من المتوقع أن يصوّت الكنيست هذا الأسبوع، أو في مطلع الأسبوع المقبل، على أول حكومة منذ 12 عاماً ليست برئاسة بنيامين نتنياهو، هذا إذا لم تتفجّر الاتفاقيات المبرمة قبل طلب الثقة من الهيئة العامة للكنيست؛ والحكومة الافتراضية ستكون برئاسة تناوبية بين زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت، وزعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وهي لا أكثر من لملمة كتل برلمانية صغيرة، مليئة بالتناحرات السياسية والاجتماعية، تلاقت في ما بينها، على موقف رفض استمرار حكم نتنياهو، لا أكثر. وفي حين سيرى الجمهور الإسرائيلي أن الانتخابات الخامسة قد زالت عن جدول الأعمال، على الأقل لعدة أشهر أو أكثر، فإنه سيبدأ بالاصطدام أكثر مع واقع سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية، وبالتالي ارتفاع كلفة المعيشة ككل.
يمكن القول إن انتشار ظاهرة المنظمات والجمعيات العنصرية والمتطرفة- والعنصرية والتطرّف هنا موجّهان ضد كل ما هو عربي بشكل رئيس- هي سمة ملازمة للمشروع الصهيوني منذ بدايته، ولاحقاً، دولة إسرائيل، كاستمرار، وكأداة تنفيذ للمشروع. وهذه الظواهر يُمكن تفسيرها بسهولة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البنية الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية لهذه الدولة وجوهرها الذي يُسهم في إطلاق العنان لهذه المنظّمات، بل وشرعنتها في أغلب الأحيان، كونها لا تختلف معها من حيث الجوهر، وإن وِجدت بعض الاختلافات على صعيد الممارسات والسلوكيات. وفي سياق الحديث عن منظمة "لافاميليا"- كمنظّمة يمينية عنصرية متطرّفة- لا يجوز لنا إغفال حقيقة أن انتشار المنظمات والجمعيات اليمينية والاستيطانية، وكذلك المنظمات التي تعمل في مجالات الحياة المختلفة، هي سمة غالبة للسنوات الأخيرة، خصوصاً بعد هيمنة اليمين الصهيوني بكل ما يتضمّنه من قيم وممارسات وأدوات خطابية، على نظام الحكم، والذي يسعى بشكل مسعور للهيمنة على كل قطاعات المجتمع الإسرائيلي الأخرى، في إطار سعيه لإعادة كتابة تاريخ دولة إسرائيل بعد عقود طويلة من "الإقصاء" والغياب، وهو الأمر الذي نجد ترجمته العملية في العداء الشديد لكل ما هو عربي، أو لكل ما هو "آخر" بالمفهوم الصهيوني.
تتكرّر الفرص وتحتشد تقاطعات الأحداث التي يندلع فيها مشهد العنصريّة المستحكمة في مفاصل المؤسسة والمجتمع الإسرائيليين. أخرج العدوان الأخير على قطاع غزة هذه الصور القاتمة، التي تذكّر بفترات موازية كان المجرم الراهن ضحيّة سابقة فيها، تعود لأواسط القرن الماضي وسط قارة أوروبا. هذه العنصرية الضاجّة الزاعقة، قولا وفعلا، في شكل عنف تنفذه قوى بوليسية مؤسسيّة وأخرى يمينية استيطانية منظّمة في الحيّز العام، تضاف الى العنصرية المتفشية، ولكن "بصمت"، وتمتد من إقصاء لمواطنين فقط لكونهم عرباً باسم يهوديّة الدولة، وما يترتب على ذلك من خلق مكانتين مدنيّتين في جميع قطاعات الحياة: مواطنون كاملون بكونهم يهوداً، ومواطنون أقلّ مواطنة لأنهم عرب.
تشكّل المواجهات العنيفة في شوارع إسرائيل بين يهود وعرب ما يشبه التذكير الموجع بشدة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المستمر في الحياة الاجتماعية، السياسية والدينية لدينا. ولكن في هذا الوقت بالذات يجدر التفكير في الوظيفة التي تلعبها العلاقات الاقتصادية كوسيط وحتى كمحرّك لعلاقات الصراع والتعاون بين المواطنين اليهود والفلسطينيين. من ناحية تاريخية، دفع التنافس على أماكن العمل بمستوطني الهجرة اليهودية الثانية إلى إقامة الهستدروت كوسيلة لتحقيق مبدأ الفصل القومي على المستوى الاقتصادي والتنظيمي. ولكن في العقود الأخيرة، قامت قوى اقتصادية تعود أصولها إلى السوق وكذلك سياسة الحكومة بتوسيع نسيج العلاقات بين المجموعتين القوميتين، حيث تلتقيان أكثر فأكثر في مواقع التشغيل، إعطاء الخدمات والاستهلاك. والسؤال: أي ضوء يمكن أن تلقي به سيرورات الدمج الاقتصادي هذه على مستقبل العلاقات بين الأغلبية والأقلية؟
الصفحة 205 من 859