المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 1844

 حينما أحيت منظمات وحركات عالمية حقوقية "اليوم العالمي للحفاظ على خصوصية الفرد" تجاهلت منظمات موازية في إسرائيل هذا اليوم المنظمات ترتدع عن الحديث حول هذا الموضوع لارتباطه بالأمن تحت حجة الأمن، السلطات الإسرائيلية تعتدي على خصوصيات فردية لا علاقة لها بالأمن

 

 أحيت منظمات حقوقية وحركات شعبية عديدة في العالم، الشهر الجاري، "اليوم العالمي للحفاظ على خصوصية الفرد" وحمايته من أشكال التنصت والمراقبة، ومن الاعتداء على خصوصيته، إلا أن هذا اليوم، بخلاف أيام ذات طابع اجتماعي وحقوقي أخرى يحييها العالم، مرّ بصمت مطبق في إسرائيل، باستثناء تقرير مطول نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس"، أظهر محاولات المؤسسة الإسرائيلية الرامية لتوسيع صلاحيات التنصت ورصد المواطن في حياته العامة، ما يعيد إلى الأذهان ما تكشف في شهر أيلول الماضي عن وحدة الرصد الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي- "وحدة 8200"- ولكن تلك متخصصة بالفلسطينيين الواقعين عن احتلال العام 1967، بينما هنا يجري الحديث عن جمهور مواطني إسرائيل.

 

وليس صدفة أن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية لا تطرق هذا الموضوع، كغيره من المواضيع التي لها جانب أمني. فمثلا، جمعيات وأطر البيئة الإسرائيلية لا تثير قضية المفاعلات النووية الإسرائيلية، بخلاف مثيل هذه الجمعيات والأطر في دول أخرى، ما يعكس أكثر طبيعة عسكرة المجتمع الإسرائيلي، فمسألة التنصت والمراقبة تغلفها إسرائيل بالجانب الأمني، ما يعني أن الجمهور الإسرائيلي ليس على استعداد لسماع اعتراض على رقابة كهذه، من المفترض أن تضمن له الأمن والأمان، حسب ادعاء المؤسسة الحاكمة.

 

هذا الصمت الإسرائيلي في يوم عالمي كهذا لفت إليه تقرير "ذي ماركر".

 

وقالت الصحيفة "إن موضوع خصوصية الفرد في المعلومات عنه لا يشكل جزءا من جدول أعمال الرأي العام الإسرائيلي، باستثناء بعض "مهاويس الموضوع"، وفي غالبيتهم محامون، ولكن من الصعب الإشارة إلى جسم عامل وبارز في مجال الدفاع عن حرية الفرد كفرد، في وجه ما يهدد خصوصيته، من جهة مؤسسات الدولة وشركات كبيرة".

 

وتتابع "ذي ماركر" أنه "لربما الأوضاع الأمنية هي التي اقنعت الإسرائيليين بالاعتماد بشكل أعمى على أجهزة الدولة والأمن، والسماح لها بحرية العمل، مع الإشارة إلى أن الدفاع عن الخصوصية حق أساس دستوري في إسرائيل، يتضمنه قانون "كرامة الإنسان وحريته"، إلا أنه في واقع الأمر، يمكن المس بهذا الحق، في اطار القانون، وبدوافع قوية".

 

وفي إسرائيل قانون واسع النطاق يتركز في مسألة التنصت والحصول على المعلومات الفردية الخاصة، وأطلق عليه اعلاميا اسم: "قانون الأخ الأكبر"، وتقول "ذي ماركر" إنه يشكل واحدا من أكبر التهديدات على خصوصية الفرد في إسرائيل، ويجري الحديث عن تعديل القانون الجنائي، بشكل يسمح لأجهزة تطبيق القانون، من شرطة وسلطات تحقيق أخرى، بمعنى المخابرات، طلب معلومات من شركات الاتصالات عن الشخص الذين يريدون تعقب تحركاته، وبعد صراع كبير دخل القانون حيز التنفيذ في العام 2008.

 

ويمنح القانون الشرطة والسلطات صلاحية الطلب من شركات الاتصالات تفاصيل دقيقة حول زبائنهم، من عناوين دقيقة وحسابهم البنكي، وحتى سجل المكالمات والرسائل، وغيرها من المعلومات، ومشكلة هذا القانون، من ثلاث اتجاهات، وأولها أنه يحق للشرطة أن تقدم طلبا للشركة بالتزامن مع تقديم طلب لهذا الغرض من المحكمة، إلا أن القانون ذاته يسمح لضابط شرطة الطلب من شركة الاتصالات الرسمية تفاصيل عن شخص ما، دون قرار من المحكمة، إذا كان هناك ما يُلزم استصدار معلومات سريعة، لمنع جريمة، ومن أجل انقاذ حياة انسان.

 

والمشكلة الثانية هي أن القانون يسمح للشرطة بطلب تفاصيل من شركات الاتصالات في قضايا لا تعد خطيرة، وفي هذا المجال وسّعت الشرطة لأغراضها نطاق القانون، فمثلا في السنة الأولى لتطبيق القانون، من منتصف 2008 وحتى منتصف 2009، أصدرت الشرطة طلبات للاطلاع على سجلات اتصالات لنحو 12 ألف شخص. وفي العام 2010، ارتفع العدد بوتيرة عالية إلى 17 ألف طلب، ما يعني 50 طلبا يوميا. وفي عرض أمام لجنة القانون والدستور البرلمانية، تبين أنه في العام 2010، أدخلت شركات الاتصالات 16 مليون شيكل، ما يعادل في حينه 5ر4 مليون دولار، من الشرطة، مقابل طلبات سجلات الزبائن.

 

أما المشكلة الثالثة، فهي أن هذا القانون لا ينص على وجود هيئة رقابة على تطبيقه، وكل ما في الأمر أن على الشرطة أن تقدم مرة في كل عام تقريرا للجنة القانون والدستور البرلمانية، حول تطبيق قانون "الأخ الأكبر"، وعلى الرغم من ذلك فبعد مرور ما يزيد عن ست سنوات على تطبيق القانون جرى تقديم تقريرين فقط لتلك اللجنة البرلمانية.

 

وفي نهاية تشرين الثاني من العام الماضي 2014، اتخذت السلطات الإسرائيلية المعنية قرارا ببدء الطلب من شركات الطيران الحصول على معلومات عن الركاب المتوجهين إلى إسرائيل على متن رحلاتها الجوية، في اطار ما تسميه إسرائيل "الحرب على الارهاب الإسلامي"، وبشكل خاص تنظيم داعش. ولكن هنا أيضا فإن من أهداف هذا الطلب، حسب التبرير الإسرائيلي، مواجهة الجريمة المنظمة. وبموجب الطلب، فإن إسرائيل ستطلب المعلومات بناء على نظامين قائمين في هذا المجال، الأول API، وهو متخصص بمعلومات أساسية مرتبطة بالتذكرة، وصاحبها ورقم جوازه، والمسار الذي اتخذه حتى الوصول إلى الرحلة القادمة إلى المطار الإسرائيلي، بمعنى إذا كان قادما من دولة ثالثة. أما النظام الثاني فهو PNR، ويتضمن معلومات سرية، تكون شركة الطيران قد جمعتها عن المسافر، خاصة إذا كان مسافرا دائما على متن رحلات تلك الشركة، ووكالة السفر التي اشترى من خلالها تذكرة الطيران، وحتى اسم الفندق الذي سيقيم فيه.

 

وحتى الآن هناك 39 دولة في العالم تتعامل مع نظام API، بينما تسع دول فقط تتبع نظام PNR، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تزعم أن 33 دولة في العالم تتعامل مع النظام الثاني PNR. ويقول المحامي نيفو سيفر، من المختصين في مجال خصوصية الفرد، إن هذا يعني أن السلطات الإسرائيلية ستجمع معلومات ضخمة جدا عن جمهور واسع من المسافرين، وقد تستخدم هذه المعلومات ليس فقط الأجهزة الأمنية بل مثلا سلطات الضرائب.

 

 

"مدينة بلا عنف"

 

إحدى الوسائل التي باتت مصدر معلومات كبير للسلطات الرسمية الإسرائيلية، هو مشروع "مدينة بلا عنف"، الذي انطلق في العام 2008. ويرتكز على نشر كم هائل من الكاميرات الثابتة في المدن والبلدات التي تنضم إلى هذا المشروع، ويجري الحديث عن 55 بلدة. وحسب التقديرات ينتشر حاليا ما يزيد عن 2700 كاميرا، يتم تثبيتها في مناطق مركزية في التجمعات السكانية تلك.

 

والهدف المعلن هو أن ترصد هذه الكاميرات جرائم في دائرة الرصد التي يتم تثبيتها بها، إذ في كل بلدة يوجد مركز رصد لهذه الكاميرات، مع عاملين للمتابعة على مدار الساعات الـ 24، ليبلغوا الشرطة فورا في حال وقوع أي جريمة، تستدعي تدخلا سريعا للشرطة.

 

لكن إحصائيات جمعها تقرير "ذي ماركر" تدل على أن عدد الحالات التي طلبت فيها الشرطة أشرطة التصوير، في كل واحدة من المدن والبلدات التي تنخرط في اطار مدينة بلا عنف، كانت زهيدة نوعا ما. ويرى خبراء أن الكاميرات ليست قادرة على لجم ظاهرة الجريمة المستفحلة، ولذلك هناك شك في مدى نجاعتها.

 

وقد أثار هذا المشروع جدلا في المدن والبلدات العربية، فعلى الرغم من ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي، نتيجة تقصير أجهزة تطبيق القانون، إلا أن هناك قلقا لدى الناشطين السياسيين من أن تستخدم الشرطة والمخابرات الإسرائيلية هذه الكاميرات، أيضا في الحالات السياسية، مثل المظاهرات السياسية، أو في حال اندلاع مواجهات، ما يعني أن هذه الكاميرات ستستخدم للملاحقة السياسية، وليس فقط لظاهرة العنف.

 

وقبل فترة قال رئيس بلدية مدينة عربية إن الشرطة حاولت مع بدء تطبيق هذا المشروع في مدينته، استخدامها لأغراض لا تمت بصلة إلى ظاهرة الجريمة، مثل أن الشرطة ذات يوم أرادت استعراض أشرطة التصويت المخزنة لالتقاط سائقين لا يضعون حزام الأمان خلال قيادتهم السيارة في المدينة بموجب القانون القائم، إلا أن البلدية رفضت الأمر. ولكن ليس واضحا أين نجحت الشرطة، مثلا، في الحصول على معلومات لا علاقة لها بالجريمة القائمة، فإذا كان رئيس البلدية هذا قد اعترض، فليس من المضمون، أن يكون الموقف ذاته في بلدات أخرى.

 

"الوحدة 8200"

 

لا يتطرّق تقرير "ذي ماركر" إلى وحدات التعقب والتنصت في جيش الاحتلال، لكن جانبا مما ذكره بالإمكان فهم أبعاده مما تكشف في منتصف شهر أيلول 2014، حينما بعث 43 ضابطا مجندا يعملون في وحدة الرصد الاستخباراتية "8200" برسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يبلغونه فيها رفضهم الاستمرار بالعمل في هذه الوحدة لأسباب ضميرية، نظرا للمهمات التي توكل لهم ومنها رصد مقاومين بهدف اغتيالهم أو اعتقالهم، ولكن أيضا رصد معلومات حياتية روتينية عن أناس عاديين بغية ابتزاز من يمكن ابتزازه منهم لأغراض مختلفة.

 

ويجري الحديث عن "الوحدة 8200" في جهاز المخابرات العسكرية في جيش الاحتلال، التي كثيرا ما تتباهى بها إسرائيل وجيشها، نظرا لحجم انتشارها وآليات التنصت والتجسس التي تستخدمها. وهذه الوحدة توجه الطائرات والأجهزة الأخرى ساعة تنفيذها جرائم الاغتيال، إضافة إلى مهمات أخرى كشف عنها عدد من هؤلاء الضباط والجنود في مقابلة وتقرير مطول في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

 

وتستعرض تلك المقابلة أحاديث عدد من المشاركين عن الأسباب التي دفعتهم إلى هذه الخطوة، وحسب الصحيفة فإن سياسة الاغتيالات ونتائجها، "تتبوأ مكانا مركزيا في عذابات ضمائر الموقعين بسبب حقيقة أنه تتم أكثر من مرة أخطاء تودي بحياة أبرياء بل أولاد صغار أحيانا".

 

لكن الجرائم لا تتوقف عند عناصر الفصائل المسلحة، بل تصل إلى استغلال حياة الناس الخاصة، بتفاصيلها الدقيقة، بهدف ابتزاز الناس في قضاياها المؤلمة، أو في قضاياها الحساسة التي قد تسبب لهم الحرج في المجتمع.

 

ويقول الموقعون على الرسالة، في تلك المقابلة، إن جزءا كبيرا من الأهداف التي يتم تعقبها هي أشخاص أبرياء ليست لهم صلة البتة بنشاط عسكري، وتهتم الجهات الاستخباراتية بهم لأسباب أخرى. ولا يخطر ببال أولئك الأشخاص البتة أنهم هدف استخباراتي، ويشهد الموقعون أن النظرة إليهم لا تختلف عن النظرة إلى مقاتلين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات