فإنهم يرون أنفسهم كأصحاب حقوق زائدة بسبب تدينهم وحريديتهم وقوتهم الانتخابية".

من جانبه اعتبر الأديب والصحافي إيتمار هندلمان سميث، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" اليوم الخميس، أنه من خلال الهجوم على الحريديم "يريد المجتمع الإسرائيلي عمليا ضم الجمهور الحريدي إليه بالقوة. ويريد المجتمع الإسرائيلي إكراه الحريديم على أن يكونوا ’مثل الجميع’. والتيار الإسرائيلي العام ليس مستعدا لأن يستمر في تقبل الحريديم ’كما هم’، فهم الممثلون الصادقون ’لليهودي القديم’ في الشتات. إنهم يبدون مختلفين، ولباسهم مختلف، ويتحدثون بشكل مختلف، وبالأساس هم يفكرون ويعيشون بشكل مختلف. ولا تستطيع إسرائيل، وهي مجتمع يكره كل شيء غريب، مثل العرب والأفارقة، أن تتحمل الحريديم ’كما هم’".

وأكدت الكاتبة في "غلوبس"، رونا حزكيا، أن "العلمانيين في إسرائيل استمعوا إلى خطاب لبيد وشعروا بأنهم هم أنفسهم الذين يتحدثون".

وانتقدت الكاتبة رئيسة حزب العمل يحيموفيتش التي قالت بأن "خطاب لبيد كان جديدا بالنسبة إلى أذن المواطن العلماني، وأذن الحريدي أيضا. ولذلك فإن الرد المتوقع جدا من جانب يحيموفيتش بأن نتنياهو رسم الخطة الاقتصادية، ولبيد كررها عملياً لا علاقة له بالواقع، وهي لا تزال تستخدم نماذج ردود الفعل من العام الماضي".

ورأت الكاتبة كذلك أن "أقوال لبيد لم تخرج من فم نائب في الائتلاف الحكومي منذ فترة طويلة" لأن الحريديم كانوا شريكا مركزيا في الحكومات السابقة.

لكن حزكيا لفتت في نهاية مقالها إلى أمر هام، يحاول لبيد التهرب منه. فكتبت أن تعقيب رئيسة حزب العمل الضعيف على تصريحات لبيد بشأن الضربات الاقتصادية، "إنما يؤكد أن المعارضة يجب أن تبدأ التصرف بموجب ’قوانين السياسة الجديدة’، والتساؤل مثلا: متى سيبدأ لبيد في التحدث بهذا الشكل إلى شركائه المستوطنين؟"، في إشارة إلى حزب "البيت اليهودي"، وإلى ضرورة تقليص الميزانيات الهائلة التي ترصد للاستيطان في المناطق المحتلة، ويتجنب وزير المالية التحدث عنها مركزاً هجومه على الحريديم.

      

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 

"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"