المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 1568

كادت برامج الأحزاب الإسرائيلية، التي خاضت انتخابات الكنيست يوم الثلاثاء الماضي، تخلو من التطرق إلى موضوع التربية والتعليم، وحتى تلك التي تطرقت في برامجها إلى هذا الموضوع، لم تتعامل مع موضوع التربية والتعليم بتوسع. والقاسم المشترك الأساس هو دعوة الأحزاب إلى زيادة الميزانية وغياب مواضيع مثل السلام ومحاربة العنصرية.

 

ويأتي ذلك على الرغم من تردي وضع التعليم في إسرائيل، والذي يتم التعبير عنه من خلال تحصيل متدن وأساليب تعليم قديمة وعنصرية مستفحلة.

ولم تتطرق برامج الأحزاب في هذه الناحية إلى مواضيع تربوية ومضامين مناهج التعليم وطبيعتها والتربية على الديمقراطية والحياة المشتركة، ليس بين اليهود والعرب فقط، وإنما بين اليهود أنفسهم، مثل العلاقات بين العلمانيين والمتدينين، بين الأشكناز والشرقيين، التعامل العنصري مع اليهود الأثيوبيين وما إلى ذلك.

ويتبين من برامج الأحزاب، أنه باستثناء قوائم "يش عتيد" (يوجد مستقبل) وميرتس و"المعسكر الصهيوني"، فإن باقي الأحزاب لم تنشر برامج مفصلة حول موضوع التربية والتعليم. وحتى القوائم الثلاث التي تطرقت إلى هذا الموضوع، لم تتعامل معه بصورة عميقة.

تجدر الإشارة إلى أن المواضيع التي هيمنت على جهاز التعليم الإسرائيلي، خلال ولايتي حكومتي بنيامين نتنياهو السابقتين، وتولى خلالهما وزارة التربية والتعليم غدعون ساعر من حزب الليكود وشاي بيرون من "يش عتيد"، كانت مواضيع تتعلق بتعميق تعليم اليهودية والتاريخ اليهودي وعلاقة اليهود بـ"أرض إسرائيل" وذلك تحت إشراف جهات تنتمي للتيار الديني – القومي اليميني المتطرف، بعد أن عمدت الوزارة إلى خصخصة مواضيع التدريس هذه.

وبرز حزب "البيت اليهودي" كأحد الأحزاب التي لم تتطرق إلى موضوع التربية والتعليم، علما أن أحد نوابه في دورة الكنيست المنتهية ولايتها، وهو أفي فورتسمان، أشغل منصب نائب وزير التربية والتعليم. وتضمن برنامج الحزب في هذا السياق بندا حول التربية اليهودية الصهيونية. وجاء فيه أن "أي ولد في الدولة يجب أن يعرف جيدا ماضينا وشخصيات عظيمة للشعب اليهودي. إبراهيم، موشيه، داوود، الأنبياء، شخصيات فترة الهيكل الثاني، هرتسل وآباء الصهيونية، دافيد بن غوريون وقادة الأمة، وأبطال إسرائيل مثل يوني نتنياهو، حانا سينيش، يهودا المكابي وروعي كلاين رحمه الله"، وهذا الأخير هو ضابط إسرائيلي ومستوطن قُتل في حرب لبنان الثانية، في العام 2006.

ورغم المبالغ الكبيرة التي رصدتها وزارة التربية والتعليم لموضوع اليهودية والصهيونية، خلال الأعوام الماضية، إلا أن برنامج "البيت اليهودي" في هذه الناحية اعتبر أن "مهمتنا الأكثر إلحاحا هي إقامة وحدة للتربية اليهودية – الصهيونية في المدارس الحكومية في دولة إسرائيل". كذلك دعا برنامج هذا الحزب إلى "المساواة في الفرص وسد الفجوات الاجتماعية بواسطة التعليم".

كذلك فإن برنامج حزب "يسرائيل بيتينو" ("إسرائيل بيتنا") لم يتطرق إلى التربية والتعليم، باستثناء التعهد بفتح حضانات أطفال من سن نصف سنة حتى ست سنوات، وأن تعمل حتى الساعة الخامسة مساء.

