شهدت السّاحة الثقافية العبرية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة شبهَ معركة أثارها وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت وطاقمُ مَكتبه على أثر إخْراج رواية الكاتبة دوريت ربينيان "جدار حَيّ" من قائمة الروايات المقرّرة لطلاب اللغة العبرية في المرحلة الثانوية في المدارس اليهوديّة، بحجّة أنّ هذه الرواية تدفَع لإضعاف ومَحْو الهويّة اليهوديّة الخاصّة، وتُشجّع الفتيات اليهوديّات على إقامة عَلاقات عاطفيّة مع الشباب العرب.
وبعيدا عن المواقف المتناقضة، ما بين المؤيّد والرّافض المهاجم التي شهدتها السّاحة الثقافيّة العبريّة في الأسابيع الأخيرة، قرأت الرّواية في طبعتها التّاسعة.
تبدأ الرواية بدقّات على باب بيت في مدينة نيويورك، تسكن فيه ليئات الفتاة الإسرائيلية ابنة التاسعة والعشرين طالبة اللقب الثاني في جامعة تل أبيب، وتُفاجأ عندما تفتح الباب، باثنين من أفراد الشّرطة السّرّية يدخلان ويحقّقان معها حول سبب وجودها، وما تقوم به، ولأيّ غرض هي موجودة في نيويورك. ويكشف العَميلان السّرّيان بعد الاطمئنان إلى شخصية ليئات، وأنها لا تُشكّل خطرا أمْنيّا، أنّ أحدَ المواطنين اتّصل بالشرطة، ونبّه إلى وجود فتاة ذات مَلامح شرقيّة تُثير الشكوك، وقد تُشَكل خطرا ومن الجدير التّحقّق منها. وأنّ هذا المواطن ترَصّد ليئات وتبعَها حتّى عرف مكانَ سُكناها ودلّ الشرطة على العنوان. يعتذر العَميلان السّريّان من ليئات، وتُسارع بعد خروجهما، إلى المقهى القريب حيث هي على موعد مع صديقها أندرو. وهكذا يكون اللقاء الأوّل بين ليئات الإسرائيليّة ذات الأصول الإيرانيّة وحلمي الفلسطيني ابن السّابعة والعشرين الذي جاء مبعوثا من قبل أندرو صديق ليئات ليُخبرها أنّ أندرو لن يحضر. وخلال الحديث يتعرّف كلّ منهما على الآخر. تُعجَب ليئات بحلمي وتُثيرها كلماته وتصرّفاته، وتجد نفسَها منجذبة إليه لما يتمتّع من جاذبيّة وبتأثير ما كانت قد سمعته عنه من صديقها أندرو، خاصة عندما تعرف أنّه رسّام موهوب.
تلبّي ليئات دعوة حلمي لمرافقته إلى بيته لرؤية لوحاته، وتكون رحلة سَير طويلة وشيّقة في شوارع نيويورك يتبادلان الأحاديث والقصص، كلّ يحكي قصّته للثاني. وفجأة يكتشف حلمي أنّه أضاع مفتاحَ باب بيته، وتبدأ عمليّة البحث والرّجوع إلى الأماكن التي كانا فيها رغم التّعب والجهد. تُصرّ ليئات على متابعة الطريق مع حلمي، وعدم تركه وحيدا، وأخيرا يصلان إلى الشخص الذي وجد المفتاح. ثمّ يُتابعان طريقهما إلى بيت حلمي في منطقة بروكلين، وبعد قضاء سهرة ممتعة يبيتان معا، وتكون هذه الليلة بداية لقصة حبّ بين ليئات اليهوديّة الإسرائيليّة وحلمي الشاب الفلسطيني.
قصّة الحبّ هذه كانت منذ لحظاتها الأولى محكومة بحدود المكان والزّمان.
المكان مدينة نيويورك حاضنة هذا الحبّ والموفّرة له كلّ الظروف والإمكانيّات، وشوارع نيويورك وأماكن اللقاء المختلفة الحارسة والحاضنة.
والزمان محَدّد، فقد جاءت ليئات إلى نيويورك عن طريق صندوق فولبرايت الدّاعم للطلاب الجامعيين، حيث فازت بمنحة دراسيّة لمدة ستة أشهر، ستعود في آخرها إلى البلاد وتسكن في حي منهاتن الغنيّ، بينما حلمي جاء إلى نيويورك قبل أربع سنوات (عام 1999) يحمل شهادة فنّان ويسكن في حيّ بروكلين الفقير.
منذ اللقاء الأول صارح كلّ من ليئات وحلمي صديقَه بكلّ المعلومات، ولم يخفِ عنه أيّة صغيرة وكبيرة. وقصّ الواحد على الثاني سيرة حياته، وكشفَ له كلّ المواقف والقصص الحرجة التي عاشها. وطرح أمامه الأفكار التي يؤمن بها ويتبنّاها. فليئات الطالبة الجامعيّة ذات الميول اليساريّة تؤمن بحقّ الشعب الفلسطيني في الحريّة، وترفض كلّ الممارسات العدائيّة التي يقوم بها جندُ الاحتلال ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني، وطالما تصادمت مع أفراد أسرتها ومعارفها وبعض زملائها في الجامعة بسبب إدانتها لممارسات الجنود في الأراضي المحتلّة وتأييدها لإنهاء الاحتلال وحقّ الفلسطينيين في دولة مستقلّة إلى جانب دولة إسرائيل. وحلمي الفلسطيني كان قد هُجّر مع أسرته من قريته المسميّة قرب مدينة اللد عام 1948 وأقاموا في مخيّم لاجئين قريبا من مدينة أريحا، ومنها رحلوا إلى مدينة الخليل عام 1967، وقد اعتُقل وهو في الخامسة عشرة من عمره لمدّة أربعة أشهر بسبب رَسْمه العلم الفلسطيني على حائط في مدينة الخليل. وبعد فترة سجنه تركت أسرته مدينة الخليل، وسكنت مدينة رام الله. في عام 1996 أرسلته عائلته إلى العراق ليدرس في جامعة بغداد، وفي عام 1999 سافر إلى الولايات المتحدة حيث التقى بليئات. وحلمي كمعظم المثقّفين الفلسطينيين يؤمن أنّ حلّ النّزاع الفلسطيني الإسرائيلي يكونُ فقط بقيام دولة واحدة تضمّ الشعبَين معا بعد أنْ غيّر جيش الاحتلال والمستوطنون جغرافية الأراضي الفلسطينيّة ومنعوا كلّ إمكانيّة لتقسيم البلاد إلى دولتين. برغم الاختلاف في وجهات النظر والمواقف يتعايش حلمي وليئات ويستذكران المواقف الجميلة والحرجة التي عاشها كلّ منها.
كان منَ الممكن أنْ تستمرّ قصّةُ الحبّ هذه كالعديد من القصص العاطفيّة التي قرأناها، لكنّ خصوصيّة العلاقات التي تتحكّم وتُقيّد تصرّفات وحتى أفكار كلّ من ليئات اليهوديّة الإسرائيليّة وحلمي العربيّ الفلسطينيّ تجعل من قصّة حبّهما قصّة متميّزة فريدة تُلقي بظلالها على كلّ مَنْ له علاقة بهما وبقضيّة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي.
حلمان متناقضان!
كان موقف حلمي الشّابّ الفلسطيني في علاقته العاطفيّة مع ليئات اليهوديّة أكثر انفتاحا وتفهّما وقُدرة على استيعاب الآخر ومُستعدّا لتَناسي أحقاد الماضي وويلاته ومآسيه، وقابلا للتّعايش السّلمي في واقع جديد يسودُه الأمنُ والتّعاونُ والسّلام، فهو لم يشعر بأيّ حرَج في قصّة حبّه مع ليئات، فقد عَرّفها على أشقّائه وأصدقائه، وسهر برفقتها معهم، وتبادلوا الأحاديث والأفكار. بينما ليئات كانت تتحاشى إخبارَ أفراد أسرتها بقصّة حبّها لحلمي، وترتعبُ إذا ما شكّت بإمكانيّة معرفتهم. كذلك كانت تتحاشى ظهورَها معه، وتُخفي قصّة حبّها أمام أيّ يهوديّ إسرائيلي تُصادفه، حيث إنّ اليهودي الإسرائيلي لا يثق بالآخر، ويقف منه موقفَ الحذر والتّرَقّب، وليس على استعداد لائتمانه والركون إليه وقُبول التّعايش معه في حياة مشتركة آمنة.
هكذا تحدّدت الحواجز التي تفصل بين ليئات وحلمي، وحالت دون امتزاجهما وتوحّدهما منذ بداية تعارفهما، وزادت وضوحا مع استمراريّة العلاقة وتطوّر الأحداث والمواقف.
وقد تمثّلت هذه الحواجز- بحسب الكاتبة- في: ليئات تنتمي إلى الطّرف الأقوى المحتَلّ للغَير، غير مستعدّة للتنازل عن مواقفها وأفكارها التي تؤمن بها وعن حقّها الذي تراه. وبالمقابل يبدو حلمي الطّرف الأضعف، المحتَلّ من قبل الغَير، يعترف أنّه يفتقد ثلاثة أمور يعتزّ الرجل بها ويُفاخر وهي: لا يقودُ سيّارة، ولا يعرف السّباحة في البحر، ولم يحمل بندقية ويطلق رصاصة في حياته. لكنّه يحلم بأنّه سينجح، يوما ما في المستقبل بالعَيْش مع الغير (اليهودي) في وطن واحد كبير، ويسبح معه في نفس البحر الذي لا يملك الآن غيرَ إمْكانيّة النّظر إليه من بعيد. وليئات رغم اندفاعها في حبّها لحلمي إلّا أنّها كانت تَعترفُ دائما أنّ لهذا الحبّ نهاية. وأنّه حبّ غير مَرضيّ عنه من قبل أهلها وشعبها ومجتمعها. وتُدرك في لا وعيها استحالةَ نهايته السّعيدة. لأنّها على قناعة أنّ حلمَها لا يلتقي مع حلم حلمي. فهو يحلم بوطن واحد يجمعهما، وببحر واحد يسبحان فيه، وبحياة جميلة تضمهما، وهي من جهتها ترتعب من إمكانيّة تحقيق حلمه، فهي تريده حبيبا يعيش في وطن مستقل غير وطنها، لا يُشاركها في ملكيّة البحر، ولا حقّ له في هذا البحر. هي تخاف حلمه، ورغم انتقادها للجدار الذي يُقام بينهما إلّا أنّها تشعرُ بالرّضى والقبول لأنّها ترى فيه واقيا وحاميا لها من حلمي وحلمه، ويشعرها بالأمان والطمأنينة. هكذا كانت ليئات واضحة وحازمة مع نفسها في موقفها من حلمي وحلمه المستقبليّ، فقد شعرت بعَدَم الرّضى عندما سمعته في الليلة الأخيرة التي جمعتهما في نيويورك، يحجزُ تذكرة للعودة إلى أهله ووطنه بعد مغادرتها لنيويورك بشهرين. وبعد عودته إلى رام الله تركته يعيش سعيدا فرحا مع أفراد أسرته، وفي البيت الذي استأجره في بلدة جفنا، ورضيت عن ترميمه للبيت والحديقة. لكنها لم تقبل أبدا بمجرّد تفكيره بتَعدّي الحدود التي وضعتها له. فمكانُه في الأراضي المحتلة، ولا مَكانَ له داخل إسرائيل، ففي هذا تعَدٍّ وخَطر وتهديد لاستقرارها ووجودها. وأنْ يُفكّرَ شقيق حلمي شادي وسهام بالسّباحة في بحر يافا أمرٌ غير مقبول. فالبحرُ بحرُها وترفض انتهاكَ الغريب له، وإعلان كبير بخطّ واضح، وبالثلاث لغات يُحذّر "السّباحة ممنوعة"، وإذْ تجاهلَ شادي وسهام هذا التّحْذير جعلت البحر يوقعهما في مخاطر مفزعة، وأخيرا يلفظهما إلى خارجه. وحتى حلمي كانت عاقبته وخيمة عندما فكّر بتجاوز الممنوع والتّحْذير بتَحَدّي البحر ومواجهته لتَخليص شادي وسهام من خطر الغَرق، ونزل إلى البحر يُصارع الأمواج ويتلقّى ضرباته، فقد انتقم البحرُ منه وابتلعه وأنهى حياته. وبذا توضّح ليئات حدودَ المسموح به لحلمي وأبناء شعبه: عليكم الاكتفاء بالحلم فقط. فهذي الأرض لنا، وهذا البحر لنا، وهذا الجدار الذي نُقيمُه سيفصل بيننا ليحمينا ويُوَفّر لنا الطمأنينة والأمن.
وزعت الكاتبة روايتها على ثلاثة فصول: خريف، شتاء وصيف.
كان من الممكن أن تنهي الكاتبة القصّة برحيل ليئات وعودتها إلى البلاد، وأن تقتصر أحداثها على فترة اللقاء في نيويورك. لكنّ الكاتبة لم ترغب في تَقديم قصّة حبّ مجرّدة تجمع بين عاشقين: إسرائيليّة وفلسطيني، وتتعرّض لسهام النّقد والتّقريع وحتى العدائيّة من المتربّصين بها وبكلّ صاحب ميول يساريّة يرى أنّ حلّ النّزاع الفلسطيني الإسرائيلي يتحقّقُ بتوفير الحريّة والاستقلال والعَدل للشعبين بقيام دولتين متجاورتين مستقلّتين.
الكاتبة أرادت أنْ تعرض آراءَها ومواقفَها ووجهةَ نظرها في حلّ قضيّة النزاع بين الشعبين. وأرادت بشكل خاصّ هادف أنْ تؤكّدَ استحالةَ إيجاد الحلّ لأنّ الوقائع الجغرافيّة وتَشابك وتداخل الشعبين صَعّبَ إمكانيّةَ الفصل، ولم يبق من حلّ إلّا قيام دولة واحدة ثنائيّة القوميّة للشعبين. وهذا ما يراه حلمي وشقيقُه وأغلب مثقفي الشعب الفلسطيني، وترفضه ليئات وكلّ اليسار الإسرائيلي حيث ترى في حلّ كهذا دَمارا للدولة وقضاء على الحلم الصّهيونيّ الذي نجح في إقامة كيان يهوديّ يجمع كلّ الشعب اليهوديّ في دولة واحدة. ليئات ترفض حلّ الدّولة الواحدة للشعبين لأنها ترى في ذلك خطرا عليها وعلى مستقبل شعبها ودولتها اليهوديّة. فهي تصف لحلمي، في لقاءاتهما الأولى، مشاعرَ الخوف والفَزع التي كانت تُصيبها وهي ابنة الخامسة عشرة في طريقها إلى المدرسة يوميّا حيث تمرّ أمام العمّال الفلسطينيين العاملين في تل أبيب وهم يتابعونها بنظراتهم وتخاف أن يخطفوها كما خطفوا غيرها، تسير وهي تتحسّس الدبابيس القاتلة التي تُخْفيها لتحمي نفسَها إذا ما هاجمها أحدُهم. قصّة حبّ ليئات وحلمي، وبإدْراك وتفَهّم وقُبول كامل منهما، كانت مُقتصرةً على فَصْلَي الخريف والشتاء لمدّة ستّة أشهر، الفترة التي حدّدتها منحة فولبرايت التي فازت ليئات بها وجاءت بسببها إلى نيويورك، وانتهت العلاقة يوم العشرين من أيّار المحدّد لنهاية الفترة بالفراق بين الحبيبَين وعودة ليئات إلى إسرائيل.
سمات التعالي والتزييف والادعاء!
ليئات التي كانت طبيعيّة في سَردها لقصّة حبّها مع حلمي في مختلف المواقف والمجالس والحوارات، بدَتْ مبتذلّةً ومتعاليةً ومزيّفةً ومدّعية في روايتها لتفاصيل حياة حلمي بعد عودته لأهله في رام الله حتى لحظات ابتلاع أمواج بحر يافا له. فليئات التي فزعتْ ساعة أخبرها حلمي برغبته في السفر إلى الأهل والوطن، واهتمّت أنْ يبقى في رام الله وجَفْنا بعيدا عن تل أبيب ويافا لا يُمْكنها أنْ تتقمّصَ شخصيّتَه وتتكلّمَ بلسانه وتُعَبّر عن مشاعره وأفكاره وأحلامه. وكان الأفضل لو تركته هو يروي بنفسه عن نفسه.
أصَرّت الكاتبةُ على إضافة فصل ثالث للقصّة بعد فصلَيِ الخريف والشتاء، وأسْمَتْهُ "صَيْفا"، وتجاهلت وجودَ فَصْل ربيع وهو معدومٌ في قصّة حبّ ليئات وحلمي، وقفزَتْ مباشرة إلى فصل الصيف، حيث حملَتْ حلمي ونَقلَتْه من نيويورك سالما إلى أسرته وبيته في مدينة رام الله، وتركته يتنقّل في الضفّة الغربية ليصلَ قرية جَفْنا ويختارها سَكنا مؤقتا له مُدّة بقائه في الوطن. وخلال كلّ هذه التّحرّكات كان حلمي مَحْكوما بما ترويه عنه وبلسانه ليئات، فهي النّاطقةُ باسمه والمصوّرةُ مشاعره والمترجمةُ أفكاره. وكلّ هذا مَقبولٌ طالما حلمي يخضعُ للقيود التي تُريدها له ليئات نيابة عن الكاتبة بتَحْديد حدود الدولة التي يُسْمَح له التّنقّلَ فيها بعيدا في الضفّة الغربيّة خارج حدود دولة إسرائيل.
ولأنّها تعرفُ أنّ حلمي كغيره، يُراودُه الحلمُ الكبير بدولة واحدة للشعبَين، وببحر واحد يسبحُ فيه ويتمتّع مع حبيبته ليئات، قرّرت الكاتبة دوريت ربينيان أنْ تقضيَ على حلمه الكبير هذا بزيادة فَصْل على قصّة حبّهما بحَمْله من نيويورك، حيث بدأت وانتهت قصّةُ معرفته وحبّه لليئات، وأحضرته إلى أهله ودولته التي اختارتها، ورسمت حدودَها له في الضفّة الغربيّة، مُستخدمة ليئات، مَنْ أحبّها حلمي وتأكّد منْ إمكانيّة الحياة المشتركة معها، لتكون القَيّمةَ عليه والمراقبة لحركات تنقّلاته والنّاطقةَ بلسانه والمعبّرةَ عن مشاعره ورغباته وأفكاره. وإذ تأكّدت من تمسّكه بحلمه بوطن واحد للشعبين، وإصْراره على تحقيقه بالتّوجّه مع شقيقيه مروان وشادي ومعهم سهام إلى تل أبيب وبحر يافا، وتجاهل التّحذير باللغات الثلاث بمنْع السّباحة في البحر، قرّرت الكاتبة حَسْمَ الموقف بجَعْل بحر يافا يُثيرُ فزَعَ ومخاوفَ شادي وسهام ويوصلهما حَدّ الإحساس بالموت ومن ثمّ لفظهما خارجَه بعيدا على الشاطئ ليعودا إلى رام الله حيث حدّدَت الكاتبةُ مكانَ إقامتهما. وإذْ رأت أنّ حلمي رغم عدَم معرفته السّباحة يُصرّ على النّزول لبَحر يافا لينقذَ شادي وسهام من غَدْر الأمواج والموت المحقّق، قرّرت أنَّ الحلّ الوحيد الذي تضمنُ به نهائيّا القَضاءَ على حلم حلمي بوطنٍ واحدٍ وبحرٍ مشتركٍ هو أنْ تتركَ بحر يافا الذي حلمَ به، وعاشَ عمرَه ينتظرُ اللقاءَ به والتّوحّدَ معه يكونُ القاتلَ لحلمه والمنهي لوجوده.
وبهذه النّهاية لهذا الفصل الزّائد على القصّة أصلا أرادَت الكاتبة دوريت ربينيان أنْ تؤكّد اقتناعَها، بعد عَرضها لقصّة الحبّ القصيرة العَنيفة بين ليئات اليهودية وحلمي الفلسطيني، أنّ مشاعرَ الحبّ والإنسانيّة قد تكونُ وتتشابكُ بين أفراد الشّعبَين اليهودي والفلسطيني، ولكنْ لا إمْكانيّة للتّفاهم والتّصالح والتّعايش، ولا حَلّ ممكن لقضيّة النّزاع بين الشّعبَيْن الفلسطيني والإسرائيلي.
______________________________
(*) ناقد أدبي فلسطيني- الرامة (الجليل)