كتب محمد دراغمة:
لم يكن مفاجئاً اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي والمتحدثين باسمه للرئيس عرفات بالمسؤولية عن العملية التفجيرية في القدس (الاحد 18 ايار)، فمنذ وصوله لمنصبه هذا، وضع شارون عرفات عنواناً وهدفاً دائمين لحربه المتواصلة، دونما توقف، على الفلسطينيين.
حسب ما رأيناه منذ منتصف الأسبوع الفائت ولعدة أيام، يمكن توقّع خبر مجلجل بعد فترة: جهاز الأمن الاسرائيلي أقام وحدة جديدة في صفوفه وقد تلقّت تدريباتها في شركة إنتاج هوليوودية. وباتت تتقن كافة خبرات الاثارة وصناعتها بل واثارة الاثارة نفسها.
بعد تفجيرات الدار البيضاء من الاسبوع الماضي، عادت قضية يهود المغرب الى العناوين الرئيسية في اسرائيل اساساً، حيث لا يزال حوالي 3،000 يهودي يعيشون هناك، غالبيتهم الساحقة في مدينة الدار البيضاء (كازابلانكا)، الشريان الاقتصادي - التجاري - المالي في الدولة. هذا العدد يعادل 1% فقط من عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في المغرب حتى سنوات الستين. ومع ذلك، فالحديث هنا هو عن الجالية اليهودية الأقوى - من حيث ثرائها وعلاقاتها مع النظام - في العالم الاسلامي.
يمكن، بالطبع، غسل الكلمات وتلطيفها، ولكن لماذا، حقا، لا نسمي المولود باسمه، خاصة وان هذا المولود لم يعد ولدا ويجرجر الصفة نفسها من مرحلة صباه. ما العمل، الأمر ليس لطيفًا، لكن رغما عنا علينا الاعتراف - لدينا رئيس حكومة كذّاب. صحيح اننا اردنا التصديق، اكثر من مرة، بأن ارئيل شارون يمر بمرحلة فطام من ميزة الكذب التي علقت به قبل سنوات عديدة، منذ ايام بن غوريون، لكن لا علامات تدل على هذا، حتى الساعة.قبل نحو شهر، فاجأ رئيس حكومتنا - مرة أخرى - حين قال لآري شفيط في مقابلة مع "هآرتس"، انه سيكون مستعدا لاخلاء مستوطنات في اطار "التنازلات المؤلمة" الشهيرة، حتى انه حدد بالاسم "بيت ايل"، "شيلو" و "بيت لحم". وسائل الاعلام المنفعلة انقضت - مرة أخرى - على هذا التصريح كأنما اكتشفت غنيمة كبيرة، فأشغلتنا بالسؤال السرمدي حول ما يقصده شارون حقا.
نشرت، في نهاية الاسبوع، معطيات مذهلة من نتائج بحث حول اوضاع الدمقراطية الاسرائيلية ومدى التزام الجمهور بقيمها. يتضح، منها، ان في اسرائيل دمقراطية رسمية فقط، وان هبوطا جديا قد طرأ في تماثل الجمهور مع مكونات الكينونة الدمقراطية.في اليوم اذي نشرت فيه وسائل الاعلام عن نتائج البحث، نشرت ايضا تفاصيل عن الشبهات الموجهة الى الحركة الاسلامية، وعن نية الوزير تساحي هنغبي اعادة فتح "جبل الهيكل" ( الحرم القدسي الشريف - المحرر) أمام الزائرين اليهود، وعرضت تقديرات حول لقائي ارئيل شارون المرتقبين مع محمود عباس (ابو مازن) ومع جورج بوش. جسدت هذه الأنباء، التي بدت كأنها عادية، الظواهر التي اشار اليها البحث ودلت على مصادرها.
كان الهدف من نشر «خريطة الطريق» بعد التشكيل الأخير للحكومة الفلسطينية الجديدة، إحياء عملية السلام وانتشال النزاع مع الفلسطينيين من طريقه المسدود. وهذه بحد ذاتها خطوة إيجابية، لكن الوثيقة بمفردها لا تتضمن قوة الدفع المطلوبة. فقد وضعت الخريطة بهدف تحديد السبل التي يمكن للطرفين أن يسلكاها، لكنها لا تستطيع أن تكون بديلة لقوة الدفع المطلوبة لبدء المشوار.ومن أجل تجنب احتضار «خريطة الطريق» قبل حتى تهيئة الفرصة لها لكي تمضي قدما بعملية السلام، يحتاج الطرفان للإعلان رسميا عن قبولها من حيث المبدأ.
الصفحة 68 من 119