تشير التقارير المالية الإسرائيلية الصادرة في الأيام الأخيرة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتجاوز هذا العام خسائر العام الماضي والذي طغت عليه قيود جائحة كورونا، إذ من المتوقع أن يسجل نموا بنسبة تتجاوز 7%، في مقابل انكماش بنسبة 2.2% في العام الماضي، في حين أن جباية الضرائب فاقت معدل العام 2019، ما من شأنه أن يقلّص العجز المالي الكبير في الموازنة العامة. في المقابل، فإن إسرائيل تبحث حاليا في كيفية تجاوز الاتفاق الدولي الذي ينص على فرض حد أدنى من الضريبة على كبرى الشركات العالمية، رغم توقيعها على الاتفاق، لكونها معنية في كسب المنافسة على بقاء هذه الشركات في اقتصادها وجلب المزيد.
تعكس نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر أيلول الأخير سيرورات تتخذ منحى الثبات والتعمق في الوجهات الرئيسة التي تميز المجتمع الإسرائيلي عموماً، وذلك من خلال الإجابات على الأسئلة التي تتكرر كل شهر في هذا الاستطلاع الذي يُعتبر من أهم استطلاعات الرأي العام التي تُجرى في إسرائيل، نظراً لوتيرة إجرائه الشهرية من جهة، ولاستمرارية عملية الرصد والمتابعة المنهجية في بعض المجالات العينية، التي تشكل جزءاً أساسياً من هذا الاستطلاع بصورة ثابتة ودائمة، من جهة ثانية.
"لم يكن دانيال على اتصال مع والديه المُقيمين في روسيا.... إذا تقرّر دفنه في البلاد؛ نطلب من كل شعب إسرائيل أن يأتي ويُقدّم له التحية الأخيرة!"- هكذا عقّب نوعام أفيتال، رئيس مجموعة "أناس طيبون من أجل جنود منفردين"، على مقتل الجندي دانيال فوكسوف (24 عاماً) الذي يحمل الجنسية الروسية، ووصل حديثاً إلى إسرائيل لتأدية "الخدمة العسكرية" بدون علم والده، وعمل ضمن وحدة الكلاب التابعة للجيش الإسرائيلي، قبل أن يلقى حتفه في حادث سير قبل عدّة أيام. وما يُثير الغرابة حقاً هنا، ليس الحادثة بعينها، وإنّما التعبير الذي يظهر في الإعلام الإسرائيلي بين الفينة والأُخرى: "الجندي المُنفرد".
بالإضافة إلى المحاولات الحثيثة التي من المتوقع أن تبذلها المعارضة خلال الدورة الحالية للكنيست الإسرائيلي والتي بدأت قبل أسبوع، والرامية إلى زعزعة استقرار حكومة بينيت- لبيد، على خلفيات شتيتة، ستشهد هذه الدورة أيضاً إقرار الميزانية الإسرائيلية العامة بالقراءتين الثانية والثالثة، وذلك حتى منتصف تشرين الثاني المقبل.
ولا شكّ في أن الكلام حول الميزانية العامة من شأنه أن يحيل، على نحوٍ مباشرٍ، إلى ما يرتبط بسياسة الحكومة الإسرائيلية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وفيما إذا كانت هذه السياسة تنطوي على تغيير جوهري مغاير عما هو متبع منذ عدة عقود من سياسة تدور في فلك النيوليبرالية. ولعلّ من أبرز معالم هذا الدوران، حسبما تؤكد دراسات العديد من المختصين والخبراء، التخلّي أكثر فأكثر عن برامج الرفاه والإعانات التي تقدمها الدولة بحجّة تعزيز الحوافز التي تشجع الفقراء على الانخراط في سوق العمل، وخفض الضرائب ولا سيما التي تُفرَض على الشركات وعلى ذوي الدخل المرتفع من أجل تشجيع الأغنياء على البقاء في البلد، وتحرير أسواق العملات الأجنبية بغية تمكين الشركات العالمية من ممارسة قدر أكبر من النفوذ وزيادة قدرتها على تحقيق الأرباح في السوق المحلية، وخصخصة أصول الدولة ووضعها في أيدي القطاع الخاص وإزالة القيود التي كانت مفروضة على القطاع الخاص.. وما إلى ذلك.
الصفحة 202 من 883