 

نواقص جهاز التعليم

 

ذكرت برامج الأحزاب "يش عتيد" وميرتس و"المعسكر الصهيوني" و"كولانو" ("كلنا" برئاسة موشيه كحلون) الحاجة إلى رصد ميزانيات بأحجام مختلفة وغير متساوية فيما يتعلق بجهاز التعليم، بحيث تحول الدولة ميزانيات أكبر وتمول ساعات تعليم أكثر للسلطات المحلية ذات المستوى الاجتماعي – الاقتصادي المنخفض.

فالسلطات المحلية تحصل اليوم على ميزانيات متساوية تقريبا من الدولة، لكن في السلطات المحلية القوية اقتصاديا تُكمل السلطة المحلية وذوو التلاميذ النقص الذي لا تسده الميزانيات. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن الفجوة بين التلاميذ من خلفية اجتماعية – اقتصادية متدنية وبين التلاميذ من خلفية اقتصادية قوية في جهاز التعليم الإسرائيلي هي من أكبر الفجوات في العالم الغربي. ويبرز ذلك في امتحانات فحص المستوى العلمي والامتحانات الدولية.

وكان وزير التربية والتعليم السابق، شاي بيرون، قد بدأ قبل استقالته في نهاية العام الماضي بتحويل ميزانيات مختلفة، بحيث بلغ حجم الميزانيات التي ستحول إلى السلطات المحلية الفقيرة، في العام 2015، 250 مليون شيكل. رغم ذلك، يتبين أن هذه الميزانية منخفضة ولا تسد الحاجة، خاصة وأن تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية حيال هذا البند بالذات تقضي بتحويل ما بين 400 – 600 مليون شيكل. وتشير التوقعات إلى أن هذا الموضوع، رصد ميزانيات تعليم أعلى للسلطات المحلية الفقيرة، سيكون أحد المواضيع الهامة التي ستبحثها الحكومة الإسرائيلية الجديدة. 

وتناولت برامج "يش عتيد" و"المعسكر الصهيوني" وميرتس خفض الاكتظاظ في غرف الدراسة، ووفقا لـ"المعسكر الصهيوني" فإنه يجب تقليصه إلى 25 تلميذا في الغرفة الدراسية. واعتبرت تقارير صحافية، مؤخرا، أن طرح هذا الموضوع أصبح مبتذلا بسبب كثرة تكراره، وأنه يصعب تحقيقه في السنوات القريبة، خاصة وأنه يحتاج إلى رصد ميزانيات كبيرة من أجل إضافة غرف دراسية وبناء مدارس.

ودعا "المعسكر الصهيوني" في برنامجه إلى تشكيل "مجلس وطني للتعليم"، وهو اقتراح ورد في برنامج "يش عتيد" في الانتخابات السابقة. ووفقا لبرنامج "المعسكر الصهيوني" فإن الهدف من تشكيل هذا المجلس هو بلورة سياسة تربوية لأمد طويل وتقليص تأثير السياسيين الذين يتبدلون على الجهاز.

وهناك موضوع يدور حوله نقاش في إسرائيل ويتعلق بعدد مواضيع امتحانات البجروت (التوجيهي). وكان بيرون قد دعا خلال ولايته كوزير للتربية والتعليم إلى تقليص مواضيع البجروت إلى أربعة، تشمل لغة الأم، العبرية أو العربية، واللغة الانكليزية والرياضيات والمدنيات. لكنه لقي معارضة واسعة، وحتى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، انتقد خطة بيرون علنا، لأنها لا تشمل مواضيع التاريخ والتوراة، وانتقدها آخرون لأنها لا تشمل امتحانا في موضوع الأدب. وتضمن برنامج حزب "يش عتيد"، الذي ينتمي بيرون إليه، هذا الاقتراح، لكن أخرج منه تحديد امتحانات البجروت بثلاثة أو أربعة مواضيع. كذلك يدعو برنامج هذا الحزب إلى القبول للجامعات استنادا على شهادة البجروت ومن دون حاجة للتقدم لامتحان البسيخومتري.

ويدعو برنامج حزب ميرتس إلى وضع بدائل للامتحانات. وأيد ميرتس تقليص عدد امتحانات البجروت إلى ثلاثة أو أربعة.

من جانبه اعتبر "المعسكر الصهيوني"، في رد على توجه صحيفة "هآرتس" حول هذا الموضوع، أنه "يجدر تقليص عدد الامتحانات، لكن القرار بشأن عدد ومجالات الامتحانات ينبغي اتخاذه بعد إجراء بحث واعتبارات مهنية".

ورفض حزب "كولانو" تقليص عدد امتحانات البجروت. ورد الحزب على توجه للصحيفة بهذا الخصوص قائلاً: "إننا لا نؤيد تقليص امتحانات البجروت، وخاصة بالطريقة المقترحة، وإنما نؤيد تغيير الطريقة وملاءمتها للقرن الواحد والعشرين".

 

الخط الأخضر غير موجود في المدارس

 

لفتت "هآرتس" إلى أن أحد المواضيع الحارقة في جهاز التعليم الإسرائيلي، ولا يحظى باهتمام كاف في برامج الأحزاب، هو معالجة العنصرية، التي تفاقمت بشكل خطير خلال العدوان على غزة في الصيف الماضي، وانعدام الاهتمام الكافي بالتربية على الديمقراطية والسلام. ويخلو برنامج "يش عتيد" من ذكر هذه المواضيع.

وفي رد على توجه الصحيفة حول إعادة الخط الأخضر إلى الخرائط في المدارس والكتب المدرسية (الخط الأخضر غير موجود فيها!)، وحول تدريس الرواية الفلسطينية حول حرب العام 1948 وقيام إسرائيل (أي النكبة)، أجاب وزير التربية والتعليم، بيرون، باسم حزبه، وقال إن "مواد التدريس في جهاز التعليم تقع تحت مسؤولية السكرتارية التربوية، وهي هيئة فوق سياسية من حيث تعريفها. وثمة أهمية لفصل السياسة عن المضامين الدراسية والحفاظ على استقلالية السكرتارية التربوية".

ورد "المعسكر الصهيوني" على السؤال نفسه، بالقول إنه "يفترض أن يعرف تلاميذ إسرائيل الحقائق. واليوم لا توجد لإسرائيل حدود معترف بها. وجدير أن يعرف التلاميذ ’الخطوط’ المختلفة وبضمنها الخط الأخضر... ولا ينبغي تجاهل الرواية التاريخية الفلسطينية وثمة مكان لتدريس هذا الأمر في إطار موضوع المدنيات".

وقال حزب ميرتس إنه "لا شك في أن الخط الأخضر يجب أن يظهر في الخرائط وكتب التدريس. وغيابه هو نتيجة تجاهل حكومات إسرائيل منذ سنوات طويلة لواقع الاحتلال. والاستعراض الوهمي الذي بموجبه دولة إسرائيل والمناطق المحتلة هما وحدة واحدة لا يشكل تدخلا سياسيا فظا في جهاز التعليم الحكومي وحسب، وإنما أيضاً يرسخ جهل الواقع".

ويؤيد برنامجا ميرتس و"المعسكر الصهيوني" توسيع الدعم الحكومي للمدارس ثنائية القومية، التي يتعلم التلاميذ فيها باللغتين العبرية والعربية، ودمج هذه المدارس بجهاز التعليم الحكومي.

أما حزب "كولانو" اليميني، فقد أجاب على سؤال الصحيفة بالقول "إننا نؤيد توسيع تدريس موضوعي الديمقراطية والسلام بهدف خلق قيم المساواة والتسامح داخل أنفسنا أيضا. وثمة أهمية لخلق التسامح والشرعية تجاه مواقف الآخر أيضا، حتى لو كنا لا نوافق معه".

وعقبت القائمة المشتركة على إعادة الخط الأخضر إلى الخرائط وكتب التدريس بالقول "إننا نؤيد التربية على السلام العادل، ونؤمن بأن إدخال الخط الأخضر إلى كتب التدريس، والتطرق إلى كافة القضايا الجوهرية المرتبطة بسلام إقليمي والمناطق المحتلة، ستمكن التلاميذ من تأسيس رأي صلب حيال إمكانية العيش هنا بسلام".

وكان حزب "ياحد" برئاسة ايلي يشاي، ومرشحه الرابع المستوطن الإرهابي باروخ مارزل، وهذا الحزب لم يتجاوز نسبة الحسم، قد أجاب على سؤال الصحيفة بالقول إن "الخط الأخضر هو مصطلح وهمي، وشيطاني للغاية، ويقسم أرض إسرائيل بصورة وهمية، وينبغي إزالته من الخطاب الإسرائيلي، السياسي والاجتماعي والتربوي. ويهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) مثلها مثل النقب والجليل ووسط البلاد ومحيط القدس، وجميعها تشكل أرض إسرائيل ودولة إسرائيل".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات