على النقيض تماما من المكانة السامية التي يحظى بها الأسرى الفلسطينيون لدى شعبهم بوصفهم قيادات وطلائع و"خيرة أبناء وبنات الشعب"، تميل معظم التحليلات والمقاربات الإسرائيلية إلى ترداد وجهة النظر الرسمية – الأمنية، التي تنظر إلى الأسرى الفلسطينيين من زاوية استعلائية عنصرية، فهم مخربون وقتلة ومتطرفون، وأفراد يمثلون خطرا على الجمهور، تحركهم رغبة القتل وليسوا جديرين بأية معاملة إنسانية ولا حتى وفق الحد الأدنى الذي تتيحه القوانين الإسرائيلية للسجناء الجنائيين والمدنيين، وينبغي مطاردتهم وسجنهم وإبقاؤهم رهن الاعتقال مع تشديد ظروف حبسهم. ونادرة هي المواقف ووجهات النظر التي تتطرق للأسرى الفلسطينيين باعتبارهم بشرا ذوي حقوق أولا، ناهيك عن الاعتراف بهم كمناضلين من أجل الحرية.
كشفت الهبّة الفلسطينية الأخيرة عن تحولات عميقة طاولت المجتمع الإسرائيلي في العقود التي شهدت هيمنة اليمين الصهيوني على الحكم، وليس آخرها انتقال المستوطنة وتمثّلاتها الخطابية والأيديولوجية وأجندتها السياسية إلى مركز المشهد السياسي والاجتماعي في إسرائيل؛ إذ استطاع هذا التوجّه، ولو نسبياً، أن يُحوّل كل موجة مواجهة مع الفلسطينيين إلى فرصة لإضفاء شرعية على مشروع المستوطنة؛ بما يتضمّنه هذا المشروع من معانٍ دينية وقومية ولاهوتية، وهو الأمر الذي يُمكن موضعته في إطار عمليات الإزاحة المستمرّة التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي باتجاه اليمين؛ بمفاهيمه وتوجّهاته وخطابه.
ما زالت العناصر التي تتألف منها السردية الإسرائيلية حول الانسحاب الأميركي من أفغانستان آخذة في التبلور، ومع ذلك بالوسع أن نشير إلى سيرورتين يبدو من الآن أنهما سترافقان مسار تبلورها: الأولى، عرض وتحليل المصالح الإسرائيلية في ضوء هذا الحدث الكبير، وارتباطاً بآخر الأوضاع الإقليمية والعالمية، والثانية، تجيير الحدث كمسوّغ لمواجهةٍ مواربةٍ مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، كما يفعل محللون وساسة سابقون محسوبون على نهج الحكومات السابقة بزعامة بنيامين نتنياهو، وذلك لغايات عديدة في مقدمها تحقيق حلم استعادة الحكم.
ولعل أبرز عناصر هذه السردية المرتبطة بالسيرورة الأولى، وحسبما تراكم إلى الآن، عنصر التشديد على أنه في كل ما يتعلق بأمن إسرائيل في الوقت الحالي، وإلى الأبد، لا يمكنها سوى أن تعتمد على نفسها وعلى قوة ذراعها العسكرية. وبموجب كتابات كثيرة بشأن هذا العنصر، توقفنا عند أبرزها الأسبوع الفائت، فإن هذه الخلاصة كانت بمثابة فنارٍ اهتدى به جميع زعماء إسرائيل، بدءاً من ديفيد بن غوريون وصولاً إلى نتنياهو.
أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع الماضي، بالقراءة الأولى، مشروع الميزانية العامة، للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022، ورافق مشروع الميزانية 5 قوانين أخرى ذات صلة، أبرزها ما يسمى "قانون التسويات" الاقتصادية. وعلى الرغم من أن تمرير الميزانية بالقراءة الأولى ليس نهاية المطاف، وأن الضغوط ستتعاظم عند اعداد الميزانية لإقرارها نهائيا في مطلع تشرين الثاني، إلا أن "الهدوء" الواضح في الائتلاف هو مؤشر لاحتمال كبير لإقرار الميزانية العامة نهائيا بدون أزمات، وهذا مؤشر ثبات للحكومة في المدى المنظور.
الصفحة 185 من 859