المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 1871

أفاد بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية قبل عدة أيام، أن تحقيقاً تحت طائلة التحذير أجري في نهاية الأسبوع الفائت مع الرئيس السابق لطاقم موظفي ديوان رئاسة الحكومة آري هارو المشتبه به بالاحتيال. وأضاف البيان أنه في ختام التحقيق الذي استمر منذ ساعات الصباح حتى ساعات الليل، تم إخلاء سبيل هارو بشروط من بينها أن يبقى قيد الإقامة الجبرية لمدة خمسة أيام.

وكانت الشرطة أوقفت هارو على ذمة التحقيق فور وصوله إلى مطار بن غوريون الدولي يوم الخميس الماضي.

وقالت تقارير صحافية إن هناك علاقة بين عملية التوقيف هذه والفحص الذي تجريه الشرطة هذه الأيام حول شبهات جنائية منسوبة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بإيعاز من المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت.

وأكدت تقارير أخرى أن التقديرات لدى الشرطة تشير إلى أنه في حال العثور على مواد تُجرّم هارو، فإنه سيتم الاقتراح عليه أن يتحول إلى شاهد ملك ضد نتنياهو.

الجدير بالذكر أن هارو ركّز في الماضي التبرعات لنتنياهو في الولايات المتحدة. وقال مصدر مقرب من الضالعين في القضية إن "المعلومات المتعلقة بهارو ونتنياهو من شأنها أن تحرج الأخير كثيرا على الصعيد العام، لكن ليس واضحا بعد حجم الجانب الجنائي في القضية".

وتفاعلت الحلبة السياسية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة على جه الخصوص، مع انتشار معلومات في وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأن الشرطة تجري فحصا لمعلومات حول تلقي نتنياهو أموالا ضخمة بشكل غير مشروع، والعمل على تبييضها. ويأتي هذا استمرارا لسلسلة من شبهات الفساد التي تلاحق نتنياهو وزوجته، ظهرت في الأشهر القليلة الأخيرة، والتي صدر خلالها حكم ضد زوجة نتنياهو، سارة، بالتعامل الفظ مع المدير السابق لمقر الإقامة الرسمي لرئيس الحكومة.

ولا يعني هذا أن نتنياهو بات في مسار مغادرة الحلبة السياسية بلائحة اتهام، ولكنه يعني أن شبهات الفساد وكيفية معالجتها باتتا تطرحان الكثير من الأسئلة حول سلوك النخب السياسية الإسرائيلية من جهة، وحول فاعلية جهاز القضاء الإسرائيلي في معالجة هذه التهم خاصة خلال العقدين الأخيرين من جهة أخرى.

وكان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت أعلن في ساعة متأخرة من مساء يوم 10 تموز الجاري، وبعد ضغوط إعلامية كبيرة، أنه بناءً على معلومات وصلت اليه وللأجهزة الإسرائيلية، مرتبطة بنتنياهو، قام بالطلب من الشرطة إجراء فحص لهذه المعلومات، موضحا أن هذا الفحص ليس تحقيقا جنائيا.

وكشفت القناتان العاشرة والثانية للتلفزيون الإسرائيلي في برنامجيهما الإخباريين الأسبوعيين، مساء يوم الجمعة 8 تموز، عن أن الشرطة تفحص بشكل سري في الشهرين الأخيرين، معلومات تلقتها من جهات مختلفة، تفيد بتلقي نتنياهو في السنوات الأخيرة أموالا ضخمة لجيبه الخاص، وبشكل غير مشروع، وعمل على تبييض بعضها، ولم تكن تلك الأموال لأغراض انتخابية بل لصرفه الخاص.

وقالت القناة العاشرة إن الشبهة المركزية هي تبييض الأموال ونقل مبالغ ضخمة من نتنياهو إلى أحد أفراد أسرته لصرفها في شؤون ليست سياسية، فيما قالت القناة الثانية إن المحققين ما زالوا في المراحل الأولية من الفحص، وليست لديهم أدلة حازمة تؤكد تورط نتنياهو.

وأضافت القناة الثانية أنه من المحتمل أن يطلب المحققون فتح تحقيق لاستيضاح صحة ودقة المعلومات التي بحوزتهم.

وقال مصدر قضائي إسرائيلي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن الشرطة قد تعلن في الأيام القليلة المقبلة طبيعة هذه الشبهات الموجهة لنتنياهو، الذي قال ردا على هذه التقارير إنها "هراء كبير".

وتأتي هذه القضية بعد أسابيع من تفجر قضية أخرى، في مركزها ما صرّح به الثري الفرنسي اليهودي أرنو ميمران خلال محاكمته في فرنسا في قضايا غش وخداع بعشرات ملايين الدولارات، بأنه نقل قبل سنوات إلى نتنياهو عشرات آلاف اليوروات، وتناثرت في وسائل الإعلام عدة أرقام من 41 ألف يورو إلى 170 ألف يورو، وأن نتنياهو لم يصرّح عنها لسلطة الضرائب الإسرائيلية.

وكانت محكمة فرنسية قد فرضت على ميمران في الأيام الأخيرة السجن لثماني سنوات، ودفع غرامات بعشرات ملايين اليوروات.

شبهات الفساد المنسوبة لنتنياهو وزوجته

وفي ما يلي قضايا وشبهات الفساد المنسوبة إلى نتنياهو وزوجته سارة حاليا، ومنذ ظهور قضايا أولى خلال ولايته الأولى كرئيس حكومة في النصف الثاني من سنوات التسعين:

تلقي وتبييض أموال ضخمة غير مشروعة: هذه القضية الأحدث التي يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بشكل خاص في الأسبوعين الأخيرين. ومن المفترض أن تكشف الشرطة الإسرائيلية رسميا في غضون أيام قليلة عن طبيعة هذه الشبهات، إلا أن الحديث يجري عن أموال ضخمة تلقاها نتنياهو في السنوات الماضية، وليس لأغراض انتخابية.

تلقي أموال من ثري فرنسي: خلال محاكمته في فرنسا في قضايا نصب واحتيال، صرّح الثري الفرنسي اليهودي، أرنو ميمران، بأنه نقل في العام 2009، لبنيامين نتنياهو ما يعادل 170 ألف يورو، وهذا مبلغ لم يصرّح به نتنياهو، وحسب ميمران فإن الأموال كانت لغرض تمويل حملة نتنياهو الانتخابية. أما نتنياهو فيدعي أنه تلقى من صديقه ميمران في العام 2001 ما يعادل 41 ألف يورو، لتمويل حملات دعاية دعم لإسرائيل كان يقوم بها نتنياهو، حينما كان خارج الحلبة السياسية، بين العامين 1999 ونهاية العام 2003.

تمويل مصاريف لبيت نتنياهو الخاص: هذه القضية طفت على السطح أكثر من مرّة في السنوات الأخيرة، بعدة صياغات، منها الصرف الزائد في مقر الإقامة الرسمي لرئيس الحكومة في مدينة القدس، وأيضا شبهات بصرف أموال من الخزينة العامة على البيت الخاص لنتنياهو وعائلته في مدينة قيساريا. وتتورط في هذه القضية زوجة نتنياهو سارة، التي خضعت للتحقيق اكثر من مرّة.

وفي نهاية شهر أيار الماضي، تسرّبت معلومات إلى وسائل إعلام إسرائيلية، مفادها أن الشرطة أنهت التحقيق مع زوجة نتنياهو بتوصية لتقديمها إلى المحاكمة، وقد أثار التسريب ضجة كبيرة في قيادة الشرطة وفي محيط المستشار القانوني للحكومة مندلبليت، بادعاء أن الأنظمة الجديدة تقضي بأن لا تعلن الشرطة توصياتها في قضايا تتعلق بمنتخبي الجمهور.

وبقي نتنياهو، كما يبدو، بعيدا عن دائرة التحقيق في هذه القضية، التي تتورط بها زوجته، وأحد المسؤولين السابقين في مقر الإقامة الرسمي لرئيس الحكومة.

التصرف الفظ مع موظفي المقر الرسمي: في سياق متصل مع قضية المقر الرسمي والبيت الخاص لبنيامين نتنياهو، أدانت محكمة العمل الإسرائيلية زوجته، سارة، بالتعامل الفظ مع المدير السابق لمقر الإقامة الرسمي لرئيس الحكومة، بما يتضمن من إهانات ومطالب عمل غير منطقية. وحكمت عليها المحكمة بدفع غرامة تعادل 46 ألف دولار، للمشتكي. وقد رفضت محكمة العمل العليا طلب سارة نتنياهو بالاستئناف على القرار.

وما تزال في المحاكم دعوى مشابهة أخرى ضد سارة نتنياهو. وكانت تهم مشابهة قد واجهتها سارة خلال ولاية زوجها في رئاسة الحكومة لأول مرة في النصف الثاني من سنوات التسعين. وفي سنوات الألفين واجهت سارة شكوى أخرى من عاملة في منزل العائلة الخاص في قيساريا، تم إنهاؤها خارج أروقة المحاكم.

قضية "بيبي تورز": تتعلق هذه القضية بشبهات حصول نتنياهو وأفراد عائلته على أثمان تذاكر سفر إلى خارج البلاد، من جهات "خارجية"، ومن مستثمرين، بشكل مناقض للأنظمة القائمة فيما يتعلق بسفر الوزراء، إذ يجري الحديث عن الفترة التي كان فيها نتنياهو وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون، من العام 2003 إلى العام 2005. وقد كشف عن هذه القضية في العام 2011، الصحافي رفيف دروكر، أحد الناقدين البارزين لنتنياهو في الإعلام الإسرائيلي، وجرى بث التقرير المطوّل في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، التي حاول نتنياهو مرارا السيطرة عليها، وعمل خلال ولايتي حكومتيه السابقتين مرارا، على ضرب القناة، حينما كانت تواجه أزمة مالية.

في أعقاب نشر التقرير، شرع المستشار القانوني للحكومة في التحقيق في القضية، وانتقل التحقيق إلى الشرطة، وكان الاستنتاج بأنه لم تكن تجاوزات جنائية في هذه القضية. إلا أن المراقب العام للدولة أصدر تقريرا في نهاية شهر أيار ينقض فيه استنتاجات المستشار القانوني للحكومة، ويؤكد وجود قاعدة للمخالفات الجنائية للقانون، ما يستوجب الشرطة بالشروع في تحقيق جديد.

شبهات في ولاية نتنياهو الأولى: خلال ولاية نتنياهو الأولى في رئاسة الحكومة، 1996- 1999، وبعدها، واجه نتنياهو عدة تحقيقات في قضايا فساد، من بينها الحصول على أموال من جمعيات وهمية ومن أثرياء، لتمويل حملاته الانتخابية، بشكل مخالف للأنظمة، ومثل هذه القضية واجهها كل رؤساء الحكومة اللاحقين، إيهود باراك وأريئيل شارون وإيهود أولمرت. وانتهت هذه القضية بالنسبة لنتنياهو بإغلاق الملف.

كما جرى التحقيق مع نتنياهو، بعد فشله في انتخابات 1999، بأنه أخذ معه إلى بيته الخاص هدايا ذات شأن، كان قد تلقاها كرئيس للحكومة، وبموجب القانون يجب أن تبقى الهدايا في مستودعات الدولة. وبموازاة هذه القضية، جرى التحقيق مع نتنياهو وزوجته في قضية شركة نقليات، تم استخدامها لشؤون خاصة على حساب الخزينة العامة، وأن تلك الشركة كانت قد حظيت بعطاءات في مؤسسات رسمية إسرائيلية.
وفي كل هذه القضايا لم يتم توجيه أي لائحة اتهام ضد نتنياهو وزوجته.

والسؤال: ما المتوقع الآن؟
من الصعب الرد بدقة على مصير نتنياهو، قبل معرفة القضية الجديدة ودقة ما ورد في وسائل الإعلام بأنها قضية أموال ضخمة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن قضية كهذه أدت إلى استقالة رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، وكادت أن تطيح برئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، الذي فلت من التحقيقات بسقوطه في غيبوبة دامت ثماني سنوات مات بعدها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات