المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 6547

"نساء الشالات"، أو بتسميتهن الأكثر شهرة "نساء طالبان"، هن مجموعة من النساء اليهوديات المتزمتات دينيا، ويسكنّ بالأساس في الأحياء الحريدية في مدينتي القدس وبيت شيمش، ويشكلن ما يشبه طائفة منعزلة ومتقوقعة، تميزها عن غيرها نساء هذه الطائفة، وهنّ منقبات ويضعن شالات وقطع القماش على أجسادهن من رأسهن حتى أخمص أقدامهن، ويحرصن على ألا يبرز أي شيء من أجسادهن أو شكل أجسادهن. ولذلك تعتبر هذه الطائفة الأكثر تطرفا من حيث التزمت الديني.

ويبلغ حجم هذه الطائفة عدة عشرات من العائلات، إضافة إلى ما بين عدة مئات إلى آلاف العائلات من طوائف أكثر اعتدالا، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 22 أيلول الفائت. رغم ذلك، فإن هذه الطائفة تثير ضجة أكبر من حجمها بكثير. وهي الطائفة الحريدية الوحيدة التي تسيطر فيها النساء وتتخذ القرارات. والميزة الأساسية والوحيدة لهذه الطائفة هي اللباس الخارجي للنساء. وهن يخرجن من بيوتهن فقط في حال كن مضطرات لذلك. وبعض هؤلاء النساء لا يكتفين بوضع النقاب وتغطية أجسادهن بقطع قماش، وإنما يضعن جسما معدنيا على رؤوسهن، تحت القماش، كي لا يتمكن أحد من تمييز شكل الرأس أيضا.

وهن يهرولن في الشارع بخطوات سريعة، لأنه "لا يجوز التباطؤ في الشارع، كي لا يُغرى الرجال، لا قدر الله"، حسبما أوضحت إحداهن. وأضافت أنه "لا نغطي الوجه في البيت. والنساء المتزوجات يضعن خرزات كبيرات فوق الشال في البيت، لأنه على النساء أن يتزينّ من أجل الزوج". و"النقاب" لدى هؤلاء النساء عبارة عن قطعة قماش كبيرة تغطي الجسد كله، بينما الشال هو قطعة قماش أقصر، ويغطي الجسد من الكتفين ولا يوضع على الرأس.

وبسبب لباسهن وتزمتهن، فإن "نساء طالبان" يتعرضن للسخرية في الشارع الحريدي. ووفقا لتقرير "يديعوت أحرونوت" فإن أحد تعليقات الحريديم لدى رؤيتهم إحدى هؤلاء النساء، في حي "ميئا شعاريم" الحريدي في القدس، يكون بالصراخ نحوهن بعبارة "الله أكبر".

وقالت إحدى "نساء طالبان" إنه "نتلقى ملاحظات دائما هنا. لكن مقابل أية إهانة كهذه تُغفر لنا ذنوب، وهذا تعويض ملائم... كذلك فإننا نجعل الذين يروننا يشعرون بالفرح وكأنهم في عيد المساخر (أي كأنهن متنكرات بلباس مضحك مثلما يحدث في عيد المساخر اليهودي)، وفي هذا أجر كبير ويقرب الخلاص".

"صلاة التعرّق"!

أشار التقرير إلى أن الأمر اللافت في بيوت "نساء طالبان" هو انتشار القاذورات. وكتب يقول "هناك بقايا طعام على الطاولة وبقايا خضراوات على الأرض. وفي ركن الغرفة يوجد سرير عليه أغطية ملطخة، والمنظر العام يصرخ بوجود إهمال. ويبرز بوضوح أنه توجد علاقة عكسية بين الجهد الذي تبذله النساء بالتقشف وبين الجهد الذي تبذلنه على النظافة المعدومة وصحة الأولاد".

وتقلد بنات "نساء طالبان في فصل الصيف" أمهاتهن من حيث اللباس، وخاصة في الحيز العام، حيث يضعن النقاب والشالات. وعندما تخرج الأم وبناتها إلى الشارع، لا يتنقلن بالمواصلات العامة، وإنما يسرن على أقدامهن، وأحيانا لساعات، وفي الحر القائظ. وطوال فترة السير لا تتوقف الأم لإعطاء بناتها جرعة ماء، حتى لا تكشف وجوههن أو قسماً من أجسادهن، كي لا تُعيب تقشفهن. كذلك يحظر على نساء هذه الطائفة استخدام العطور أو مزيل العرق، ويفضل عدم استخدام الشامبو، لأن من شأن رائحته أن "يثير نضوجا لدى الرجال". وبالنسبة لهؤلاء النساء فإن الثمن ضئيل جدا وجدير من أجل استيفاء شروط التقشف.

ويبدو من التقرير الصحافي أن "نساء طالبان" ينتمين لطائفة "براسلاف" اليهودية المسيانية المتشددة، التي أسسها الحاخام نحمان من براسلاف في أوكرانيا. وتحمل كل واحدة من "نساء طالبان" كتابا يحتوي على صلوات وتفاسير ونصائح في السلوكيات، جمعها هذا الحاخام. وقالت إحدى النساء إن "هذا الكتاب يذهب معي إلى أي مكان. وفي كل مرة تنتابني حيرة أو يحضرني سؤال، أطلب من الله أن أجد الإجابة في الكتاب، وعندما أفتحه أجد دائما إرشادا حول كيف بإمكاني أن أقوي نفسي أو ما الذي يجدر أن أدرسه. لقد جمع الحاخام نحمان في هذا الكتاب جميع التضرعات التي يجب أن نطلبها من الله. وعلى سبيل المثال، معروف أنه يوجد أجر على التعرق الناجم عن بذل جهد للقيام بفريضة أو بسبب تقشف زائد، وقد كتب الحاخام نحمان صلاة خاصة يتضرع المتعرق من خلالها... نطلب من الله أن نتعرق كي نحصل على أجر".

وأوضحت هذه المرأة أن "نساء طالبان" ظهرن قبل عشرين عاما تقريبا. "وكنا أنا وبنات أخريات نريد ذلك، لكن هذا لم يكن أمرا مقبولا حينذاك، ولذلك كنت ارتدي الشال أثناء النوم أو الصلاة. وفي فترة لاحقة فقط وافقوا على أن نغطي أنفسنا بالشال في أيام السبت أيضا".

وفي البداية لم يوافق أزواج "نساء طالبان" على أن تلف نساؤهم أجسادهن بكل هذه الأقمشة. "هذا لم يكن أمرا بسيطا. وقبل الزواج اتفقنا على أن أضع الشال، لكنه لم يوافق على النقاب أبدا". لكن هذه المرأة لم تتأثر بموقف زوجها، وبعد تدقيق في الشريعة اليهودية اكتشفت أنها ليست ملزمة أبدا بالحصول على موافقة زوجها من أجل التمسك بتقاليد تقشف في الحيز العام. "في البيت يجب أن أرتدي كما يريد. لكن في الخارج يحظر على الرجل أن يمنع زوجته من الظهور بمنظر متواضع. وفي البداية كان يعود حزينا جدا لأن الكثيرين في المجتمع كانوا يوجهون ملاحظات ويقولون له إن هذا غير مقبول ومحظور، لكن اعتاد على ذلك شيئا فشيئاً".

التعليم يثير التشكك

تجتمع "نساء طالبان"، من كل الطوائف الحريدية، الشرقية والليتوانية والحسيدية، في أحد البيوت من أجل دراسة تعاليم دينية يهودية. وتقول لهم الحاخامة إن "أي قطعة قماش زائدة تغطي الجسد تجلب الراحة لله، ومن منا لا تريد أن تريحه؟".

ويدور في الدرس الديني نقاش حول ما ينبغي فعله في حال اشتعال حريق، فتقول الحاخامة إنه "إذا كان هناك خوف من المس بالأرواح فإن الفريضة هي إخماد النار. وهذا أفضل من استدعاء مساعدة طاقم إطفاء، لأنه باستدعاء كهذا نخالف محظورات أكثر بكثير. فالإطفائية تستدعي الشرطة أيضا وعندها يكتبون تقريرا وما إلى ذلك".

وتتعلم بنات "نساء طالبان"، وهن أيضا منقبات وأجسادهن مغطاة بقطع قماش مثل أمهاتهن، في مدرسة خاصة بهذه الطائفة. وهذه المدرسة عبارة عن شقة في بناية. وتوضح إحدى النساء أنه "توجد مؤسستان تعليميتان للبنات، واحدة هنا، فوق الشقة التي تتلقى فيها النساء الدرس الديني في حي غيئولا، والأخرى داخل حي ميئا شعاريم. وهذه مدرسة خاصة بالبنات المنقبات، إذ أن البنات الصغيرات يغطين الوجه أيضا".

وأضافت أنه "توجد مشكلة كبيرة بالنسبة للأطفال الذكور، إذ لا توجد أية مؤسسة ملائمة لهم. ونحن نخشى من خداعهم ومن أن يؤدي ذلك إلى إثارة شكوك لديهم. وأنا أخاف من إدخال أفكار لدى الولد، مثل ’ربما أمي مجنونة فعلا ولا ينبغي أن ترتدي هكذا’، لذلك فإني أرسل الأولاد الصغار فقط إلى تعلم التوراة وأخرجهم فيما هم لا يزالون صغارا. وابني الكبير، في الحادية عشرة من عمره، يبقى في البيت منذ سنة، وسيبقى جميع أولادي في البيت في العام المقبل. ونجد بين حين وآخر شخصا ما يتطوع لتعليمهم".

وينظر هؤلاء النساء إلى الأحداث في العالم من منظار غيبي، ويعتقدن أن كل المآسي موجودة في نبوءات، مثل "لن يكون هناك كهرباء، والبشر سيموتون، وستنتشر الأوبئة"، وأن "من سينقذ العالم ويحظى برؤية المسيح هن النساء القديسات اللاتي امتنعن عن إغواء الرجال". وبعد هذه الأقوال على لسان الحاخامة، تنضم البنات الصغيرات إلى النساء للصلاة، ويتم إغلاق الستائر كي لا يراهن من في الخارج.

"المومسات"

تنص الصلوات التي تقرأها "نساء طالبان" على الطلب من الله أن يبقهن محتشمات "وألا يراني الناس وألا يسمعوني... واصنع جميلا معي بألا تكشف شعرة من شعري، ولا أي جزء من جسدي ولو للحظة قصيرة، واجعلني بشعة بنظر كل الرجال".

وتوزع على هؤلاء النساء كتيبات تحتوي على توجيهات سلوكية، وضعها حاخامون، مثل الحاخام إسحاق راتسابي والحاخامة ليئا كوك.

وتتناول هذه الكتيبات مواضيع مثل "خسائر وأضرار خطيرة أخرى ناجمة عن خروج المرأة إلى العمل"، "كيف نربي بناتنا على البقاء في البيت"، "نصائح عملية في حال الاضطرار إلى الخروج من البيت". ووفقا لهذه الكتيبات فإن المرأة التي تخرج من البيت "مومس".

وجاء في أحد الكتيبات أنه "عندما نتحدث عن ’مضطرين للخروج’ فإنه لزام التشديد على أن الغريزة الشريرة تعرف بأساليبها الخبيثة منح ذلك الشعور حيال أية حماقة بأنها ليست مصيبة. وتشهد نساء كثيرات على أنهن عندما قررن التفكير مرتين قبل الخروج من البيت، أيقنّ أنه في حالات كثيرة وربما حتى في معظم الحالات لم تكن ملزمات بالخروج، وبذلك حظين بالانتقال من الصفة المُذلة بأنها ’مومس’ إلى الصفة المحترمة ’ابنة ملك في الداخل’، أي الباقيات في البيوت".

وتوجد قواعد ينبغي اتباعها لدى الخروج من البيت مثل: الخروج في وقت يكون فيه احتمال الالتقاء برجال ضئيلاً جدا؛ السير في طرق بديلة وهادئة، وهناك أيضا ينبغي السير في جانب الطريق؛ عدم التوقف للتحدث مع صديقة أو قراءة إعلان؛ السير بسرعة ولكن ليس الجري لأنه لا يعبر عن تواضع؛ تحدث المرأة بالهاتف المحمول في مكان عام هو أمر مستنكر والتحدث مع صديقة في حافلة ينبغي أن يتم بصوت خافت ولا يصل إلى آذان رجل؛ قبل الخروج من البيت يجب إزالة المجوهرات وخلع الملابس الملونة وارتداء ملابس طويلة وواسعة كي لا يشاهد شكل الجسد؛ النساء اللاتي تغطين وجوههن أجرهن عظيم".

المحرقة حدثت بسبب تغير اللباس..

وأشار التقرير إلى أن نظرة "نساء طالبان" إلى اليهود العلمانيين أفضل بما لا يقارن من نظرتهن إلى الحريديم. وبنظرهن، العلمانيون هم أطفال أسروا ولا يعرفون القوانين (الدينية)، بينما الحريديم يعرفون القوانين ويتجاهلونها. وهذه النظرة للحريديم متبادلة. وإذا كان العلمانيون بنظر الحريديم مجتمعا جاهلا، فإن "نساء طالبان" منبوذات من شدة الاحتقار. ويتم تعليق إعلانات كثيرة ضدهن في الشارع الحريدي، كما أن كبار الحاخامين يهاجمون ظاهرة "نساء طالبان" وحاولوا اجتثاثها من دون أن ينجحوا في ذلك.

ويصفهن بعض الحاخامين بأنهن مجنونات، بسبب المبالغة في التقشف، خاصة على ضوء تشددهن بالإصرار على الإنجاب في البيت، ومعارضة الحصول على علاج طبي إلا في حال عدم وجود خيار آخر، وحتى في هذه الحالة ينبغي الحصول على علاج كهذا من خلال عاداتهن وعلى أيدي طبيبة وليس طبيبا".

وقالت إحدى "نساء طالبان" إن "الجميع يعتقد أننا نبالغ، لكنهم يتنكرون للتاريخ بكل بساطة، لأن جميع أمهاتنا وعلى مدار مئات الأجيال التي سبقتنا لبسن هكذا. واعلمي أن المحرقة ما كانت ستحدث لو أن النساء لم تغير لباسهن".

وهذا الكلام ليس من وليد أفكار هذه المرأة، إذا أنه بموجب التاريخ الذي أعادت هذه الطائفة وحاخاموها كتابته، فإن الثورة الثقافية التي تغلغلت إلى أوروبا جعلت النساء اليهوديات المتدينات يغيرن لباسهن من النقاب والشالات إلى البدلات، ولهذا السبب فقط قُتل ستة ملايين يهودي في المحرقة. وتعتبر هذه الطائفة أنه "لم تحدث محرقة لليهود الذين عاشوا في دول مثل المغرب وتونس، لأن الثقافة لم تتغلغل هناك واستمرت النساء بارتداء لباس بموجب التقاليد اليهودية".

ورغم أن لباس "نساء طالبان" يلفت الأنظار، إلا أنهن لا يعتبرن ذلك خطيئة. "الخطيئة هي إغراء الرجال، لأنه توجد لدى الرجال أفكار رهيبة ومروعة. والمرأة لن تتمكن أبدا من فهم ما يدور في رأس الرجل. فبنظرة واحدة صغيرة بإمكان الرجل السقوط في آثام رهيبة. والنساء الحريديات يرتدين ملابس ملتصقة بالجسد وتبرز كل شكل الجسد. وتبرز كذلك الملابس الداخلية. هذه ملابس زنى. وهي معدة للمرضعات فقط".

وحتى لدى الاغتسال فإن "نساء طالبان" يغتسلن وهن يضعن على أجسادهن غطاء يغطيه بالكامل، ويوجد في جانبه الأمامي فتحة صغيرة للوجه وسحّاب. وأوضحت إحداهن أنه "ندخل أنبوب الماء إلى داخل الغطاء ونفعل كل شيء بداخله. ويوجد لدي أغطية كهذه للأولاد أيضا، لكنها أصغر حجما. وهم يستمتعون جدا من الإضافة في القداسة".

وتعتبر هذه الطائفة أنه "بسبب الكراهية الداخلية بين اليهود هُدم الهيكل"، وأنه "بفضل نساء متقشفات نجا آباؤنا... ولأنهن لم يغيرن لباسهن نجا أبناء إسرائيل من مصر". وتغطي هؤلاء النساء المرآة في الحمام بقطعة قماش، "لأن علينا أن ننظر إلى أنفسنا من خلال روحنا لكون الجسد نجساً، ولذلك نحرص على ألا تكون هناك أية مرآة"، ما يعني أن فتيات صغيرات في هذه الطائفة ربما لم يشاهدن كيف يبدو شكلهن.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات