خلال الـ 26 شهرا الماضية عانت دولة إسرائيل من العنف، والاختناق الاقتصادي. وطلب رئيس الوزراء أرئيل شارون معونة عسكرية واقتصادية جديدة من الولايات المتحدة بمبلغ 12 بليون دولار لمساعدتها في مواجهة متاعب البلاد. إلا أنه غير مستعد للنظر في وقف تدفق الأموال التي تنفق بسخاء على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة. وهي سياسة تبعثر ثروات إسرائيل، وتضعفها عسكريا، وتهدد مستقبل إسرائيل باعتبارها دولة ديموقراطية.وتؤيد حركة "السلام اليوم" الأمريكية منح إسرائيل المعونة المطلوبة باعتبارها ضرورية لتعزيز الدفاع الإسرائيلي في جيرة معادية، وتساعد على تنمية اقتصادها. بيد أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقيقة في إظهار إنشغالها على مستقبل إسرائيل وجب عليها الأصرار على شروط في منح المعونة ترغم إسرائيل على عكس سياستها الاستيطانية.
لا يشك أحد في أن الاقتصاد الإسرائيلي تلقي ضربات مؤلمة خلال السنوات القليلة الماضية، فالقلق سائد، الاستثمارات شحيحة والفقر يتفاقم. وقد اسهمت الانتفاضة، والركود الاقتصادي العالمي، وتدهور الصناعة التقنية، في التدهور المالي لإسرائيل. أضف إلى هذا أن إسرائيل أرغمت على انفاق المزيد من الأموال على الاحتياجات الأمنية للرد على هجمات الانتحاريين، والاستعداد لعواقب الحرب المحتملة على العراق بقيادة الولايات المتحدة.
لكل هذه الأسباب يجب منح إسرائيل معونة إضافية، والموافقة على طلبها بالحصول على ضمانات لقرض، لكن يجب أن تشترط الولايات المتحدة أن توقف إسرائيل نهائيا أي توسع في المستوطنات مما يساعد على إيجاد طريقة سياسية للخروج من أزمتها الاقتصادية، وإلا ساعدت المعونة الإضافية على مزيد من التورط في الأراضي المحتلة مما يفاقم متاعبها العسكرية والمالية.
وتحديدًا، قبل منح إسرائيل ضمانات للاقتراض، يجب حملها على التأكيد أنه لا ينفق شئ من القروض على المستوطنات في الضفة الغربية وغزة، ويجب فرض تجميد فوري على التوسع في هذه المستوطنات بما في ذلك ما يسمي النمو الطبيعي، وأن تفكك المستوطنات التي أنشئت مؤخرا في الضفة الغربية وغزة خلال 90 يوما من وقت تقديم الدفعة الأولى من المعونة الاقتصادية. علاوة على هذا يجب خصم كل ما ينفق على الاحتياجات الأمنية. وأخيرا يجب وضع 20% من المعونة والقروض جانبا، وتمنح فقط عند بدء إنشاء مساكن للمستوطنين الذين يرغبون في العودة إلى إسرائيل، وترك المستوطنات.
لماذا التركيز على المستوطنات الآن ؟
في حين انتقل بعض الإسرائيليين إلى المستوطنات لأسباب عقائدية أو دينية، الا ان الأغلبية سكنت المستوطنات التي تتوافر فيها حياة أفضل وأرخص، وسوف يعودون إلى إسرائيل إذا قدمت لهم تعويضات مناسبة. وما تنفقه الحكومة من أموال على الدعم الذي يقدم للمستوطنين، وإنشاء الطرق الإضافية التي تغنيهم عن استخدام الطرق القديمة التي تمر بالمناطق المسكونة يمكن أن ينفق للوفاء بالاحتياجات الضرورية، ولن تكون إسرائيل في حاجة إلى معونة أو قروض جديدة.
أضف إلى هذا تشكل المستوطنات عقبة أمنية لإسرائيل، تلزمها الدفاع عن مواطنيها حيثما كانوا حتى في الضفة الغربية وغزة. ونتيجة لهذا أصبح الجنود الإسرائيليون الذين أرسلوا إلى المستوطنات هدفا سهلا لهجمات الانتحاريين الفلسطينيين تاركين سكان إسرائيل نفسها للهجمات، فلا غرابة أن تجد أن 62% من الإسرائيليين مستعدون لأخلاء المستوطنات كجزء من اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وأخيرا فإن نمو المستوطنات يزيد من الصعوبة التي تواجه إسرائيل عند التفكير من الخروج من الأراضي المحتلة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. وإذا وضعنا في الاعتبار الاتجاهات السكانية الحالية فعما قريب يصبح الإسرائيليون اقليه في المنطقة الضيقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض. وما لم تجد إسرائيل طريقة لترك الضفة الغربية وغزة فسوف تكف عن أن تكون دولة يهودية، كما ستجد من المستحيل أن تحتفظ بنظامها الديمقراطي باعتبارها أقلية تسيطر على شعب آخر.
لأكثر من 25 سنة اعتبرت كل إدارة أمريكية المستوطنات على أنها عقبة في طريق السلام. وفرض الرئيس بوش الأب شروطا على منح إسرائيل ضمانات للقروص شبيهة بالضمانات التي نطلبها اليوم، ولا يجب أن يفعل بوش الابن أقل مما فعله بوش الأب خاصة وقد أكد رغبته في أن يرى دولة إسرائيلية تعيش في سلام وأمن إلى جوار دولة فلسطينية خلال أعوام قليلة.
(واشنطن بوست)
الكاتبة رئيسة حركة السلام اليوم الأمريكية