"هذه المعطيات ترسم صورة قاتمة لواقع بائس ومثير للقلق في ما يتعلق بمسألة العمل والتشغيل بين المواطنين العرب في إسرائيل وبالفجوات العميقة بين المجموعات السكانية المختلفة"! ـ هذه الخلاصة القاتمة هي التي يسجلها مراقب الدولة الإسرائيلية، يوسف شابيرا، في تقريره السنوي للعام 2015 (رقم 66 ج) والذي نشره الأسبوع الفائت (يوم الثلاثاء – 24 أيار)، في الباب الأول، من الفصل الأول، الذي خصصه لتشغيل المواطنين العرب في البلاد.
ويضيف المراقب، في باب تلخيص تقريره في هذا الباب: "وتدلّ هذه المعطيات، أيضا، على أن الخطوات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة في هذا المجال يشوبها نقص واضح، بل كانت غير سليمة وغير ناجعة. وفي الواقع العملي، في امتحان النتيجة النهائية، يتضح أن المواطنين العرب يعانون من تمييز متواصل"!
الموضوع الأول في التقرير!
واللافت في هذا التقرير، هذه السنة، أن مراقب الدولة يولي موضوع تشغيل المواطنين العرب أهمية مركزية، إذ يُفرد له الباب الأول من الفصل الأول (بعنوان "مهمّات عرْضية، مهمّات بين وزارية") في التقرير كله، وذلك تحت عنوان "إجراءات الحكومة لتشجيع دمج المواطنين العرب في سوق العمل"، ويقول في تقديمه للمعطيات: "الموضوع الأول في هذا التقرير السنوي هو إجراءات الحكومة لتشجيع دمج المواطنين العرب في سوق العمل. فنسبة المواطنين العرب من مجمل المواطنين في سن العمل يعادل نحو 20% (خُمس)، لكن بسبب معيقات مختلفة فإن نسبة التشغيل، جودة التشغيل ومستوى المداخيل لدى هؤلاء المواطنين أقل بكثير مما هي عليه لدى المواطنين اليهود ومعدلات الفقر بينهم أعلى بكثير"!
ويضيف المراقب، في التقديم: "المعطيات التي توصلت إليها الرقابة تبين إنه إزاء الصعوبات والمعيقات في تطبيق الخطط متعددة السنوات وفي استغلال الميزانيات المقررة لتطبيقها، لا بد من خطة إستراتيجية طويلة المدى لمعالجة الوضع، وإلا ـ بدون خطة إستراتيجية كهذه ـ فلن تتقلص هذه الفوارق والفجوات العميقة"! ويؤكد: "صورة الوضع المرتسمة عن دمج عمال من المواطنين العرب في سوق العمل قاتمة جدا. وهذه هي الحال، أيضا، بالنسبة للأدوات الداعمة للتشغيل: لا تحسين في وضع شبكة المواصلات العامة إلى البلدات العربية ومنها والحضانات النهارية للأطفال في سن حتى ثلاث سنوات في هذه البلدات قليلة جدا".
من أجل معالجة مشكلة الفوارق والفجوات بين المواطنين العرب واليهود في مجال التشغيل، يشير مراقب الدولة في تقريره إلى "ضرورة مبادرة وزارة الاقتصاد وسلطة التطوير الاقتصادي للوسط العربي ("والدرزي والشركسي"!)، بالتعاون مع ممثلين عن المجتمع العربي، إلى إعداد ووضع خطة إستراتيجية شاملة لتقليص الفجوات. مثل هذه الخطة، ينبغي أن تضمن التزاما واضحا من جانب حكومات إسرائيل برصد الميزانيات السنوية اللازمة للدفع باتجاه المساواة التشغيلية بين المواطنين العرب واليهود في دولة إسرائيل. ونظرا لارتباط هذا الموضوع بمواضيع ومجالات أخرى مختلفة، مثل التعليم، تشجيع المبادرات التجارية وإنشاء مناطق صناعية، فمن المطلوب والضروري أن تكون المعالجة منظومية شاملة تشمل جميع هذه المواضيع والمجالات، لأن مثل هذه المعالجة ـ من خلال التأكيد على دمج المواطنين العرب في سوق العمل ـ من شأنها ليس خدمة مبدأ المساواة والدفع باتجاه تحقيقه فقط، وإنما من شأنها المساهمة أيضا في دفع النمو الاقتصادي العام في دولة إسرائيل"!
نسبة العرب في المؤسسات الحكومية "تؤول إلى الصفر"!
بيّن تقرير مراقب الدولة أن معدلات تشغيل المواطنين العرب ومداخيلهم من العمل أقل بكثير منها في الوسط اليهودي، وأن معدلات الفقر بين المواطنين العرب أعلى بكثير مما هي عليه في الوسط اليهودي.
ففي العام 2013، مثلا، كانت نسبة الفقر (نسبة السكان الذين يقل مدخولهم عن "مدخول خط الفقر") بين العائلات العربية 4ر47%، تعادل 5ر3 ضعف نسبتها بين العائلات اليهودية! وعلى هذا، يعلق تقرير مراقب الدولة بالقول: "عمليا، أخفقت دولة إسرائيل في تطبيق مبدأ المساواة الجوهرية بين مواطني الدولة اليهود والعرب، وفي امتحان النتيجة النهائية ـ وهو الأهم في هذا السياق ـ يستمر واقع التمييز بين مواطني الدولة"!.
وبالرغم من حصول بعض التحسن في معدلات تشغيل المواطنين العرب في خدمات الدولة (القطاع العام)، إلا أن الوضع لا يزال بعيدا جدا عن أن يكون كافيا أو مُرضياً. فبينما يشكل العرب 20% من مجمل المواطنين في الدولة، لا تتعدى مشاركتهم في قوة العمل الكلّيّة في الدولة نسبة الـ 13,%، بينما يشكل هؤلاء (المشاركون في سوق العمل) نحو 5ر50% (النصف) فقط من مجمل المواطنين العرب (النسبة بين النساء هي 2ر30% من النساء العربيات)، مقابل 78% من المواطنين اليهود يشاركون في سوق العمل.
أما في قطاع الخدمات الحكومية والمؤسسات الحكومية المختلفة، فإن نسبة تشغيل العرب "ضئيلة جدا، بل تؤول إلى الصفر" ـ كما يؤكد تقرير مراقب الدولة. وهذا، على الرغم من الارتفاع الذي حصل في نسبة المواطنين العرب العاملين في المؤسسات الحكومية خلال الأعوام من 2007 حتى 2015، من 7ر5% إلى 6ر9% من مجمل العاملين في هذا القطاع. ويقرر تقرير مراقب الدولة هنا: "الأهداف التي وضعتها قرارات حكومية لدفع مساواة المواطنين العرب ودمجهم في خدمات الدولة لم تتحقق. تمثيل المواطنين العرب في الشركات الحكومية الأساسية، بين العاملين وفي الوظائف الإدارية، منخفض جدا، بل معدوم تماما ـ صفر ـ في بعضها"!
فعلى سبيل المثال، كما يبين تقرير مراقب الدولة، نسبة العمال العرب ("أبناء الأقليات"!) في شركة الموانئ الإسرائيلية الحكومية هي 7ر0% فقط، وفي ميناء أسدود (أشدود) ـ الميناء الأكبر والرئيسي في دولة إسرائيل ـ هي 2ر0% (عاملان مسلمان وثلاثة عمال دروز)، وفي شركة "مسارات الغاز الطبيعي لإسرائيل م. ض" ـ صفر! وكذلك هي الحال، أيضا، في الشركات الجماهيرية: ففي سلطة سندات القيمة، مثلا، نسبة العاملين العرب هي 5ر1%، وفي سلطة المطارات ـ 1ر1%، وفي بنك إسرائيل (البنك المركزي) ـ 1%، بينما ليس هناك أي مدير عربي في العديد من هذه الشركات الجماهيرية.
القرارات الحكومية والتصريحات الاحتفالية لا تحل المشكلة!
ويجزم المراقب بأن حجم الاستثمارات الحكومية في الوسط العربي ووتائر التقدم في رصدها وصرفها لا تتيح للخطط الحكومية التي تم وضعها وإقرارها حتى الآن تحقيق أية نتائج جدية على صعيد تقليص الفجوات القائمة بين المواطنين العرب واليهود في الدولة. ويؤكد: "التصريحات الاحتفالية والكلمات المنمقة الجميلة وقرارات الحكومة ـ كلها غير كافية لإحداث التغيير الجدي المطلوب. ثمة حاجة ماسة إلى أفعال وخطوات عملية وإلى ضمان تطبيق هذه الخطط وتنفيذها على أرض الواقع"!
ويعود المراقب في تقريره الحالي إلى تسجيل الحقيقة الأساسية المعروفة بأن "المواطنين العرب عانوا، طوال السنوات كلها، من قلة الميزانيات الحكومية المرصودة لهم في شتى المجالات، وأن الاستثمارات المخصصة لهم ضئيلة وغير مستمرة وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتخذ قرارا استراتيجيا بشأن معالجة الفجوات وسدّها"!
وأظهر الفحص الذي أجراه مكتب مراقب الدولة أن وتيرة استغلال الميزانية التي أقرتها الحكومة للمساعدة في رفع وتحسين مستوى تشغيل المواطنين العرب كانت بطيئة جدا، إذ تم استغلال ما نسبته 28% فقط من هذه الميزانية على مدار ثلاث سنوات، منذ إقرارها في العام 2014.
كما يظهر، أيضا، أنه لم يتم رصد ميزانيات مخصصة للمواطنين العرب في المجالات الخاضعة لمسؤولية سلطة التشغيل، وهي إحدى الأذرع الحكومية المركزية ـ إن لم تكن الأكثر مركزية، على الإطلاق ـ المسؤولة عن معالجة قضايا التشغيل وطرح حلول لها. ويتجسد شح/ انعدام هذه الميزانيات، مثلا، في الفجوة الكبيرة القائمة في مستوى الضغط (ضغط العمل والمراجعين من المواطنين) القائم في مكاتب سلطة التشغيل الموجودة والعاملة في البلدات العربية وتلك الموجودة والعاملة في البلدات اليهودية والبلدات المختلطة: فالموظف الواحد الذي يستقبل الجمهور في مكتب سلطة التشغيل في بلدة يهودية أو بلدة مختلطة يعالج، في المتوسط، 24 مواطنا من طالبي العمل يوميا، بينما الموظف الواحد في مكتب سلطة التشغيل في بلدة عربية يعالج، في المتوسط، 40 طالب عمل يوميا.
وعلاوة على هذا، وجد مراقب الدولة أن هناك "نقصا كبيرا وخطيرا" في عدد الموظفين الناطقين بالعربية في مكاتب سلطة التشغيل بشكل عام!
ووجد تقرير مراقب الدولة، أيضا، أن إحدى العقبات الأساسية أمام تشغيل المواطنين العرب تتمثل في تدني مستوى شبكة المواصلات العامة من البلدات العربية وإليها وأن أحد المعيقات أمام تشغيل النساء العربيات هو غياب وانعدام حضانات الأطفال النهارية للأطفال حتى سن ثلاث سنوات: 6ر12% فقط من هذه الحضانات التي أقيمت في إسرائيل ابتداء العام 2010 كانت في بلدات عربية! ومعنى هذا، في الترجمة العملية في أرض الواقع، أن 10% فقط من الأطفال العرب في سن حتى ثلاث سنوات يتمتعون بمثل هذه الحضانات المعترف بها رسميا والخاضعة لمراقبة رسمية من الجهات الحكومية المختصة، مقابل 23% من الأطفال اليهود في السن ذاتها.
هذا التقرير ليس الأول... لكن، لا شيء يتغير!
من نافل القول التأكيد، بالطبع، على أن تقرير مراقب الدولة الجديد، الحالي، ليس الأول الذي يطرح هذه المشكلة بكل حدتها وتفاصيلها وحيثياتها المتشعبة والقاتمة، إذ سبقته تقارير أخرى كثيرة أصدرها مكتب مراقب الدولة في سنوات سابقة وتطرقت إلى واقع المشكلة وآفاق الحلول، لكن شيئا جوهريا لم يتغير، مما يعني أن المشكلة تزداد تعمقا وتفاقما، كما يؤكد التقرير الحالي.
ففي العام 2007، مثلا، أعلن مراقب الدولة آنذاك، القاضي (المتقاعد) ميخا لندنشتراوس، أنه ينوي الشروع في إجراء تحقيق في أعقاب الكشف في حينه عن أن غالبية الوزارات الحكومية وهيئاتها وأذرعها المختلفة "لا تفعل أي شيء لتحقيق الهدف الذي وضعته مديرية خدمات الدولة بشأن تشغيل عمال من الوسط العربي"!
وكان هذا الحديث يجري، آنذاك، عن الهدف الذي وضعته الدولة ـ بواسطة مديرية خدمات الدولة ـ وتمثل في: أن تصل نسبة العاملين العرب في القطاع العام (الحكومي) إلى 10% على الأقل من مجمل العاملين في هذا القطاع، في غضون خمس سنوات! وفي تلك السنة، 2007، كان مجموع العاملين العرب في القطاع العام 3429 عاملا وموظفا شكّلوا نسبة 7ر5% من مجموع العاملين في القطاع العام في إسرائيل.
لكن، بعد مرور خمس سنوات على هذا "التهديد" (الذي لم يخرج إلى حيز التنفيذ، أصلا) وعلى الهدف المذكور، لم يتحقق سوى القليل جدا ـ مع نهاية العام 2012، بلغ عدد العاملين والموظفين العرب في القطاع العام 5433 عاملا وموظفا عربيا شكّلوا ما نسبته 8% فقط من مجموع العاملين في القطاع العام.
وكان تقرير سابق لمراقب الدولة، من العام 2013، قد أشار إلى أن "الدولة لم تقدم، أبداً، أية تفسيرات أو تبريرات لعدم تحقيقها الهدف الذي وضعته وأقرته هي بنفسها، كما أنها لم تضع هدفا جديدا، محدثا، منذ العام 2012، مما يولد الانطباع بأن ثمة في الحكومة الإسرائيلية من لم يعد معنيا بالتعهد والالتزام في كل ما يتصل بتشغيل المواطنين العرب ودمجهم في سلك الخدمات العامة / القطاع العام وما يتصل، تبعا لذلك، بتقليص الفجوات بين نسبة هؤلاء من مجمل المواطنين في الدولة ونسبتهم من بين عاملي وموظفي القطاع العام"!