شهد العقد المنصرم نقاشاً متزايداً حول "جيش النساء"، وحول مشاركة النساء اليهوديات في الجيش الإسرائيلي، وقد تسبّب الأمر مراراً بأزمة بين التيارات العلمانية والدينية، كقضية "تجنيد الحريديم" وإن كان بدرجة أقل، وقد وصل الأمر لأن اعتبر بعض الحاخامات أن تجنيد النساء اليهوديات في الجيش، بمن في ذلك المتديّنات، يُغضب الله ويُخالف تعاليم التوراة. في المقابل ظهرت خلال هذه السنوات، استمراراً لظاهرة برزت خلال العقود الماضية، العديد من الأصوات الإسرائيلية، وتحديداً من الحركات النسوية، التي تُطالب بتحقيق "المساواة بين الجنسين" في الجيش، استناداً إلى ما نصّ عليه تعديل قانون "الخدمة العسكرية" وتعديل 16 (أ) للعام 2000، الذي يُنادي بتحقيق المساواة، وذلك في أعقاب قرار المحكمة العليا المعروف بقرار أليس ميلر، والذي سنتحدّث عنه أدناه. جدير بالذكر أن الخدمة في الجيش، وعلى الرغم من أهمية العامل الديني-السياسي- الأيديولوجي لليهود، إلّا أنها لا تقتصر على ذلك فقط، فقد شكّل الجيش أيضاً بوتقة صهر في إسرائيل، وتأدية الخدمة العسكرية مسؤولة بشكلٍ كبير عن تحديد مكانة الأفراد، والفُرص المستقبلية لهم، وهذا تجلّى في الامتيازات التي يحصل عليها خريجو الخدمة العسكرية، ويتقلّد خريجوها مناصب رفيعة في القطاع الخاص، ومؤخراً في قطاع الشركات التكنولوجية والرقمية.
تتناول هذه المساهمة قضية تجنيد النساء بين الإشكالية الدينية، وبين المحدّدات العسكرية التي تفرضها طبيعة العسكرتارية في إسرائيل.
لعلّ من الأسئلة الهادرة التي أثارتها قضية قيام الشرطة الإسرائيلية بالتجسّس على هواتف مواطنين ومسؤولين وصحافيين بواسطة استخدام برنامج "بيغاسوس"، والتي ما زالت تشغل إسرائيل بكبار مسؤوليها وبرأيها العام ووسائل إعلامها منذ الكشف عنها من طرف ملحق "كالكاليست" (الملحق الاقتصادي التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت") قبل عدة أسابيع، السؤال المتعلق بما يمكن اعتباره موضعة الديمقراطية الإسرائيلية لا بالنسبة إلى المواطنين العرب فيها، إنما أساساً فيما يتعلق بجوهرها وتعاملها مع المواطنين اليهود.
وفي هذا الشأن يمكن اعتبار وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييلت شاكيد ("يمينا") من آخر المسؤولين الإسرائيليين الذين تعاطوا مع هذا السؤال، حيث قالت في سياق مقابلة أجرتها معها "يديعوت أحرونوت" (9/2/2022) إن "دولة تتنصت فيها الشرطة على محتوى هواتف مديرين عامين حكوميين، وأفراد عائلة رئيس الحكومة، وقادة احتجاجات، وصحافيين، هي دولة لا تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية... وآمل بأن يتضح أن التقارير بشأن تجسس الشرطة غير صحيحة وإلا فإن هذه نهاية الديمقراطية"!
"نحن نستبدل الشرطة والجيش"؛ "... نحن في حرب الاستقلال"- هكذا عبّر قائد عصابة من المسلّحين بمسدسات وأسلحة رشاشة مكونة من مستوطنين يهود جاؤوا من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية بين النهر والبحر، مع اختفاء واضح للخط الأخضر، لـ "استعادة الردع اليهودي" و"مهاجمة العرب" و"لمساندة وحماية اليهود من الهجمات العربية"، خلال أحداث هبّة أيار من العام الماضي، والتي اندلعت على خلفية عمليات التطهير العرقي في حيّ الشيخ جرّاح في القدس وحيّ العجمي في يافا والضفة الغربية وغيرها من ممارسات المستوطنين وسياسات الدولة الإسرائيلية الاستعمارية الاستيطانية بحقّ الفلسطينيين في تجمّعاتهم الأربعة على امتداد فلسطين التاريخية، ووصلت ذروتها في اندلاع الحرب على غزة، ومواجهات مع الاحتلال ومستوطنيه عمّت كل التجمّعات الفلسطينية، التي باتت وحدة واحدة في مواجهة منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلية، وتجلّى ذلك بصورته الأوضح في إضراب يوم 17 أيار الذي عمّ أرجاء فلسطين بين النهر والبحر.
ضمت منظمة العفو الدولية (أمنستي) مؤخراً صوتها إلى هيومن رايتس ووتش وعدة منظمات غير حكومية إسرائيلية، وخلصت الى أن إسرائيل تقوم بارتكاب جريمة الفصل العنصري.
يستند هذا الاستنتاج إلى أكثر من مئتي صفحة من الدلائل المتعلقة بمعاملة الفلسطينيين، سواء في إسرائيل نفسها أو في الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
الصفحة 155 من 859