المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 2881

أجمعت الهيئات والمنظمات التمثيلية والحقوقية الناشطة في قضية حقوق المواطنين العرب البدو في النقب، وخاصة في القرى التي لا تزال "غير معترف بها رسميا"، أوضاعهم والهجوم الحكومي الرسمي المتواصل على أراضيهم في مسعى لترحيلهم عنها و"توطينهم" في بؤر بعيدة عنها، على أن ما تضمنه تقرير مراقب الدولة الجديد، الذي نشر يوم الثلاثاء الماضي (24 أيار)، حول هذه القضية "يعرض التقصير والإخفاق الحكوميين الخطيرين في كل ما يتعلق بقضايا السكن، التطوير والبنى التحتية في المجتمع البدوي في النقب، غير أن الواقع كما هو أخطر بكثير"!

فتحت عنوان "تنظيم سكن البدو في النقب"، خصص مراقب الدولة في تقريره الجديد فصلاً كاملا امتد على 67 صفحة استهلها بمقدمة تؤكد على أن "لتسوية مسألة إسكان البدو في النقب أهمية قومية من الدرجة الأولى"! ثم أضاف: "في العام 2008، قدمت لجنة شعبية (لجنة غولدبرغ) توصياتها في الموضوع. وقد تبنت المبادئ الأساسية التي شكلت صلب تلك التوصيات ومركزها واتخذت إجراءات لتطبيقها أدت، بين أمور أخرى، إلى تقديم اقتراح قانون في العام 2013 بخصوص تسوية المطالب بشأن الملكية على الأراضي المختلف عليها. وفي كانون الثاني من العام نفسه، عادت الحكومة وسحبت اقتراح القانون المذكور وقررت، في الوقت ذاته، تطبيق خطة اجتماعية ـ اقتصادية لتعزيز البلدات البدوية المعترف بها في النقب"!

وعلى خلفية تسلسل هذه الأمور ـ أضافت المقدمة ـ لم يحصل أي تقدم جدي وحقيقي في مسألة تنظيم إسكان البدو في النقب. بل العكس هو الصحيح، إذ تراجع الوضع وازداد سوءا، بعد سبع سنوات من توصيات لجنة غولدبرغ: فلا حل شموليا لاحتياجات السكان البدو في مجال السكن والإسكان، فيما يزداد عدد هؤلاء السكان باستمرار. أما الإجراءات العملية التي تم تنفيذها لتسوية مطالب الملكية وتسوية موضوع إسكان السكان البدو في القرى غير المعترف بها، فقد أثمرت نتائج ضئيلة وهزيلة جدا، إذ لم ينتقل سوى عدد قليل جدا، هامشي، من بين البدو الموزعين في القرى غير المعترف بها إلى السكن في نطاق البلدات المعترف بها.

ويشدد تقرير المراقب على أن المشاكل الناتجة عن انعدام التسوية الشاملة لقضية سكن وإسكان البدو في النقب تزداد تفاقما وخطورة كلما مرت السنين. ولهذا، "يبدو، إذن، أنه مع مرور الوقت تتضاءل فرص تطبيق مثل هذه التسوية وتتقلص، مما يلزم حكومة إسرائيل بالتحرك والعمل الجاد والحازم، بإصرار ومثابرة، وفي أسرع وقت ممكن، من أجل دفع معالجة هذه القضية، من خلال جهد يرمي إلى تحقيق نتائج جدية. ذلك أن المسؤولية عن هذا الأمر تقع، بالكامل، على عاتق الحكومة وحدها، بصورة حصرية، بالتعاون والتنسيق مع قادة الجمهور البدوي في النقب وممثليه، لأنه عنصر هام وضروري، بل شرط أولي لنجاح هذا الجهد، لما لديهم من قدرة على تجنيد السكان البدو حوله".

خلفية عامة

يبلغ تعداد المواطنين العرب البدو في النقب نحو 200 |ألف إنسان، أكثر من نصفهم في سن ما دون الثامنة عشرة. ويسكن نحو الثلثين من بين هؤلاء في بلدات معترف بها، بينما يسكن الآخرون (نحو 70 ألف إنسان) في مناطق عديدة موزعة خارج نطاق البلدات المعترف بها (التجمعات غير المعترف بها).

ويقول تقرير مراقب الدولة: تشكل قضية تنظيم سكن البدو من التجمعات غير المعترف بها واستقرارهم في بلدات معترف بها أحد التحديات المركزية في تطوير النقب بشكل عام. وقد أدركت حكومات إسرائيل دائما الحاجة الماسة إلى حل هذه المسألة وتنظيم سكن البدو هناك في أسرع وقت ممكن، إلى جانب أهمية دمج السكان البدو في حياة المجتمع الإسرائيلي، من خلال تحسين أوضاعهم الاقتصادية ـ الاجتماعية، بما في ذلك تحسين مستوى الخدمات المقدمة إلى السكان في البلدات المعترف بها.

وفي العام 2007، كلفت الحكومة وزير البناء والإسكان بتعيين لجنة شعبية خاصة لفحص الموضوع وتقديم توصياتها بشأن سياسة تنظيم سكن البدو في النقب. وبالفعل، أقيمت هذه اللجنة وتولى رئاستها قاضي المحكمة العليا (المتقاعد) إليعازر غولدبرغ. وفي كانون الثاني 2009، وفي أعقاب تسلمها تقرير "لجنة غولدبرغ" وتوصياتها، قررت الحكومة اعتبار توصيات هذه اللجنة "أساسا لحل المسألة وتسويتها". وكانت اللجنة قد أكدت في تقريرها على ضرورة أن تتم بلورة سياسة لحل المسألة "في أسرع وقت"، ثم صياغة هذه السياسة في نص قانون خاص لضمان تطبيقها.

وفي أيار 2013، نشرت الحكومة مشروع قانون لتنظيم سكن البدو في النقب، جاء فيه أن موضوعه هو "الجانب القانوني في مسألة تنظيم سكن البدو في النقب، بما في ذلك تسوية المطالب بشأن الملكية على الأراضي في النقب، كما قدمها بعض السكان". لكن الحكومة عادت وسحبت مشروع القانون هذا، في كانون الأول من العام نفسه.

القصورات الأساسية

أظهر الفحص الذي أجراه مكتب مراقب الدولة لهذا الموضوع برمته جملة من القصورات والتقصيرات الحكومية في معالجة هذه المسألة وحلها، في مركزها: لم يتم التوصل إلى تسوية بشأن ملكية الأراضي سوى بشأن 1% فقط من أصل 590 ألف دونم يطالب المواطنون البدو بالملكية عليها، آلاف الأزواج الشابة من البدو يضافون كل سنة إلى دائرة المواطنين الذين لا يمتلكون أي حل سكني ملائم، لم يتم تنظيم مسألة السكن سوى لنحو 3400 مواطن فقط، يشكلون أقل من خُمس مجموع السكان البدو في القرى غير المعترف بها، استمرار واستفحال أزمة البناء "غير المرخص" وأعمال الهدم السلطوية "نتيجة غياب آفاق التطور والتطوير القانونية والمماطلة في إجراءات التنظيم". ويُضاف إلى هذه، أيضا، ما تقوله منظمات حقوقية تتابع قضايا المواطنين البدو في النقب، وفي مقدمته: سد آفاق التطوير والتطور في البلدات المعترف بها، من خلال حرمان السكان هناك من تراخيص البناء، عدم وضع خطط حكومية للتطوير والتخطيط لإقامة بلدات يهودية على أراض تابعة للبلدات البدوية وأهلها.

ومن بين القصورات التي يعددها تقرير مراقب الدولة، أيضا: 1ـ المماطلة في وضع سياسة واضحة لمعالجة المسألة وحلها، ثم في تطبيق مثل هذه السياسة، وهو ما ينطوي على نتائج بعيدة الأثر والمدى على حياة السكان البدو المقيمين في البلدات المعترف بها وفي التجمعات غير المعترف بها، على حد سواء، كما على قدرة الحكومة على التوصل إلى حل لهذه المسألة وتطبيقه مستقبلا، بما لهذا ما انعكاسات على قدرة الحكومة على تطوير النقب واستغلال الأراضي فيه وفق احتياجاتها! 2ـ المماطلة في تسوية مطالب الملكية على الأراضي وتنظيم سكن البدو في التجمعات غير المعترف بها، إذ تبين المعطيات المتوفرة أن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين الدولة وسكان التجمعات غير المعترف بها لكي ينتقلوا إلى السكن في بلدات معترف بها كانت (الاتفاقيات) قليلة جدا ـ مع نحو 3400 مواطن بدوي فقط، يشكلون 3 ـ 5% فقط من مجموع السكان في التجمعات غير المعترف بها. 3ـ العلاقات التبادلية بين الأجسام والهيئات المكلفة بمعالجة الموضوع، وهي تعود إلى وزارات حكومية مختلفة، شهدت صراعات وخلافات عديدة مما أعاق ويعيق الاتصالات مع المواطنين المعنيين ويعيق، بالتالي، فرص التوصل إلى اتفاقيات معهم. 4ـ المماطلة والتأجيل في إجراءات التخطيط، التي تمتد لسنوات أحيانا، مما يحول دون وضع الحلول وتنفيذها كما "يفاقم ظاهرة البناء غير المرخص بين البدو في النقب". 5ـ البنى التحتية في عدد من البلدات المعترف بها (رغم مرور سنوات على الاعتراف الحكومي الرسمي بها)، لم تحظ بأي علاج جدي وحقيقي فلا تزال، حتى الآن، تعاني من حالة متردية سواء في مجال الشوارع أو الربط بشبكة الكهرباء أو توفير مياه الشرب وغيرها. وحيال ذلك، لا يمكن أن تشكل هذه البلدات مركز جذب للسكان البدو القاطنين في تجمعات غير معترف بها، مما يعيق بالتالي إمكانية حل مسألة إسكان البدو وتنظيمها. ويشير المراقب هنا إلى أن هذه القضية بالذات كان قد تم التطرق إليها في تقرير لجنة غولدبرغ المذكور، منذ العام 2008. 6ـ تطبيق القانون في مجال البناء غير المرخص: تراوح هذه القضية في دائرة مغلقة قوامها البناء غير المرخص، ثم هدم هذه الأبنية من قبل السلطات الحكومية المختصة، ثم إعادة بنائها من قبل السكان أنفسهم وهكذا دواليك، من دون أن يتم وضع خطة شاملة ومناسبة لتنظيم البناء القانوني المرخص للسكن، مما يمكن أن يسمح بعرض حلول على السكان الذين يرغبون في الانتقال إلى السكن في بلدات معترف بها. ويؤكد تقرير المراقب: إن استمرار الحال على هذا المنوال من شأنه "تعزيز وتعميق الشعور بالاغتراب لدى السكان البدو ولا يساهم في التوصل إلى حل يضمن تنظيم سكنهم".

التوصيات الأساسية

يضع تقرير مراقب الدولة في هذا الفصل جملة من التوصيات تشمل:
1. تسوية الملكية على الأراضي: على الحكومة أن تعمل جديا وبسرعة لتسوية ما يتعلق بمطالب الملكية على الأراضي. وفي هذا الإطار، يجب أن توضح الحكومة لجميع الهيئات المعنية بالأمر جميع الإجراءات والخطوات التي تنوي اتخاذها لحل هذه المسألة وتحريك عجلات معالجة الموضوع برمته.

2. شرح السياسة الحكومية: بعد أن تقوم الحكومة بإقرار الخطوات والإجراءات العملية التي تنوي اتخاذها في هذا الموضوع، وخاصة مسألة ملكية الأراضي وتنظيم السكن بشكل عام، من الضروري أن تستعد الهيئات الموكلة بمعالجة الأمر من قبل الحكومة جيدا وأن تقوم بشرح السياسة الحكومية المعتمدة لجمهور المواطنين البدو في النقب، بالتعاون مع قادته ورؤسائه.

3. تنظيم العلاقات التبادلية بين وزارة الزراعة و"سلطة التسوية" الحكومية: ينبغي على هذين الجسمين الحكوميين تنسيق العمل بينهما وتنظيم علاقات العمل المتبادلة بينهما في المجالات المختلفة، ثم العمل من خلال التعاون المشترك من أجل تحقيق الهدف المركزي ذي الأهمية القومية العليا ـ تنظيم سكن البدو في النقب.

4. تسريع إجراءات التخطيط والتنظيم: يجب على وزارة الزراعة، على لجان التنظيم ومؤسسات التخطيط والتنظيم الرسمية الأخرى في الدولة العمل السريع، بالتنسيق والتعاون، من أجل تنفيذ وإنجاز الإجراءات التنظيمية اللازمة، في أسرع وقت ممكن. وفي هذا الإطار، ينبغي إتمام بلورة الخطة الشاملة ـ التي ورد ذكرها آنفا ـ لتسوية المسألة، بما تتضمنه من حلول لقضية إسكان البدو في النقب.

5. تطوير البنى التحتية الأساسية في البلدات المعترف بها: ينبغي على وزارة الزراعة مواصلة العمل الجدي والحازم من أجل تحقيق التزام مالي طويل المدى يضمن تطوير البنى التحتية الأساسية الناقصة في البلدات البدوية المعترف بها، وعلى الحكومة مد يد العون في هذا.

6. تطبيق القانون: يجب مواصلة العمل في معالجة موضوع البناء غير المرخص من خلال بلورة سياسة واضحة بشأن سلم الأولويات في مجال تطبيق القانون في البلدات البدوية في النقب، وذلك كي يكون من الممكن الشروع في تطبيق هذ

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات