الفيديو المصور الذي نشره الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الثلاثاء 28 حزيران 2022، للأسير هشام السيد (34 عاما)، من بلدة حورة في النقب ويحمل الجنسية الإسرائيلية، أعاد النقاش حول صفقات تبادل الأسرى، والثمن الذي يمكن لإسرائيل أن تدفعه مقابل استعادة جنودها أو مواطنيها، وهو ما فتح باب النقاش الفرعي والحساس حول أهمية هوية الأسير، وان كان ثمة أهمية لكونه مواطنا مدنيا وقع في الأسر لأسباب شخصية، أم جنديا أسر أثناء تأديته لمهمة من طرف الدولة، وكذلك حول بين الأسرى الأحياء وجثث الأسرى القتلى.
الفيديو المصور أظهر السيد - وقع في أسر حماس بعد أن اجتاز الحدود، ودخل إلى قطاع غزة في نيسان 2015- مستلقيا على ظهره، وقد ربط بجهاز تنفس خارجي متضمنا إشارات إلى خطورة وضعه الصحي، خاصة أن الناطق باسم كتائب القسام كان قد أعلن قبل نشر الفيديو بـ24 ساعة أن "تدهورا طرأ على صحة أحد الأسرى لدى المقاومة"، وأن الحركة ستنشر توثيقا يؤكد ذلك.
إعلان الناطق ونشر الفيديو في اليوم التالي، جاء ليقول إن "القسّام" في إعلانها الأخير استغلّت الأوضاع السياسية في إسرائيل، لخلق جو من "الضغط على الحكومة، في ما يتعلق بملف الجنود المُحتجزين" وفق عدد من المحللين السياسيين الفلسطينيين.
إسرائيليا، أثار الاعلان عن نشر الفيديو المصور ردود أفعال من مختلف المستويات، اذ اعتبر مكتب رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت أن نشر حماس للفيديو "يثبت أنها تنظيم إرهابي يحتجز مواطنين يعانون من مشاكل نفسية بخلاف ما نصت عليه المواثيق الدولية" مؤكدا أن دولته ستواصل مساعيها "بوساطة مصرية" حتى تستعيد أسراها ومفقوديها.
رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، يائير لبيد، والذي كان عند نشر الفيديو يشغل منصب وزير الخارجية، قال بدوره تعقيبا على نشر الفيديو إن "إسرائيل ترى في حركة حماس الجهة المسؤولة مباشرة عن وضع المدنيين المحتجزين لديها بخلاف القانون الدولي"، مشددا على ما ذكره بينيت من أن "المحتجزين يعانون من اضطرابات نفسية"، وأن احتجازهم يعد "عملا وحشيا لا يمكن تخيّله" وفق تعبيره.
من جانبه اعتبر بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، في تغريده له على "تويتر" أن "هدف حركة حماس من وراء نشر الفيديو هو الابتزاز"، محملا الحركة المسؤولية "عن سلامة الأبرياء الذين تحتجزهم"، ومتوعدا أن "تدفع ثمن إرهابها الذي تنشره".
شعبان السيد والد هشام قال لموقع "واللا" في اليوم التالي، 29 حزيران 2022، إنه "مستعد للانتظار إلى أن تكتمل صفقة تبادل لا تحرر ابنه وحده"، بمعزل عن بقية الأسرى في قطاع غزة.
سؤال الثمن والمعايير الأخلاقية والأمنية
خلت ردود الأفعال الفورية التي أطلقها قادة إسرائيل، أمنيين وسياسيين، من الحديث عن الاستعداد لدفع الثمن الذي تطلبه حركة حماس مقابل الإفراج عن السيّد وبقية الأسرى المحتجزين لديها، وبدل ذلك صدرت تعليمات للمنظومة السياسية "بعدم التعليق على الفيديو"، وفق ما نشرته القناة 12 على اعتبار أن الفيديو "جاء ليشكل عامل ضغط بهدف تحريك المفاوضات" التي يديرها الطرفان عبر وسطاء خارجيين.
إحدى الصعوبات التي تواجهها مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة، هي عدم وجود إطار مرجعي أو قانوني يمكن الاستناد إليه، وأنها تخضع للاعتبارات السياسية والشخصية النابعة من أولويات وثقافة رئيس الحكومة وقادة الدولة، والثمن الذي يوضع على الطاولة، وهوية الجهة المراد استردادها، وعوامل داخلية وخارجية أخرى ذات صلة بالحالة العامة إقليميا ودوليا.
أجرت إسرائيل، وفق الموقع الرسمي للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، نحو عشر صفقات تبادل أسرى بين الأعوام 1978 و2011 تحرر خلالها آلاف الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب من السجون الإسرائيلية، مقابل جنود وأفراد إسرائيليين وقعوا في أسر المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
والقاسم المشترك بين هذه الصفقات هو أنها تمت بين دولة ومنظمات بخلاف عمليات التبادل التي كانت تتم بسلاسة نسبيا ودون ضجيج إعلامي أو تعقيدات، بين إسرائيل ودول عربية مثل مصر وسورية، اذ تعتبر الصفقات في نظر كثير من الإسرائيليين مكسبا "للإرهاب" ومساسا "بقوة الردع الإسرائيلية" والمنظومة القضائية وأحكامها، كما أنها تُواجَه عادة باحتجاجات من قبل عائلات القتلى الإسرائيليين، وتثير أسئلة أخلاقية واستراتيجية حول من هي الجهة التي ستتحمل مسؤولية الآثار الأمنية التي قد تترتب على إطلاق سراح أسرى، وهو جدل سياسي أمني ومبدئي عقائدي لخّصه رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" معلقا على صفقة تبادل العام 1985 والتي عقدت بين إسرائيل بإشراف وزير الدفاع آنذاك إسحق رابين وتنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، وكان نتنياهو يشغل منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة عند عقد الصفقة، حيث اعتبر أن الصفقة "ضربة قاتلة لكل الجهود التي تبذلها إسرائيل في بلورة جبهة موحدة دوليا في مواجهة الارهاب" وأنها "مخجلة وتعتبر خضوعا للإرهاب"، وأنه سيترتب عليها "تصعيد أمني ورفع مستوى العنف" بالإضافة إلى أن المحررين في الصفقة "سينظر لهم على أنهم أبطال" وهذا الأمر فيه تحفيز على تقليدهم ومحاكاتهم وبعث أمل لدى الآخرين. وختم نتنياهو بأن اعتبر أن إحدى النتائج المباشرة لهذه الصفقة هي "اندلاع الانتفاضة الأولى"، جراء رفد الميدان بمئات الأسرى من ذوي الخبرة والاحترام لدى الجمهور الفلسطيني، وهي قراءة اتفق معها رئيس جهاز الأمن العام- "الشاباك"- يوفال ديسكين، والذي كان يشغل منصب مسؤول الشاباك في شمال الضفة عند تنفيذ "صفقة أحمد جبريل"، بقوله إن تحرير الأسرى هو السبب الرئيس في اندلاع الانتفاضة الأولى بسبب عدد القادة الكبير الذين تحرروا، ونوعيتهم حيث تميزوا بكونهم متطرفين، مضيفا أن تحرر هؤلاء الأسرى القادة كان "سببا في رفع المعنويات في الشارع الفلسطيني".
في محاولة منها لضبط هذا الجدل، تقدمت إسرائيل بمبادرات عدة لتحديد معايير تحديد الثمن الذي يمكنها دفعه في حال وقع أحد جنودها أو مواطنيها في أسر العدو، وكان أبرز هذه المحاولات تشكيل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك للجنة شمغار.
توصيات لجنة شمغار
شُكلت لجنة شمغار في العام 2008 من قبل باراك، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات الأمنية في إسرائيل، في ذروة الجدل الدائر حول الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه مقابل إطلاق سراح الجندي الأسير لدى حركة حماس في غزة جلعاد شاليت والذي ترافق مع حملات إعلامية وجماهيرية ضخمة ومتواصلة بهدف الضغط على المستوى السياسي لاستعادته "بأي ثمن".
ترأس اللجنة، والتي ضمت مسؤولين كبارا في وزارة العدل والجيش والشاباك والاستخبارات العسكرية، رئيس المحكمة العليا السابق مئير شمغار، وحدد الهدف من وراء تشكيلها بدراسة كافة الصفقات التي عقدتها إسرائيل ووضع "معايير ومبادئ التفاوض من أجل افتداء الأسرى والمفقودين"، وقد تم الاتفاق مسبقا على عدم إعلان توصيات اللجنة قبل الانتهاء من مفاوضات التبادل حول جلعاد شاليت وأن تبقى "سرية جدا" وعدم إطلاع الجمهور عليها.
أنهت اللجنة عملها بعد عامين (2010) وسلمت تقريرها الذي بلغ حجمه 100 ورقة للوزير باراك.
بعد إتمام صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس في العام 2011، وإطلاق سراح جلعاد شاليت، نُشرت بعض هذه التوصيات في وسائل الإعلام الإسرائيلية دون تأكيد أي جهة رسمية لمدى دقتها. وقد تلخصت بإبقاء أي مفاوضات في إطار من السرية، وأن يتولى مكتب رئيس الحكومة عن طريق مندوبين يتبعون له مباشرة الإشراف على هذه المفاوضات، ويتم اطلاع الحكومة وطلب مصادقتها فقط بعد التوصل إلى اتفاق، وكذلك الفصل التام بين عائلات الجنود ومتخذي القرار وتجنب التأثير وممارسة الضغط عليهم.
إذا كانت التوصيات أعلاه عامة وتتعلق بآليات إدارة المفاوضات، ولا تشكل عامل استقطاب وجدل، فإن التوصيات التي تلتها وضعت لأول مرة قيمة/ ثمن لكل أسير حيث حددت أن الجندي سيتم افتداؤه بعدد محدود من الأسرى، وأن الجثة ستتم مبادلتها بجثة.
كما حاولت اللجنة أن تصنف الأسرى من حيث الأهمية وليس القيمة فقط، إذ وضعت أربع مراتب للأسرى والمفقودين، يتقدمها الجندي الذي يتم أسره في عملية عسكرية يبادر إليها الجيش، ثم يليه من حيث الأهمية الجندي الذي يتم خطفه، ثم المدني الذي يجتاز الحدود عن طريق الخطأ، وأخيرا المدني الذي يجتاز الحدود عن وعي ولأهداف ذاتية، كما أنها اقترحت إلى جانب الثمن الذي يمكن دفعه ممارسة ضغوط على الجهة الآسرة بما في ذلك "على الأسرى الفلسطينيين في السجون" وعلى شروط اعتقالهم.
لم تعلن نتائج لجنة شمغار رسميا ولا أعلن عن تبنيها بشكل رسمي، ومع ذلك فإنها واجهت انتقادات لاذعة واتهامات بكونها غير عملية، وتمس بالعقد غير المكتوب بين الجندي والدولة، والذي تتعهد فيه الدولة بعدم تركه في أسر العدو، وبذل كل جهد ممكن ودفع الثمن من أجل استعادته، كي لا يؤثر التخلي عنه على الحافز للخدمة في الجيش وعلى معنويات الجنود.
بقيت توصية اللجنة مجهولة وسرّية حتى الآن، وحتى بعد أن عُرضت للنقاش في المجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغر- "الكابينيت"- في العام 2014 لم يتم التصويت عليها.
تشريع قانون الأسرى والمفقودين
خطورة صفقات التبادل وآثارها بعيدة المدى أمنيا وإعلاميا ومعنويا، بالإضافة إلى حساسية إسرائيل تجاه جنودها ومدنييها، وتداعيات بقائهم في أسر العدو على معنويات الجنود واستعداد عائلاتهم لإرسالهم للخدمة، يجعل قضية الثمن يتجاوز الأسئلة الأخلاقية والاعتبارات القيمية، ويمس عصبا حساسا في تركيبة المجتمع الإسرائيلي وتكوينه.
إزاء العجز عن تبني توجهات ومعايير واضحة، بادر الجنرال إليعازر شتيرن، الذي شغل مواقع عسكرية متصلة بهذا النمط من الملفات، حيث كان قبل أن ينتخب عضوا في الكنيست عن حزب "يوجد مستقبل" ووزيرا للاستخبارات، مسؤولا عن قسم القوى البشرية في الجيش، ومسؤولا عن قسم التعبئة والتثقيف، وقائدا لمدرسة الضباط، إلى تقديم مشروع قانون "الأسرى والمفقودين".
حدد مشروع القانون الذي قدم إلى الكنيست في العام 2018 أن أي صفقة تبادل قادمة يجب أن تخضع لمحددات أهمها "أن لا يتحرر أكثر من أسير واحد مقابل أي مخطوف إسرائيلي"، وأيضا في حال الجثامين "أن لا يتحرر أسرى أحياء مقابل جثث"، وفي حال إجراء مفاوضات تكون الحكومة ملزمة بإعداد "قائمة مغلقة" يحق للطرف المقابل أن يختار أسراه منها فقط.
قيّد شتيرن الحكومة بغض النظر عمن يقودها في مشروع القانون بأن لا تحرر أكثر من عشرة أسرى "شريطة أن لا يكونوا متهمين في قضايا تضمنت قتل إسرائيليين"، كما أنه تقدم بتوصية بالاحتفاظ بجثامين الشهداء بغرض مبادلتهم بأسرى أو مفقودين إسرائيليين وهو ما تقوم به إسرائيل الآن.
لا يزال مشروع قانون شتيرن مدرجا على جدول أعمال الكنيست حتى الآن دون مناقشته أو التصويت عليه، وهذا يدلل مرة أخرى على مدى حساسية القضية وخضوعها لاعتبارات لا يمكن ضبطها أو التحكم فيها بشكل مسبق.
هشام السيّد: حيّ يلقى معاملة الميت!
من كل الاستعراض السابق تتضح حساسية قضية وجود أسرى إسرائيليين سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين لدى حركات المقاومة، ونطاق الجدل وعمقه وتداعيات القضية أمنيا وأخلاقيا وسياسيا واستراتيجيا.
لم يخلق هذا الوضع إشكالية وضع معايير للإفراج عن الأسرى مقابل كل مفقود أو مأسور، بل فرض على إسرائيل أن تدفع الثمن في كل مرة، وأن تخصص موارد وأن تدير حملات عسكرية ودبلوماسية هائلة للضغط من أجل استعادة جنودها أو مواطنيها، سوى في حالة هشام السيد والأسير الآخر من أصل أثيوبي أبرها منغستو، واللذيْن تعرف جيدا مصيرهما وأنهما على قيد الحياة ومع ذلك لا تزال تتهرب من دفع الثمن.
التهرب لا ينبع من الثمن المطلوب ولا كونهما "غير عسكريين"، فقد سبق أن عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون في العام 2004 صفقة تبادل مع حزب الله أفضت إلى استعادة ضابط الاحتياط إلحنان تننباوم لم يكن في الخدمة العسكرية ولا أرسل في مهمة رسمية بل اختطف بسبب "أعمال خاصة"، وتضمنت الإفراج عن أسرى كبار وتاريخيين من حزب الله هم مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد وهو ما اعتبره شارون "ثمنا معقولا" مقابل "عدم ترك إسرائيلي في قبضة العدو"، وهو ما يجعلنا نفترض أن السبب يكمن في هوية الأسير وكونه عربيا فقط.
المصطلحات المستخدمة:
لجنة شمغار, باراك, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, نفتالي بينيت