المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 1761

"معهد الاستراتيجيا الصهيونية": الاستعراض المفصل والدقيق للمعطيات والمواقف يساهم في بلورة سياسة عامة وشاملة لمواجهة تفاقم "ظاهرة

الأجانب والمتسللين"!

 توطئة

 تثير ظاهرة الأجانب و"المتسللين" الذين يعيشون في إسرائيل، من دون أن يكونوا مواطنين فيها، أصداء وردود فعل شعبية واسعة في الدولة العبرية. على الرغم من ذلك، يبدو أن الخطاب العام المتعلق بهذه الظاهرة يعتريه نقص وقصور، نظرا لاستناده في غير مرة على معطيات جزئية ومنقوصة.

 

 

يسعى هذا التقرير، الذي صدر حديثا عن "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" (يميني)، إلى تقديم استعراض مفصل ودقيق للمعطيات المركزية بشأن حجم وأبعاد هذه "الظاهرة" ولشتى المواقف المتعلقة بهذا الموضوع، وذلك بهدف توفير أساس لنقاش جاد وجوهري يساهم في رسم وبلورة سياسة عامة وشاملة للتعاطي مع ظاهرة الأجانب "والمتسللين" المتواجدين في إسرائيل، وفقما أشار معد التقرير أريئيل فينكلشتاين، عضو طاقم الأبحاث والدراسات في "معهد الإستراتيجيا الصهيونية".

وتتناول معطيات التقرير ثلاث مجموعات رئيسة من الأجانب غير المواطنين في إسرائيل، وذلك وفق الترتيب الآتي:

1.       المتسللون: وهم الأجانب (اللاجئون الأفارقة) الذين دخلوا (تسللوا) إلى إسرائيل عبر الحدود المصرية- الإسرائيلية، ويقدر عدد هؤلاء "المتسللين" الذين يعيشون حاليا في إسرائيل (وفقا للمعطيات الرسمية) بحوالي 50 ألف شخص.

2.       العمال الأجانب: وتنقسم هذه المجموعة إلى قسمين: أ) عمال أجانب يمكثون في إسرائيل بصورة قانونية، بموجب تأشيرة دخول سارية المفعول؛ ب) عمال أجانب يمكثون في إسرائيل بصورة غير قانونية (انتهى مفعول تصريح عملهم وإقامتهم في إسرائيل). ويتراوح العدد الإجمالي للعمال الأجانب من الفئتين المتواجدين حاليا في إسرائيل بين 88 ألف و 100 ألف عامل.

3.       سياح بدون تأشيرة سارية المفعول، ويقدر عددهم بحوالي 95 ألف شخص. ويعتقد أن معظم هؤلاء يعملون حاليا في إسرائيل بصورة غير قانونية. 

ويشير التقرير إلى أنه وبالإضافة إلى هذه المجموعات الثلاث الرئيسة، هناك أيضا مجموعات أجانب (غير مواطنين) أخرى، يقيم أفرادها في إسرائيل بصورة غير قانونية، وتشمل هذه المجموعات، التي لا يتناولها هذا التقرير في معطياته، ماكثين فلسطينيين بصورة غير قانونية (أشخاص مرتبطون بعلاقة زواج مع مواطنين عرب في إسرائيل، ولم تنظم مكانتهم حتى الآن)، وأبناء لآباء وأمهات أجانب ولدوا في إسرائيل، ولم تنظم مكانتهم حتى الآن، بالإضافة إلى ماكثين أجانب أتوا إلى إسرائيل لأغراض الدراسة أو كرجال دين ومتطوعين.

ويستعرض التقرير بشكل مفصل المعطيات والمواقف المتعلقة بالمجموعات الرئيسة الثلاث على النحو الآتي:

 

أولا- المتسللون

 

شكل العام 2005 حدا فاصلا في حجم تدفق المتسللين (الأفارقة) إلى إسرائيل.  فمنذ ذلك العام طرأت زيادة ملموسة ومتصاعدة على أعداد "المتسللين" إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر، وذلك في ضوء تشديد السلطات المصرية لإجراءاتها ضد المهاجرين الوافدين اليها من دول إفريقية مختلفة، وإغلاق منافذ وممرات الهجرة من إفريقيا إلى أوروبا في أعقاب اتفاق وقعه الزعيم الليبي السابق (المطاح به من الحكم) معمر القذافي مع إيطاليا، والذي أتاح إعادة اللاجئين (المهاجرين) الأفارقة إلى بلدانهم.  في أعقاب ذلك تحولت إسرائيل إلى هدف مفضل لدى الكثيرين من الأفارقة الذين سعوا إلى الهجرة من دولهم الأصلية.

 

ويتضح من المعطيات الرسمية لسلطة السكان والهجرة أن ارتفاعا حادا قد طرأ على كمية المتسللين الأفارقة إلى إسرائيل، وذلك في كل عام من الأعوام الممتدة بين 2006 و2011.  ففي الوقت الذي بلغ فيه عدد المتسللين الأفارقة المتواجدين داخل إسرائيل حتى العام 2006، ما مجموعه 2759 متسللا، فقد ارتفع عدد المتسللين الأفارقة الذين دخلوا إلى إسرائيل (عبر الحدود مع مصر) في العام 2007 إلى 5074 متسللا، وإلى 8789 متسللاً في العام 2008، و5235 متسللا في العام 2009، وفي العام 2010 ارتفع عدد المتسللين إلى 14689 متسللا، وإلى 17296 متسللا في العام 2011، ليصل بذلك مجموع المتسللين الأفارقة المتواجدين في إسرائيل (حتى ذلك العام) إلى 53842.

 

في المقابل، شكل العام 2012 نقطة تحول في تدفق المتسللين الأفارقة إلى إسرائيل (لجهة تناقص عدد المتسللين) وذلك في أعقاب تطبيق "قانون منع التسلل". وقد استمر هذه الاتجاه (نحو الهبوط في عدد المتسللين) في العامين 2013 و 2014، واللذين ضبط فيهما (على الحدود مع مصر) 64 متسللا فقط، فيما ضبط داخل إسرائيل 116 متسللا، وهي كمية هزيلة مقارنة مع عشرات آلاف المتسللين الأفارقة الذين تدفقوا إلى إسرائيل في الأعوام السابقة. ووفقا لسلطة السكان والهجرة، فإن هذا التغيير الكبير طرأ في أعقاب التقدم في بناء العائق الأرضي على امتداد الحدود الإسرائيلية- المصرية، وبداية تطبيق قانون منع التسلل المعدل في حزيران 2012.

 

ويشير التقرير إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ازديادا في أعداد "المتسللين" المغادرين لإسرائيل بشكل طوعي، وذلك في أعقاب الجهود التي تقوم بها الجهات الحكومية.  وقد بلغ عدد المتسللين الذين غادروا في العام 2013 البلاد طوعا 2612 متسللا، وفي الأشهر التسعة الأولى من العام 2014، بلغ عدد المتسللين المغادرين طوعا 5751 متسللا.  ووفقا للمعطيات الرسمية، فقد بلغ مجموع المتسللين الذين دخلوا (حتى نهاية العام 2013) إلى إسرائيل 64462 متسللا، لكن مجموع عدد المتسللين الذين يعيشون حاليا بصورة فعلية في إسرائيل يقدر بحوالي 47 ألف متسلل.

 

وينوه التقرير في هذا السياق إلى أن معطيات سلطة السكان والهجرة تتناول فقط المتسللين الذين تم ضبطهم من قبل السلطات، وأن هناك عددا كبيرا من المتسللين الذين يعيشون في إسرائيل، لم يجر ضبطهم أو توقيفهم نهائيا. ووفقا لتقديرات السلطة المذكورة فإن نسبة مثل هؤلاء المتسللين تصل إلى حوالي 5%، مما يعني وجوب إضافة حوالي 3000 متسلل إلى مجموع عدد المتسللين الذين يعيشون في إسرائيل فعليا. وتقول جهات ومصادر أخرى إن عدد المتسللين الذين لم يتم ضبطهم أعلى بكثير، وبحسب تقدير هذه المصادر فإن مجموع عدد المتسللين الذين يعيشون حاليا في إسرائيل يزيد عن 100 ألف متسلل.  ووفقا لتقرير أعدته "لجنة سوفير لوقف التسلل إلى إسرائيل"، وقدمت استنتاجاته إلى وزير الداخلية في نهاية العام 2012، فإن هناك 5000 متسلل إضافي من آسيا وأوروبا، يعيشون حاليا في إسرائيل بصورة غير قانونية، لكن هذا التقدير غير مسنود من جانب مصادر رسمية.

 

ويتضح من معطيات رسمية أوردها التقرير، أن أكثر من ثلثي (67%) المتسللين الذين يعيشون في إسرائيل قدموا من إريتريا (بلدهم الأصلي) وأن ربعهم (25%) أتوا من السودان، والباقي من دول أخرى. ووفقا لمعطيات سلطة السكان والهجرة، فإن الغالبية العظمى من "المتسللين" هي من الرجال، وأقلية من النساء والأطفال، وقد شكلت نسبة النساء من مجموع المتسللين المتواجدين في إسرائيل (في نهاية العام 2013) حوالي 14%.  وتبين المعطيات الرسمية أن معظم "المتسللين" - حوالي 25 ألف متسلل - كانوا يقيمون في العام 2012 في تل أبيب، وأن ما بين 5000 إلى 10000 متسلل أقاموا في العام ذاته في مدينة إيلات، فيما توزعت إقامة باقي المتسللين بين مدن أسدود والقدس وريشون لتسيون وعراد وعسقلان وبئر السبع ونتانيا ونهاريا.  وفي الوقت الذي كان فيه المتسللون يقيمون في العام 2010 في خمس سلطات محلية فقط (تل أبيب، أسدود، عراد، إيلات والقدس)، فقد امتد توزيع سكنهم في العام 2012 ليشمل عشرين سلطة محلية في مختلف أنحاء إسرائيل.

 

مكانة المتسللين

 

يدور جل النقاش المتعلق بالمتسللين الذين يعيشون في إسرائيل، حول تعريفهم من الناحية القانونية:  لاجئون أو مهاجرو عمل؟!

 

وتنص معاهدة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، الموقعة في العام 1951، والتي أقرت في إسرائيل في العام 1954، على أنه لا يجوز لدولة طرد أو إعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، حتى وإن كانوا قد دخلوا إليها بصورة غير قانونية، وأنه طالما لم يتخذ قرار حاسم في شأن الإنسان (اللاجئ) فإنه يعتبر طالب لجوء.  غير أن المعاهدة لم تحدد بشكل واضح وصريح ماهية الإجراء الذي يجب إتباعه كي يعتبر مثل هذا الشخص طالب لجوء، ما أتاح عمليا لكل دولة تحديد هذا الإجراء بنفسها.  وقد تولت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى العام 2009، بناء على طلب دولة إسرائيل، إدارة الإجراءات المرتبطة بتقديم طلبات الحصول على مكانة "لاجئ" في إسرائيل، وفي تموز 2009 نقلت معالجة الموضوع بأكمله إلى وحدة خاصة في وزارة الداخلية، تخضع لسلطة السكان والهجرة.  ومن ناحية عملية فإن إسرائيل لا تتفحص بصورة تفصيلية مكانة المتسللين، كإرتيريين أو سودانيين (والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المتسللين)، وإنما تمنحهم "حماية مؤقتة جماعية"، وتشكل هذه الحماية الجماعية تصريح مكوث مؤقت في إسرائيل، يجب تجديده مرة كل ثلاثة أشهر.  وتؤكد دولة إسرائيل في هذا السياق أيضا على كون الكثيرين من اللاجئين (المتسللين) هم رعايا دول معادية، وبناء عليه "تحتفظ لنفسها بالحق في عدم استيعابهم وعدم منحهم تأشيرة إقامة في إسرائيل".

 

ووفقا لمعطيات تضمنها تقرير مراقب الدولة للعام 2008، فقد وافقت السلطات الإسرائيلية طوال الفترة الممتدة من العام 2000 وحتى العام 2007، على 110 طلبات فقط للحصول على مكانة لاجئ في إسرائيل وذلك من مجموع 8377 طلبا قدمت لها.  ومنذ انتقال معالجة الموضوع بأكمله إلى سلطة السكان والهجرة في تموز 2009 وحتى العام 2012، تمت الموافقة على 22 طلب لجوء من بين آلاف الطلبات.

 

وقد وجهت كل من "جمعية حقوق المواطن" و"الجمعية من أجل مساعدة اللاجئين" في إسرائيل انتقادات للسياسة التي تتبعها الدولة في هذا المجال، وقالتا إن الإجراء التعميمي والفضفاض الذي تعرف بواسطته دول إسرائيل المتسللين بناء على بلدهم الأصلي، وليس بشكل ملموس، يعتبر إجراء مرفوضا، وأن استثناء (عدم استقبال أو قبول طلبات لجوء) متسللين بسبب كونهم رعايا دول معادية، يتناقض مع ما تنص  عليه معاهدة اللاجئين. وتشير العديد من المنظمات الحقوقية إلى عيوب وثغرات إضافية في الإجراء الذي تتبعه دولة إسرائيل في تعريف المتسللين، ومن ضمن ذلك مثلا عدم إعطائهم الحق في تقديم استئناف مستقل (فرديا). وتضيف هذه المنظمات أنه لو كانت إسرائيل تتبع إجراء سليما وقانونيا في هذا الصدد، لكان يتعين عليها تعريف الكثيرين من المتسللين كلاجئين، والعمل بمقتضى ذلك.

 

في المقابل يدعي كثيرون إن إتباع إجراء ملموس (فردي) كان من شأنه أن يبين بأن اكثرية المتسللين لا ينطبق عليها تعريف "لاجئ"، وإنما يجب رؤيتهم كمهاجري عمل لا يحق لهم الدخول إلى إسرائيل. 

 

وكانت مجموعة مقالات ودراسات تتناول مسألة "المتسللين" قد نشرت في كتاب تولى تحريره البروفسور أرنون سوفير وصدر في نهاية العام 2009 تحت عنوان "لاجئون أم مهاجرو عمل من دول إفريقيا".  أحد هذه المقالات كتبه د.  موشيه تردمان، الذي عمل من طرف قسم الأجانب في وزارة الداخلية، في استجواب متسللين من إفريقيا.  ويميز تردمان في مقاله بين اللاجئين من إريتريا واللاجئين من السودان، ويقول إن أسباب قدوم الإريتريين إلى إسرائيل متنوعة، ومنها الخشية من الاعتقال بسبب الانتماء للمعارضة، والفرار من الجيش على خلفية ظروف المعيشة الصعبة، والتطلع نحو مستقبل اقتصادي أفضل.  ويضيف تردمان أن مختلف هذه الأسباب يدل على أن الغالبية الساحقة من المتسللين من إرتيريا ليسوا لاجئين وإنما مهاجري عمل.  في المقابل عرضت د. تريشا رداكر- هفنر (خبيرة في شؤون إريتريا في منظمة العفو الدولية أمنستي) في "رسالة علنية لدولة إسرائيل" القمع السياسي وظروف المعيشة القاسية في الجيش الإريتري، كعوامل وأسباب تلزم إسرائيل بالاعتراف بالمتسللين الإريتريين كلاجئين.  وفيما يتعلق باللاجئين من السودان، تقول منظمات حقوق الانسان إن التقارير الدولية تظهر أن عددا من هؤلاء فروا من إقليم دارفور (غرب السودان) جراء تعرض السكان المدنيين في هذا الإقليم لاضطهاد وإبادة جماعية من قبل الحكومة السودانية والمجموعات المسلحة الموالية لها، وكذلك من جنوب السودان الذي تعرض سكانه، ولا سيما على خلفية دينية، لأعمال قمع وحشية من جانب الحكومة المركزية في الخرطوم، وعليه ينبغي تعريف "المتسللين السودانيين" في إسرائيل كلاجئين. 

 

ويتفق د. تردمان من جهته مع الطرح القائل إن "المتسللين" الذين يأتون من دارفور يجب اعتبارهم "لاجئين"، لكنه يقول إن قلائل فقط من هؤلاء فروا من دارفور جراء القتال وإن الكثيرين غادروا فعليا دارفور لأسباب اقتصادية قبل سنوات عديدة من نشوب النزاع في الإقليم (في العام 2003) وهاجروا إلى الخرطوم وإلى ليبيا ومناطق أخرى في السودان. 

 

وفيما يتعلق بالمتسللين من جنوب السودان، يقول تردمان إن قسما منهم هاجر لأسباب اقتصادية، فيما فر قسم آخر جراء الحرب بين جنوب وشمال السودان، لكن هذه الحرب انتهت في العام 2005.

 

وقد تعرض بحث (مقال) تردمان لانتقادات شديدة من جانب مجموعة أبحاث "لاجئون في إسرائيل"، التابعة لمعهد "فان لير"، والتي قالت في رسالة وجهتها لرؤساء جامعة حيفا (التي أصدرت مجموعة المقالات المذكورة آنفا) إن مجموعة المقالات التي حررها البروفسور أرنون سوفير تحفل بأكملها بفرضيات أساس وتعابير عنصرية وغير ديمقراطية، تشوه الواقع، وإن المنهج الذي إتبعه تردمان في بحثه، ليس أكاديميا، إذ أنه يعرض معطيات لا يمكن أن تنسب لها قيمة تجريبية (اختبارية) واضحة، كما أنها تتناقض مع أبحاث ودراسات أجرتها الأمم المتحدة حول الموضوع، والتي أشارت إلى أن أكثر من 90% من طالبي اللجوء في إسرائيل، هم لاجئون أو في ظروف تشبه ظروف اللاجئين. 

  

مبررات وحجج مع وضد استيعاب "المتسللين"

 

تطرح حجتان مركزيتان مؤيدتان لاستيعاب "المتسللين"في إسرائيل، إحداهما قانونية والأخرى أخلاقية. 

 

فيما يتعلق بالأولى، فقد استعرضنا آنفا بتوسع الخلافات القائمة بشأن المكانة القانونية للمتسللين وانعكاساتها على السياسة الملائمة من جانب إسرائيل. 

 

أما الحجة الأخلاقية فهي تتمحور حول الضائقة التي يعانيها المتسللون فيما إذا كانت تنطبق عليهم، أو لا تنطبق، المعايير المتعلقة بمكانة لاجئ.  وتسود في هذا السياق الحجة التي تذكر بالكارثة (المحرقة النازية) التي تعرض لها الشعب اليهودي ورفض الكثير من دول العالم استيعاب اليهود الذين طلبوا اللجوء إليها، وهي وقائع تلزم دولة إسرائيل من ناحية أخلاقية باستيعاب هؤلاء المتسللين.  في المقابل تطرح في السجال العام في إسرائيل (المتعلق بهذا الموضوع) إدعاءات وحجج مختلفة بشأن التأثيرات السلبية لازدياد أعداد المتسللين. 

 

وتستعرض المحامية عوفرا كلينغر في مقالها "الهجرة من إفريقيا إلى إسرائيل وتأثيرها على الأمن القومي"، أربع حجج مركزية في هذا الصدد:

1.       حجة أمنية:  تقول كلينغر إن دروب ومنافذ دخول المتسللين (إلى إسرائيل) معروفة للمنظمات الإرهابية أيضا، وأن التجربة العالمية أثبتت وجود علاقة بين الهجرة وبين الضلوع في الإرهاب.  وتضيف أن حقيقة كون نسبة كبيرة من المتسللين إلى إسرائيل هم مسلمون، وأن قسما منها يأتون مرورا بدول معادية، تعزز المخاوف من إمكان ضلوع المتسللين في أعمال إرهابية ضد إسرائيل. في المقابل، تقول مصادر جمعية حقوق المواطن في إسرائيل إن جميع "المتسللين" الذين ينطبق عليهم القانون هم طالبوا لجوء أو مهاجرو عمل لا يشكلون مصدر خطر أمني.

2.       حجة اجتماعية:  تدعي كلينغر في مقالها أن نسبة الجريمة في صفوف "المتسللين" مرتفعة، وكدليل على ذلك تسوق معطيات تشير إلى ارتفاع ملموس في مستوى الجريمة والعنف في مدينة إيلات التي تتواجد فيها مجموعة كبيرة من "المتسللين".  في المقابل، ذكر تقرير صدر في شهر تشرين الأول 2012 من مركز البحوث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي، ويتناول معطيات حول الجريمة في صفوف المتسللين في مدن تل أبيب وإيلات وعراد أنه "يستدل من معطيات الشرطة بأن الاتهامات التي تتردد في النقاش العام حول تصاعد أعمال الإجرام في أعقاب ازدياد أعداد المتسللين وطالبي اللجوء في إسرائيل، ليس لها أي أساس واقعي".  وأوضح التقرير أنه "في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة مجموعة المتسللين وطالبي اللجوء حوالي 4% من إجمالي عموم السكان، فقد بلغت نسبة الملفات التي فتحت ضد متسللين وطالبي لجوء 72ر0% فقط من إجمالي الملفات".  غير أن مراسل موقع "ميداه" عكيفا بيغمان نقل عن خبراء في علم الإجرام قولهم إنه لا يمكن الاستنتاج فقط من عدد الملفات بشأن نسبة الجريمة في صفوف السكان بشكل عام وفي صفوف "المتسللين" بشكل خاص.  وأضاف بيغمان أن مخالفات كثيرة تقع داخل مجتمع الأجانب (المتسللين) ذاته، لا يتم الإبلاغ عنها، فضلا عن أن تقرير مركز أبحاث ومعلومات الكنيست، لا يتطرق إلى أنواع المخالفات المختلفة والفوارق بينها. وأردف بيغمان قائلا إن مخالفات العنف القاسية منتشرة أكثر في صفوف "المتسللين" بالذات.  وفي هذا السياق ذكر تقرير صادر عن "جمعية ايتان – المركز لسياسة الهجرة الإسرائيلية" أن "نسبة حوادث القتل في صفوف المتسللين مقارنة بعموم السكان، أكبر بـ 883% من وزنهم النسبي بين مجموع السكان"، وفيما يتعلق بمخالفات الجنس (حوادث الاغتصاب والاعتداءات الجنسية) فإن "نسبة الملفات التي تفتح ضد متسللين مقارنة بمجموع الملفات، أكبر بـ 350% من وزنهم النسبي بين مجمل السكان".

 

غير أن هذه المعطيات تستند على فترة قصيرة جدا، وبما أن الحديث يدور على مجموعة سكانية صغيرة نسبيا، فإن أي حادث قتل أو جنحة جنسية يؤدي إلى حركة إحصائية مرتفعة جدا، مما يمس بمصداقية المعطيات.  بالإضافة إلى ذلك، فقد كان القتلى في الغالبية الساحقة من حوادث القتل التي تورط فيها متسللون، هم من المتسللين أنفسهم، ومن هنا لا يمكن أن ينسب لارتفاع نسبة حوادث القتل في صفوف المتسللين، تأثير سلبي على مجتمع المواطنين المحلي (الإسرائيلي).  كذلك فقد أكد تقرير مراقب الدولة الذي نشر في أيار 2014، على وجود قيود ملموسة في عملية تفحص الموضوع، بقوله : "بسبب قيود المعطيات، سواء التي تجمعها الشرطة أو سلطة السكان والهجرة، فإنه لا يمكن الجزم بدرجة كافية من اليقين فيما إذا كان عدد الملفات التي فتحتها الشرطة ضد أجانب يعتبر كبيرا، إذا ما أخذ في الحسبان وزن هذه المجموعة – الأجانب – في البلاد".

3.       حجة طبية:  تدعي كلينغر في مقالها إن قسما من المتسللين مصابون بأمراض معدية كالسل والإيدز، مشيرة إلى حالات انتقلت فيها عدوى مرض السل إلى سجانين في إسرائيل، وموظفين تابعين للأمم المتحدة، وتقول إن إحدى المشاكل الرئيسة في هذا السياق تكمن في الحالات التي لا يتم فيها ضبط أو اعتقال المتسللين وبالتالي لا يمكن معرفة من هم المرضى بينهم، وبأي مرض مصابون، نظرا لعدم خضوعهم لفحوصات طبية.  ومن ناحية عملية فإن معطيات صادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية في آذار 2012، تشير إلى أن 3% من مرضى السل المشخصين في إسرائيل و 17% من المصابين (المشخصين) بمرض الإيدز، هم مهاجرو عمل غير مواطنين، غير أن المسؤولين في زارة الصحة يقولون إن الأرقام الحقيقية يمكن أن تكون أعلى بكثير نظرا لوجود كمية لا يستهان بها من المتسللين الذين لا توجد تسجيلات أو كشوفات بشأنهم، مع ذلك فقد أكدت المصادر ذاتها إن أقلية بسيطة من المتسللين (الذين يخضعون لفحوصات طبية) مصابة بأمراض معدية، وأن إمكانية انتقال عدوى هذه الأمراض ضئيلة جدا.

4.       حجة ديمغرافية:  تقول كلينغر في هذا الصدد، إن النسيج الاجتماعي الخاص في إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي تحتوي داخلها على أقلية عربية كبيرة، يشكل حجة تبرر رفض إسرائيل استيعاب هجرة الأجانب و"المتسللين"، وذلك من أجل المحافظة على الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة.  بالإضافة إلى ذلك، يطرح البروفسور أرنون سوفير في هذا السياق أيضا الإدعاء بأن الكثير من منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، هي منظمات "ما بعد صهيونية"، تستغل موضوع المتسللين الأفارقة من أجل المس بالطابع اليهودي – الصهيوني لدولة إسرائيل.

(للبحث صلة)  

 

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, الصهيونية, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات