المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 788
  • برهوم جرايسي

يفتتح الكنيست الإسرائيلي اليوم (الرابع من تشرين الأول) دورته الشتوية، التي من المُفترض أن تستمرّ ستّة أشهر، وهي الدورة الأطول من بين دورتي البرلمان السنوية. وستكون هذه الدورة امتحاناً جدّياً لمدى تماسك الائتلاف الحكومي الحالي، وقدرته على تحدّي المعارضة غير المتماسكة، وأيضاً قدرته على عدم إحداث تشقّقات في الائتلاف، والمهمة الأكبر الماثلة أمام الحكومة هي تمرير الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل.

وتبيّن من مسح لمشاريع القوانين التي أُدرجت على جدول أعمال الكنيست في الدورة الصيفية الماضية (3 أشهر)، وجود 88 مشروع قانون عنصرياً وداعماً للاحتلال والاستيطان على الأقل، وعدد منها سيتم طرحه للتصويت عليه خلال فترة الدورة الجديدة.

وحتى الآن لا يبدو أنّ إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، سيكون سبباً لإسقاط الحكومة، حيث أنه لم تسقط أي حكومة بسبب خلاف حول توزيع الميزانية العامة إلى الآن، وقد نجحت هذه الحكومة في تمرير الميزانية بالقراءة الأولى في الكنيست، مطلع شهر أيلول الماضي، بسهولة ودون عقبات من الائتلاف. ورغم هذا، فإنّ هذه المهمّة لن تكون سهلة أمام الحكومة، وستُظهر أزمات محدودة، وقابلة للحلّ، حتى تستطيع الحكومة مواصلة عملها، هذا إذا لم تحدث مفاجآت جديدة.

كذلك، وفي فترة الدورة الشتوية، سيكون هناك بعض التحدّيات التي لا يُمكن إغفالها أمام الحكومة، بالذات في مجال التشريعات؛ فالحكومة التي ترتكز على أغلبية هشّة سيكون من الصعب عليها تمرير قوانين خلافية، كتلك التي تسعى كتل اليمين الاستيطاني لمعارضتها من باب المُناكفة، لإظهار الحكومة ضعيفة، كما جرى مع تمديد سريان القانون الذي يحرم العائلات الفلسطينية من لمّ الشمل.

التحدي الآخر، ولربما لن يكون كبيرًا، هو مبادرات كُتل المعارضة من اليمين الاستيطاني لطرح مشاريع قوانين ذات طابع عنصري وداعم للاحتلال والاستيطان، لغرض شقّ الائتلاف، إلّا أنه، وكما ذُكر في تقارير سابقة، فإن تصويت كتل المعارضة تلك ضدّ تمديد سريان قانون الحرمان من لمّ الشمل، ألغى حرج نواب اليمين الاستيطاني في الائتلاف الحاكم، إذا ما صوتوا ضد مشاريع المعارضة.

فيما يتعلّق بالموقف من هذه القوانين العنصرية، فإن القائمة المشتركة ستصوّت ضدّها، الأمر الذي سيزيد من النسبة المُعارضة لهذه القوانين؛ 53 مقابل 67 نائباً، في حال بقي الائتلاف متماسكاً.

88 مشروع قانون عنصري وداعم للاحتلال

في تلخيص أجريناه في مركز "مدار" ضمن مشروع الراصد القانوني والسياسي للدورة الصيفية التي انتهت في مطلع شهر آب الماضي، فإنّ أعضاء الكنيست من كتل اليمين الاستيطاني، واليمين بشكل عام، قدّموا على الأقل 88 مشروع قانون عنصرياً وداعماً للاحتلال والاستيطان، منذ مطلع شهر أيار الماضي 2021، وحتى مطلع شهر آب الماضي، وهي الدورة الصيفية الأولى للكنيست. هذا العدد يُسجّل ذروة جديدة في انهماك النواب وتسابقهم على طرح قوانين شديدة العنصرية، ومنها ما لم يتم طرحه سابقاً، الأمر الذي يعكس حالة التطرّف المستفحلة في الشارع الإسرائيلي عموماً، وفي الكنيست على وجه التحديد.

يُمكن القول، وبناءً على التقارير الدورية التي بدأنا في مركز "مدار" بإصدارها بعد انتخابات 2015، ضمن مشروع رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، أن هذه الفئة من القوانين تشهد ذروتها، فمثلا؛ في العام البرلماني الأول للدورة البرلمانية الـ 20 (2015- 2019)؛ أي العام البرلماني الذي يشمل الدورتين الصيفية والشتوية، بادر النواب وحكومتهم إلى 66 مشروع قانون عنصرياً وداعماً للاحتلال، وقد أشرنا في ذلك التقرير الدوري الأول إلى أن ذلك يُسجّل ذروة غير مسبوقة في عدد مشاريع القوانين؛ حيث أن الكنيست أقرّ في العام البرلماني الأول المذكور ست قوانين بشكل نهائي، عدا عن القوانين التي دخلت مسار التشريع، وانتهت الولاية الـ 20 للكنيست (أربع سنوات) بطرح قُرابة 240 مشروع قانون من هذه الفئة، من النواب والحكومة، تم إقرار 41 قانوناً منها بشكل نهائي، وهذا أيضاً مثّل أيضًا ذروة غير مسبوقة منذ العام 1948.

وحتى نهاية الدورة الصيفية، وبعد مرور ثلاثة أشهر على بدء السماح للنواب بطرح مشاريع قوانين على جدول أعمال الكنيست، قدّم النواب 2186 مشروع قانون في مواضيع مُختلفة، اتضح وجود 88 مشروع قانون من بينها تنتمي لهذه الفئة. وفي الإحصاء الذي أجريناه، تبيّن أن 25 مشروع قانون منها يتحدّث عن "الضم المباشر" لأنحاء مختلفة في الضفة الغربية المحتلّة، و10 قوانين تتحدّث عن "الضم الزاحف". تجدر الإشارة إلى أن هذه القوانين مكرّرة، لذلك، نقوم بإدراجها في صفحة رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، في الموقع الرسمي لمركز "مدار"، بهدف عرض حجم الحراك البرلماني حول كل القوانين التي تنتمي لهذه الفئة، من باب التوثيق؛ إذ يُوضّح عدد النواب الذين يُشاركون في ذلك من جهة، ولأنه ليس من المعلوم أياً من تلك المشاريع سيحاول المُبادر/ة عرضه لبدء مسار التشريع فيه من جهةٍ أخرى.
في المبادرة لقوانين الضمّ، نرى أن بعضهم أصبحوا وزراء، علمًا أن غالبية المبادرون من كتل اليمين الاستيطاني، باستثناء كتلة "إسرائيل بيتنا"، التي قد تكون لها مبادرة بهذا الشأن لاحقاً، ولكن حتى نهاية الدورة الصيفية لهذا العام، لم يُسجّل أيّ من نوابها مُبادرة أو مُشاركة في مبادرة لقوانين "الضم".

الأمر البارز في مشاريع قوانين "الضمّ المباشر" هو المشاركة الواسعة لنواب كتلتي المتدينين المتزمّتين؛ الحريديم (شاس ويهودوت هتوراة)، وهذا كان قائماً في السنوات القليلة الأخيرة أيضًا، وهذه المشاركة آخذة في الاتّساع، فقد برز في هذه المبادرات مشروع القانون الذي قدّمه الزعيم السياسي لحركة "شاس"، الوزير السابق آرييه درعي، من خلال طرح مشروع قانون لضمّ منطقة غور الأردن، ومعه 27 نائباً مشاركين له (كلّ نواب "كتلة شاس") وعددهم بالمُجمل مع درعي 9 نواب، و15 نائباً من كتلة الليكود، وثلاث نواب من كتلة "الصهيونية الدينية".

إجمالاً؛ إن كتلتي الحريديم تتوغلان أكثر فأكثر في سياسات اليمين الاستيطاني، وتشاركان في السنوات الأخيرة في سلسلة مبادرات لقوانين عنصرية وداعمة للاحتلال والاستيطان، بما في ذلك العقوبات الجماعية. وفي الولاية الجارية، نرى أيضاً مبادرات فيها تمييز عنصري ضدّ الفلسطينيين في إسرائيل، لكن مبادرة آرييه درعي بالذات، تكتسب أهمية هنا، بسبب مكانة الأخير المتقدّمة في الحلبة السياسية ككل، حيث أنها لم تأتِ من فراغ، ولا كمبادرة إعلان موقف؛ فمبادرة درعي، وبالذات فيما يتعلّق بغور الأردن، تهدف إلى تحدي الائتلاف الحاكم؛ في الوقت الذي تدعو البرامج السياسية لأحزاب 44 نائباً فيه من أصل ائتلاف يضم 61 نائباً إلى "ضم" منطقة غور الأردن المحتلة في الضفة لتكون جزءاً من إسرائيل (كتل: "يوجد مستقبل"- 17 نائباً، و"أزرق أبيض"- 8 نواب، و"إسرائيل بيتنا"- 7 نواب، و"يمينا"- 6 نواب (من دون النائب المنشق المؤيد بطبيعة الحال)، و"أمل جديد"- 6 نواب). لذلك، من المتوقّع أن نرى درعي يطرح هذه المبادرة لاحقاً على الهيئة العامة للكنيست، في حال قرّر تصعيد المواجهة مع الحكومة التي يُعارضها ويتخوّف من سياساتها المالية تجاه مؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية وغيرها.

أما قوانين "الضم غير المباشر"، فغالبيتها جاءت لتسدّ "الثغرة القانونية" التي نشأت بعد أن قرّرت المحكمة العليا عدم دستورية ما يُسمى "قانون التسوية"، وهو قانون سلب ونهب الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها المستوطنون وأقاموا عليها بؤراً استيطانية، أقرّه الكنيست في شهر شباط 2016، وألغته المحكمة العليا بعد ثلاث سنوات من يوم إقراره، بعد أن تم تقديم عدّة التماسات ضدّه. جدير بالذمر أن توقيت قرار المحكمة العليا لم يكُن صدفة؛ فقد جاء بعد أسابيع قليلة من إعلان إدارة دونالد ترامب يوم 28 كانون الثاني 2019، عمّا تُسمى "صفقة القرن"، التي تفسح المجال أمام الحكومة الإسرائيلية لضمّ أكثر من 60% من مساحة الضفة المحتلّة، ولو تم تطبيق ما ورد فيها لكان "قانون التسوية" زائداً حينها. وبعد أن تعثّر تطبيق تلك "الصفقة"، يُبادر نواب اليمين الاستيطاني إلى سلسلة مشاريع قوانين، تهدف إلى تجميد كل القرارات القضائية أو الإدارية، التي صدرت ضدّ بعض البؤر الاستيطانية، إلى حين أن تقوم الحكومة بالبتّ بشأنها.

أما بخصوص ما تبقّى من قوانين "الضم غير المباشر"، فنرى أن أحدها يُنظّم مسألة منح أو عدم منح الإقامة أو المواطنة للفلسطينيين في المناطق التي ستضمّها إسرائيل، وأيضاً فرض أنظمة قانونية إسرائيلية على جوانب الحياة في الضفة، وعلى المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. وهناك أيضًا قانون يُلغي ما تُسمّى بـ "الإدارة المدنية"، ونقل صلاحياتها للحكومة مباشرة، وآخر يقضي بإقامة محكمة خاصة للبتّ في قضايا الأرض في الضفة الغربية المحتلّة.

من بين فئة القوانين هذه، هناك 18 مشروع قانون ينصّ على تشديد العقوبات، وفرض عقوبات جماعية على أهالي المقاومين، وأيضاً عقوبات مالية واقتصادية، وغيرها من القوانين؛ فقد تم طرح 8 مشاريع قوانين تدعو إلى طرد عائلات المقاومين الفلسطينيين خارج "الوطن"، خاصّة كل من يُظهر دعمه وتأييده لابن العائلة، الذي أدانته المحاكمة العسكرية بما تصفه إسرائيل وفق قاموسها بـ "الإرهاب". ومن هذه القوانين ما يدعو إلى إلغاء مواطنة المقاوم، وهذا يتعلّق بالفلسطينيين في إسرائيل، أو إلغاء الإقامة، وهذا يتعلّق بأهالي القدس، وقوانين أخرى تدعو إلى الطرد خارج فلسطين التاريخية، جدير بالذكر أن مثل مشاريع القوانين هذه ظهر في الولاية الـ 20 بكثرة.

تم طرح 5 مشاريع قوانين تدعو إلى اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية ضدّ عائلة المقاومين، مثل مصادرة الأموال، أو مصادرة المخصّصات التي تصل العائلة من السلطة الفلسطينية ومنظّمة التحرير، والحرمان من المخصّصات الاجتماعية، وهذه الأخيرة حالة متعلّقة بأهالي القدس المحتلة والفلسطينيين في إسرائيل. وقانون واحد من هذه القوانين الخمس يدعو إلى مصادرة صندوق التقاعد الخاص بالمقاوم، وهو قانون يحتاج لتعديلات على قانون التقاعد في حال دخل مسار التشريع.

وطرح مشروعا قانونين يهدفان لرفع القيود على فرض حكم الإعدام على المقاومين الفلسطينيين تحديداً، ما يعني أن سريان قانون الإعدام في حالة القتل على خلفية سياسية وقومية سيقتصر على الفلسطينيين دون سواهم. وحكم الإعدام قائم في قانون المحاكم العسكرية الإسرائيلية، ولكن قانون الإعدام يتطلّب إجماع هيئة القضاة الثلاثة في المحكمة، ولم يصدر قرار نافذ بالإعدام في إسرائيل من مطلع سنوات الخمسين، حينما كان قانون الإعدام موجوداً في القانون المدني.

كما وطُرحت مشاريع قوانين تحاول تضييق احتمالات ترشّح العرب من القوى الوطنية للكنيست، من خلال إضافة شروط أقسى من تلك القائمة، وتتعلّق بشرعية المقاومة الفلسطينية. وهناك مشروع قانون بادر له من بات وزيراً للعدل وقدّمه حين كان نائباً، الوزير جدعون ساعر، والذي يضع فيه ثقل قرار السماح بمشاركة قائمة انتخابية بيد لجنة الانتخابات المركزية المكونة من الكتل البرلمانية التي شكّلت الكنيست المنتهية ولايته، في حين يكون من الصعب على المحكمة العليا نقض قرار اتخذته اللجنة، إذ يطلب القانون أن تكون هيئة القضاة لا تقل عن 9 قضاة من أصل 15 قاضياً، وأن قرار النقض يكون بأغلبية ثُلثي هيئة القضاة، استناداً لتركيبة المحكمة العليا التي باتت بغالبيتها من اليمين واليمين المتشدّد.

كذلك فإن أحد القوانين يُحاول حرمان الفلسطينيين في إسرائيل والقدس المحتلّة من رفع العلم الفلسطيني، تحت صيغة "منع رفع أعلام دول وكيانات سياسية ليست ودية"!

المُبادرون للقوانين

بدأ إدراج مشاريع القوانين رسمياً على جدول أعمال الكنيست في مطلع شهر أيار، أي بعد شهر على بدء الولاية البرلمانية الـ 24، بموجب الأنظمة التي تتطلّب وقتاً حتى تصادق طواقم الاستشارة القضائية على مشاريع القوانين، ثم ضمان وجود هيئة رئاسة كنيست حتى تُصادق على القوانين ومنحها رقماً تسلسلياً. ومن المهم الإشارة إلى أن إدراج مشاريع القوانين هي عملية إيداع في الكنيست، ولا يعني ذلك أن كل مشاريع القوانين التي يتم إيداعها ستصل ذات يوم إلى الهيئة العامة للكنيست والدخول إلى مسار التشريع.

كما ذكرنا سابقاً، فقد مرّ 82 يوماً- من يوم الانتخابات- حتى صوّت الكنيست على حكومة جديدة، وخلال هذه الفترة انتقل تكليف تشكيل الحكومة من بنيامين نتنياهو إلى يائير لبيد. وغالبية الفريق الذي يجلس اليوم في الحكومة كان في صفوف المعارضة، أو أن نوابه لم يكونوا واثقين من توليهم مناصب وزارية لاحقاً. لذا نرى بين المبادرين من باتوا وزراء، ومنهم وزراء الصف الأول في الحكومة، مثل من أصبح وزير العدل جدعون ساعر، ووزيرة الداخلية أييليت شاكيد، وغيرهما. وبحسب أنظمة الكنيست، فإنه لا يجوز للوزير أو نائب الوزير أن يُقدّم مشاريع قوانين خاصّة، لذلك؛ فإن مشاريع القوانين التي فاموا بتقديمها، تُصبح على اسم شركائهم في مبادرة القوانين، إذا لم يتولوا مناصب وزارية هم أيضاً. يبقى القول أن المبادرات لمشاريع القوانين تعكس عادة أجندة النائب على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبضمنها ما يتعلّق بمسألة الحريات وأسس النظام الديمقراطي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات